الجمعة، 14 نوفمبر 2014

عقوبات القتل الخطأ - من كتاب التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي – الجزء الثاني - الدكتور عبد القادر عودة

القتل
من كتاب التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي – الجزء الثاني
الدكتور عبد القادر عودة 


عقوبات القتل الخطأ
247- عقوبات القتل الخطأ منها ما هو أصلى وهو الدية والكفارة، ومنها هو ما بدل وهو التعزير والصيام، ومنها ما هو تبعى وهو الحرمان من الميراث والحرمان من الوصية.
_________
(1) هكذا فى الأصل ونظن أنها اسم بلد لم يتحقق من اسمه.
(2/200)

العقوبات الاصلية
أولاً: الدية:

248- هى عقوبة أصلية وليست بدلاً من عقوبة أخرى: لأن عقوبة الخطأ روعى فى تقديرها انعدام قصد الجانى فاكتفى بتقدير الدية عليه، ومقدارها هو نفس مقدار الدية فى العمد وشبه العمد أى مائة من الإبل.
249- وتجب دية القتل الخطأ مخمسة أى تؤخذ أخماسًا: عشرون بنات مخاض، وعشرون بنو مخاض، وعشرون بنات لبون، وعشرون حقَّة، وعشرون جَذَعة، وهذه الأوصاف متفق عليها بين الأئمة الأربعة، ودليلهم ما روى عبد الله بن مسعود قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فى دية الخطأ عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون بنو مخاض" (1) .
250- ودية الخطأ على العاقلة دون خلاف طبقًا لقضاء الرسول عليه السلام، وعلة فرضها على العاقلة أن جنايات الخطأ تكثر ودية الآدمى كثيرة فإيجابها على الجانى فى ماله مجحف به، فاقتضت الحكمة إيجابها على العاقلة على سبيل المواساة للقاتل والإعانة له تخفيفًا عنه إذ انعدام القصد عذر له فى فعله يشفع فى التخفيف عنه.
251- ولا خلاف فى أنها مؤجلة فى ثلاث سنين: وأساس التأجيل فى الدية هو قضاء الصحابة، فقد قضى عمر وعلى بجعل الدية فى القتل الخطأ على العاقلة فى ثلاث سنين، ولا مخالف لهما من الصحابة فاتبعهم فى ذلك أهل العلم، وعلة التأجيل أنه مال يجب على سبيل المواساة فلم يجب حالاً كالزكاة.
وما لا تحمله العاقلة يجب حالاً عند مالك والشافعى وأحمد ولكن أبا حنيفة يرى التأجيل فيما يجب على العاقلة وما يجب على الجانى.
_________
(1) المغنى ج9 ص495 , المهذب ج2 ص209 , بدائع الصنائع ج7 ص254 , شرح الدردير ج4 ص236.
(2/201)

252- وإذا كانت العاقلة تحمل الدية وهى عقوبة أصلية أساسية فهل تحمل أيضًا الكفارة وهى عقوبة مالية أصلية أخف بكثير من الدية؟.
يرى الفقهاء أن الكفارة فى مال الجانى وحده ولا تحمل العاقلة عنه شيئًا ولا بيت المال، ولكن فى مذهب الشافعى رأى بأن بيت المال يتحملها عن الجانى (1) .
253- ولا يرى مالك وأبو حنيفة التغليظ فى دية الخطأ، أما الشافعى وأحمد فيريان التغليظ، ولكن بينهما فرقًا هو أن أحمد يرى أن التغليظ فى العمد وشبه العمد والخطأ أما الشافعى فيرى التغليظ فى الخطأ، ولعل الشافعى لم ير التغليظ فى العمد وشبه العمد لأنه يوجب الدية فيهما مثلثة، أما أحمد فيوجبها مربعة، فكأن دية العمد وشبة العمد مغلظة بطبيعتها عند الشافعى ويوجب أحمد التغليظ للقتل فى الحرم، وللقتل فى الشهور الحرم، والقتل المحرم. واختلف فى المذهب فى التغليظ لقتل ذى الرحم المحرم فيرى البعض التغليظ لقتله ولا يرى البعض التغليظ. ويجوز عند أحمد أن يجمع بين أكثر من سبب من أسباب التغليظ وتغلظ الدية لكل سبب بأن يزاد عليها مقدار الثلث ومن ثم تصل الدية إلى ديتين إذا كان القتل فى الحرم والشهور الحرم شخصًا محرمًا (2) ، أما الشافعى فيرى التغليظ بالقتل فى الحرم وفى الشهور الحرم وبقتل ذى الرحم المحرم، واختلفوا فى المذهب فى القتل فى الحرم المدنى فرأى البعض أن القتل فيه سبب للتغليظ، ورأى البعض أن القتل فيه ليس سببًا للتغليظ وهو الرأى الراجح فى المذهب، وصفة التغليظ عند الشافعى هو إيجاب دية العمد بدلاً من دية الخطأ، فإن قتل ذا رحم محرم مثلاً فعليه ثلاثون حقَّة وثلاثون جَذَعّة وأربعون خَلَفة.
254- ولا تحمل العالقة دية القتل العمد: سواء درئ القصاص للشبهة أو وجبت الدية بالعفو أو الصلح، وهذا متفق عليه بين الأئمة؛ لأن العاقلة حملت فى الخطأ وشبه العمد لانعدام القصد إلى القتل ولعذر الجانى، أما العامد فلا عذر له
_________
(1) المغنى ج9 ص498.
(2) المغنى ج9 ص499 وما بعدها , المهذب ج2 ص209 , 210.
(2/202)

فى جريمته ومن ثم لا يستحق تخفيفًا ولا معاونة.
255- وإذا جنى الرجل على نفسه خطأ ففيه روايتان:
الأولى: على عاقلته الدية لورثته إذا قتل نفسه. والقائلون بهذا الرأى بعض فقهاء مذهب أحمد، وحجتهم: "أن رجلاً ساق حمارًا فضربه بعصا كانت معه فطارت منها شظية ففقأت عينه فجعل عمر ديته على عاقلته وقال: هى يد من أيدى المسلمين"، ويحتجون بأنها ليست إلا جناية خطأ كأى جناية خطأ ديتها على العاقلة. ويترتب على هذا الرأى أنه إذا كانت العاقلة هم بعض الورثة لم يجب شئ عليهم لأنه لا يجب للإنسان شىء على نفسه، هذا إذا كان ما يجب عليهم من الدية يماثل نصيبه فى الميراث فإن كان أكثر سقط عنه ما يقابل نصيبه وعليه ما زاد، وإن كان نصيبه من الدية أقل من نصيبه فى الميراث فله ما بقى.
والرواية الثانية: يرى أصحابها أن الجناية هدر، وهذا ما يراه مالك وأبو حنيفة والشافعى وهو رأى فى مذهب أحمد وحجتهم: أولاً: بارز عامر بن الأكوع مرحبًا يوم خبير فرجع سيفه على نفسه فمات ولم يعلم أن النبى قضى فيه بدية ولا غيرها ولو وجبت لبينه النى عليه السلام. ثانيًا: أن وجوب الدية على العاقلة قصد منه مواساة الجانى والتخفيف عنه والجانى هنا هو نفس المجنى عليه فليس إذن ما يدعو للإعانة والمواساة.
وحكم شبه العمد هو حكم الخطأ فى هذه المسألة (1) .
ثانيًا: الكفارة:
256- تكلمنا على الكفارة بمناسبة الكلام على القتل العمد، وفيما قلناه كفاية.
العقوبات البدلية
257- هى الصيام فقط: وقد تكلمنا عليه من قبل، وليس ثمة تعزير باتفاق الفقهاء فى الخطأ اكتفاء بالعقوبتين الأصليتين وهما الدية والكفارة
_________
(1) المغنى ج9 ص209 وما بعدها.
(2/203)


وبالعقوبات التبعية، على أنه ليس فى الشريعة ما منع أن يقدر الشارع عقوبة تعزيرية فى حالة العفو عن الدية إذا رأى ذلك فى صالح الجماعة.
العقوبات التبعية
258- هى الحرمان من الميراث والحرمان من الوصية: وقد فصلنا الكلام عليهما من قبل بمناسبة الكلام على عقوبة القتل العمد، وفيما قلناه هناك ما يغنى عن إعادته هنا.
* * *

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق