السبت، 15 نوفمبر 2014

القرائن - من كتاب التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي - الجزء الثاني - الدكتور عبد القادر عودة

القرائن

من كتاب التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي

الجزء الثاني  

 الدكتور عبد القادر عودة 

471- عرفت الشريعة الإسلامية القرائن من يوم وجودها، وبنى الكثير من أحكام الشريعة على أساس القرائن، من ذلك أن القسامة تقوم على أساس القرينة سواء وجد لوث أم لم يوجد فأساس القسامة عند من لا يشترطون اللوث وجود القتيل فى محلة المتهمين؛ لأن وجود الجثة فى المحلة قرينة على أن القتل حدث من سكانها، وأساس القسامة عند من يشترطون اللوث أن وجود اللوث قرينة على أن المتهم هو القاتل، فرؤية شخص على مقربة من الجثة ملوث بالدماء لوث وهذا اللوث قرينة على أن هذا الشخص هو القاتل. ومن ذلك النكول عند من يرى أن النكول يؤدى إلى إثبات الجريمة، فإن ثبوت الجريمة عن طريق النكول إثبات بالقرينة إذ النكول ليس إلا قرينة على أن الاتهام الموجه للمتهم صحيح (2) .
ومن ذلك إثبات الزنا بالحمل فإن الحمل قرينة على الوطء المحرم المعتبر زنا (3) .
ومن ذلك إثبات شرب الخمر بانبعاث رائحتها من فم المتهم، فإن ثبوت الجريمة أساسه القرينة المستفادة من انبعاث رائحة الخمر من فم المتهم والتى تفيد أنه شرب الخمر (4) .
_________
(1) بدائع الصنائع ج7 ص289 , 290.
(2) نهاية المحتاج ج7 ص 376، المغنى ج10 ص 6، شرح الزرقانى ج8 ص107، طرق الإثبات الشرعية ص 438 وما بعدها.
(3) شرح الزرقانى ج8 ص 81، المغنى ج10ص 192.
(4) المغنى ج10 ص322، شرح الزرقانى ج8 ص 113، الطرق الحكمية ص6.
(2/339)

ومن ذلك ثبوت السرقة على من يوجد فى حيازته المال المسروق، وأساس الثبوت هنا هو القرينة المستفادة من وجود المال فى حيازة المتهم والتى تدل غالبًا على أنه هو الذى سرقه (1) .
ومن ذلك جواز دفع اللقطة لمن يصفها بمميزاتها، وكذلك الوديعة والمسروقات، ما دام صاحب اللقطة أو الوديعة أو المال المسروق مجهولًا، وأساس هذا الحكم القرينة المستفادة من بيان صفات ومميزات الشىء والتى تدل على أن من وصفه هو صاحبه (2) .
وليس يخلو مذهب فقهى من المذاهب الإسلامية من الاعتماد على القرائن فى استنباط الأحكام الفرعية، كما أن كثيرًا من الأحكام الأساسية أقامتها الشريعة على أساس القرائن، كقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "الولد للفراش"، فإن قيام الزوجية جعل دليلًا لإثبات الدعاوى الجنائية والمدنية ولهم فى ذلك آثار مشهورة (3) .
وبالرغم من إقامة كثير من أحكام الشريعة على القرائن واتجاه القضاء من وقت نزول الشريعة إلى الأخذ بالقرائن، فإن جمهور الفقهاء لا يسلم باعتبار القرائن دليلًا. عامًا من أدلة الإثبات فى الجرائم اللهم إلا فيما نص عليه بنص خاص كالقسامة، ولعل عذرهم فى ذلك أن القرائن فى أغلب الأحوال قرائن غير قاطعة وأنها تحمل أكثر من وجه، فإذا اعتمد عليها كدليل لإثبات الجريمة فقد اعتمد على دليل مشكوك فيه لا يمكن التسليم مقدمًا بصحته.
أما أقلية الفقهاء فيرون الأخذ بالقرائن فى إثبات الجرائم مع الاعتدال، ومن
_________
(1) الطرق الحكمية ص 6.
(2) طرق الإثبات الشرعية ص 518.
(3) طرق الإثبات الشرعية ص 63 - 66.
(2/340)


هؤلاء ابن القيم فإنه يرى أن الحاكم إذا أهمل الحكم بالقرائن أضاع حقًا كثيرًا وأقام باطلًا كبيرًا، وأنه إن توسع وجعل معوله عليها دون الأوضاع الشرعية وقع فى أنواع من الظلم والفساد (1) .
* * *

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق