الجمعة، 21 نوفمبر 2014

الاسلام أصوله ومبادئه – حال الديانات القائمة - د. محمد بن عبدالله بن صالح السحيم

حال الديانات القائمة
أصبحت الديانات العظمى، وصحفها العتيقة، وشرائعها القديمة فريسة العابثين والمتلاعبين، ولعبة المحرفين والمنافقين، وعرضة الحوادث الدامية والخطوب الجسيمة، حتى فقدت روحها وشكلها، فلو بعث أصحابها الأولون، وأنبياؤها المرسلون، لأنكروها وتجاهلوها.
أصبحت اليهودية* مجموعة من طقوس وتقاليد لا روح فيها ولا حياة، وهي -بصرف النظر عن ذلك- ديانة سلالية مختصة بقوم وبجنس معين، لا تحمل للعالم رسالة، ولا للأمم دعوة، ولا للإنسانية رحمة.
وقد أصيبت هذه الديانة في عقيدتها الأصلية التي كانت لها شعاراً من بين الديانات والأمم، وكان فيها سر شرفها وهي عقيدة التوحيد التي وصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب، فقد اقتبس اليهود كثيراً من عقائد الأمم الفاسدة التي جاوروها أو وقعوا تحت سيطرتها، وكثيراً من عاداتها وتقاليدها الوثنية الجاهلية، وقد اعترف بذلك مؤرخو اليهود المنصفون، فقد جاء في (دائرة المعارف اليهودية) ما معناه:
(إن سخط الأنبياء وغضبهم على عبادة الأوثان تدل على أن عبادة الأوثان والآلهة، كانت قد تسربت إلى نفوس الإسرائيليين، وقد قبلوا معتقدات شركية وخرافية، إن التلمود أيضاً يشهد بأن الوثنية كانت فيها جاذبية خاصـة لليهـود)([1]).
ويدل تلمود ([2]) بابل- الذي يبالغ اليهود في تقديسه، وقد يفضلونه على التوراة، وكان متداولاً بين اليهود في القرن السادس النصراني، وما زخر به من نماذج غريبة من خفة العقل وسخف القول، والاجتراء على الله، والعبث بالحقائق، والتلاعب بالدين والعقل- على ما وصل إليه المجتمع اليهودي في هذا القرن من الانحطاط العقلي وفساد الذوق الديني ([3]).
أما النصرانية* فقد امتحنت بتحريف الغالين، وتأويل الجاهلين، ووثنية الرومان المتنصرين ([4])، منذ عصرها الأول، وأصبح كل ذلك ركاماً، دفنت تحته تعاليم المسيح العظيمة واختفى نور التوحيد وإخلاص العبادة لله وراء هذه السحب الكثيفة.
يتحدث كاتب نصراني عن مدى تغلغل عقيدة التثليث في المجتمع المسيحي، منذ أواخر القرن الرابع الميلادي، فيقول:
(تغلغل الاعتقاد بأن الإله الواحد مركب من ثلاثة أقانيم في أحشاء حياة العالم المسيحي وفكره، منذ الربع الأخير للقرن الرابع، ودامت عقيدة رسمية معتمدة في جميع أنحاء العالم المسيحي، ولم يرفع الستار عن تطور عقيدة التثليث وسرها إلا في النصف الثاني للقرن التاسع عشر الميلادي ([5]).
ويتحدث مؤرخ نصراني معاصر في كتاب (تاريخ المسيحية في ضوء العلم المعاصر) عن ظهور الوثنية في المجتمع النصراني في مظاهر مختلفة وألوان شتى، وتفنن النصارى في اقتباس الشعائر والعادات والأعياد والأبطال الوثنية من أمم وديانات عريقة في الشرك بحكم التقليد أو الإعجاب أو الجهل. فيقول: (لقد انتهت الوثنية، ولكنها لم تلق إبادة كاملة، بل إنها تغلغلت في النفوس واستمر كل شيء فيها باسم المسيحية وفي ستارها، فالذين تجردوا عن آلهتهم وأبطالهم وتخلوا عنهم أخذوا شهيداً من شهدائهم، ولقبوه بأوصاف الآلهة، ثم صنعوا له تمثالاً، وهكذا انتقل هذا الشرك وعبادة الأصنام إلى هؤلاء الشهداء المحليين، ولم ينته هذا القرن حتى عمت فيهم عبادة الشهداء والأولياء، وتكونت عقيدة جديدة، وهي أن الأولياء يحملون صفات الألوهية، وصار هؤلاء الأولياء والقديسون خلقاً وسطاً بين الله والإنسان، وغيرت أسماء الأعياد الوثنية بأسماء جديدة، حتى تحول في عام 400 ميلادي عيد الشمس القديم إلى عيد ميلاد المسيح) ([6]).
أما المجوس فقد عُرفوا من قديم الزمان بعبادة العناصر الطبيعية أعظمها النار، وقد عكفوا على عبادتها أخيراً، يبنون لها هياكل ومعابد، وانتشرت بيوت النار في طول البلاد وعرضها، وانقرضت كل عقيدة وديانة غير عبادة النار وتقديس الشمس، وأصبحت الديانة عندهم عبارة عن طقوس وتقاليد يؤدونها في أمكنة خاصة([7]).
يصف مؤلف "إيران في عهد الساسانيين" الدنماركي" آرتهر كرستن سين طبقة رؤساء الدين ووظائفهم فيقول:
(كان واجباً على هؤلاء الموظفين أن يعبدوا الشمس أربع مرات في اليوم، ويضاف إلى ذلك عبادة القمر والنار والماء، وكانوا مأمورين بألا يدعو النار تنطفئ وألا تمس النار والماء بعضهما بعضاً، وألا يدعو المعدن يصدأ، لأن المعادن عندهم مقدسة) ([8]).
وقد دانوا بالثنوية في كل عصر وأصبح ذلك شعاراً لهم، وآمنوا بإلهين اثنين أحدهما النور أو إله الخير، ويسمونه، "أهور مزدا" أو "يزدان" والثاني الظلام أو إله الشر، وهو "أهرمن" ولا يزال الصراع بينهما قائماً والحرب دائمة ([9]).
أما البوذية - الديانة المنتشرة في الهند وآسيا الوسطى فهي ديانة وثنية تحمل معها الأصنام حيث سارت، وتبني الهياكل، وتنصب تماثيل "بوذا" حيث حلت ونزلت([10]).
أما البرهمية - دين الهند - فقد اشتهرت بكثرة المعبودات والآلهة، وقد بلغت الوثنية أوجها في القرن السادس الميلادي فبلغ عدد الآلهة في هذا القرن 330 مليون ([11])، وقد أصبح كل شيء رائع، وكل شيء هائل، وكل شيء نافع، إلها يعبد، وارتقت صناعة نحت التماثيل في هذا العهد، وتأنق فيها المتأنقون.
يقول "سي، وي، ويد" الهندكي في كتابه "تاريخ الهند الوسطى" وهو يتحدث عن عهد الملك هرش (606-648م) وهو العهد الذي يلي ظهور الإسلام في الجزيرة العربية:
(كانت الديانة الهندكية والديانة البوذية وثنيتين سواء بسواء، بل ربما كانت الديانة البوذية قد فاقت الديانة الهندية في الإغراق في الوثنية، كان ابتداء هذه الديانة - البوذية - بنفي الإله، ولكنها بالتدريج جعلت "بوذا" الإله الأكبر، ثم أضافت إليه آلهة أخرى مثل (Bodhistavas)، وقد بلغت الوثنية أوجها في الهند، حتى أصبحت كلمة "بوذا" (Buddha) مرادفة لكلمة "الوثن" أو "الصنم" في بعض اللغات الشرقية.
ومما لاشك فيه أن الوثنية كانت منتشرة في العالم المعاصر كله، فلقد كانت الدنيا كلها من البحر الأطلسي إلى المحيط الهادئ غارقة في الوثنية، وكأنما كانت المسيحية والديانات السامية والديانة البوذية تتسابق في تعظيم الأوثان وتقديسها، وكانت كخيل رهان تجري في حلبة واحدة ([12]).
ويقول هندكي آخر في كتابه الذي سماه: "الهندكية السائدة": (إن عملية صنع الآلهة) لم تنته على هذا، فلم تزل تنضم آلهة صغيرة في فترات تاريخية مختلفة إلى هذا "المجمع الإلهي" في عدد كبير، حتى أصبح منهم حشد يفوق الحد والإحصاء([13]).
هذا شأن الديانات، أما البلاد المتمدنة التي قامت فيها حكومات عظيمة، وشاعت فيها علوم كثيرة، وكانت مهد الحضارة والصناعات والآداب، فقد كانت بلاداً مسخت فيها الديانات، وفقدت أصالتها وقوتها، وفُقِدَ المصلحون، وغاب المعلمون، واستعلن فيها الإلحاد، وكثر فيها الفساد، وتبدلت فيه المعايير، وهان الإنسان فيها على نفسه؛ ولذا كثر الانتحار، وتقطعت الروابط الأسرية، وتفككت العلائق الاجتماعية، وغصت فيها عيادات الأطباء النفسيين بالمراجعين، وقام فيها سوق المشعوذين، وجرب الإنسان فيها كل متعة، واتبع كل نحلة مستحدثة..؛ رغبة في إرواء روحه وإسعاد نفسه، وطمأنينة قلبه فلم تفلح هذه المتع والملل والنظريات في تحقيق ذلك، وسيستمر في هذا الشقاء النفسي، والعذاب الروحي حتى يتصل بخالقه، ويعبده وفق منهجه الذي ارتضاه لنفسه وأمر به رسله قال تعالى موضحاً حال من أعرض عن ربه، وابتغى الهدى من غيره: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى} ([14]). وقال سبحانه وتعالى مخبراً عن أمن المؤمنين وسعادتهم في هذه الحياة: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} ([15])، وقال جل ثناؤه: {وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها مادامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاءً غير مجذوذ} ([16]).
هذه الديانات -غير الإسلام- لو طبقنا عليها معايير الدين التي سبقت؛ لوجدناها قد فقدت أكثر تلك العناصر، كما هو واضح من خلال هذا العرض الموجز عنها.
وأعظم ما أخلت فيه هذه الأديان توحيد الله، وأشرك أتباعها مع الله آلهة أخرى، كما أن هذه الأديان المحرفة لا تقدم للناس شريعة صالحة لكل زمان ومكان وتحفظ على الناس دينهم وأعراضهم وذرياتهم وأموالهم ودماءهم، ولا تدلهم وترشدهم إلى شرع الله الذي أمر به، ولا تمنح أهلها الطمأنينة والسعادة لما اشتملت عليه من تناقض وتعارض.
أما الإسلام فسيأتيك في الفصول القادمة ما يبين أنه دين الله الحق الباقي الذي ارتضاه الله لنفسه ورضيه للبشرية.
وفي ختام هذه الفقرة يناسب أن نعرّف حقيقة النبوة وآيات النبوة، وحاجة البشر إليها، وأن نبين أصول دعوة الرسل وحقيقة الرسالة الخاتمة الخالدة .




* لمزيد من التوسع ينظر "إفحام اليهود" تأليف السمو أل بن يحيى المغربي، كان يهودياً ثم أسلم.
([1]) Xll. p. 568-69(ص 7 و)jewish Encyclpaedia Vol . Xll   
*     لمزيد من التوسع ينظر "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" تأليف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، و"إظهار الحق" تأليف رحمت الله بن خليل الهندي، و"تحفة الأريب في الرد على عباد الصليب" تأليف عبدالله الترجمان كان نصرانياً ثم أسلم.
([2]) كلمة تلمود معناها كتاب تعليم ديانة اليهود وآدابهم؛ وهي مجموع حواش وشروح لكتاب "المشنا" (الشريعة) لعلماء اليهود في عصور مختلفة.
([3]) اقرأ للتفصيل "اليهودي على حسب التلمود" للدكتور روهلنج، وترجمته العربية من الفرنسية.في "الكنز المرصود في قواعد التلمود" للدكتور يوسف حنا نصرالله.
([4]) راجح كتاب "الصراع بين الدين والعلم" للمؤلف الأوروبي الشهير درابر ص: 40-41.
([5]) ملخص ما جاء في دائرة المعارف الكاثوليكية الجديدية. مقال التثليث المقدس، ج 14، ص295.
([6]) Rev. Jamecs Houstoin Baxter in the History of Christionity in the Light of Modern Knowledge. Glasgow , 1929 p 407
([7]) اقرأ كتاب "إيران في عهد الساسانيين" لللبروفيسور "آرتهر كرستن سين" أستاذ الألسنة الشرقية في جامعة "كوبن هاجن" بالدنمارك، والمتخصص في تاريخ إيران. و"تاريخ إيران" تأليف شاهين مكاريوس المجوسي.
([8]) إيران في عهد الساسانيين ص 155.
([9]) المصدر نفسه باب الدين الزرتشتي ديانة الحكومة، ص 183-233.
([10]) راجع كتاب "الهند القديمة" للأستاذ أيشورا توبا، أستاذ تاريخ الحضارة الهندية في جامعة "حيدرآباد" الهند، وكتاب "اكتشاف الهند" (The Discovery of india) لمؤلفه جواهر لال نهرو رئيس وزراء الهند الأسبق ص201-202.
([11]) راجع "الهند القديمة" لمؤلفه آر، دت، ج3، ص276، و"الهندكية السائدة" لمؤلفه
(
LS.S. O.Malley) ص6-7.
([12]) C.V. Vidya: History of Mediavel Hindu India Vol I (poone 1921)
([13]) انظر السيرة النبوية - لأبي الحسن الندوي ، ص 19-28.
([14]) سورة طه، الآية 124.
([15]) سورة الأنعام ، الآية 82.
([16]) سورة هود، الآية 108.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق