الجمعة، 21 نوفمبر 2014

الاسلام أصوله ومبادئه – حقيقة النبوة - د. محمد بن عبدالله بن صالح السحيم

حقيقة النبوة
إن أعظم ما يجب على الإنسان أن يعلمه في هذه الحياة؛ معرفة ربه الذي أوجده من عدم، وأسبغ عليه النعم، وإن أعظم غاية خلق الله الخلق لأجلها هي عبادته وحده سبحانه.
ولكن كيف يعرف الإنسان ربه حق معرفته؟ وما يجب له من الحقوق والواجبات وكيف يعبد ربه؟ إن الإنسان يجد من يعينه على نوائب دهره، ويقضى له مصالحه من علاج مرض، وتقديم دواء، وإعانة على بناء مسكن وما شابه ذلك.. ولكنه لن يجد في سائر الناس من يعرّفه بربه، ويبين له كيف يعبد ربه؛ لأن العقول لا يمكن أن تستقل بمعرفة مراد الله منها؛ إذ العقل البشري أضعف من أن يدرك مراد بشر مثله قبل أن  يخبره بمراده، فكيف بمعرفة مراد الله، ولأن هذه المهمة مقصورة على الرسل والأنبياء الذين يصطفيهم الله لإبلاغ الرسالة وعلى من بعدهم من أئمة الهدى، ورثة الأنبياء، الذين يحملون منهاجهم، ويقتفون آثارهم، ويبلغون عنهم رسالتهم؛ لأن البشر لا يمكن أن يتلقوا عن الله مباشرة، وهم لا يستطيعون ذلك، قال تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم} ([1])، فلابد من واسطة وسفير يبلغ عن الله شرعه إلى عباده، وهؤلاء السفراء والوسطاء هم الرسل والأنبياء، فيحمل الملك رسالة الله إلى النبي، فيبلغها الرسول إلى الناس، ولايحمل الملك الرسالات إلى الناس مباشرة؛ لأن عالم الملائكة يختلف عن عالم الناس في طبيعته، قال تعالى: {الله يصطفى من الملائكة رسلاً ومن الناس} ([2]).
وقد اقتضت حكمته سبحانه أن يكون الرسول من جنس المرسل إليهم؛ ليفقهوا عنه، ويفهموا منه لتَمَكُنِهم من مخاطبته ومكالمته ، ولو بعث الرسول من الملائكة لما استطاعوا مواجهته ولا الأخذ عنه ([3])، وقال تعالى: {وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر ثم لا ينظرون. ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً وللبسنا عليهم ما يلبسون}([4])، وقال سبحانه: {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق.. إلى أن قال: وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتو عتواً كبيراً}([5]).
قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم} ([6])، وقال تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم} ([7])، ويتصف هؤلاء الرسل والأنبياء  بكمال العقل، وسلامة الفطرة، والصدق في القول والعمل، والأمانة في تبليغ ما عُهِد إليهم، والعصمة من كل ما يشوه السيرة البشرية، وسلامة الأبدان مما تنبو عنه الأبصار، وتنفر منه الأذواق السليمة ([8])، وقد زكاهم الله في أنفسهم وأخلاقهم، فهم أكمل الناس خلقاً، وأزكاهم أنفساً، وأكرمهم يداً، جمع الله لهم مكارم الأخلاق، ومحاسن الشيم، كما جمع لهم الحلم والعلم، والسماحة والكرم والجود، والشجاعة والعدل.. حتى تميزوا في هذه الأخلاق بين أقوامهم، فهؤلاء قوم صالح يقولون له -كما أخبر الله عنهم-: {قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوّاً قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا} ([9])، وقال قوم شعيب لشعيب: {أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد} ([10])، واشتهر محمد صلى الله عليه وسلم في قومه بلقب "الأمين" قبل أن تتنزل عليه الرسالة ووصفه ربه بقوله: {وإنك لعلى خلق عظيم} ([11]).
فهم خيرة الله من خلقه، اصطفاهم واختارهم لحمل الرسالة وتبليغ الأمانة قال تعالى: {الله أعلم حيث يجعل رسالته} ([12])، وقال تعالى: {إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين} ([13]).
وهؤلاء الرسل والأنبياء وعلى الرغم مما وصفهم الله به من صفات سامية، وعلى الرغم مما اشتهروا به من صفات عالية؛ إلا أنهم بشر يعتريهم ما يعتري سائر البشر فهم يجوعون ويمرضون وينامون ويأكلون ويتزوجون ويموتون قال تعالى: {إنك ميت وإنهم ميتون}([14])، وقال تعالى: {ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاًوذرية} ([15])، بل ربما اضطهدوا أو قتلوا أو أخرجوا من ديارهم قال تعالى: {وإذ  يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} ([16])، ولكن العاقبة والنصر  والتمكين لهم في الدنيا والآخرة: {ولينصرن الله من ينصره} ([17]). وقال سبحانه: {كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز} ([18]).




([1]) سورة الشورى، الآية 51 .
([2]) سورة الحج، الآية 75.
([3]) تفسير القرآن العظيم، تأليف أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي جـ3، ص 64.
([4]) سورة الأنعام، الآيتان 8،9.
([5]) سورة الفرقان، الآيتان 20،21.
([6]) سورة النحل، الآية 43.
([7]) سورة إبرهيم، الآية 4.
([8]) انظر لوامع الأنوار البهية، ج2، ص265-305، والإسلام، تأليف أحمد شلبي، ص 114.
([9]) سورة هود، الآية 62.
([10]) سورة هود، الآية 87.
([11]) سورة القلم ، الأية 4.
([12]) سورة الأنعام، الآية 124.
([13]) سورة آل عمران، الآية 33.
([14]) سورة الزمر، الآية 30.
([15]) سورة الرعد، الآية 38.
([16]) سورة الأنفال، الآية 30.
([17]) سورة الحج، الآية 40.
([18]) سورة المجادلة، الآية 21. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق