السبت، 22 نوفمبر 2014

عاقبة من لم يلتزم بالإسلام : من كتاب الإسلام أصوله ومبادئه - د . محمد بن عبدالله بن صالح السحيم

عاقبة من لم يلتزم بالإسلام

من كتاب
الإسلام أصوله ومبادئه
د . محمد بن عبدالله بن صالح السحيم

كما تبين لك في هذا الكتاب أن الإسلام هو دين الله، وهو الدين الحق، وهو الدين الذي جاء به جميع الأنبياء والمرسلين، وقد رتب الله الأجر العظيم في الدنيا والآخرة لمن آمن به، وتوعد بالعذاب الشديد من كفر به.
وبما أن الله هو الخالق المالك المتصرف في هذا الكون، وأنت أيها الإنسان خلق من خلقه، خلقك وسخر لك جميع ما في الكون، وشرع لك شرعه، وأَمَرَكَ باتباعه؛ فإن آمنت وأطعت ما أمرك به، وانتهيت عما نهاك عنه؛ فزت بما وعدك الله به في الدار الآخرة من النعيم المقيم، وسعدت في الدنيا بما يمن عليك من أصناف النعم، وكنت متشبهاً بأكمل الخلق عقلاً، وأزكاهم نفوساً، وهم الأنبياء والمرسلون والصالحون والملائكة المقربون.
وإن كفرت وعصيت ربك؛ خسرت دنياك وآخراك، وتعرضت لمقته وعذابه في الدنيا والآخرة، وكنت متشبهاً بأخبث الخلق، وانقصهم عقولاً، وأحطهم نفوساً من الشياطين والظلمة والمفسدين الطواغيت، هذا على سبيل الإجمال.
وسأبين لك شيئاً من عواقب الكفر على وجه التفصيل وهي:
1 - الخوف وعدم الأمن :
وعد الله الذين آمنوا به واتبعوا رسله بالأمن التام في الحياة الدنيا وفي الآخرة، قال تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}([1])، والله هو المؤمن والمهيمن، وهو المالك لجميع ما في الكون، فإذا أحب عبداً لإيمانه منحه الأمن والسكينة والطمأنينة، وإذا كفر به المرء سلبه طمأنينته وأمنه، فلا تراه إلا خائفاً من مصيره في الدار الآخرة وخائفاً على نفسه من الآفات والأمراض، وخائفاً على مستقبله في الدنيا؛ ولذا يقوم سوق التأمين على النفس وعلى الممتلكات؛ لعدم الأمن، ولعدم التوكل على الله.
2 - المعيشة الضنك :
خلق الله الإنسان، وسخر له جميع ما في الكون، وقسم لكل مخلوق حظه من الرزق والعمر، فأنت ترى الطير يغدو من عشه ليجد رزقه فيلتقطه، وينتقل من غصن إلى غصن، ويتغنى بأعذب الألحان، والإنسان مخلوق من هذه المخلوقات التي قسم لها رزقها وأجلها، فإن آمن بربه، واستقام على شرعه، منحه السعادة والاستقرار، ويسر له أمره، وإن لم تتوفر له إلا أدنى مقومات الحياة.
وإن كفر بربه، واستكبر عن عبادته؛ جعل حياته ضنكاً، وجمع عليه الهموم والغموم، وإن ملك جميع وسائل الراحة، وأصناف المتاع. ألست ترى كثرة المنتحرين في الدول التي كفلت لأفرادها جميع وسائل الرفاهية؟ ألست ترى الإسراف في أصناف الأثاث وأنواع الأسفار من أجل الاستمتاع بالحياة؟ إن الذي يدفع إلى الإسراف في ذلك هو خلو القلب من الإيمان والشعور بالضيق والضنك، ومحاولة تبديد هذا القلق بوسائل متغيرة ومتجددة، وصدق الله حيث يقول: {ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى}([2]).
3 - أنه يعيش في صراع مع نفسه ومع الكون من حوله :
ذلك أن نفسه فطرت على التوحيد قال تعالى: {فطرة الله التي فطر الناس عليها}([3])، وجسده استسلم لخالقه، وسار على نظامه، فأبى الكافر إلا أن يناقض فطرته، ويعيش في أموره الاختيارية معارضاً لأمر ربه، فلأن كان جسده مستسلماً، فإن اختياره معارضاً.
وهو في صراع مع الكون من حوله؛ ذلك لأن هذا الكون كله من أكبر مجراته إلى أصغر حشراته يسير على التقدير الذي شرعه له ربه، قال تعالى: {ثم استوى إلى  السماء وهي دخان فقال لها وللأرض أئتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين}([4])، بل هذا الكون يحب من وافقه في استسلامه لله، ويكره من خالفه، والكافر هو النشاز في هذا الخلق حيث نصب نفسه معارضاً لربه مظاهراً عليه؛ ولذا حق للسموات والأرض وسائر المخلوقات أن تبغضه وتبغض كفره وإلحاده قال تعالى: {وقالوا اتخذ الرحمن ولداً. لقد جئتم شيئاً إداً. تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً. أن دعوا للرحمن ولداً. وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً. إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً}([5])، وقال سبحانه عن فرعون وجنده: {فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين}([6]).
4 - أنه يعيش جاهلاً :
إذ الكفر هو الجهل، بل هو أعظم الجهل؛ لأن الكافر يجهل ربه، يشاهد هذا الكون الذي خلقه ربه فأبدعه، ويرى من نفسه عظيم الصنعة، وجليل الخلقة، ثم يجهل من خلق هذا الكون، ومن ركب نفسه، أليس هذا أعظم الجهل؟؟
5 - أن يعيش ظالماً لنفسه، ظالماً لمن حوله :
لأنه سخر نفسه لغير ما خلقت له، ولم يعبد ربه، بل عبد غيره، والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، وأي ظلم أعظم من توجيه العبادة لغير مستحقها، وقد قال لقمان الحكيم مبيناً شناعة الشرك: {يابني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم}([7]).
وهو ظلم لمن حوله من البشر والمخلوقات؛ لأنه لا يعرف لذي حق حقه، فإذا كان يوم القيامة قام في وجهه كل من ظلمه من إنسان أو حيوان يطلب من ربه أن يقتص له منه.
6 - أنه عرّض نفسه لمقت الله وغضبه في الدنيا :
فيكون عرضة لأن تنزل به المصائب، وتحل به الكوارث؛ عقوبة عاجلة قال جل ثناؤه: {أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أويأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون. أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين. أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرؤوف رحيم}([8])، وقال سبحانه: {ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريباً من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد}([9])، وقال عز من قال: {أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون}([10])، وهذا شأن كل من أعرض عن ذكر الله،  قال تعالى مخبراً عن عقوبات الأمم الماضية الكافرة: {فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}([11])، وكما ترى مصائب من حولك ممن حلت به عقوبة الله ونكاله.
7 - أن تكتب له الخيبة والخسران :
فبسبب ظلمه خسر أعظم ما تتمتع به القلوب والأرواح، وهو معرفة الله والأنس بمناجاته، والسكينة إليه، وخسر الدنيا لأنه عاش فيها حياة بائسة حائرة، وخسر نفسه التي كان يجمع من أجلها؛ لأنه لم يسخرها لما خلقت له، ولم يسعد بها في الدنيا؛ لأنها عاشت شقية، وماتت شقية، وستبعث مع الأشقياء قال تعالى: {ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم}([12])، وخسر أهله؛ لأنه عاش معهم على الكفر بالله، فهم مثله في الشقاء والضنك سواء، ومصيرهم إلى النار، قال تعالى: {إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة}([13])، ويوم القيامة يحشرون إلى النار، وبئس القرار، قال تعالى: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وماكانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم}([14]).
8 - أنه يعيش كافراً بربه جاحداً لنعمه :
فإن الله أوجده من عدم، وأسبغ عليه جميع النعم، فيعبد غيره، ويوالي سواه، ويشكر من دونه... فأي جحود أعظم من هذا؟ وأي نكران أشنع من هذا؟
9 - أنه يُحرم الحياة الحقيقية :
ذلك إن الإنسان الجدير بالحياة هو الذي آمن بربه، وعرف غايته، وتبين مصيره، وأيقن بمبعثه، فعرف لكل ذي حق حقه، فلا يغمط حقاً، ولا يؤذي مخلوقاً، فعاش عيشة السعداء، ونال الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة قال تعالى: {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة}([15])، وفي الآخرة: {مساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم}([16]).
أما من عاش في هذه الحياة عيشة شبيهة بحياة البهائم، فلا يعرف ربه، ولا يدري ما غايته، ولا يعلم أين مصيره؟ بل غايته أن يأكل ويشرب وينام.. فأي فرق بينه وبين سائر الحيوانات بل هو أضل منها قال جل ثناؤه: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون}([17])، وقال عز من قال: {أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً}([18]).
10- أنه يخلد في العذاب :
ذلك أن الكافر ينتقل من عذاب إلى عذاب فهو يخرج من الدنيا -وقد تجرع غصصها ومصائبها- إلى الدار الآخرة، وفي أول مرحلة منها تنزل به ملائكة الموت تسبقها ملائكة العذاب لتذيقه من العذاب ما يستحقه قال تعالى: {ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوهم وأدبارهم}([19])، ثم إذا خرجت روحه ونزل في قبره لقي من العذاب أشده قال تعالى مخبراً عن آل فرعون: {النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب}([20])، ثم إذا كان يوم القيامة وبعثت الخلائق، وعرضت الأعمال، ورأى الكافر أن الله قد أحصى عليه جميع أعماله في ذلك الكتاب الذي قال الله عنه: {ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ولتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها}([21])، هناك يود الكافر لو كان تراباً {يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً}([22]).
ولشدة هول الموقف فإن الإنسان لو كان يملك جميع ما في الأرض لافتدى به من عذاب ذلك اليوم قال تعالى: {ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به}([23])، وقال تعالى: {يود المجرم لو يفتدي من عذاب يؤمئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه. ومن في الأرض جميعاً ثم ينجيه}([24]).
ولأن تلك الدار دار جزاء وليست دار أماني فلا بد أن يلقى الإنسان جزاء عمله إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. وشر ما يلقى الكافر في الدار الآخرة عذاب النار، وقد نوّع الله على أهلها أصناف العذاب ليذقوا وبال أمرهم فقال تعالى: {هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون يطوفون بينها وبين حميم آن}([25])، وقال مخبراً عن شرابهم وملابسهم: {فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب 3من فوق رؤوسهم الحميم. يصهر به ما في بطونهم والجلود. ولهم مقامع من حديد}([26]).




([1]) سورة الأنعام، الآية 82.
([2]) سورة طه، الآية 124.
([3]) سورة الروم، الآية 30.
([4]) سورة فصلت، الآية 11.
([5]) سورة مريم، الآيات 88،93.
([6]) سورة الدخان، الآية 29.
([7]) سورة لقمان الآية 13.
([8]) سورة النحل الآيات 45-47.
([9]) سورة الرعد الآية 31.
([10]) سورة الأعراف الآية 98.
([11]) سورة العنكبوت الآية 40.
([12]) سورة الأعراف الآية 9.
([13]) سورة الزمر، الآية 15، وسورة الشورى الآية 45.
([14]) سورة الصافات الآيتان 22،23.
([15]) سورة النحل، الآية 97.
([16]) سورة الصف، الآية 12
([17]) سورة الأعراف، الآية 179.
([18]) سورة الفرقان، الآية 44.
([19]) سورة الأنفال، الآية 50.
([20]) سورة غافر، الآية 46.
([21]) سورة الكهف، الآية 49.
([22]) سورة النبأ، الآية 40.
([23]) سورة الزمر، الآية 47.
([24]) سورة المعارج، الآيات 11-14.
([25]) سورة الرحمن، الآيتان 43-44
([26]) سورة الحج، الآيات 19-21.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق