الخميس، 20 نوفمبر 2014

الباب الثاني - في الحدود – الكتاب الرابع : السرقة – المبحث الأول : أركان السرقة – الركن الرابع : القصد الجنائي - من كتاب التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي - الجزء الثاني / د . عبد القادر عودة


الباب الثاني
في الحدود

كتاب التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي

 الجزء الثاني  

الدكتور عبد القادر عودة


الكتاب الرابع
السرقة

المبحث الأول
أركان السرقة

الركن الرابع: القصد الجنائي

616- لا يعتبر الأخذ خفية سرقة إلا إذا توفر لدى الآخذ القصد الجنائى: ويتوفر القصد الجنائى متى أخذ الجانى الشيء وهو عالم أن أخذه محرم, وما دام أنه يأخذه بقصد أن يتملكه لنفسه دون علم المجنى عليه ودون رضاه. فمن يأخذ شيئًا على اعتقاد أنه مباح أو متروك فلا عقاب عليه لانعدام القصد الجنائي, ولأنه أخذ ما ظنه مباح الأخذ, ومن أخذ شيئًا دون أن يقصد تملكه كأن أخذه ليطلع عليه أو ليستعمله ويرده أو أخذه على سبيل الدعابة, أو أخذ شيئًا وهو يعتقد أن المجنى عليه موافق على أخذه, كل أولئك لا يعتبر أحدهم سارقًا لانعدام القصد الجنائى.
ويجب أن يؤخذ الشيء بنية تملكه, فمن يأخذ شيئًا لغيره ويعدمه مكانه لا يعد سارقًا, وإنما هو متلف للشيء. وكذلك الحكم لو استهلك الشيء فى محله كطعام أكله أو شراب شربه أو طيب تطيب به, فإن خرج بالشيء من حرزه ثم أتلفه أو استهلكه خارج الحرز فهو سارق لا متلف, وهذا رأى جمهور الفقهاء. إلا أن الظاهريين يرون استهلاك الشيء فى الحرز سرقة لا إتلافًا, لأنهم لا يعتبرون الحرز, ولأنهم يرون السرقة تامة بمجرد وضع يد المتهم على الشيء المسروق وضعًا ماديًا.
ومن يأخذ شيئًا مملوكًا له لا عقاب عليه, لأنه لا يمكن أن يقال إنه أخذ الشيء بقصد تملكه إذ هو ملكه, فلا يعد سارقًا المؤجر الذى يأخذ العين التى
(2/608)

أجرها, ولا المعير ولا المودع إذا أخذ العين التى أعارها أو أودعها, ولا يعد سارقًا من يتصرف فى الشيء تصرف الوكيل ولو لم يوكل فى هذا التصرف لأنه لم يأخذه بقصد تملكه, كالشريك الذى يبيع العين المشتركة بغير أن يقصد الاستئثار بنصيب شريكه, والدائن الذى يأخذ شيئًا لمدينه لا يقصد تملكه وإنما يقصد حبسه تحت يده حتى يسدد له دينه لا يعتبر سارقًا, لأنه لم يقصد تملك الشيء. أما إذا أخذه وهو يقصد تملكه سدادًا لدَيْنه فحكمه ما تقدم عند الكلام عن أخذ مال المدين.
ومن أخذ شيئًا متنازعًا على ملكيته لا يعد سارقًا متى ثبت أنه المالك له حقًا, فإذا لم تثبت له الملكية فالعبرة بجدية النزاع وبقصد الجاني, فإن كان النزاع جديًا أو كان قد أخذه وهو يعتقد أنه مالك له, فالقصد الجنائى غير متوفر.
ولا يكفى القصد الجنائى مع الأخذ خفية لعقاب الأخذ, فهناك حالات تتوفر فيها كل أركان السرقة ومع ذلك فلا يعاقب الآخذ إطلاقًا, أو يعاقب بالتعزير دون القطع. فمن أخذ مال حربى أو مال باغٍ بقصد تملكه فلا يعتبر سارقًا ولا عقوبة عليه؛ لأن أخذ مال الحربى والمال الباغى مباح, ومثل ذلك استعمال الحقوق أو أداء الواجبات التى تبيح إتيان الفعل أو توجب إتيانه, فحق الدفاع الشرعى يبيح للإنسان أن يستولى من مال غيره على ما يدفع به عن نفسه, فمن أخذ شيئًا للآخر ليدفع به جريمة قتل عن نفسه, وظل يضرب به حتى تحطم واستهلك فلا عقوبة عليه.
ولا قطع على غير المكلف إذا أخذ خفية شيئًا للغير بقصد تملكه, كالحربى يأخذ مال المسلم أو الذمي, وكالباغى يأخذ مال أحدهما لأنه لا مسئولية على أحدهما.
ولا يقطع المجنون أو المعتوه أو الصغير غير المميز إذا أخذ خفية مالاً لغيره بقصد تملكه؛ لأن حالة الجنون والعته والصغر مما يرفع العقوبة الجنائية عن
(2/609)

الفاعل, على أن امتناع القطع فى السرقة قد لا يمنع عقوبة التعزير كما هو الأمر مع الصبى الذى يزيد سنه على سبع ولم يبلغ عشر فلا قطع, ولكنه يعاقب بعقوبة تأديبية.
ولا عقاب على السرقة فى حالة الإكراه المادى أو الأدبي, فمن يجبر ماديًا على سرقة شيء أو يهدد بالقتل إن لم يسرقه لا عقاب عليه إذا سرق تحت تأثير التهديد.
ولا عقاب على مضطر لقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة:173] , فمن سرق ليرد جوعًا أو عطشًا مهلكًا لا عقاب عليه.
ويعاقب السارق غير المضطر فى عام المجاعة بعقوبة تعزيرية, ولكنه لا يقطع بشرط أن لا يجد ما يشتريه أو يشترى به ولو لم يضطره الجوع للسرقة.
617- عقوبة الشريك إذا كان الشريك الآخر لا يقطع: يرى مالك والشافعى لأنه إذا اشترك اثنان فى سرقة, وكان أحدهما ممن لا يجب عليه القطع كالصغير غير المميز مع البالغ, أو المجنون مع العاقل البالغ, والأب مع الأجنبي, فيقطع البالغ وحده دون الصغير والمجنون, وحجتهما أن القطع امتنع عن الصغير والمجنون لمعنًى يخصه قائم فى نفسه غلا يتعداه لشريكه (1) .
ويرى أبو حنيفة وزفر أنه إذا اشترك من لا قطع عليه مع من عليه القطع درئ القطع عن الشركاء, وحجتهما أن السرقة واحدة, وقد حصلت ممن يجب عليه القطع وممن لا يجب عليه القطع, فلا يجب القطع على أحد, كالعامد مع المخطئ إذا اشتركا فى قطع أو قتل, وإذا كان الإخراج أصل فى السرقة إلا أنه يحصل من الكل معنى لاتحاد الكل فى معنى التعاون, فكان إخراج من لا قطع عليه مثل إخراج من عليه القطع ضرورة الاتحاد, ومن وجبت المساواة بينهما فى العقوبة.
ويرى أبو يوسف منع القطع عمن يجب عليه القطع إذا كان الذى تولى الإخراج هو الشخص الذى لا يجب عليه القطع؛ لأن الإخراج من الحرز
_________
(1) شرح الزرقانى ج8 ص95, أسنى المطالب ج4 ص138, 139.
(2/610)

هو الأصل, والإعانة كالتابع, فإذا ولى الإخراج من ليس عليه قطع فقد أتى بالأصل, وإذا لم يجب على من أتى بالأصل قطع لم يجب على من أتى بالتابع (1) .
وفى مذهب أحمد رأيان: أحدهما يتفق مع رأى الشافعى ومالك, والثانى كرأى أبى حنيفة (2) .
ومذهب الشيعة الزيدية كمذهب الشافعى ومالك (3) .
* * *



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق