الثلاثاء، 18 نوفمبر 2014

الباب الثاني – في الحدود – الكتاب الثاني : القذف – المبحث الثالث : الأدلة على القذف - من كتاب التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي - الجزء الثاني - الدكتور عبد القادر عودة

الباب الثاني
في الحدود
الكتاب الثانى
القذف

كتاب التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي

 الجزء الثاني  

الدكتور عبد القادر عودة 

المبحث الثالث
الأدلة على القذف

يثبت القذف بالطرق الآتية:
571 - أولا شهادة الشهود: ويشترط فى شهود القذف ما يشترط فى شهود الزنا من البلوغ والعقل والحفظ والقدرة على الكلام والعدالة والإسلام وانعدام القرابة وانعدام العداوة وانعدام التهمة. كذلك يشترط فى شهود القذف الذكورة والأصالة، وقد تكلمنا عن هذه الشروط جميعًا بمناسبة الكلام على الشهادة فى الزنا.
عدد الشهود: فيما يختص بإثبات التهمة يكفى لإثبات واقعة القذف على القاذف شهادة شاهدين فقط. أما فيما يختص بنفى التهمة فللمتهم بالقذف أن يتبع إحدى الطرق الآتية:
الأولى: أن ينكر واقعة القذف ثم يستشهد على عدم حصول القذف بمن شاء من الرجال والنساء دون التقيد بعدد معين.
الثانية: أن يدعى أن المقذوف اعترف بصحة القذف، ويكفى لتأييد هذا الدفاع شهادة رجلين أو رجل وامرأتين (1) .
الثالثة: أن يعترف بالقذف ويبدى استعداده لإثبات صحة القذف، وفى هذه الحالة يجب عليه أن يستشهد على صحة الواقعة المقذوف بها أربعة شهود يشترط فيهم ما يشترط فى شهود إثبات جريمة الزنا على أن لا يكون القاذف أحدهم لأنه لا يعتبر شاهدًا.
الرابعة: إذا كان زوجًا فاعترف بالقذف فله أن يلاعن الزوجة، ويرى أبو حنيفة أن للقاذف أن يثبت صحة القذف بأربعة شهود غيره، فإن شهدوا بصحة القذف فلا يحد المقذوف حد الزنا إذا كانت الشهادة على زنًا متقادم (2) .
_________
(1) شرح فتح القدير ج4 ص210.
(2) شرح فتح القدير ج4 ص210.
(2/488)

لأن الأصل عنده أن الشهادة لا تقبل عند التقادم ولكنها قبلت هنا لإسقاط الحد عن القاذف وليس لإيجاب الحد على المقذوف. ويخالف أبا حنيفة فى هذا الأئمة الثلاثة ويرون حد المقذوف حد الزنا إذا ثبت الزنا عليه ولو كان متقادمًا لأنهم لا يعترفون بالتقادم "إلا على رأى لأحمد كما ذكرناه".
ويرى أبو حنيفة أن لا أثر للتقادم على القذف لأن الدعوى فى القذف شرط فلا يمكن التقدم بالشهادة حسبة ولا تقبل مثل هذه الشهادة قبل الدعوى، وما دامت الدعوى تأخرت لأسباب خاصة بالمقذوف فليس من هذا ما يدعو إلى اتهام الشهود وليس فيه ما يفيد معنى الضغينة والتهمة كما هو الحال فى الزنا والشرب مثلًا، إذ الدعوى فى هاتين الجريمتين ليست شرطًا (1) .
572 - ثانيًا: الإقرار: يثبت القذف بإقرار القاذف أنه قذف المجنى عليه، ولا يشترط العدد فى الإقرار فيكتفى أن يقر مرة واحدة فى مجلس القضاء (2) .
ويرى أبو حنيفة جواز الشهادة على الإقرار فى القذف إذا حدث فى غير مجلس القضاء؛ لأن إنكار الإقرار بالقذف لا قيمة له ولا يعتبر رجوعًا عن الإقرار (3) ، ولأن الرجوع عن الإقرار فى القذف لا أثر له على الحد لأن حد القذف حق العبد من وجه، وحق العبد لا يحتمل السقوط بالرجوع بعد ثبوته كما هوالحال فى القصاص (4) . ولا يقبل الرجوع عند أحمد (5) .
_________
(1) شرح فتح القدير ج4 ص 161، بدائع الصنائع ج 7 ص 46.
(2) شرح فتح القدير ج4 ص210.
(3) بدائع الصنائع ج 7 ص 50.
(4) بدائع الصنائع ج 7 ص 50.
(5) بدائع الصنائع ج 7 ص 61.
(2/489)

ويصح الإقرار فى القذف ولو مع السكر كما هو الحال فى الخصومة المالية؛ لأن للعبد حقًا فى القذف (1) .
ومن المتفق عليه فى مذهب أبى حنيفة أن للقاضى أن يقضى بعلمه فى القذف على أن يكون العلم فى زمان القضاء ومكانه، ولكنهم اختلفوا على جواز القضاء بعلمه إذا كان العلم فى غير زمان القضاء أو مكانه (2) .
573 - ثالثًا: اليمين: يثبت القذف عند الشافعى باليمين إذا لم يكن لدى المقذوف دليل آخر فله أن يستحلف القاذف فإن نكل القاذف ثبت القذف فى حقه بالنكول.
ويرى الشافعى أيضًا أن يستحلف القاذف المقذوف إذا لم يكن لدى القاذف بينة على صحة القذف، فإن نكل المقذوف عن اليمين اعتبر القذف صحيحًا ودرئ الحد عن القاذف، ولا يرى الشافعى الاستحلاف فى شئ من الحدود إلا فى القذف فقط لأنه حق العبد ولأن الرجوع عن الإقرار فى القذف باطل ولأن النكول عن اليمين بمثابة الإقرار. أما فى الحدود الأخرى فلا يرى الاستحلاف فيها لأنها حق الله من ناحية ولأن الرجوع عن الإقرار فيها صحيح (3) .
وفى مذهب أبى حنيفة يرى بعضهم الاستحلاف ولا يراه البعض الآخر، فمن قال بالاستحلاف اعتبر ما فى القذف من حق العبد، على أن القائلين بالاستحلاف اختلفوا فمنهم من رأى القضاء بالحد بالنكول، ومنهم من رأى القضاء بالتعزير عند النكول بدلًا من الحد، ومن قال بعدم الحلف اعتبر حق الله سبحانه وتعالى وأنه هو الحق الغالب فألحقه بسائر حقوق الله تعالى الخالصة وهى لا تقضى بها باليمين ولا بالنكول (4) .
ولا يرى مالك وأحمد جواز الإثبات باليمين فى القذف فليس للقاذف أو
_________
(1) الإقناع ج4 ص 259.
(2) بدائع الصنائع ج7 ص 52.
(3) أسنى المطالب ج4 ص 402، 404.
(4) بدائع الصنائع ج 7 ص 52.
(2/490)

المقذوف أن يستحلف الآخر (1) .
ولأحمد رأى قديم بجواز القضاء بالنكول فى القذف، ولكن المذهب أنه لا يقضى بالنكول فى غير المال وما يقصد به المال (2) .
* * *

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق