السبت، 22 نوفمبر 2014

من محاسن الإسلام : من كتاب الإسلام أصوله ومبادئه - د . محمد بن عبدالله بن صالح السحيم

من محاسن الإسلام* :


من كتاب
الإسلام أصوله ومبادئه
د . محمد بن عبدالله بن صالح السحيم

يعجز القلم عن الإحاطة بمحاسن الإسلام، وتضعف العبارة عن الوفاء بذكر فضائل هذا الدين؛ وما ذاك إلا لأن هذا الدين هو دين الله سبحانه وتعالى، فكما لا يحيط البصر بالله إدراكاً، ولا يحيط به البشر علماً، فكذلك شرعه سبحانه لا يحيط القلم به وصفاً. وقد قال ابن القيم رحمه الله: (وإذا تأملت الحكمة الباهرة في هذا الدين القويم، والملة الحنيفية، والشريعة المحمدية التي لا تنال العبارة كمالها، ولا يدرك الوصف حسنها، ولا تقترح عقول العقلاء - ولو اجتمعت وكانت على أكمل رجل منهم -فوقها، وحسب العقول الكاملة الفاضلة أن أدركت حسنها، وشهدت بفضلها، وأنه ما طرق العالم شريعة أكمل ولا أجل ولا أعظم منها.. ولو لم يأت الرسول ببرهان عليها لكفى بها برهاناً وآية وشاهداً على أنها من عند الله، وكلها شاهدة بكمال العلم، وكمال الحكمة، وسعة الرحمة والبر والإحسان، والإحاطة بالغيب والشهادة، والعلم بالمبادئ والعواقب، وأنها من أعظم نعم الله التي أنعم بها على عباده، فما أنعم عليهم بنعمة أجل من أنه هداهم لها، وجعلهم من أهلها، وممن ارتضاهم لها؛ فلهذا امتن على عباده بأن هداهم لها قال تعالى: {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين}([1])، وقال معرفاً لعباده ومذكراً عظيم نعمته عليهم، مستدعياً منهم شكره على أن جعلهم من أهلها: {اليوم أكملت لكم دينكم}([2]).
ومن شكر الله علينا بهذا الدين أن نذكر طرفاً من محاسنه فنقول:
1 - أنه دين الله :
أن الدين الذي ارتضاه الله لنفسه، وبعث به رسله، وأذن لخلقه بأن يعبدوه من خلاله، فكما لا يشابه الخالق المخلوق، فكذلك لا يشابه دينه -وهو الإسلام- قوانين الخلق وأديانهم، وكما اتصف سبحانه بالكمال المطلق فكذلك دينه له الكمال المطلق في الوفاء بالشرائع التي تصلح معاش الناس ومعادهم، والإحاطة بحقوق الخالق سبحانه وواجبات العباد نحوه، وحقوق بعضهم على بعض، وواجبات بعضهم لبعض.
2 - الشمول :
من أبرز محاسن هذا الدين شموله لكل شيء. قال تعالى: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} ([3])، فشمل هذا الدين كل ما يتعلق بالخالق من أسماء الله وصفاته وحقوقه، وكل ما يتعلق بالمخلوق من شرائع وتكاليف وأخلاق وتعامل، وأحاط هذا الدين بخبر الأولين والآخرين، والملائكة والأنبياء والمرسلين، وتحدث عن السماء والأرض والأفلاك والنجوم والبحار والأشجار والكون، وذكر سبب الخلق وغايته ونهايته، وذكر الجنة ومآل المؤمنين وذكر الـنار ونهـاية الكافـرين.
3 - أنه يصل الخالق بالمخلوق:
اختص كل دين باطل وكل ملة بأنها تصل الإنسان بإنسان مثله عرضة للموت والضعف والعجز والمرض، بل ربما  تربطه بإنسان مات منذ مئات السنين وأصبح عظاماً وتراباً... وخص هذا الدين الإسلام بأنه يصل الإنسان بخالقه مباشرة، فلا قسيس ولا قديس، ولا سر مقدس؛ إنما هو الاتصال المباشر بين الخالق والمخلوق، اتصال يربط العقل بربه فيستنير ويسترشد ويسمو ويتعالى ويطلب الكمال، ويترفع عن السفاسف والصغائر، إذ كل قلب لم يرتبط بخالقه فهو أضل من بهيمة الأنعام.
وهو اتصال بين الخالق والمخلوق يتعرف من خلاله على مراد الله منه فيعبده على بصيرة، ويتعرف على مواطن رضاه فيطلبها، ومواطن سخطه فيجتنبها.
وهو اتصال بين الخالق العظيم وبين المخلوق الضعيف الفقير فيطلب منه المدد والعون والتوفيق، ويسأله أن يحفظه من كيد الكائدين وعبث الشياطين.
4 - مراعاة مصالح الدنيا والآخرة:
بنيت شريعة الإسلام على مراعاة مصالح الدنيا والآخرة وإتمام مكارم الأخلاق.
أما بيان مصالح الآخرة: فقد بين هذا الشرع وجوهها، ولم يغفل منها شيئاً، بل فسرها وأوضحها لئلا يُجهل منها شئ، فوعد بنعيمها وتوعد بعذابها.
أما بيان المصالح الدنيوية: فقد شرع الله في هذا الدين ما يحفظ على الإنسان دينه ونفسه وماله ونسبه وعرضه وعقله.
أما بيان مكارم الأخلاق: فقد أمر بها ظاهراً وباطناً، ونهى عن رذائلها وسفاسفها، فمن المكارم الظاهرة النظافة والطهارة والتنزه عن الأقذار والأوساخ، وندب إلى التطيب وتحسين الهيئة، وحرم الخبائث كالزنا، وشرب الخمر، وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير وأمر بأكل الطيبات ونهى عن الإسراف والتبذير.
أما النظافة الباطنية فترجع إلى التخلي عن مذموم الأخلاق، والتحلي بمحامدها ومستحسنها فالأخلاق المذمومة كالكذب والفجور والغضب والحسد والبخل ومهانة النفس وحب الجاه وحب الدنيا والكبر والعجب والرياء، ومن الأخلاق المحمودة: حسن الخلق وحسن الصحبة للخلق والإحسان إليهم والعدل والتواضع والصدق وكرم النفس والبذل والتوكل على الله والإخلاص والخوف من الله والصبر والشكر([4]).
5 - اليسر :
إحدى الصفات التي تميز هذا الدين؛ ففي كل شعيرة من شعائره يسر، وكل عبادة من عبادته يسر: قال تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج}([5])، وأول هذا اليسر: أن من يريد أن يدخل في هذا الدين فلا يحتاج إلى وساطة بشرية، أو اعتراف بماضٍ سابق، بل كل ما عليه أن يتطهر ويتنظف، ويشهد ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن يعتقد معناهما ويعمل بمقتضاهما.
ثم إن كل عبادة يدخلها اليسر والتخفيف إذا سافر الإنسان أو مرض، ويكتب له من العمل مثلما كان يعمل صحيحاً مقيماً، بل إن حياة المسلم تصبح ميسرة مطمئنة، بخلاف حياة الكافر فإنها ضنك وعسر، وكذلك موت المؤمن يكون يسيراً فتخرج روحه كما تخرج القطرة من الإناء، قال تعالى: {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم أدخلوا الجنة بما كنتم تعلمون}([6])، أما الكافر فتحضر الملائكة الشداد الغلاظ عند موته ويضربونه بالسياط قال تعالى: {ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون}([7])، وقال تعالى: {ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق} ([8]).
6 - العدل :
أن الذي شرع الشرائع الإسلامية هو الله وحده، وهو خالق الخلق كلهم الأبيض والأسود والذكر والأنثى، وهم أمام حكمه وعدله ورحمته سواء، وقد شرع لكل من الذكر والأنثى ما يناسبه، فحينئذ يستحيل أن تحابي الشريعة الرجل على حساب المرأة، أو تفضل المرأة وتظلم الرجل، أو تخص الإنسان الأبيض بخصائص وتحرم منها الإنسان الأسود، فالكل أمام شرع الله سواء لا فرق بينهم إلا بالتقوى. 
7 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
تضمن هذا الشرع مزية شريفة، وخصيصة منيفة، ألا وهي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيجب على كل مسلم ومسلمة بالغ عاقل مستطيع أن يأمر وينهى وفق استطاعته، حسب مراتب الأمر والنهي، وهي أن يأمر أو ينهى بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، وبهذا تصبح الأمة كلها رقيبة على الأمة، فكل فرد يجب عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل من قصر في معروف أو ارتكب منكراً، سواء كان حاكماً أو محكوماً حسب استطاعته ووفق الضوابط الشرعية التي تضبط هذا الأمر.
فهذا الأمر -كما ترى- واجب على كل فرد حسب استطاعته، في حين تفخر كثير من النظم السياسية المعاصرة بأنها تتيح لأحزاب المعارضة أن تراقب سير العمل الحكومي وأداء الأجهزة الرسمية.
فهذه بعض محاسنه ولو أردت الإطالة لاستدعى ذلك الوقوف عند كل شعيرة وكل فرض وكل أمر وكل نهي لبيان ما فيه من الحكمة البالغة، والتشريع المحكم، والحسن البالغ، والكمال المنقطع النظير، ومن تأمل شرائع هذا الدين علم -علم اليقين- أنها من عند الله، وأنها الحق الذي لا شك فيه، والهدى الذي لا ضلال فيه.
فإن أردت الإقبال على الله، واتباع شرعه، واقتفاء أثر أنبيائه ورسله فباب التوبة أمامك مفتوح، وربك الغفور الرحيم يدعوك ليغفر لك.  




*     لمزيد من التوسع في هذه الفقرة: انظر الدرة المختصرة في محاسن الدين الإسلامي، تأليف الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله، ومحاسن الإسلام، تأليف الشيخ عبدالعزيز السلمان.
([1]) سورة آل عمران، الآية 164.
([2]) مفتاح دار السعادة ، جـ 1، ص 374-375، والآية رقم 3 من سورة المائدة.
([3])سورة الأنعام الآية 38.
([4]) انظر الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام، للقرطبي ص 442 -445.
([5]) سورة الحج الآية 78.
([6]) سورة النحل، الآية 32.
([7]) الأنعام، الآية 93.
([8]) سورة الأنفال الآية 50.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق