الاثنين، 15 يونيو 2015

كتاب الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام – باب النفقة وما يتعلق بها

كتاب
 الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام
المعروف  بشرح ميارة
المؤلف
 أبو عبد الله، محمد بن أحمد بن محمد الفاسي، ميارة
(المتوفى: 1072هـ)


الناشر: دار المعرفة
عدد الأجزاء: 2
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]



[بَابُ النَّفَقَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]
(ابْنُ عَرَفَةَ) النَّفَقَةُ مَا بِهِ قِوَامُ مُعْتَادِ حَالِ آدَمِيٍّ دُونَ سَرَفٍ (الرَّصَّاعُ) قَوْلُهُ: " مَا بِهِ قِوَامُ مُعْتَادِ حَالِ آدَمِيٍّ " أَخْرَجَ بِهِ مَا بِهِ قِوَامُ مُعْتَادِ غَيْرِ آدَمِيٍّ، وَمَا لَيْسَ مُعْتَادًا فِي حَالِ الْآدَمِيِّ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَفَقَةٍ شَرْعًا. وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ: " دُونَ سَرَفٍ " السَّرَفَ، فَلَيْسَ بِنَفَقَةٍ شَرْعًا إلَخْ، وَلَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِهِ، وَالْمُرَادُ هُنَا بِالنَّفَقَةِ: النَّفَقَةُ الَّتِي يُحْكَمُ بِهَا. وَفِي دُخُولِ الْكُسْوَةِ فِي النَّفَقَةِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ، ذَكَرَهُ ابْنُ سَهْلٍ وَغَيْرُهُ، وَعَلَيْهِ مَنْ الْتَزَمَ نَفَقَةَ رَجُلٍ، هَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ كُسْوَتُهُ؟ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ زَرْبٍ أَوْ لَا تَجِبُ؟ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سَهْلٍ وَابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِمْ (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) : لِأَنَّ النَّفَقَةَ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ فَقَدْ تُعُرِّفَتْ عِنْدَ أَكْثَرِ النَّاسِ بِالطَّعَامِ دُونَ الْكُسْوَةِ. (قَالَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا حَاصِلُهُ) : إنَّ النَّفَقَةَ مَوْضُوعَةٌ لِلطَّعَامِ وَالْكُسْوَةِ، ثُمَّ تَخَصَّصَتْ عِنْدَنَا عُرْفًا بِالطَّعَامِ فَقَطْ اهـ. وَقَوْلُهُ: " وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا " الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالنَّفَقَةِ مَا يَجِبُ مِنْهَا لِلْمُطَلَّقَاتِ، وَمَا يَلْحَقُ بِهَا مِنْ كُسْوَةٍ وَإِسْكَانٍ، وَحُكْمِ الْمُعْسِرِ بِهَا.
وَيَجِبُ الْإِنْفَاقُ لِلزَّوْجَاتِ ... فِي كُلِّ حَالَةٍ مِنْ الْحَالَاتِ
وَالْفَقْرُ شَرْطُ الْأَبَوَيْنِ وَالْوَلَدْ ... عَدَمُ مَالٍ وَاتِّصَالٌ لِلْأَمَدْ
فَفِي الذُّكُورِ لِلْبُلُوغِ يَتَّصِلْ ... وَفِي الْإِنَاثِ بِالدُّخُولِ يَنْفَصِلْ
وَالْحُكْمُ فِي الْكُسْوَةِ حُكْمُ النَّفَقَهْ ... وَمُؤَنُ الْعَبْدِ تَكُونُ مُطْلَقَهْ
ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ أَسْبَابَ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَشُرُوطَهَا، وَأَسْبَابُهَا - كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ ثَلَاثَةٌ: النِّكَاحُ، وَالْقَرَابَةُ، وَالْمِلْكُ، فَتَجِبُ فِي النِّكَاحِ بِالدُّخُولِ، أَوْ بِالدُّعَاءِ إلَى الدُّخُولِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا مَرِيضًا مَرَضَ السِّيَاقِ وَالزَّوْجُ بَالِغٌ وَالزَّوْجَةُ مُطِيقَةٌ لِلْوَطْءِ. كَذَا فِي ابْنِ الْحَاجِبِ وَجَعَلَ فِي التَّوْضِيحِ السَّلَامَةَ مِنْ الْمَرَضِ، وَالْبُلُوغَ فِي الزَّوْجِ، وَإِطَاقَةَ الْوَطْءِ فِي الزَّوْجَةِ، شُرُوطًا فِي الدُّعَاءِ لِلدُّخُولِ، فَإِذَا دُعِيَ إلَيْهِ وَقَدْ اخْتَلَّ أَحَدُ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَلَا تَجِبُ، أَمَّا إنْ دَخَلَ فَتَجِبُ النَّفَقَةُ بِغَيْرِ شَرْطٍ.
وَجَعَلَهَا اللَّقَانِيِّ شَرْطًا فِي الدُّخُولِ وَفِي الدُّعَاءِ إلَيْهِ، فَلَا تَجِبُ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ وَلَوْ دَخَلَ بِهَا إلَّا إذَا بَلَغَ الزَّوْجُ، وَأَطَاقَتْ الزَّوْجَةُ الْوَطْءَ، وَلَمْ يُعَضِّدْهُ بِنَقْلٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الدُّعَاءِ فَقَطْ، كَمَا فِي التَّوْضِيحِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَتُعْتَبَرُ بِحَالِ الزَّوْجِ، وَالزَّوْجَةِ، وَالْبَلَدِ، وَالسِّعْرِ، وَتَجِبُ نَفَقَتُهَا كَانَتْ غَنِيَّةً أَوْ فَقِيرَةً حُرَّةً أَوْ أَمَةً، كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ:
فِي كُلِّ حَالَةٍ مِنْ الْحَالَاتِ
(ابْنُ سَلْمُونٍ) وَعَلَى الْعَبْدِ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ، وَكِسْوَتُهَا طُولَ بَقَائِهَا فِي عِصْمَتِهِ مِنْ كَسْبِهِ، وَلَا يَمْنَعُهُ سَيِّدُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَمَةً فَنَفَقَتُهَا كَذَلِكَ عَلَى زَوْجِهَا، حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا، بَوَّأَهَا مَعَهُ السَّيِّدُ بَيْتًا أَمْ لَا.
وَقَالَ أَشْهَبُ لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ بِحَالٍ وَهِيَ عَلَى السَّيِّدِ، وَقِيلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يُبَوِّئَهَا سَيِّدُهَا مَعَ زَوْجِهَا بَيْتًا فَتَلْزَمُ الزَّوْجَ أَوْ لَا يُبَوِّئُهَا فَتَسْقُطُ عَنْ الزَّوْجِ، اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ.
وَأَمَّا نَفَقَةُ الْقَرَابَةِ: فَعَلَى الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ الَّذِينَ لَا مَالَ لَهُمْ عَلَى الذُّكُورِ حَتَّى يَحْتَلِمُوا، وَلَا زَمَانَةَ بِهِمْ، وَعَلَى الْإِنَاثِ حَتَّى يُنْكَحْنَ وَيَدْخُلَ بِهِنَّ أَزْوَاجُهُنَّ وَعَلَى الْأَبَوَيْنِ الْفَقِيرَيْنِ بِشَرْطِ الْحُرِّيَّةِ فِي الْمُنْفِقِ وَالْمُنْفَقِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْمَمْلُوكُ: فَنَفَقَتُهُ عَلَى مَالِكِهِ، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ أَوْلَادِهِ وَلَا نَفَقَةُ أَبَوَيْهِ، إذْ لَيْسَ لَهُ إتْلَافُ مَالِ سَيِّدِهِ وَلَا يَطْلُبُهُ
(1/249)

أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَيِّدِهِ.
وَعَلَى اسْتِمْرَارِ نَفَقَةِ الْأَوْلَادِ إلَى الْأَمَدِ الْمَذْكُورِ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: " وَاتِّصَالٌ لِلْأَمَدِ " ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ الْأَمَدَ بِقَوْلِهِ:
فَفِي الذُّكُورِ لِلْبُلُوغِ يَتَّصِلْ ... وَفِي الْإِنَاثِ بِالدُّخُولِ يَنْفَصِلْ
(ابْنُ الْحَاجِبِ) . وَتَجِبُ عَلَى الْأَبِ الْحَرِّ نَفَقَةُ وَلَدِهِ الْفَقِيرِ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ لَهُ، وَنَفَقَةُ الذَّكَرِ حَتَّى يَحْتَلِمَ، عَاقِلًا غَيْرَ زَمِنٍ بِمَا يَمْنَعُ التَّكَسُّبَ، وَقِيلَ: حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَالْبِنْتُ حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا الزَّوْجُ، وَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَبَقِيَتْ كَافِرَةً، وَلَوْ عَادَتْ بَالِغَةً أَوْ عَادَتْ الزَّمَانَةُ لِلذَّكَرِ لَمْ تَعُدْ، ثُمَّ لَهُمَا أَنْ يَذْهَبَا حَيْثُ شَاءَا إلَّا أَنْ يُخَافَ سَفَهٌ؛ فَيَمْنَعَهُمَا الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ. (التَّوْضِيحُ) وَاحْتُرِزَ بِوَصْفِ الْأَبِ بِالْحُرِّيَّةِ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْأَبُ عَبْدًا أَوْ فِيهِ شَائِبَةٌ مِنْ شَوَائِبِ الْحُرِّيَّةِ، فَلَا نَفَقَةَ لِوَالِدِهِ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَا نَفَقَةَ لِلْوَلَدِ الرَّقِيقِ عَلَى أَبِيهِ، وَشَرَطَ فِي نَفَقَةِ الْوَلَدِ أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا، وَأَمَّا إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: أَوْ يَكُونُ اكْتَسَبَ مَا يَسْتَغْنِي بِهِ فَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لِلْبِنْتِ مَا تَسْتَغْنِي بِهِ فَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا، فَإِنْ كَانَتْ الصَّنْعَةُ لَا تَكْفِي أُعْطِيت تَمَامَ الْكِفَايَةِ (اللَّخْمِيُّ) وَإِذَا كَسَدَتْ الصَّنْعَةُ عَادَتْ النَّفَقَةُ عَلَى الْأَبِ، وَاشْتَرَطَ هُنَا الْفَقْرَ وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْوَلَدِ مُوَاسَاةٌ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهَا مُعَاوَضَةٌ. وَقَوْلُهُ: " وَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْبُلُوغِ " أَيْ: وَلَوْ أَسْلَمَ الْأَبُ بَعْدَ بُلُوغِ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ وَبَقِيَتْ هِيَ كَافِرَةً فَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا، وَذَكَرَهَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ خُرُوجُهَا لِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ، وَكَذَلِكَ نَصَّ اللَّخْمِيُّ عَلَى الْوُجُوبِ فِي عَكْسِ هَذِهِ الصُّورَةِ، أَعْنِي: إذَا أَسْلَمَتْ بَعْدَ بُلُوغِهَا وَبَقِيَ هُوَ كَافِرًا، لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا عَنْهُ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ.
وَقَوْلُهُ: " وَلَوْ عَادَتْ بَالِغَةً " إلَخْ يَعْنِي فَلَوْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ ثُمَّ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا وَعَادَتْ إلَى أَبِيهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ بَالِغَةً لَمْ تَعُدْ نَفَقَتُهَا عَلَى الْأَبِ. (مَالِك) فَإِنْ طَلُقَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَهِيَ عَلَى نَفَقَتِهَا، وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهَا لَوْ عَادَتْ غَيْرَ بَالِغَةٍ لَوَجَبَ عَلَى الْأَبِ الْإِنْفَاقُ، وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ قَالَ: تَعُودُ نَفَقَتُهَا وَلَا يُسْقِطُهَا بُلُوغُهَا بَلْ حَتَّى تَتَزَوَّجَ زَوْجًا آخَرَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا تَعُودُ أَصْلًا. وَقِيلَ: تَعُودُ إلَى أَنْ تَبْلُغَ فَتَسْقُطَ.
قَالَ: وَلَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ لِتَرْشِيدِهِ لِاِبْنَتِهِ. وَقَوْلُهُ: " أَوْ عَادَتْ الزَّمَانَةُ لِلذَّكَرِ " يَعْنِي إنْ بَلَغَ الِابْنُ زَمِنًا وَقُلْنَا بِاسْتِمْرَارِ نَفَقَتِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ ثُمَّ صَحَّ وَحَكَمْنَا بِسُقُوطِ نَفَقَتِهِ ثُمَّ زَمِنَ فَإِنَّ النَّفَقَةَ لَا تَعُودُ إلَى الْأَبِ اهـ.
(وَفِي الْمُقَرِّبِ) قُلْت لَهُ: أَرَأَيْت الصَّبِيَّ الصَّغِيرَ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَأَبَوَاهُ مُعْسِرَانِ أَيُنْفَقُ عَلَيْهِمَا مِنْ مَالِ هَذَا الِابْنِ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ يُنْفَقُ عَلَيْهِمَا مِنْ مَالِ الْوَلَدِ، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، مُتَزَوِّجَةً كَانَتْ الْأُمُّ أَوْ غَيْرَ مُتَزَوِّجَةٍ اهـ. وَقَوْلُهُ:
وَالْحُكْمُ فِي الْكُسْوَةِ حُكْمُ النَّفَقَةِ
يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ الْكُسْوَةِ حُكْمُ النَّفَقَةِ فَحَيْثُ تَجِبُ النَّفَقَةُ تَجِبُ الْكُسْوَةُ وَحَيْثُ لَا فَلَا
(1/250)

أُجْرَةَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
وَقَوْلُهُ:
وَمُؤَنُ الْعَبْدِ تَكُونُ مُطْلَقَا
أَيْ: عَلَى سَيِّدِهِ، وَمُؤْنَتُهُ: نَفَقَتُهُ وَكُسْوَتُهُ. وَهَذِهِ إشَارَةٌ إلَى السَّبَبِ الثَّالِثِ مِنْ أَسْبَابِ النَّفَقَةِ وَهُوَ الْمَلِكُ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَتَجِبُ نَفَقَةُ مِلْكِ الْيَمِينِ وَإِلَّا بِيعَ عَلَيْهِ (التَّوْضِيحُ) تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ (فَرْعٌ) إذَا تَبَيَّنَ ضَرَرُهُ بِعَبْدِهِ فِي تَجْوِيعِهِ وَتَكْلِيفِهِ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ بِيعَ عَلَيْهِ اهـ.
(وَفِي الرِّسَالَةِ) وَعَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى عَبِيدِهِ وَيُكَفِّنَهُمْ إنْ مَاتُوا.
وَمُنْفِقٌ عَلَى صَغِيرٍ مُطْلَقَا ... لَهُ الرُّجُوعُ بِاَلَّذِي قَدْ أَنْفَقَا
عَلَى أَبٍ أَوْ مَالِ الِابْنِ وَأُبِيَا ... إلَّا بِعِلْمِ الْمَالِ أَوْ يُسْرِ الْأَبِ
وَيَرْجِعُ الْوَصِيُّ مُطْلَقًا بِمَا ... يُنْفِقُهُ وَمَا الْيَمِينَ أُلْزِمَا
وَغَيْرُ مُوصٍ يُثْبِتُ الْكَفَالَهْ ... وَمَعْ يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ مَالَهْ
(1/251)

يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَنْفَقَ عَلَى صَغِيرٍ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ أَبٌ أَوْ يَتِيمًا، وَهُوَ مُرَادُهُ بِالْإِطْلَاقِ، فَإِنَّ لَهُ الرُّجُوعَ مِمَّا أَنْفَقَ، وَيَكُونُ رُجُوعُهُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَعَلِمَ بِهِ الْمُنْفِقُ، أَوْ فِي مَالِ الْأَبِ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَعَلِمَ الْمُنْفِقُ بِيُسْرِهِ. وَهَذَا مَعْنَى الْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، فَإِنْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَالٌ رَجَعَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ.
(قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) : إنْ كَانَ لِلصَّبِيِّ ذِي الْأَبِ أَوْ لِلْيَتِيمِ مَالٌ فَلِلْمُنْفِقِ عَلَيْهِمَا الرُّجُوعُ عَلَيْهِمَا فِي أَمْوَالِهِمَا، إنْ كَانَتْ لَهُ بِالنَّفَقَةِ بَيِّنَةٌ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ أَنَّهُ إنَّمَا يُنْفِقُ لِيَرْجِعَ بِهِ بَعْدَ يَمِينِهِ أَنَّهُ إنَّمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِمَا لِيَرْجِعَ فِي أَمْوَالِهِمَا لَا عَلَى وَجْهِ الْحِسْبَةِ، وَيُسْرُ أَبِي الْوَلَدِ كَمَالِهِ، وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى السَّبَائِيُّ أَنْ لَا رُجُوعَ فِي أَمْوَالِهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَشْهَدَ أَنَّهُ إنَّمَا أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ بِذَلِكَ، وَهَذَا إذَا أَنْفَقَ وَهُوَ يَعْلَمُ مَالَ الْيَتِيمِ، أَوْ يُسْرَ الْأَبِ، وَلَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهِمَا ظَانًّا أَنَّهُ لَا مَالَ لِلْيَتِيمِ، وَلَا لِلِابْنِ، وَلَا لِأَبِيهِ، ثُمَّ عَلِمَ ذَلِكَ فَلَا رُجُوعَ. وَقِيلَ: لَهُ الرُّجُوعُ.
وَالْقَوْلَانِ قَائِمَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. وَسَمِعَ سَحْنُونٌ مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ غَابَ أَوْ فُقِدَ فَأَنْفَقَ رَجُلٌ عَلَى وَلَدِهِ فَقَدِمَ أَوْ مَاتَ فِي غَيْبَتِهِ وَعَلِمَ أَنَّهُ كَانَ عَدِيمًا؛ لَمْ يَتْبَعْهُ بِمَا أَنْفَقَ.
(قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) : لِأَنَّ الْوَلَدَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِأَبِيهِ وَلَا لَهُ مَالٌ فَهُوَ كَالْيَتِيمِ، النَّفَقَةُ عَلَيْهِ احْتِسَابًا.
(قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : يَرْجِعُ بِسِتَّةِ شُرُوطٍ: أَنْ يَكُونَ لِلصَّبِيِّ مَالٌ حِينَ الْإِنْفَاقِ، وَأَنْ يَكُونَ قَدْ عَلِمَ بِهِ الْمُنْفِقُ، وَأَنْ يَكُونَ مَالُهُ غَيْرَ عَيْنٍ، وَأَنْ يَنْوِيَ الْمُنْفِقُ الرُّجُوعَ بِنَفَقَتِهِ، وَأَنْ يَحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ غَيْرَ سَرَفٍ اهـ.
مِنْ شَرْحِ الرِّسَالَةِ لِلْقَلَشَانِيِّ بِتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ وَبَعْضِ اخْتِصَارٍ. (وَفِي الْمُقَرِّبِ) قُلْت: فَمَنْ كَفَلَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إنَّمَا أَنْفَقْتُ عَلَيْهِ لِأَرْجِعَ بِهِ فِي مَالِهِ. فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُ، وَسَوَاءٌ أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ.
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. (قُلْت) فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا غَابَ عَنْ أَوْلَادٍ لَهُ صِغَارٍ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُ وَالِدُهُمْ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَدِمَ وَالِدُهُمْ أَيَكُونُ لِهَذَا الرَّجُلِ أَنْ يَتْبَعَهُ بِمَا أَنْفَقَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إذَا كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا يَوْمَ أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ إذَا قَالَ: أَنْفَقْتُ عَلَيْهِمْ عَلَى وَجْهِ السَّلَفِ، وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَتْ لَهُ أَيْضًا بَيِّنَةٌ بِالْإِنْفَاقِ. (وَفِي النَّوَادِرِ) وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ أَنْفَقَ عَلَى صَبِيٍّ عَلَى الْحِسْبَةِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ لَهُ أَبًا مُوسِرًا لَمْ يَتْبَعْهُ بِشَيْءٍ، إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْأَبَ تَعَمَّدَ ذَلِكَ بِهِمْ. (فَرْعٌ) مَنْ أَنْفَقَ عَلَى يَتِيمٍ وَوَجَبَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ هَلْ يُكَلَّفُ بِيَمِينِ الْقَضَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ إنْفَاقَهُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ وَلَا أَسْقَطَهُ لِإِمْكَانِ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْيَتِيمِ كَالْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ؟ وَانْظُرْ فِي مَسَائِلِ الْمَحْجُورِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ سَهْلٍ هَذَا فِي غَيْرِ الْوَصِيِّ.
وَأَمَّا الْوَصِيُّ فَقَدْ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ يَمِينُ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى الْيَتِيمِ لِيَرْجِعَ بِهِ فِي مَالِهِ، وَسَوَاءً أَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ هُوَ قَائِمٌ بِمَا أَنْفَقَ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الطُّرَرِ. (فَرْعٌ) وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ قَالَ بَعْضُ الْمُفْتِينَ فِي الْمَرْأَةِ تَتَزَوَّجُ وَيَتَطَوَّعُ زَوْجُهَا بِنَفَقَةِ ابْنِهَا، ثُمَّ تُرِيدُ الرُّجُوعَ بِهَا عَلَى ابْنِهَا، فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَكَانَ لَهُ مَالٌ وَقْتَ الْإِنْفَاقِ، فَإِنَّهَا لَا رُجُوعَ لَهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ مِنْ الزَّوْجِ وَصْلَةٌ لِلرَّبِيبِ، وَالْأُمُّ لَمْ تَتْرُكْ عَلَى ذَلِكَ مِنْ حَقِّهَا شَيْئًا اهـ. (قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ) وَقَدْ قُلْت فِي ذَلِكَ بَيْتًا وَهُوَ:
وَمَنْ بِإِنْفَاقِ الرَّبِيبِ طَاعَ لَا ... رُجُوعَ لِلْأُمِّ عَلَى ابْنٍ فَاقْبَلَا
(تَنْبِيهٌ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُنْفِقَ عَلَى الصَّغِيرِ إذَا لَمْ يُشْهِدْ أَنَّهُ إنَّمَا أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ، وَيَرْجِعُ، وَكَذَلِكَ يَرْجِعُ إذَا أَنْفَقَ وَلَمْ يَنْوِ رُجُوعًا وَلَا عَدَمَهُ، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ رُجُوعًا وَلَا عَدَمَ الرُّجُوعِ، وَيَرْجِعُ. نَقَلَهُ صَاحِبُ الْمِعْيَارِ فِي أَثْنَاءِ جَوَابِ الْعَبْدُوسِيِّ بَعْدَ كَرَاسِينَ مِنْ نَوَازِلِ الْأَحْبَاسِ، قَوْلُهُ:
وَيَرْجِعُ الْوَصِيُّ مُطْلَقًا بِمَا ... يُنْفِقُهُ وَمَا الْيَمِينَ أُلْزِمَا
وَغَيْرُ مُوصٍ يُثْبِتُ الْكَفَالَهْ ... وَمَعْ يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ مَالَهْ
يَعْنِي أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا أَنْفَقَ عَلَى مَحْجُورِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَ. سَوَاءً أَشْهَدَ أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ أَوْ لَا، كَانُوا فِي حَضَانَتِهِ أَوْ لَا، وَهُوَ مُرَادُهُ بِالْإِطْلَاقِ، فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ، فَيُصَدَّقُ فِي قَصْدِ الرُّجُوعِ، وَعَلَى سُقُوطِ الْيَمِينِ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: " وَمَا الْيَمِينَ أُلْزِمَا " فَمَا نَافِيَةٌ، أَيْ: لَمْ يُلْزِمْهُ الشَّرْعُ يَمِينًا عَلَى ذَلِكَ، قَوْلُهُ: " وَغَيْرُ مُوصٍ الْبَيْتَ، هُوَ تَفْصِيلٌ لِمَا أَجْمَلَ فِي قَوْلِهِ صَدْرَ الْمَسْأَلَةِ:
وَمُنْفِقٌ عَلَى صَغِيرٍ مُطْلَقَا
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُنْفِقَ عَلَى الصَّغِيرِ إنْ كَانَ وَصِيًّا عَلَيْهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ
(1/252)

مُطْلَقًا، كَانُوا فِي حَضَانَتِهِ أَوْ لَا، إنْ لَمْ يَكُنْ وَصِيًّا فَإِنَّمَا يَرْجِعُ إذَا أَثْبَتَ أَنَّهُمْ فِي كَفَالَتِهِ وَحَلَفَ أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ، وَأَنَّ النَّفَقَةَ مِنْ عِنْدِهِ.
(وَفِي كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ) قَالَ الْمُشَاوِرُ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَهَا أَوْلَادٌ وَكَانَ الْأَوْلَادُ مَعَ أُمِّهِمْ عَلَى مَائِدَةِ الزَّوْجِ وَفِي بَيْتِهِ وَدَارِهِ زَمَانًا وَلَهُمْ أُصُولٌ وَدُورٌ فَلَمَّا بَلَغُوا قَامَ يَطْلُبهُمْ بِالنَّفَقَةِ فَأَنْكَرُوهُ وَقَالُوا: لَمْ نَأْكُلْ إلَّا مَالَنَا، وَأَقَامَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى مَائِدَتِهِ، وَلَا يَعْلَمُونَ الْإِنْفَاقَ مِمَّنْ كَانَ مِنْهُمْ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ الْحَاضِرِ الْمُنْفِقِ بِيَمِينِهِ، وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ فِي غَلَّةِ أُصُولِهِمْ، وَفِي الْأُصُولِ إنْ لَمْ تَفِ الْغَلَّاتُ بِذَلِكَ، فَإِنْ شَطَّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ إتْبَاعُهُمْ بِهِ اهـ. نَقَلَهُ ابْنُ سَلْمُونٍ.
[فَصْلٌ فِي التَّدَاعِي فِي النَّفَقَةِ]
ِ
وَمَنْ يَغِبْ عَنْ زَوْجَةٍ وَلَمْ يَدَعْ ... نَفَقَةً لَهَا وَبَعْدَ أَنْ رَجَعْ
نَاكَرَهَا فِي قَوْلِهَا فِي الْحِينِ ... فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ
مَا لَمْ تَكُنْ لِأَمْرِهَا قَدْ رَفَعَتْ ... قَبْلَ إيَابِهِ لِيَقْوَى مَا ادَّعَتْ
فَيَرْجِعُ الْقَوْلُ لَهَا مَعَ الْحَلِفْ ... وَالرَّدُّ لِلْيَمِينِ فِيهِمَا عُرِفْ
وَحُكْمُ مَا عَلَى بَنِيهِ أَنْفَقَتْ ... كَحُكْمِ مَا لِنَفْسِهَا قَدْ وَثَّقَتْ
فَإِنْ يَكُنْ قَبْلَ الْمَغِيبِ طَلَّقَا ... فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِذَاكَ مُطْلَقَا
إنْ أَعْمَلَتْ فِي ذَلِكَ الْيَمِينَا ... وَأَثْبَتَتْ حَضَانَةَ الْبَنِينَا
يَعْنِي أَنَّ الرَّجُلَ إذَا غَابَ عَنْ زَوْجَتِهِ مُدَّةً وَلَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً فَلَمَّا قَدِمَ وَطَالَبَتْهُ بِمَا أَنْفَقَتْ عَلَى نَفْسِهَا، ادَّعَى أَنَّهُ تَرَكَ لَهَا نَفَقَتَهَا، فَإِنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الزَّوْجِ، أَنَّهُ تَرَكَ النَّفَقَةَ وَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ مَا لَمْ تَكُنْ رَفَعَتْ أَمْرَهَا لِلْحَاكِمِ فِي مَغِيبِهِ، فَتَقْوَى دَعْوَاهَا، وَيَرْجِعُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا مَعَ يَمِينِهَا أَيْضًا.
وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: " وَمَنْ يَغِبْ عَنْ زَوْجَةٍ إلَى قَوْلِهِ:
فَيَرْجِعُ الْقَوْلُ لَهَا مَعَ الْحَلِفْ
قَوْلُهُ:
وَالرَّدُّ لِلْيَمِينِ فِيهِمَا عُرِفَ
يَعْنِي: أَنَّ مَنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مِنْ الزَّوْجَيْنِ مَعَ يَمِينِهِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْآخَرِ، فَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ لِلزَّوْجِ فَرَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمَرْأَةِ حَلَفَتْ وَلَزِمَتْهُ النَّفَقَةُ. وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ لِلزَّوْجَةِ فَرَدَّتْ الْيَمِينَ عَلَى الزَّوْجِ حَلَفَ وَبَرِيءَ.
هَذَا فِيمَا أَنْفَقَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا، أَمَّا مَا أَنْفَقَتْهُ عَلَى بَنِيهَا مِنْهُ فَيَجْرِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ تَرْفَعَ ذَلِكَ لِلْقَاضِي قَبْلَ قُدُومِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا أَوْ لَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِ مَنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مِنْهُمَا وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ بِقَوْلِهِ:
وَحُكْمُ مَا عَلَى بَنِيهِ أَنْفَقَتْ
الْبَيْتَ هَذَا كُلُّهُ إنْ غَابَ وَهِيَ فِي عِصْمَتِهِ، أَمَّا إنْ طَلَّقَهَا بَائِنًا ثُمَّ غَابَ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا فِي النَّفَقَةِ رَفَعَتْ لِلْقَاضِي أَوْ لَمْ تَرْفَعْ وَهُوَ
(1/253)

مَعْنَى الْإِطْلَاقِ فِي قَوْلِهِ: " بِذَاكَ مُطْلَقًا. وَالْبَاءُ ظَرْفِيَّةٌ، وَالْإِشَارَةُ لِلْإِنْفَاقِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا إذَا حَلَفَتْ وَأَثْبَتَتْ أَنَّ الْأَوْلَادَ كَانُوا فِي حَضَانَتِهَا.
(قَالَ فِي الْمُقَرِّبِ) قُلْت: فَإِنْ قَامَتْ امْرَأَةٌ عَلَى زَوْجِهَا فَادَّعَتْ أَنَّهُ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا سِنِينَ، فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ، وَيَحْلِفُ إنْ ادَّعَى الْإِنْفَاقَ وَكَانَ مُوسِرًا مُقِيمًا مَعَهَا بِالْبَلَدِ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَلَمَّا قَدِمَ قَامَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَبْعَثُ إلَيْهَا بِالنَّفَقَةِ. فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ قَدْ رَفَعَتْ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ وَاسْتَرْعَتْ عَلَيْهِ فِي مَغِيبِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ مِنْ يَوْمِ رَفَعَتْ وَلَا يُبَرِّئُهُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِمَخْرَجٍ مِنْ ذَلِكَ، وَفِيهِ أَيْضًا قَالَ مُحَمَّدٌ وَإِذَا أَنْفَقَتْ امْرَأَةٌ عَلَى أَوْلَادٍ لَهَا صِغَارٍ فِي مَغِيبِ زَوْجِهَا ثُمَّ قَدِمَ فَطَالَبَتْهُ بِذَلِكَ فَحَالُهَا فِيمَا تَدَّعِي مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِهَا كَحَالِ مَا تَدَّعِي أَنَّهَا أَنْفَقَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا. كَذَلِكَ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ، فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُطَلَّقَةً كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا فِي نَفَقَتِهَا وَنَفَقَةِ بَنِيهَا إنْ كَانَتْ حَاضِنَةً لَهُمْ اهـ.
ابْنُ الْحَاجِبِ فَإِنْ تَنَازَعَا فِي إعْطَائِهَا وَإِرْسَالِهَا فَثَالِثُهَا الْمَشْهُورُ إنْ كَانَتْ رَفَعَتْ أَمْرَهَا إلَى الْحَاكِمِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مِنْ يَوْمئِذٍ، وَأَمَّا الْحَاضِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِلْعُرْفِ، وَلَهَا طَلَبُهُ عِنْدَ سَفَرِهِ بِنَفَقَةِ الْمُسْتَقْبَلِ يَدْفَعُهَا لَهَا أَوْ يُقِيمُ لَهَا كَفِيلًا يُجْرِيهَا عَلَيْهَا اهـ
فَإِنْ يَكُنْ مُدَّعِيًا حَالَ الْعَدَم ... طُولَ مَغِيبِهِ وَحَالُهُ انْبَهَمْ
فَحَالَةُ الْقُدُومِ لِابْنِ الْقَاسِمِ ... مُسْتَنِدٌ لَهَا قَضَاءُ الْحَاكِم
فَمُعْسِرٌ مَعَ الْيَمِينِ صُدِّقَا ... وَمُوسِرٌ دَعْوَاهُ لَنْ تُصَدَّقَا
وَقِيلَ بِاعْتِبَارِ وَقْتِ السَّفَرِ ... وَالْحُكْمُ بِاسْتِصْحَابِ حَالِهِ حَرْ
وَقِيلَ بِالْحَمْلِ عَلَى الْيَسَارِ ... وَالْقَوْلُ بِالتَّصْدِيقِ أَيْضًا جَارِ
يَعْنِي إذَا قَدِمَ الزَّوْجُ مِنْ مَغِيبِهِ فَطَلَبَتْهُ بِالنَّفَقَةِ مُدَّةَ الْغَيْبَةِ فَزَعَمَ أَنَّهُ كَانَ مُعْسِرًا، لَا تَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ فِي مُدَّةِ الْغَيْبَةِ شَيْئًا، وَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ الْمَرْأَةُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُجْهَلَ حَالُهُ يَوْمَ خُرُوجِهِ أَوْ يُعْلَمَ، فَإِنْ جُهِلَ حَالُهُ يَوْمَ خُرُوجِهِ فَلَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ إذْ ذَاكَ مَلِيًّا وَلَا مُعْدِمًا فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَوَّلُهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِحَالَةِ قُدُومِهِ عَلَى حَالَةِ غَيْبَتِهِ، فَيُصَدَّقُ مَعَ يَمِينِهِ إنْ قَدِمَ مُعْدِمًا، وَلَا يُصَدَّقُ إنْ قَدِمَ مُوسِرًا.
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ تَغْيِيرِ الْحَالِ. قَالَ فِي الْبَيَانِ وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ
فَحَالَةُ الْقُدُومِ لِابْنِ الْقَاسِمِ
الْبَيْتَيْنِ الْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْيَسَارِ فَلَا يُصَدَّقُ فِيمَا ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ فِي مَغِيبِهِ مُعْدِمًا وَإِنْ قَدِمَ مُعْدِمًا، قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ عَلَى مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ.
وَفِي التَّوْضِيحِ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ حَبِيبٍ قَالَا: عَلَيْهِ النَّفَقَةُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْغَالِبَ الْمِلَاءُ، وَلِأَنَّ كُلَّ غَرِيمٍ ادَّعَى الْعَدَمَ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، عَلَى الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ. وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ:
وَقِيلَ بِالْحَمْلِ عَلَى الْيَسَارِ
الْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ الْإِعْسَارَ حَالَةَ الْغَيْبَةِ، سَوَاءٌ قَدِمَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا، قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ سَحْنُونٍ وَابْنِ كِنَانَةَ هُنَا، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا لِابْنِ كِنَانَةَ وَسَحْنُونٍ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَمُ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ:
وَالْقَوْلُ بِالتَّصْدِيقِ أَيْضًا جَارِ
وَإِلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ مَعَ بَعْضِ الْمُخَالَفَةِ فِي التَّرْتِيبِ أَشَارَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ تَنَازَعَا فِي الْإِعْسَارِ فِي الْغَيْبَةِ فَثَالِثُهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ قَدِمَ مُعْسِرًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَإِلَّا فَقَوْلُهَا. فَالْأَوَّلُ عِنْدَهُ هُوَ الثَّالِثُ فِي النَّظْمِ، وَالثَّانِي عِنْدَهُ هُوَ الثَّانِي أَيْضًا فِي النَّظْمِ، وَالثَّالِثُ عِنْدَهُ هُوَ الْأَوَّلُ فِي النَّظْمِ هَذَا كُلُّهُ إنْ جُهِلَ حَالُهُ يَوْمَ خُرُوجِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا إنْ عُلِمَتْ حَالُهُ يَوْمَ خُرُوجِهِ مِنْ مُلَاءٍ أَوْ عَدَمٍ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا عُلِمَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ فَتُسْتَصْحَبُ تِلْكَ الْحَالُ.
وَإِنْ قَدِمَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ. وَحَكَى أَبُو عُمَرَ الْإِشْبِيلِيُّ: أَنَّهَا رِوَايَةٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ مُوسِرًا ثَبَتَ أَنَّ الْإِنْفَاقَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ إلَّا بِيَقِينٍ، وَإِذَا خَرَجَ مُعْدِمًا فَقَدْ ثَبَتَ
(1/254)

أَنَّ الْإِنْفَاقَ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِيَقِينٍ اهـ. وَإِلَى حُكْمِ مَا إذَا عُلِمَ حَالُهُ يَوْمَ خُرُوجِهِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ:
وَقِيلَ بِاعْتِبَارِ وَقْتِ السَّفَرِ
الْبَيْتَ إلَّا أَنَّ حِكَايَةَ هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي فِيمَنْ عُلِمَ حَالُهُ يَوْمَ خُرُوجِهِ أَثْنَاءَ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي فِيمَنْ جُهِلَ حَالُهُ يَوْمَ خُرُوجِهِ مِمَّا لَا يَحْسُنُ، لِأَنَّ إحْدَى الْحَالَتَيْنِ قَسِيمٌ لِلْأُخْرَى - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: وَقَدْ كَانَ إصْلَاحُهُ سَهْلًا بِأَنْ يَنْقُلَ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ مُتَوَالِيَةً يَعْنِي: يُقَدَّمُ قَوْلُهُ
وَقِيلَ بِالْحَمْلِ عَلَى الْيَسَارِ
عَلَى الْبَيْتِ قَبْلَهُ وَيَقُولُ: عِوَضَ قَوْلِهِ قَبْلَهُ
وَيْلَ بِاعْتِبَارِ وَقْتِ السَّفَرِ
مَا نَصُّهُ:
وَحَالُهُ إنْ عُلِمَتْ وَقْتَ السَّفَرْ ... فَالْحُكْمُ بِاسْتِصْحَابِهَا دُونَ النَّظَرْ
قَالَ بَلْ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ ثُمَّ عَلَى مُقْتَضَى هَذَا الْبَيْتِ الْمُصْلَحِ لَكَانَ كَافِيًا اهـ.
[فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ لِلْمُطَلَّقَاتِ وَغَيْرِهِنَّ مِنْ النَّفَقَةِ وَمَا يُلْحَقُ بِهَا]
إسْكَانُ مَدْخُولٍ بِهَا إلَى انْقِضَا ... عِدَّتِهَا مِنْ الطَّلَاقِ مُقْتَضَى
وَذَاتُ حَمْلٍ زِيدَتْ الْإِنْفَاقَا ... لِوَضْعِهَا وَالْكِسْوَةَ اتِّفَاقَا
وَمَا لَهَا إنْ مَاتَ حَمْلُ مَنْ بَقَى ... وَاسْتَثْنِ سُكْنَى إنْ يَمُتْ مَنْ طَلَّقَا
وَفِي الْوَفَاةِ تَجِبُ السُّكْنَى فَقَدْ ... فِي دَارِهِ أَوْ مَا كِرَاءَهُ نَقَدْ
وَخَمْسَةُ الْأَعْوَامِ أَقْصَى الْحَمْلِ ... وَسِتَّةُ الْأَشْهُرِ فِي الْأَقَلِّ
ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ مَا يَجِبُ لِلْمُطَلَّقَةِ مِنْ نَفَقَةٍ، وَكِسْوَةٍ وَلَهَا وَلِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا مِنْ السُّكْنَى وَمُدَّةِ الْحَمْلِ، يَعْنِي أَنَّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا فَإِنَّ لَهَا عَلَيْهِ الْإِسْكَانَ إلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، فَتَبْقَى فِي مَسْكَنِهَا الَّذِي كَانَتْ تَسْكُنُ فِيهِ قَبْلَ طَلَاقِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَلَهَا مَعَ السُّكْنَى النَّفَقَةُ، وَالْكِسْوَةُ إلَى أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا.
فَإِنْ مَاتَ الْحَمْلُ، أَوْ وَضَعَتْهُ مَيِّتًا، أَوْ حَيًّا، ثَمَّ مَاتَ سَقَطَ جَمِيعُ ذَلِكَ فَتَسْقُطُ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ بِمَوْتِ الْحَمْلِ لِأَنَّهُمَا لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ وَتَسْقُطُ السُّكْنَى لِخُرُوجِهَا مِنْ الْعِدَّةِ بِوَضْعِ حَمْلِهَا، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ
إسْكَانُ مَدْخُولٍ بِهَا إلَى انْقِضَا
إلَى قَوْلِهِ
وَمَا لَهَا إنْ مَاتَ حَمْلُ مَنْ بَقَى
فَ " مَا " نَافِيَةٌ وَضَمِيرُ " لَهَا " لِلْمَذْكُورَاتِ مِنْ السُّكْنَى وَالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ.
قَوْلُهُ:
وَاسْتَثْنِ سُكْنَى إنْ يَمُتْ مَنْ طَلَّقَا
يَعْنِي: أَنَّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَأَسْكَنَهَا ثُمَّ مَاتَ فِي عِدَّتِهَا فَإِنَّ سُكْنَاهَا لَا تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ بَلْ تَسْتَمِرُّ إلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مِنْ الطَّلَاقِ، وَلَا تَنْتَقِلُ لِعِدَّةِ الْوَفَاةِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الطَّلَاقَ بَائِنٌ. وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ مَوْتَ الْحَمْلِ يُسْقِطُ السُّكْنَى أَمَرَ بِاسْتِثْنَاءِ، أَيْ بِإِخْرَاجِ السُّكْنَى إنْ مَاتَ الْمُطَلِّقُ وَأَنَّ مَوْتَهُ لَا يُسْقِطُهَا وَإِلَى هَذَا الْفَرْعِ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَاسْتَمَرَّ إنْ مَاتَ عَلَى مَا قَرَّرَهُ عَلَيْهِ الشَّيْخُ ابْنُ غَازِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ وَاسْتَمَرَّ الْمَسْكَنُ لِلْمُطَلَّقَةِ إلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا إنْ مَاتَ الْمُطَلِّقُ فِي الْعِدَّةِ (قَالَ فِي النَّوَادِرِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ) قَالَ مَالِكٌ: وَلِلْمَبْتُوتَةِ السُّكْنَى عَلَى زَوْجِهَا فِي الْعِدَّةِ وَيُحْبَسُ فِي ذَلِكَ وَيُبَاعُ عَلَيْهِ مَا لَهُ، أَوْ يُسْتَيْقَنُ أَنْ لَا شَيْءَ لَهُ؛ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَيْهَا. وَلَا تَخْرُجُ
وَفِيهَا أَيْضًا مِنْ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْتُوتَةِ: لَا نَفَقَةَ لَهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا وَفِيهَا أَيْضًا قَالَ مُحَمَّدٌ وَإِنْ طَلَبَتْ الْكِسْوَةَ فَذَلِكَ لَهَا وَيُنْظَرُ إلَى قَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ مُدَّةِ الْحَمْلِ فَتُعْطَى بِقَدْرِ ذَلِكَ مِنْ الْكِسْوَةِ ثَمَنًا، قَالَهُ مَالِكٌ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالْكِسْوَةُ، وَالدِّرْعُ، وَالْخِمَارُ، وَالْإِزَارُ وَلَيْسَ الْجُبَّةُ عِنْدَنَا مِنْ الْكِسْوَةِ (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) وَنَحْنُ نَقْضِي هَهُنَا بِالْجُبَّةِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كُلُّهَا مِنْ الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَفِي النَّوَادِرِ وَإِذَا طَلَّقَ ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ وَهِيَ بَيِّنَةُ الْحَمْلِ فَالنَّفَقَةُ فِي رَأْسِ مَالِهِ وَكَذَلِكَ فِي الْخُلْعِ وَالْمُبَارَأَةِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي صِحَّةٍ ثُمَّ مَرَضٍ فَإِذَا مَاتَ انْقَطَعَتْ النَّفَقَةُ عَنْهَا (قَالَ فَضْلُ بْنُ سَلَمَةَ) : هَذَا خِلَافُ مَا قَالَ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ أَنَّ السُّكْنَى قَدْ وَجَبَتْ عِنْدَ الطَّلَاقِ فَلَا يَقْطَعُ الْمَوْتُ مَا قَدْ وَجَبَ اهـ.
وَعَلَى عَدِمَ انْقِطَاعِ السُّكْنَى بِمَوْتِ الْمُطَلِّقِ اعْتَمَدَ النَّاظِمُ فِي قَوْلِهِ:
وَاسْتَثْنِ سُكْنَى إنْ يَمُتْ مَنْ طَلَّقَا
وَقَوْلُهُ:
وَفِي الْوَفَاةِ تَجِبُ السُّكْنَى فَقَدْ
(1/255)

الْبَيْتُ يَعْنِي: أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَلَمْ تَكُنْ حَامِلًا فَإِنَّهَا تَجِبُ لَهَا السُّكْنَى إنْ كَانَتْ الدَّارُ مَمْلُوكَةً لِلْمَيِّتِ، أَوْ قَدْ نَقَدَ كِرَاءَهَا، وَلَا تَجِبُ لَهَا نَفَقَةٌ وَلَا كِسْوَةٌ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ " فَقَدْ " أَيْ فَحَسْبُ.
(قَالَ فِي النَّوَادِر مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ) قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ مَاتَ وَلَهُ زَوْجَةٌ وَهُوَ فِي دَارٍ هِيَ لَهُ، أَوْ نَقَدَ كِرَاءَهَا فَلَهَا السُّكْنَى، وَإِنْ أَحَاطَ بِهِ الدَّيْنُ (وَفِي ابْنِ الْحَاجِبِ) وَإِنْ كَانَ مُكْتَرًى غَيْرَ مَنْقُودٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَمْ تَكُنْ أَحَقَّ، فَتَخْرُجُ إلَّا أَنْ يُكْرِيَهَا الْوَرَثَةُ كِرَاءَ مِثْلِهَا. (التَّوْضِيحُ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَمْ يَنْقُدْ الزَّوْجُ الْكِرَاءَ لَا سُكْنَى لَهَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْكِرَاءُ مُشَاهَرَةً، أَوْ وَجِيبَةً، أَيْ فِي مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ. وَعَلَى هَذَا الظَّاهِرِ حَمَلَهُ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَفِي النُّكَتِ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ أَنَّهُ حَمَلَ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى الْمُشَاهَرَةِ، وَأَمَّا الْوَجِيبَةُ فَإِنَّهَا أَحَقُّ بِالسُّكْنَى، سَوَاءٌ نَقَدَ أَوْ لَا اهـ. وَقَوْلُهُ:
وَخَمْسَةُ الْأَعْوَامِ أَقْصَى الْحَمْلِ ... وَسِتَّةُ الْأَشْهُرِ فِي الْأَقَلِّ
لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ إذَا كَانَتْ حَامِلًا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى، تَشَوَّفَتْ النَّفْسُ وَاحْتَاجَتْ إلَى مَعْرِفَةِ مُدَّةِ الْحَمْلِ، وَلَمَّا كَانَتْ تَخْتَلِفُ بِالطُّولِ وَالْقِصَرِ اُحْتِيجَ إلَى مَعْرِفَةِ أَقَلِّهَا وَأَكْثَرِهَا، فَأَخْبَرَ أَنَّ أَقَلَّهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَأَكْثَرَهَا خَمْسَةُ أَعْوَامٍ، أَمَّا كَوْنُ أَقَلِّهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَقَوْلُهُ تَعَالَى
(1/256)

{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] .
وَقَالَ أَيْضًا {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] فَالْآيَةُ الْأُولَى أَعْلَمَتْ أَنَّ مُدَّةَ الْحَمْلِ وَالرَّضَاعِ مَعًا ثَلَاثُونَ شَهْرًا فَإِذَا انْقَضَتْ الثَّلَاثُونَ كَمَلَ الْحَمْلُ، وَحَصَلَ الْفِصَالُ وَهُوَ الْفِطَامُ، وَالثَّانِيَةُ، وَالثَّالِثَةُ أَعْلَمَتَا أَنَّ مُدَّةَ الرَّضَاعِ وَحْدَهُ حَوْلَانِ كَامِلَانِ، وَإِذَا كَانَتْ مُدَّةُ الرَّضَاعِ وَحْدَهُ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ، فَمُدَّةُ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ إذْ هِيَ الْبَاقِيَةُ بَعْدَ حَطِّ زَمَنِ الرَّضَاعِ مِنْ الثَّلَاثِينَ شَهْرًا الْمُقَدَّرَةِ لِمَجْمُوعِهِمَا (قَالَ فِي الْمَقْصِدِ الْمَحْمُودِ) : وَأَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] وَقَالَ {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] فَتَبْقَى مُدَّةُ الْحَمْلِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ اهـ.، وَأَمَّا كَوْنُ أَكْثَرِ الْحَمْلِ خَمْسَةَ أَعْوَامٍ فَاعْلَمْ أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ مِنْ وَفَاةٍ، أَوْ طَلَاقٍ إذَا حَصَلَتْ لَهَا رِيبَةٌ وَشَكٌّ فِي كَوْنِهَا حَامِلًا أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ سَبَبُ الرِّيبَةِ تَأَخُّرَ الْحَيْضِ عَنْ وَقْتِهِ تَرَبَّصَتْ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ اسْتِبْرَاءً، ثُمَّ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ عِدَّةً هَذَا إنْ تَأَخَّرَ لِغَيْرِ سَبَبٍ.
أَمَّا إنْ تَأَخَّرَ لِسَبَبٍ كَالرَّضَاعِ وَالْمَرَضِ فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ الْأَقْرَاءَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ تَحِلُّ بِمُضِيِّ السَّنَةِ، وَإِنْ كَانَ سَبَبُ الرِّيبَةِ حِسَّ الْبَطْنِ فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالْمُرْتَابَةُ بِحِسِّ الْبَطْنِ لَا تُنْكَحُ إلَّا بَعْدَ أَقْصَى أَمَدِ الْوَضْعِ وَهُوَ خَمْسَةُ أَعْوَامٍ عَلَى الْمَشْهُورِ وَرُوِيَ أَرْبَعَةٌ وَرُوِيَ سَبْعَةٌ (وَقَالَ أَشْهَبُ) : لَا تَحِلُّ أَبَدًا حَتَّى يُتَبَيَّنَ أَيْ بَرَاءَتُهَا مِنْ الْحَمْلِ. قَالَ الْحَطَّابُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَتَرَبَّصَتْ أَيْ إنْ ارْتَابَتْ بِهِ وَهَلْ خَمْسًا أَوْ أَرْبَعًا خِلَافٌ، يَعْنِي فَإِذَا مَضَتْ الْخَمْسَةُ أَوْ الْأَرْبَعَةُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ حَلَّتْ وَلَوْ بَقِيَتْ الرِّيبَةُ (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : وَلَا تُنْكَحُ مُسْتَرَابَةُ الْبَطْنِ إلَّا بَعْدَ زَوَالِ الرِّيبَةِ، أَوْ بَعْدَ خَمْسِ سِنِينَ اهـ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَإِنْ قَالَتْ أَنَا بَاقِيَةٌ عَلَى رِيبَتِي؛ لِأَنَّ الْخَمْسَ سِنِينَ أَمَدُ مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ الْحَمْلُ اهـ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ أَوْ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ اهـ. وَهَذَا إذَا كَانَتْ الرِّيبَةُ هَلْ حَرَكَةُ مَا فِي بَطْنِهَا حَرَكَةُ وَلَدٍ أَوْ حَرَكَةُ رِيحٍ وَأَمَّا إنْ تَحَقَّقَ وُجُودُ وَلَدٍ فَلَا تَحِلُّ أَبَدًا، قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَلَفْظُهُ الْخَامِسَةُ يَعْنِي مِنْ الْمُعْتَدَّاتِ: الْمُرْتَابَةُ فِي الْحَمْلِ بِحِسِّ بَطْنٍ عِدَّتُهَا بِوَضْعِهِ، أَوْ مُضِيِّ أَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ مَعَ عَدِمَ تَحَقُّقِهِ، ثُمَّ قَالَ اللَّخْمِيُّ: إنْ تَحَقَّقَ حَمْلُهَا وَالشَّكُّ لِطُولِ الْمُدَّةِ لَمْ تَحِلَّ أَبَدًا اهـ.
فَمَفْهُومُ قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ مَعَ عَدِمَ تَحَقُّقِهِ إلَخْ مَعَ مَا نَقَلَهُ عَنْ اللَّخْمِيِّ يَدُلُّ عَلَى مَا قَيَّدَ بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِهَا فَلَا تَحِلُّ إلَّا بِخُرُوجِهِ. اهـ. كَلَامُ الْحَطَّابِ
وَحَالُ ذَاتِ طَلْقَةٍ رَجْعِيَّةِ ... فِي عِدَّةٍ كَحَالَةِ الزَّوْجِيَّةِ
مِنْ وَاجِبٍ عَلَيْهِ كَالْإِنْفَاقِ ... إلَّا فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِالْإِطْلَاقِ
يَعْنِي: أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا حَالُهَا مَعَ زَوْجِهَا فِي زَمَنِ الْعِدَّةِ كَحَالِ الزَّوْجَةِ غَيْرِ الْمُطَلَّقَةِ مِنْ وُجُوبِ النَّفَقَةِ لَهَا وَثُبُوتِ الْمِيرَاثِ بَيْنَهُمَا وَارْتِدَافِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا وَانْعِقَادِ الظِّهَارِ وَلُزُومِ الْإِيلَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ مَا عَدَا الِاسْتِمْتَاعَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ بِوَطْءٍ وَلَا مُقَدِّمَاتِهِ، بَلْ حَتَّى بِالنَّظَرِ عَلَى وَجْهِ التَّلَذُّذِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْإِطْلَاقِ (قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : تَجِبُ النَّفَقَةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مَدْخُولٍ بِهَا أَيَّامَ عِدَّتِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ طَلَاقُهَا بَائِنًا وَكَانَ الزَّوْجُ يَمْلِكُ ارْتِجَاعَهَا فِيهِ سَوَاءٌ أَوْقَعَهُ الزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ أَوْ أَوْقَعَهُ السُّلْطَانُ بِالْإِيلَاءِ أَوْ عَدَمِ النَّفَقَةِ إذَا أَيْسَرَ فِي الْعِدَّةِ (وَفِي الْجَوَاهِرِ) هِيَ مُحَرَّمَةُ الْوَطْءِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مُبَاحَةُ الْوَطْءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] وَالْبَعْلُ مَنْ لَهُ الْوَطْءُ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ الْعَقْدِ؛ فَيَثْبُتُ قِيَاسًا عَلَى النَّفَقَةِ وَالْمِيرَاثِ وَجَوَابُهُ أَنَّ لَفْظَ الرَّدِّ يَقْتَضِي الْخُرُوجَ عَنْ الزَّوْجِيَّةِ. اهـ
وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي عِدَّةٍ أَنَّهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَيْسَتْ كَالزَّوْجَةِ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَحَيْثُ لَا عِدَّةَ لِلْمُطَلَّقَهْ ... فَلَيْسَ مِنْ سُكْنَى وَلَا مِنْ نَفَقَهْ
وَلَيْسَ لِلرَّضِيعِ سُكْنَى بِالْقَضَا ... عَلَى أَبِيهِ وَالرَّضَاعُ مَا انْقَضَى
أَفَادَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ الَّتِي لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَهِيَ الَّتِي طَلُقَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَا تَجِبُ لَهَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةٌ؛؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا يَجِبَانِ لِلْمُطَلَّقَةِ فِي زَمَنِ الْعِدَّةِ. وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ وَجَازَ لَهَا أَنْ
(1/257)



تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ فِي الْحِينِ فَلَا مَعْنَى لِوُجُوبِ شَيْءٍ لَهَا مِنْ تَوَابِعِ النِّكَاحِ عَلَى الزَّوْجِ وَقَدْ انْفَصَلَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا وَأَفَادَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي أَنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَلَهُ مَعَهَا وَلَدٌ رَضِيعٌ فَإِنَّمَا لَهَا عَلَى الزَّوْجِ نَفَقَةُ وَلَدِهِ لَا كِرَاءُ مَسْكَنِهِ مَا دَامَ فِي زَمَنِ الرَّضَاعِ (قَالَ فِي السِّرِّ الْمَصُونِ) : إذَا لَزِمَتْ الْجَارِيَةَ الْعِدَّةُ لِمَكَانِ الْخَلْوَةِ بِهَا لَزِمَ الزَّوْجَ السُّكْنَى وَلَوْ خَلَا بِهَا فِي بَيْتِ أَهْلِهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاتَّفَقَا عَلَى عَدَمِ الْمَسِيسِ، فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَا سُكْنَى لَهَا وَلَوْ قَالَتْ جَامَعَنِي وَهُوَ يُنْكِرُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَا سُكْنَى عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا وَدَخَلَ بِهَا وَطَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ فَلَا سُكْنَى لَهَا؛ لِأَنَّهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا بِاخْتِصَارٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ كُلَّمَا انْتَفَتْ الْعِدَّةُ انْتَفَى لَازِمُهَا مِنْ السُّكْنَى وَالنَّفَقَةِ، وَإِذَا وَجَبَتْ الْعِدَّةُ فَقَدْ ثَبَتَتْ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى كَمَا إذَا كَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ حَامِلًا وَقَدْ يَنْتَفِيَانِ كَمَا إذَا خَلَا بِهَا فِي بَيْتِ أَهْلِهَا وَادَّعَتْ الْمَسِيسَ وَأَنْكَرَهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِمَكَانِ الْخَلْوَةِ، وَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا بَائِنٌ غَيْرُ حَامِلٍ وَلَا سُكْنَى عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا عَلَى زَعْمِهِ مُطَلَّقَةٌ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) وَلَا سُكْنَى لِلرَّضِيعِ عَلَى أَبِيهِ مُدَّةَ الرَّضَاعِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الرَّضَاعِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ عَلَيْهِ السُّكْنَى، كَذَلِكَ رَأَيْتُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ يُرِيدُ أَنَّ مَسْكَنَ الرَّضِيعِ مُدَّةَ الرَّضَاعِ إنَّمَا هُوَ فِي حِجْرِ الْأُمِّ فِي الْغَالِبِ. اهـ. وَجُمْلَةُ " وَالرَّضَاعُ مَا انْقَضَى " حَالِيَّةٌ، وَ " مَا " نَافِيَةٌ.
وَمُرْضَعٌ لَيْسَ بِذِي مَالٍ عَلَى ... وَالِدِهِ مَا يَسْتَحِقُّ جُعِلَا
وَمَعْ طَلَاقٍ أُجْرَةُ الْإِرْضَاعِ ... إلَى تَمَامِ مُدَّةِ الرَّضَاعِ
وَبَعْدَهَا يَبْقَى الَّذِي يَخْتَصُّ بِهْ ... حَتَّى يُرَى سُقُوطُهُ بِمُوجَبِهْ
وَإِنْ تَكُنْ مَعَ ذَاكَ ذَاتَ حَمْلِ ... زِيدَتْ لَهَا نَفَقَةٌ بِالْعَدْلِ
بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَحَيْثُ بِالْقَضَا ... تُؤْخَذُ وَانْفَشَّ فَمِنْهَا تُقْتَضَى
وَإِنْ يَكُنْ دَفْعٌ بِلَا سُلْطَانِ ... فَفِي رُجُوعِهِ بِهِ قَوْلَانِ
وَمَنْ لَهُ مَالٌ فَفِيهِ الْفَرْضُ حَقْ ... وَعَنْ أَبٍ يَسْقُطُ كُلُّ مَا اسْتَحَقَّ
تَكَلَّمَ فِي الْأَبْيَاتِ عَلَى بَعْضِ مَسَائِلِ الْإِرْضَاعِ وَلَمْ يُتْقِنْهَا وَلَا اسْتَوْفَى الْأَكِيدَ مِنْهَا فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ جُمْلَةٍ صَالِحَةٍ مِنْ ذَلِكَ، وَأَحْسَنُ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ الْآنَ بِتَقْرِيبٍ قَوْلُ ابْنِ سَلْمُونٍ وَيَلْزَمُ الْأُمَّ رَضَاعُ ابْنِهَا
(1/258)

إلَّا أَنْ تَكُونَ مَرِيضَةً، أَوْ غَيْرَ ذَاتِ لَبَنٍ، أَوْ شَرِيفَةَ الْقَدْرِ مِثْلُهَا لَا يُرْضِعُ فَيَكُونُ عَلَى الْأَبِ أَنْ يَأْتِيَ لَهُ بِمَنْ يُرْضِعُهُ، فَإِنْ طَلَّقَهَا الْأَبُ، فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَيْهَا أُجْرَةَ الْإِرْضَاعِ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ فِي الْيُسْرِ وَالْعُسْرِ، فَإِنْ لَمْ تَرْضَ بِمَا فُرِضَ لَهَا كَانَ لِلْأَبِ أَخْذُهُ وَيَدْفَعُهُ لِمَنْ يُرْضِعُهُ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ غَيْرَهَا أَوْ كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى أُجْرَةٍ كَانَ عَلَيْهَا إرْضَاعُهُ بَاطِلًا أَوْ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ.
وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا أَوْ وَجَدَ مَنْ يُرْضِعُهُ بِأَقَلَّ مِنْ الْأُجْرَةِ الْمَفْرُوضَةِ عَلَيْهِ، فَهَلْ لَهُ أَخْذُهُ أَمْ لَا؟ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ: وَإِنْ مَاتَ الْأَبُ، فَإِنَّهَا تُرْضِعُهُ بِأُجْرَةٍ تَأْخُذُهَا مِنْ مَالِ الطِّفْلِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لَزِمَهَا إرْضَاعُهُ بَاطِلًا، وَإِنْ أَبَتْ الْأُمُّ إرْضَاعَهُ، فَأَرَادَتْ دَفْعَهُ إلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِأَخْذِهِ حَتَّى يَجِدَ مَنْ يُرْضِعُهُ. اهـ. قَوْلُهُ وَمُرْضِعٌ لَيْسَ الْبَيْتُ مُرْضَعٌ بِفَتْحِ الضَّادِ اسْمَ مَفْعُولٍ، يَعْنِي أَنَّ الْوَلَدَ الْمُرْضَعَ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ، فَإِنَّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ أُجْرَةِ الرَّضَاعِ وَغَيْرِهَا عَلَى أَبِيهِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ أُمُّهُ مَرِيضَةً، أَوْ لَا لَبَنَ لَهَا أَوْ عَالِيَةَ الْقَدْرِ مِثْلُهَا لَا يُرْضِعُ، وَأَمَّا إنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْإِرْضَاعَ يَجِبُ عَلَيْهَا كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ كَلَامِ ابْنِ سَلْمُونٍ.
وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ لَيْسَ بِذِي مَالٍ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْوَلَدِ مَالٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ
وَمَنْ لَهُ مَالٌ فَفِيهِ الْفَرْضُ حَقْ
هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي عِصْمَةِ أَبِي الصَّبِيِّ وَأَمَّا إنْ طَلَّقَهَا، فَإِنَّ لَهَا أُجْرَةَ الرَّضَاعِ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ مِنْ مَالِ أَبِيهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَى تَمَامِ الْحَوْلَيْنِ مُدَّةَ الرَّضَاعِ، فَإِنْ انْقَضَتْ مُدَّةُ الرَّضَاعِ فَيَبْقَى مَا يَجِبُ لِلْوَلَدِ نَفْسِهِ مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ حَتَّى يَسْقُطَ ذَلِكَ عَنْ أَبِيهِ إنْ كَانَ هُوَ الدَّافِعَ لِذَلِكَ لِكَوْنِ الْوَلَدِ لَا مَالَ لَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي قَوْلِ ابْنِ سَلْمُونٍ فَإِنْ طَلَّقَهَا الْأَبُ، فَإِنَّهُ يُؤَدِّي لَهَا أُجْرَةَ الْإِرْضَاعِ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ فِي الْيُسْرِ وَالْعُسْرِ. اهـ.
وَبِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ إذَا انْقَضَى زَمَنُ الْإِرْضَاعِ وَالْوَلَدُ عِنْدَ أُمِّهِ، فَإِنَّ الْأَبَ يُطَالَبُ بِنَفَقَتِهِ إلَى سُقُوطِهَا وَهُوَ مُرَادُهُ بِمَا يَخْتَصُّ بِهِ أَيْ دُونَ الْأُمِّ وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ بِقَوْلِهِ
وَمَعْ طَلَاقٍ أُجْرَةُ الْإِرْضَاعِ
الْبَيْتَيْنِ وَضَمِيرُ " بَعْدَهَا " لِمُدَّةِ الرَّضَاعِ قَوْلُهُ:
وَإِنْ تَكُنْ مَعَ ذَاكَ ذَاتَ حَمْلِ ... زِيدَتْ لَهُ نَفَقَةٌ بِالْعَدْلِ
بَعْدَ ثُبُوتِهِ، يَعْنِي وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ ذَاتَ حَمْلٍ مَعَ ذَلِكَ، وَهُوَ كَوْنُهَا مُرْضِعًا فَكَانَتْ تُرْضِعُ وَلَدًا وَبِبَطْنِهَا وَلَدٌ آخَرُ، فَإِنَّهَا تَسْتَحِقُّ شَيْئَيْنِ: أُجْرَةَ الْإِرْضَاعِ؛ لِأَنَّهَا بَائِنٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْإِرْضَاعُ، وَالثَّانِي نَفَقَةُ الْحَمْلِ الَّذِي فِي بَطْنِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] .
وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ
وَإِنْ تَكُنْ مَعَ ذَاكَ ذَاتَ حَمْلِ
زِيدَتْ لَهَا نَفَقَةٌ أَيْ نَفَقَةُ الْحَمْلِ عَلَى أُجْرَةِ الرَّضَاعِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَمْلِ. قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ، وَسُئِلَ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَامِلًا وَهِيَ تُرْضِعُ: أَتَرَى عَلَيْهِ النَّفَقَتَيْنِ جَمِيعًا كِلْتَيْهِمَا نَفَقَةَ الْحَمْلِ وَنَفَقَةَ الرَّضَاعِ؟ قَالَ: أَرَى ذَلِكَ عَلَيْهِ جَمِيعًا. اهـ.
وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَقَالَ تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَلَيْسَ وُجُوبُ نَفَقَةِ الْحَمْلِ بِاَلَّذِي يُسْقِطُ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ لَهَا مِنْ أُجْرَةِ الرَّضَاعِ. (وَفِي النَّوَادِرِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ) " وَإِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَامِلٌ مُرْضِعٌ فَعَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَمْلِ وَنَفَقَةُ الرَّضَاعِ جَمِيعًا " اهـ.
فَإِنْ ادَّعَتْ الْبَائِنُ الْحَمْلَ فَلَا يُقْضَى لَهَا بِالنَّفَقَةِ حَتَّى يَثْبُتَ الْحَمْلُ فَإِذَا ثَبَتَ وَدَفَعَ نَفَقَتَهُ ثُمَّ انْفَشَّ الْحَمْلُ وَكَشَفَ الْغَيْبُ أَنْ لَا حَمْلَ فَفِي رُجُوعِهِ بِنَفَقَتِهِ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ إنْ دَفَعَهَا بِحُكْمِ
(1/259)

حَاكِمٍ رَجَعَ بِهَا عَلَى الزَّوْجَةِ وَإِنْ دَفَعَهَا بِاخْتِيَارِهِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ فَفِي رُجُوعِهِ وَعَدَمِ رُجُوعِهِ قَوْلَانِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَحَيْثُ بِالْقَضَا
تُؤْخَذُ وَانْفَشَّ فَمِنْهَا تُقْتَضَى ... وَإِنْ يَكُنْ دَفْعٌ بِلَا سُلْطَانِ
فَفِي رُجُوعِهِ بِهِ قَوْلَانِ ...
ابْنُ الْحَاجِبِ وَتَجِبُ النَّفَقَةُ بِثُبُوتِ الْحَمْلِ بِالنِّسَاءِ (التَّوْضِيحُ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَلِمَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهَا لَا تُدْفَعُ لَهَا النَّفَقَةُ إلَّا بَعْدَ الْوَضْعِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَنْفَشَّ مِنْ غَيْرِ حَمْلٍ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَفِي رُجُوعِهِ ثَالِثُهَا إنْ كَانَ بِحُكْمٍ رَجَعَ، وَرَابِعُهَا بِعَكْسِهِ (التَّوْضِيحُ) وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَأَنْفَقَ بِظُهُورِ الْحَمْلِ، ثَمَّ تَبَيَّنَ أَنْ لَا حَمْلَ فَهَلْ يَرْجِعُ بِالنَّفَقَةِ أَمْ لَا؟ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ الرُّجُوعُ مُطْلَقًا، وَعَدَمُ الرُّجُوعِ مُطْلَقًا، وَالثَّالِثُ إنْ دَفَعَ لَهَا بِحُكْمٍ رَجَعَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَبَانَ أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى خِلَافِ مَا ثَبَتَ وَإِنْ دَفَعَ بِغَيْرِ حُكْمٍ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ وَالرَّابِعُ عَكْسُهُ اهـ.
بِاخْتِصَارٍ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ قَاعِدَةِ الْحُكْمِ بِمَا ظَاهِرُهُ صَوَابٌ وَبَاطِنُهُ خَطَأٌ وَبَاطِلٌ هَلْ يُغَلَّبُ حُكْمُ الظَّاهِرِ فَتَنْفُذُ الْأَحْكَامُ أَوْ الْبَاطِنُ فَتُرَدُّ وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ فُرُوعٌ وَمِنْ جُمْلَتِهَا هَذِهِ مَنْ دَفَعَ نَفَقَةَ الْحَمْلِ، ثُمَّ انْفَشَّ هَلْ يَرْجِعُ أَمْ لَا؟ قَوْلُهُ:
وَمَنْ لَهُ مَالٌ فَفِيهِ الْفَرْضُ حَقُّ
الْبَيْتُ يَعْنِي أَنَّ الْأَوْلَادَ إنَّمَا تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ وَكِسْوَتُهُمْ وَأُجْرَةُ رَضَاعِهِمْ وَغَيْرُ ذَلِكَ عَلَى أَبِيهِمْ إنْ كَانُوا فُقَرَاءَ وَلَا مَالَ لَهُمْ، وَأَمَّا إنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ، فَإِنَّ جَمِيعَ مُؤْنَتِهِمْ مِنْ مَالِ أَنْفُسِهِمْ وَلَيْسَ عَلَى الْأَبِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ (قَالَ فِي الْمُفِيدِ) وَلَا يَلْزَمُ الْأَبَ نَفَقَةُ بَنِيهِ إنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ (وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : وَمَنْ كَانَ مِنْ صِغَارِ بَنِيهِ وَأَبْكَارِ بَنَاتِهِ لَهُ مَالٌ فَلَا يَلْزَمُ الْأَبَ نَفَقَتُهُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ الْأَبُ مِنْهُ عَيْنًا كَانَ أَوْ عُرُوضًا، وَقَدْ سُئِلَ الْأُسْتَاذُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ لُبٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ رَجُلٍ أَنْفَقَ نَفَقَةً كَبِيرَةً فِي عُرْسِ ابْنِهِ، ثُمَّ طَلَبَهُ بِهَا (فَأَجَابَ) : لَا طَلَبَ لِلْأَبِ عَلَى ابْنِهِ بِمَا كَثُرَ مِنْ النَّفَقَةِ فِي عُرْسِهِ وَدَخَلَ فِي بَابِ السَّرَفِ، وَإِنَّمَا يَطْلُبُهُ بِالْقَدْرِ الْمُعْتَادِ فِي ذَلِكَ مِمَّا هُوَ دَاخِلٌ فِي بَابِ الِاقْتِصَادِ عَلَى مُقْتَضَى الْعَادَةِ الْجَارِيَةِ لِمِثْلِ الزَّوْجِ مَعَ تِلْكَ الزَّوْجَةِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ يَمِينًا بِاَللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ إنَّمَا أَنْفَقَ تِلْكَ النَّفَقَةَ مِنْ مَالِهِ لِيَرْجِعَ بِهَا عَلَى ابْنِهِ وَهَذَا إنْ كَانَ لِلِابْنِ مَالٌ وَقْتَ الْإِنْفَاقِ، وَإِلَّا فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِشَيْءٍ. اهـ.
وَمَا أَفْتَى بِهِ ظَاهِرٌ إنْ كَانَ الِابْنُ صَغِيرًا وَانْظُرْ مَا الْحُكْمُ إنْ كَانَ كَبِيرًا هَلْ هُوَ كَالصَّغِيرِ أَوْ يُرْجَعُ عَلَيْهِ كَانَ لَهُ مَالٌ وَقْتَ الْإِنْفَاقِ أَوْ لَا؟ وَهُوَ ظَاهِرُ اشْتِرَاطِهِمْ فِي الصَّغِيرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ دُونَ الْكَبِيرِ فَيُرْجَعُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثَمَّ قَالَ
وَكُلُّ مَا يَرْجِعُ لِافْتِرَاضِ ... مُوَكَّلٌ إلَى اجْتِهَادِ الْقَاضِي
بِحَسَبِ الْأَقْوَاتِ وَالْأَعْيَانِ ... وَالسِّعْرِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ
يَعْنِي: أَنَّ كُلَّ مَا يَرْجِعُ لِلْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَإِسْكَانٍ وَمَا يَلْتَحِقُ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ مَوْكُولٌ إلَى اجْتِهَادِ الْقَاضِي فَيَجْتَهِدُ فِيهِ بِحَسَبِ جِنْسِ الْقُوتِ وَقَدْرِهِ وَبِحَسَبِ عَيْنِ مَا فُرِضَ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ وَبِاعْتِبَارِ السِّعْرِ مِنْ رَخَاءٍ وَغَلَاءٍ وَبِاعْتِبَارِ الزَّمَانِ مِنْ شِتَاءٍ وَصَيْفٍ وَبِاعْتِبَارِ الْمَكَانِ فِي عَادَةِ أَهْلِهِ، وَكَذَلِكَ الْكِسْوَةُ يُلَاحَظُ فِيهَا هَذِهِ الِاعْتِبَارَاتُ وَالْمَسْكَنُ كَذَلِكَ فَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ أَنَّهُ يَجِبُ لِلزَّوْجَةِ قُوتٌ وَإِدَامٌ وَكِسْوَةٌ وَمَسْكَنٌ بِالْعَادَةِ بِقَدْرِ وُسْعِهِ وَحَالِهَا وَالْبَلَدِ وَالسِّعْرِ وَإِنْ أَكُولَةً وَتُزَادُ الْمُرْضِعُ مَا تَقْوَى بِهِ، إلَّا الْمَرِيضَةَ وَقَلِيلَةَ الْأَكْلِ فَلَا يَلْزَمُ إلَّا مَا تَأْكُلُ عَلَى الْأَصْوَبِ.
وَلَا يَلْزَمُ الْحَرِيرُ وَحُمِلَ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَعَلَى الْمُتَدَيِّنَةِ لِقَنَاعَتِهَا فَيُفْرَضُ الْمَاءُ وَالزَّيْتُ وَالْحَطَبُ وَالْمِلْحُ وَاللَّحْمُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ، وَحَصِيرٌ وَسَرِيرٌ اُحْتِيجَ إلَيْهِ وَأُجْرَةُ قَابِلَةٍ، وَزِينَةٌ تُسْتَضَرُّ بِتَرْكِهَا كَكُحْلٍ وَدُهْنٍ مُعْتَادَيْنِ وَحِنَّاءٍ وَمُشْطٍ وَإِخْدَامُ أَهْلِهِ وَإِنْ بِكِرَاءٍ وَلَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ وَقَضَى لَهَا بِخَادِمِهَا إنْ أَحَبَّتْ إلَّا لِرِيبَةٍ وَإِلَّا فَعَلَيْهَا الْخِدْمَةُ الْبَاطِنَةُ مِنْ عَجْنٍ وَكَنْسٍ وَفَرْشٍ بِخِلَافِ النَّسْجِ وَالْغَسْلِ، وَفِي ابْنِ الْحَاجِبِ نَحْوُهُ قَالَ وَقَدَّرَ مَالِكٌ الْمُدَّ فِي الْيَوْمِ وَقَدَّرَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَيْبَتَيْنِ وَنِصْفًا فِي الشَّهْرِ إلَى ثَلَاثَةٍ؛ لِأَنَّ مَالِكًا بِالْمَدِينَةِ وَابْنَ الْقَاسِمِ بِمِصْرَ قَالَ وَإِنْ أَكَلَ الشَّعِيرَ أَكَلَتْهُ (التَّوْضِيحُ) وَالْمُرَادُ بِالْمُدِّ هُنَا الْمُدُّ الْهَاشِمِيُّ وَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَى هِشَامِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الْمَخْزُومِيِّ وَكَانَ أَمِيرًا بِالْمَدِينَةِ فِي خِلَافَةِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ (ابْنُ حَبِيبٍ وَغَيْرُهُ) وَفِي الْوَيْبَةِ اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ مُدًّا بِمُدِّ النَّبِيِّ. - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ.
وَفِي الْمُدِّ الْهِشَامِيِّ
(1/260)

مُدٌّ وَثُلُثَانِ بِمَدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَأَمْرُ الْإِدَامِ كَذَلِكَ وَلَا يُفْرَضُ مِثْلُ الْعَسَلِ وَالسَّمْنِ وَالْحَالُومِ وَالْفَاكِهَةِ وَيُفْرَضُ الْخَلُّ. اهـ. وَعَدَمُ فَرْضِ السَّمْنِ مُقَيَّدٌ بِبَلَدٍ لَيْسَ أَكْلُهُ عُرْفًا عِنْدَهُمْ ثُمَّ قَالَ وَأَمْرُ الْكِسْوَةِ كَذَلِكَ (التَّوْضِيحُ) أَيْ فَيُعْتَبَرُ فِي جِنْسِهَا وَقَدْرِ حَالِهَا كَمَا فِي النَّفَقَةِ وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ مِمَّا يَصْلُحُ لِلشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ مِنْ قَمِيصٍ وَجُبَّةٍ وَخِمَارٍ وَمِقْنَعَةٍ وَإِزَارٍ وَشِبْهِهِ مِمَّا لَا غَنَاءَ عَنْهُ، وَمِنْ غِطَاءٍ وَوِطَاءٍ وَوِسَادَةٍ وَسَرِيرٍ اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِعَقَارِبَ أَوْ بَرَاغِيثَ أَوْ فِيرَانٍ. اهـ.
(الْجَوْهَرِيُّ) الْمِقْنَعَةُ بِالْكَسْرِ مَا تُقَنِّعُ بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا وَالْقِنَاعُ أَوْسَعُ مِنْ الْمِقْنَعَةِ اهـ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ يُفْرَضُ، وَمَا هُوَ زِيَادَةٌ فِي مَعْنَى السَّرَفِ لَا يُفْرَضُ وَمَا هُوَ مِنْ التَّوَسُّعِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا وَلَكِنَّهُ عَادَتُهَا قَوْلَانِ. اهـ.
وَقَوْلُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا، أَيْ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهَا فَمُتَأَكَّدٌ وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ عَادَتُهَا هَذَا مَحِلُّ الْقَوْلَيْنِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَلَا يَلْزَمُهُ مَا هُوَ مِنْ شَوْرَتِهَا الَّتِي هِيَ مِنْ صَدَاقِهَا مِنْ مَلْبَسٍ وَغِطَاءٍ وَوِطَاءٍ وَلَهُ عَلَيْهَا الِاسْتِمْتَاعُ مَعَهَا بِهِ. اهـ. (قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ) : قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِيمَا بِهِ الْحُكْمُ عِنْدَنَا أَنَّ الزَّوْجَ لَا يُفْرَضُ عَلَيْهِ لِلزَّوْجَةِ عِنْدَ الْمُشَاحَّةِ اللِّبَاسُ وَالْفِرَاشُ إذَا كَانَ الصَّدَاقُ مُعْتَبَرًا حَتَّى تَطُولَ الْمُدَّةُ وَيَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ تَلَاشِي شَوْرَتِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الصَّدَاقُ قَلِيلًا جِدًّا فَيُفْرَضُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِنْ حِينِهِ أَوْ قَلِيلًا لَا جِدًّا فَبَعْدَ السَّنَةِ وَنَحْوِهَا (وَفِي ابْنِ عَرَفَةَ) وَوَاجِبُهَا مَا يَضُرُّ بِهَا فَقْدُهُ وَلَا يَضُرُّهُ وَفِيمَا فَوْقَهُ مُعْتَادًا لِمِثْلِهَا غَيْرَ سَرَفٍ لَا يَضُرُّهُ خِلَافٌ، وَفِي تَعْيِينِهِ بِمُقْتَضَى مَحَلِّ قَابِلِهِ وَعَادَاتِهِ مَقَالَاتٌ، فَنِصْفُ مَأْكُولِهَا جُلُّ قُوتِ مِثْلِهِمَا بِبَلَدِهِمَا، يَفْرِضُ لَهَا مِنْ الطَّعَامِ مَا يَرَى أَنَّهُ الشِّبَعُ مِمَّا يَقْتَاتُ أَهْلُ بَلَدِهِمَا مِنْ الْبِلَادِ مَا لَا يُنْفِقُ أَهْلُهُ شَعِيرًا بِحَالِ غَنِيِّهِمْ وَلَا فَقِيرِهِمْ وَمِنْهَا مِنْ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ يُسْتَخَفُّ وَيُسْتَجَازُ، اُنْظُرْ كَلَامَهُ إنْ شِئْتَ فَقَدْ أَطَالَ فِي ذَلِكَ عَلَى عَادَتِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ.
(وَفِي طُرُرِ ابْنِ عَاتٍ) عَنْ أَحْمَدَ بْنِ نَصْرٍ وَإِذَا فَرَضَ الْقَاضِي لِلْمَرْأَةِ نَفَقَتَهَا زَادَ فِي الرَّخَاءِ عَلَى رُبُعَيْنِ وَيُنْقِصُ فِي الْغَلَاءِ الْمُفْرِطِ عَنْ رُبُعَيْنِ وَفِي (مُفِيدِ ابْنِ هِشَامٍ) وَالنَّفَقَةُ فِي الْجَوْدَةِ وَالدَّنَاءَةِ وَالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ عَلَى قَدْرِ شَأْنِ الزَّوْجَيْنِ وَيَسَارِهِمَا، وَفِي الْمُدَّةِ هَلْ تَكُونُ شَهْرًا أَوْ سَنَةً عَلَى قَدْرِ يُسْرِ الزَّوْجِ خَاصَّةً وَأَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يُفْرَضَ لِسَنَةٍ، وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا يُفْرَضُ لِسَنَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَسْوَاقَ تَحُولُ وَأَرَى أَنْ يُوَسَّعَ فِي الْمُدَّةِ إذَا كَانَ الزَّوْجُ مُوسِرًا وَلَمْ يُؤَدِّ إلَى ضَرَرٍ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ مُوسِرًا فَالْأَشْهُرُ الثَّلَاثَةُ وَالْأَرْبَعَةُ وَإِنْ كَانَ مُتَوَسِّطًا فَالشَّهْرُ وَالشَّهْرَانِ وَإِنْ كَانَ ذَا صِنَاعَةٍ فَالشَّهْرُ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَعَلَى مَا يَرَى أَنَّهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَغْرَمَهُ. اهـ. وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ وَقُدِّرَتْ بِحَالِهِ مِنْ يَوْمٍ أَوْ جُمُعَةٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ، وَفِيهِ أَيْضًا وَيَجُوزُ إعْطَاءُ الثَّمَنِ عَمَّا لَزِمَهُ (وَفِي ابْنِ سَلْمُونٍ) الْحَاكِمُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُؤَاخَذَ الزَّوْجُ بِمَا يُفْرَضُ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ أَوْ بِثَمَنِهِ (وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ) : لَهُ أَنْ يُعْطِيَهَا عَنْ جَمِيعِ لَوَازِمِهَا ثَمَنًا إلَّا الطَّعَامَ فَفِيهِ قَوْلَانِ، وَالْقَادِرُ بِالْكَسْبِ كَالْقَادِرِ بِالْمَالِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْعَمَلِ. اهـ.
(قَالَ مُقَيِّدُ هَذَا الشَّرْحِ سَمَحَ اللَّهُ لَهُ بِفَضْلِهِ) : وَقَدْ وَجَدْتُ بِخَطِّ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الَّذِي فَرَضَ بِفَاسَ فِي وَقْتِهِ الطَّبِيبُ أَبَا الْفَضْلِ قَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ شُهِّرَ بِالْوَزِيرِ وَقَدْ أَدْرَكْتُهُ مَاتَ فِي سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ وَأَلْفٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مِقْدَارِ النَّفَقَةِ فِي كُلِّ شَهْرٍ عَلَى الْمُتَعَارَفِ فِي ذَلِكَ (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) : اعْلَمْ حَفِظَكَ اللَّهُ أَنَّ فَرْضَ الْمَرْءِ الْبَالِغِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى رُبُعَانِ مِنْ الدَّقِيقِ وَرُبُعٌ وَنِصْفٌ مِنْ الْفَحْمِ وَرِطْلٌ وَنِصْفٌ مِنْ السَّمْنِ وَمِثْلُهُ مِنْ الْخَيْلَعِ وَالزَّبِيبِ وَالصَّابُونِ، فِي الضَّرُورِيَّاتِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْأُوقِيَّةِ هَذَا فِي كُلِّ شَهْرٍ لِمَنْ يَكُونُ مُقِلًّا بِحَسَبِ ثَمَنِ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ وَيُزَادُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْأُوقِيَّةِ وَيُعْطَى الْمُجْتَمِعُ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَالْعَدِيمُ يَتَسَاوَى مَعَ الْمُقِلِّ فِي الدَّقِيقِ وَيُخَالِفُهُ فِيمَا عَدَاهُ يُنْقَصُ لَهُ مِنْ الْفَحْمِ نِصْفُ رُبُعٍ وَمِنْ السَّمْنِ نِصْفُ رِطْلٍ وَكَذَلِكَ فِيمَا بَعْدَهُ، وَالضَّرُورِيَّاتِ نِصْفُ أُوقِيَّةٍ بِحَسَبِ ذَلِكَ مَعَ مَا هُوَ مُعَيَّنٌ فِي الضَّرُورِيَّاتِ وَيُعْطَى فِي كُلِّ شَهْرٍ وَأَمَّا أَهْلُ الْبَادِيَةِ فَيُنْقَصُ لَهُمْ الْوُقُودُ وَالصَّابُونُ وَالزَّيْتُ، وَمَا عَدَاهُ يَلْزَمُهُمْ وَنَفَقَةُ الْأَوْلَادِ إذَا كَانَ الْوَلَدُ مِنْ سَبْعَةِ أَعْوَامٍ يُعْطَى لَهُ نِصْفُ نَفَقَةِ أُمِّهِ، وَإِذَا كَانَ مِنْ خَمْسَةٍ إلَى سِتَّةٍ الثُّلُثُ، وَإِذَا كَانَ مِنْ عَشْرَةٍ إلَى اثْنَيْ عَشَرَ الثُّلُثَانِ
(1/261)

وَالرَّضِيعُ أُوقِيَّةٌ فِي الشَّهْرِ، وَالْحَاضِنَةُ ثَمَنُ الْأُوقِيَّةِ فِي الشَّهْرِ، وَإِذَا كَانَتْ السُّنُونَ مُتَعَدِّدَةً وَلَمْ يَعْلَمْ الْعَامَ الْغَالِيَ مِنْ الرَّاخِي يَتَوَخَّى الصَّلَاحَ وَالسَّدَادَ وَيَجْتَهِدُ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. وَالْمَفْرُوضُ أَرْبَعَةٌ غَنِيٌّ وَمُتَوَسِّطٌ وَمُقِلٌّ وَعَدِيمٌ فَفَرْضُ عَامَّةِ النَّاسِ عِنْدَنَا رَفِيعًا أَوْ وَضِيعًا فَرْضُ الِاسْتِغْلَالِ وَلَوْ كَانَ تَاجِرًا، إلَّا إذَا ثَبَتَ عُدْمُهُ فَيُفْرَضُ لَهُ فَرْضُ الْعَدِيمِ، وَأَمَّا الْغَنِيُّ وَالْمُتَوَسِّطُ فَلَيْسَ بِمَحْدُودٍ وَلِذَلِكَ لَمْ أُبَيِّنْ لَكَ فَرَضَهُمَا وَأَمَّا خِدْمَةُ النِّسَاءِ فِي الْبَادِيَةِ فَلَا يُفْرَضُ لَهُنَّ شَيْءٌ إلَّا إذَا كَانَتْ أَجِيرَةً لِأَجْنَبِيٍّ فَيُفْرَضُ لَهَا أُجْرَةُ أَمْثَالِهَا وَفِي الْحَضَانَةِ رُبُعُ الْأُوقِيَّةِ لِلرَّأْسِ بِزِيَادَةِ ثَمَنِ الْأُوقِيَّةِ عَلَى أَهْلِ الْحَاضِرَةِ. وَالسَّلَامُ
[فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ بِالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ وَمَا يُلْحَقُ بِهَا]
الزَّوْجُ إنْ عَجَزَ عَنْ إنْفَاقِ ... لِأَجَلٍ شَهْرَيْنِ ذُو اسْتِحْقَاقِ
بَعْدَهُمَا الطَّلَاقُ لَا مِنْ فِعْلِهِ ... وَعَاجِزٌ عَنْ كِسْوَةٍ كَمِثْلِهْ
وَلِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِينَ يُجْعَلُ ... فِي الْعَجْزِ عَنْ هَذَا وَهَذَا الْأَجَلُ
وَذَاكَ مِنْ بَعْدِ ثُبُوتِ مَا يَجِبْ ... كَمِثْلِ عِصْمَةٍ وَحَالِ مَنْ طَلَبْ
يَعْنِي أَنَّ الزَّوْجَ إذَا عَجَزَ عَنْ النَّفَقَةِ، يَعْنِي أَوْ الْكِسْوَةِ بِقَوْلِهِ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي يُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ شَهْرَيْنِ، أَوْ مَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ كَمَا يَقُولُهُ فِي الْبَيْتِ الثَّالِثِ فَإِذَا انْقَضَى الْأَجَلُ الْمَضْرُوبُ وَلَمْ يَجِدْ مَا عَجَزَ عَنْهُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ قَالَ: إنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ الزَّوْجِ يَعْنِي بَلْ مِنْ فِعْلِ الْحَاكِمِ.
وَهَذَا إذَا امْتَنَعَ الزَّوْجُ مِنْ التَّطْلِيقِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ حِينَئِذٍ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ وَقِيلَ يَأْمُرُهَا بِهِ فَتُوقِعُهُ، وَأَمَّا ابْتِدَاءً فَالزَّوْجُ هُوَ الْمَأْمُورُ بِالتَّطْلِيقِ قَوْلُهُ وَلِاجْتِهَادِ الْحَكَمَيْنِ، الْبَيْتُ يَعْنِي أَنَّ تَعْيِينَ مُدَّةِ الْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ فِي الْعَجْزِ عَنْ الْإِنْفَاقِ أَوْ الْكِسْوَةِ مَوْكُولٌ إلَى اجْتِهَادِ الْحَكَمَيْنِ وَنَظَرِهِمَا فَيُقَدَّرُ أَنَّهُ بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ لَهُمَا فِي كُلِّ نَازِلَةٍ نَازِلَةٍ فَقَوْلُ هَذَا الْأَوَّلِ إشَارَةٌ إلَى الْإِنْفَاقِ، وَالثَّانِي إشَارَةٌ إلَى الْكِسْوَةِ، وَذَكَرَهُ بِاعْتِبَارِ اللِّبَاسِ وَأَفَادَ بِهَذَا الْبَيْتِ أَنَّ التَّحْدِيدَ بِالشَّهْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ لَيْسَ لَازِمًا لَا يُعْدَلُ عَنْهُ بَلْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْآجَالِ الَّتِي هِيَ مَوْكُولَةٌ إلَى اجْتِهَادِ الْقُضَاةِ فَيُقَدِّرُونَهَا بِمَا ظَهَرَ كَمَا قَالَ النَّاظِمُ أَوَّلَ الْكِتَابِ
وَلِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ الْآجَالُ ... مَوْكُولَةٌ حَيْثُ لَهَا اسْتِعْمَالُ
وَقَوْلُهُ
وَذَاكَ مِنْ بَعْدِ ثُبُوتِ مَا يَجِبْ
الْبَيْتُ يَعْنِي أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّطْلِيقِ عَلَى الْمُعْسِرِ بِالنَّفَقَةِ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ ثُبُوتِ مُوجِبِهِ مِنْ الْعِصْمَةِ وَإِعْسَارِ الزَّوْجِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ " وَحَالِ مَنْ طَلَبْ " فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ طُلِّقَ عَلَيْهِ لَكِنْ بَعْدَ تَلَوُّمٍ بِقَدْرِ اجْتِهَادِ الْقَاضِي، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَثْبُتْ عُسْرُهُ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ؛ إمَّا النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ؛ وَإِمَّا الطَّلَاقُ وَتَلَوُّمٌ بِالِاجْتِهَادِ، فَهُوَ كَقَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ فَيَأْمُرُهُ الْقَاضِي وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عُسْرُهُ بِالنَّفَقَةِ أَوْ الْكِسْوَةِ أَوْ الطَّلَاقِ، وَإِلَّا تَلَوَّمَ بِالِاجْتِهَادِ، ثُمَّ طَلَّقَ عَلَيْهِ فَقَوْلُهُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ ثُبُوتِ عُسْرِهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَثْبُتَ عُسْرُهُ فَلَا يُؤْمَرُ حِينَئِذٍ بِالطَّلَاقِ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِي أَمْرِهِ بِمَا يُثْبِتُ عُسْرَهُ وَعَجْزَهُ عَنْهُ فَيُطَلِّقُ عَلَيْهِ لَكِنْ بَعْدَ تَلَوُّمٍ يَرَاهُ الْقَاضِي كَمَا تَقَدَّمَ.
وَفِي ابْنِ الْحَاجِبِ وَيَثْبُتُ لَهَا حَقُّ الْفَسْخِ بِالْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ الْحَاضِرَةِ لَا الْمَاضِيَةِ حُرَّيْنِ، أَوْ عَبْدَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ مَا لَمْ تَكُنْ عَلِمَتْ فَقْرَهُ قَبْلَ الْعَقْدِ فَيَأْمُرُهُ الْحَاكِمُ بِالْإِنْفَاقِ، أَوْ الطَّلَاقِ فَإِنْ أَبَى طَلَّقَ عَلَيْهِ بَعْدَ التَّلَوُّمِ، وَرُوِيَ شَهْرٌ، وَرُوِيَ شَهْرَانِ، وَرُوِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَالصَّحِيحُ
(1/262)

يَخْتَلِفُ بِالرَّجَاءِ اهـ. أَيْ فَمَنْ يُرْجَى زَوَالُ فَقْرِهِ يُتَلَوَّمُ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ (وَقَالَ الشَّارِحُ) يَسُوغُ أَنْ يُزَادَ فِي الْآجَالِ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَزْوَاجِ لِمَنْ يُرْجَى لَهُ الْوَجْدُ وَالسَّعَةُ وَلَا يَكُونُ عَلَى زَوْجَتِهِ كَبِيرُ مَضَرَّةٍ فِي الْبَقَاءِ مَعَهُ لِانْتِظَارِ يَسْرَتِهِ، كَمَا أَنَّهُ يُنْقَصُ مِنْهُ لِمَنْ يُرْجَى لَهُ شَيْءٌ مَعَ تَضَرُّرِ زَوْجَتِهِ بِالْإِقَامَةِ دُونَ الْقِيَامِ بِحَقِّهَا بِحَسَبِ اجْتِهَادِ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ فِي إفْرَادِ الْمَسَائِلِ، وَإِنَّمَا التَّأْجِيلُ بِالشَّهْرَيْنِ تَقْرِيرٌ لِمَا اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ مِنْ الْقُضَاةِ أَكْثَرَ مَا فِي حَقِّ عُمُومِ النَّاسِ. اهـ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَتَطْلُقُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكِسْوَةِ اهـ. (التَّوْضِيحُ) اللَّخْمِيُّ، وَكَذَلِكَ لَوْ عَجَزَ عَنْ الْغِطَاءِ وَالْوَطْءِ (أَشْهَبُ) وَيَسْتَأْنِي فِي الْكِسْوَةِ الشَّهْرَيْنِ وَنَحْوَهُمَا اهـ. (وَفِي ابْنِ سَلْمُونٍ) فَمَنْ ادَّعَى الْعَجْزَ عَنْ النَّفَقَةِ، وَكَذَلِكَ عَنْ الْقُوتِ وَعَمَّا يُوَارِي الْعَوْرَةَ مِنْ الْكِسْوَةِ وَادَّعَى الْعُدْمَ فَلَا يُحْبَسُ حَتَّى تَقُومَ عَلَيْهِ شُبْهَةٌ يَظْهَرُ بِهَا لَدَدُهُ وَعَلَيْهِ إثْبَاتُ ذَلِكَ إنْ نَاكَرَتْهُ الزَّوْجَةُ، فَإِذَا أَثْبَتَ ذَلِكَ حَلَفَ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ وَأَنَّ الَّذِي يُفْرَضُ عَلَيْهِ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَإِذَا حَلَفَ أُجِّلَ فِي الْكِسْوَةِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى النَّفَقَةِ دُونَ الْكِسْوَةِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ وَنَحْوِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا يُؤَجَّلُ، إلَّا دُونَ ذَلِكَ، وَذَلِكَ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، وَإِذَا ثَبَتَ عُدْمُهُ، أَوْ أَقَرَّ بِالْعَجْزِ وَوَافَقَتْهُ الزَّوْجَةُ عَلَى ذَلِكَ أَجَّلَهُ الْحَاكِمُ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا الشَّهْرَ وَنَحْوَهُ وَتَكُونُ مَعَهُ فِي خِلَالِ التَّأَجُّلِ، وَلَا تَتْبَعُهُ بِنَفَقَةٍ زَمَنَ الْإِعْسَارِ.
وَإِنْ عُلِمَ لَهُ مَالٌ، أَوْ ظَهَرَ لَدَدُهُ كَانَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَسْجُنَهُ، فَإِنْ وَجَدَ فِي خِلَالِ الْأَجَلِ مَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا بَطَلَ حُكْمُهُ وَبَقِيَتْ زَوْجَةً، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا وَدَعَتْ إلَى الطَّلَاقِ فَيَكْتُبُ فِي ذَلِكَ مَا نَصُّهُ " لَمَّا انْصَرَمَ الْأَجَلُ الْمُقَيَّدُ فَوْقَ هَذَا، أَوْ حَضَرَ عِنْدَ الْقَاضِي فُلَانٍ وَفَّقَهُ اللَّهُ الزَّوْجَانِ فُلَانٌ وَفُلَانَةُ وَأَقَرَّ الزَّوْجُ فُلَانٌ بِاتِّصَالِ عِشْرَتِهِ وَأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ مِنْهُ مَا يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى زَوْجَتِهِ الْمَذْكُورَةِ وَسَأَلَتْ مِنْهُ الزَّوْجَةُ النَّظَرَ لَهَا أَمَرَهُ بِالطَّلَاقِ فَأَبَى مِنْ ذَلِكَ وَثَبَتَتْ إبَايَتُهُ عِنْدَهُ فَطَلَّقَهَا عَلَيْهِ طَلْقَةً وَاحِدَةً يَمْلِكُ بِهَا رَجْعَتَهَا إنْ أَيْسَرَ فِي عِدَّتِهَا وَحَكَمَ بِذَلِكَ وَأَنْفَذَهُ بَعْدَ الْإِعْذَارِ إلَيْهِمَا وَثُبُوتِ زَوْجِيَّتِهِمَا لَدَيْهِ وَشُهِدَ عَلَى الْقَاضِي وَفَّقَهُ اللَّهُ بِمَا فِيهِ مِنْ ثُبُوتِ وَحُكْمِ مَنْ أَشْهَدَهُ الزَّوْجَانِ بِمَا فِيهِ عَنْهُمَا فِي كَذَا، وَإِنْ أَيْسَرَ فِي عِدَّتِهَا بِنَفَقَةِ الشَّهْرِ وَنَحْوِهِ وَمَا يَجِبُ مِنْ اللِّبَاسِ كَانَ أَمْلَكَ بِهَا " انْتَهَى.
(وَفِي مُفِيدِ ابْنِ هِشَامٍ) وَلَوْ أَعْسَرَ بِنَفَقَتِهَا بَعْدَ الدُّخُولِ، أَوْ بَعْدَ أَنْ دُعِيَ إلَى الْبِنَاءِ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَيْهَا وَأَرَادَتْ فِرَاقَهُ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا إنْ طَلَبَتْ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يُؤَجَّلَ لَهُ مَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا أَيَّامًا ثَلَاثَةً، أَوْ جُمُعَةً وَقِيلَ ثَلَاثِينَ وَقِيلَ شَهْرَيْنِ، وَالتَّوْقِيتُ فِي هَذَا خَطَأٌ وَإِنَّمَا فِيهِ اجْتِهَادُ الْحَاكِمِ عَلَى مَا يَرَاهُ مِنْ حَاجَةِ الْمَرْأَةِ وَصَبْرِهَا، وَالْجُوعُ لَا صَبْرَ عَلَيْهِ. وَالْفُرْقَةُ فِيهَا طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ، فَإِنْ أَيْسَرَ فِي عِدَّتِهَا فَلَهُ رَجْعَتُهَا إنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا وَلَا تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ مَا أَعْسَرَ بِهِ، وَلَا تَصِحُّ رَجْعَتُهُ، إلَّا بِالْيَسَارِ. اهـ

ثُمَّ قَالَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وَوَاجِدُ نَفَقَةٍ وَمَا ابْتَنَى ... وَعَنْ صَدَاقٍ عَجْزُهُ تَبَيَّنَا
تَأْجِيلُهُ عَامَانِ وَابْنُ الْقَاسِمِ ... يَجْعَلُ ذَاكَ لِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ
يَعْنِي أَنَّ مَنْ عَقَدَ عَلَى امْرَأَةٍ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا، ثُمَّ طُولِبَ بِالصَّدَاقِ فَعَجَزَ عَنْهُ لَكِنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى النَّفَقَةِ فَإِنَّهُ يُؤَجَّلُ لِذَلِكَ سَنَتَيْنِ وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ مَوْكُولٌ إلَى اجْتِهَادِ الْقَاضِي (قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) وَإِذَا أَصْدَقَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ صَدَاقًا وَلَمْ يَجِدْ الصَّدَاقَ قَبْلَ دُخُولِهِ عَلَيْهَا وَيَجِدُ النَّفَقَةَ، فَإِنَّهُ يُضْرَبُ لَهُ فِي ذَلِكَ أَجَلٌ قِيلَ لَهُ، فَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ وَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ قَالَ يُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ آخَرُ يُتَلَوَّمُ لَهُ فِيهِ، فَإِذَا اسْتَقْصَى التَّلَوُّمَ رَأَيْتُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ مَنْ تُرْجَى لَهُ تِجَارَةٌ تَأْتِيه، أَوْ غَلَّةٌ كَاَلَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ شَيْءٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ. وَرُوِيَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ يُضْرَبُ لَهُ فِي الصَّدَاقِ إذَا كَانَ يُجْرِي النَّفَقَةَ أَجَلَ سَنَتَيْنِ (وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ) لَا أَعْرِفُ سَنَةً وَلَا سَنَتَيْنِ وَلَكِنْ قَدْ قَالَ مَالِكٌ: يَتَلَوَّمُ لَهُ تَلَوُّمًا بَعْدَ تَلَوُّمٍ، وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا اهـ.
(ابْنُ الْحَاجِبِ) وَلِلْمَرْأَةِ مَنْعُ نَفْسِهَا مِنْ الدُّخُولِ وَمِنْ الْوَطْءِ بَعْدَهُ وَمِنْ السَّفَرِ مَعَهُ حَتَّى تَقْبِضَ مَا وَجَبَ لَهَا مِنْ صَدَاقِهَا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ تَلَوَّمَ لَهُ بِأَجَلٍ بَعْدَ أَجَلٍ، ثُمَّ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بِطَلْقَةٍ وَفِي نِصْفِ الصَّدَاقِ حِينَئِذٍ قَوْلَانِ (التَّوْضِيحُ) مَا وَجَبَ لَهَا أَيْ الْحَالُّ
(1/263)

وَمَا حَلَّ، ثُمَّ قَالَ إذَا طُولِبَ الزَّوْجُ بِالصَّدَاقِ، فَإِنْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ، أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى إعْسَارِهِ ضَرَبَ لَهُ الْأَجَلَ وَتَلَوَّمَ لَهُ، ثُمَّ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بِطَلْقَةٍ (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) وَيَخْتَلِفُ التَّلَوُّمُ فِيمَنْ يُرْجَى وَفِيمَنْ لَا يُرْجَى، أَيْ فَيُطَالُ فِي الْأَجَلِ فِي حَقِّ مَنْ يُرْجَى دُونَ غَيْرِهِ (قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) وَيُؤَجِّلُهُ فِي إثْبَاتِ عُسْرِهِ أَحَدًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا، سِتَّةً، ثُمَّ سِتَّةً، ثُمَّ سِتَّةً، ثُمَّ ثَلَاثَةً وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَطْلُبَهُ بِحَمِيلٍ بِوَجْهِهِ.
فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ فَلَهَا أَنْ تَسْجُنَهُ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ دَيْنٌ كَسَائِرِ الدُّيُونِ (ثُمَّ قَالَ) وَذَكَرَ الْمُتَيْطِيُّ أَنَّ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُوَثِّقُونَ فِي مِقْدَارِ الْأَجَلِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا، سِتَّةُ أَشْهُرٍ، ثُمَّ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، ثُمَّ شَهْرَانِ، ثُمَّ شَهْرٌ وَنَقَلَهُ ابْنُ سَحْنُونٍ وَلِمَالِكٍ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ يُضْرَبُ لَهُ السَّنَةُ وَالسَّنَتَانِ، ثُمَّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ يُجْرِي النَّفَقَةَ وَإِذَا ضُرِبَ الْأَجَلُ فَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ فِي أَحْكَامِهِ لَا يُعَدُّ الْيَوْمُ الَّذِي يُكْتَبُ فِيهِ الْأَجَلُ (خَلِيلٌ) وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ كَعُهْدَةِ السَّنَةِ وَالْكِرَاءِ وَنَحْوِهِمَا.
ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَفِي نِصْفِ الصَّدَاقِ حِينَئِذٍ قَوْلَانِ، أَيْ حِينَ التَّفَرُّقِ بِالْإِعْسَارِ بِالصَّدَاقِ اهـ. وَإِلَى هَذَا كُلِّهِ أَشَارَ فِي الْمُخْتَصَرِ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ لَمْ تَجِدْهُ أُجِّلَ لِإِثْبَاتِ عُسْرِهِ ثَلَاثَةَ أَسَابِيعَ، ثُمَّ تَلَوَّمَ لَهُ بِالنَّظَرِ وَعَمِلَ بِسَنَةٍ وَشَهْرٍ وَفِي التَّلَوُّمِ لِمَنْ لَا يُرْجَى، وَصُحِّحَ عَدَمُهُ تَأْوِيلَانِ، ثُمَّ طُلِّقَ عَلَيْهِ وَوَجَبَ نِصْفُهُ. اهـ. ثُمَّ قَالَ.
وَزَوْجَةُ الْغَائِبِ حَيْثُ أَمَّلَتْ ... فِرَاقَ زَوْجِهَا بِشَهْرٍ أُجِّلَتْ
وَبِانْقِضَاءِ الْأَجَلِ الطَّلَاقُ مَعْ ... يَمِينِهَا وَبِاخْتِيَارِهَا يَقَعْ
يَعْنِي أَنَّ مَنْ غَابَ عَنْ زَوْجَتِهِ وَلَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً وَأَرَادَتْ فِرَاقَهُ فَإِنَّهَا تُؤَجَّلُ شَهْرًا فَإِذَا انْقَضَى الشَّهْرُ خُيِّرَتْ فِي الْبَقَاءِ وَالطَّلَاقِ، فَإِنْ اخْتَارَتْهُ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ بَعْدَ يَمِينِهَا أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكَ لَهَا نَفَقَةً وَلَا بَعَثَ بِهَا وَوَصَلَتْهَا، وَعَلَى كَوْنِهَا خُيِّرَتْ فَاخْتَارَتْ الطَّلَاقَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ " وَبِاخْتِيَارِهَا يَقَعُ " رَدًّا عَلَى مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْقَاضِيَ يُطَلِّقُهَا عَلَيْهِ، وَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ فِي آخِرِ كَلَامِ ابْنِ سَلْمُونٍ فَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ إذَا رَفَعَتْ امْرَأَةٌ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّ زَوْجَهَا غَابَ عَنْهَا وَلَمْ يَتْرُكْ لَهَا شَيْئًا تُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهَا وَأَثْبَتَتْ لَهُ مَالًا أَعْدَاهَا بِنَفَقَتِهَا فِيهِ، فَإِنْ لَمْ تُثْبِتْ لَهُ مَالًا يُعْدِيهَا فِيهِ، وَذَهَبَتْ إلَى أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا عَلَيْهِ بِعَدَمِ النَّفَقَةِ وَهُوَ عَدِيمٌ، أَوْ مَجْهُولُ الْحَالِ، فَإِنَّهُ يُتَلَوَّمُ لَهُ، فَإِنْ أَتَى، أَوْ وَجَدَتْ لَهُ مَالًا، وَإِلَّا طَلُقَتْ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ النَّفَقَةِ لَا مِنْ جِهَةِ الْفَقْدِ كَمَا تَطْلُقُ عَلَى الْعَدِيمِ الْحَاضِرِ. وَيَجِبُ فِي ذَلِكَ أَنْ تُثْبِتَ عُدْمَ الْغَائِبِ وَغَيْبَتَهُ، ثُمَّ يَسْتَأْنِي بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا يَسْتَأْنِي عَلَى الْحَاضِرِ، ثُمَّ يُقْضَى عَلَيْهِ وَتُرْجَى لَهُ الْحُجَّةُ لِمَغِيبِهِ (قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ) وَتَحْلِفُ الْمَرْأَةُ بِاَللَّهِ مَا تَرَكَ عِنْدَهَا النَّفَقَةَ وَلَا أَرْسَلَ إلَيْهِ شَيْئًا وَوَصَلَ إلَيْهَا وَلَا وَضَعَتْ عَنْهُ نَفَقَتَهَا اهـ.
(وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) بَنَى ابْنُ فَتْحُونٍ وَثَائِقَهُ عَلَى تَلَوُّمِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا (وَفِي ابْنِ سَلْمُونٍ) ، وَكَذَلِكَ إنْ
(1/264)

كَانَتْ غَيْبَتُهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَلَمْ يَتْرُكْ مَالًا فَإِنَّهَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ إذَا دَعَتْ إلَى ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَجِبُ لَهَا حَتَّى تَطْلُبَهَا وَبِغَيْبَتِهِ عُدِمَ ذَلِكَ، ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى الَّذِي غَابَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَكَانَتْ غَيْبَتُهُ قَرِيبَةً دُونَ الْبَعِيدَةِ فَتَلْزَمُهُ قَوْلًا وَاحِدًا إنْ طَلَبَتْ الزَّوْجَةُ، ثُمَّ ذَكَرَ وَثِيقَةَ الْبَيِّنَةِ بِأَنَّهُ غَابَ وَلَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً، ثُمَّ وَثِيقَةَ التَّأْجِيلِ بِالشَّهْرِ، ثُمَّ وَثِيقَةَ التَّطْلِيقِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الشَّهْرِ وَنَصُّهَا لَمَّا انْصَرَمَ الْأَجَلُ الْمُقَيَّدُ فِي كَذَا وَلَمْ يَئُبْ الزَّوْجُ الْمَذْكُورُ فِي كَذَا لِزَوْجَتِهِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ مِنْ الْغَيْبَةِ الْمَشْهُودِ بِهَا فِي كَذَا، وَسَأَلَتْ الزَّوْجَةُ مِنْ الْقَاضِي فُلَانٍ وَفَّقَهُ اللَّهُ النَّظَرَ لَهَا فِي ذَلِكَ اقْتَضَى نَظَرُهُ إحْلَافَهَا فَحَلَفَتْ بِحَيْثُ يَجِبُ.
وَكَمَا يَجِبُ يَمِينًا قَالَتْ فِيهَا: بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَقَدْ غَابَ عَنِّي زَوْجِي فُلَانٌ الْمَذْكُورُ فِي كَذَا الْغَيْبَةَ الْمَشْهُودَ بِهَا فِي كَذَا وَلَا رَجَعَ مِنْ مَغِيبِهِ سِرًّا وَلَا جَهْرًا وَتَرَكَنِي دُونَ نَفَقَةٍ وَلَا شَيْءَ أَمُونُ بِهِ نَفْسِي وَلَا بَعَثَ إلَيَّ بِشَيْءٍ فَوَصَلَنِي وَلَا أَقَامَ لِي بِذَلِكَ كَفِيلًا وَلَا مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ وَلَا قَامَ عَنْهُ أَحَدٌ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَذِنْتُ لَهُ فِي سَفَرِهِ وَلَا رَضِيتُ بِالْمُقَامِ مَعَهُ دُونَ النَّفَقَةِ وَلَا أَعْلَمُ مَالًا أُعْدِي لَهُ فِيهِ بِذَلِكَ وَلَا أَنَّ عِصْمَةَ النِّكَاحِ انْفَصَلَتْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ بِوَجْهٍ حَتَّى الْآنَ، وَلَمَّا كَمَّلَتْ يَمِينَهَا وَثَبَتَتْ لَدَيْهِ أَذِنَ لَهَا فِي تَطْلِيقِ نَفْسِهَا إنْ شَاءَتْ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا عَلَيْهِ وَاحِدَةً قَبْلَ الْبِنَاءِ بِهَا مَلَكَتْ بِهَا أَمْرَ نَفْسِهَا، أَوْ بَعْدَ الْبِنَاءِ بِهَا طَلْقَةً رَجْعِيَّةً يَمْلِكُ بِهَا رَجْعَتَهَا إنْ قَدِمَ مُوسِرًا فِي عِدَّتِهَا وَأَمَرَهَا بِالِاعْتِدَادِ مِنْ الْآنَ.
وَإِرْجَاءُ الْحُجَّةِ لِلْغَائِبِ مَتَى قَدِمَ وَمَنْ حَضَرَ الْيَمِينَ الْمَنْصُوصَةَ وَاسْتَوْعَبَهَا مِنْ الْحَالِفِ وَيَعْرِفُ الْإِذْنَ فِيهَا وَفِي الطَّلَاقِ وَأَشْهَدَتْهُ الْحَالِفَةُ بِمَا فِيهِ عَنْهَا وَعَرَفَهَا قَيَّدَ بِذَلِكَ شَهَادَتَهُ فِي كَذَا وَأَسْقَطَ ابْنُ فَتْحُونٍ أَذِنَ لَهَا فِي الطَّلَاقِ وَجَعَلَ فِي عِوَضِهِ فَطَلَّقَهَا وَمَا ذَكَرْنَا أَصْوَبُ اهـ.
وَعَلَى التَّنْبِيهِ عَلَى هَذَا الْأَصْوَبِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ " وَبِاخْتِيَارِهَا يَقَعْ " (قَالَ ابْنُ عَاتٍ) وَالْمَعْنَى الْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ هِيَ الْمُفَارِقَةُ وَأَنَّ الْحَقَّ إذَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ خَالِصًا فَإِنْفَاذُ الطَّلَاقِ مَوْكُولٌ إلَيْهَا مَعَ إبَاحَةِ الْحَاكِمِ ذَلِكَ لَهَا وَنُسِبَ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّهُ الْحَاكِمُ بِهِ وَمُنَفِّذُهُ (فَرْعٌ) اُخْتُلِفَ إذَا فُقِدَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَضَرَبَ الْحَاكِمُ الْأَجَلَ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَسَوَاءٌ تَزَوَّجَتْ أَمْ لَا فَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تُعْطَى جَمِيعَ الصَّدَاقِ، وَبِهِ قَالَ سَحْنُونٌ وَابْنُ الْعَطَّارِ وَبِهِ الْقَضَاءُ وَفِي الْجَلَّابِ أَنَّهَا تُعْطَى نِصْفَ الصَّدَاقِ فَقَطْ، فَإِنْ ثَبَتَ بَعْدَ ذَلِكَ وَفَاتُهُ أَكْمَلَ لَهَا صَدَاقَهَا، وَكَذَلِكَ إنْ مَضَى عَلَيْهِ مِنْ السِّنِينَ مَا لَا يَحْيَا إلَى مِثْلِهِ وَقَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ وَابْنُ دِينَارٍ مِنْ التَّوْضِيحِ.
(فَرْعٌ) إذَا تَطَوَّعَ أَحَدُ أَقَارِبِ الزَّوْجِ، أَوْ أَجْنَبِيٌّ بِالنَّفَقَةِ عَلَى زَوْجَةِ الْغَائِبِ فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْكَاتِبِ لَهَا أَنْ تُفَارِقَ؛ لِأَنَّ الْفِرَاقَ قَدْ وَجَبَ لَهَا وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: لَا مَقَالَ لَهَا؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْفِرَاقِ هُوَ عَدَمُ النَّفَقَةِ وَقَدْ وَجَدْتُهَا اهـ.
مِنْ طُرَرِ سَيِّدِي أَحْمَدَ الْوَنْشَرِيسِيِّ عَلَى وَثَائِقِ الْقَشْتَالِيِّ، ثُمَّ قَالَ
وَمَنْ عَنْ الْإِخْدَامِ عَجْزُهُ ظَهَرْ ... فَلَا طَلَاقَ وَبِذَا الْحُكْمِ اشْتَهَرَ
يَعْنِي أَنَّ الزَّوْجَ إذَا قَدَرَ عَلَى النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَعَجَزَ عَنْ الْإِخْدَامِ مَعَ كَوْنِهِ وَزَوْجَتَهُ أَهْلًا لِلْإِخْدَامِ فَفِي التَّطْلِيقِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ مِنْهُمَا أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ.
(قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) وَاخْتُلِفَ إذَا عَجَزَ الزَّوْجُ عَنْ الْإِخْدَامِ هَلْ تَطْلُقُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ عِيسَى: لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَبِهِ الْقَضَاءُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ. اهـ. وَجُمْلَةُ " عَجْزُهُ ظَهَرَ عَنْ الْإِخْدَامِ " صِلَةُ مَنْ وَالرَّابِطُ ضَمِيرُ " عَجْزُهُ " وَ " فَلَا طَلَاقَ " جَوَابُ " مَنْ ".
(1/265)

[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْمَفْقُودِينَ]
َ جَمَعَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ مِنْهُمْ مَنْ يُفْقَدُ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُفْقَدُ فِي أَرْضِ الْكُفْرِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا؛ إمَّا فِي غَيْرِ حَرْبٍ، أَوْ فِي حَرْبٍ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ حُكْمٌ يَخُصُّهُ، ثُمَّ قَالَ
وَحُكْمُ مَفْقُودٍ بِأَرْضِ الْكُفْرِ ... فِي غَيْرِ حَرْبٍ حُكْمُ مَنْ فِي الْأَسْرِ
تَعْمِيرُهُ فِي الْمَالِ وَالطَّلَاقُ ... مُمْتَنِعٌ مَا بَقِيَ الْإِنْفَاقُ
وَكُلُّ مَنْ لَيْسَ لَهُ مَالٌ حَرِيّ ... بِأَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ كَالْمُعْسِرِ
الْمَفْقُودُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مَنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ وَيُمْكِنُ الْكَشْفُ عَنْهُ. خَرَجَ بِقَوْلِهِ مَنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ: الْأَسِيرُ الَّذِي عُلِمَ خَبَرُهُ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ وَيُمْكِنُ الْكَشْفُ عَنْهُ: الْمَحْبُوسُ الَّذِي لَا يُسْتَطَاعُ الْكَشْفُ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِ الْمَفْقُودِ وَالْحَدُّ شَامِلٌ لِلْحُرِّ وَالْعَبْدِ قَالَهُ الرَّصَّاعُ
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَفْقُودَ؛ إمَّا أَنْ يُفْقَدَ فِي أَرْضِ الْكُفْرِ، أَوْ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ وَبَدَأَ النَّاظِمُ بِاَلَّذِي يُفْقَدُ فِي أَرْضِ الْكُفْرِ وَسَيَقُولُ
وَمَنْ بِأَرْضِ الْمُسْلِمِينَ يُفْتَقَدْ
إلَخْ وَقَسَّمَ الْمَفْقُودَ فِي أَرْضِ الْكُفْرِ إلَى مَنْ فُقِدَ فِي غَيْرِ حَرْبٍ وَعَلَيْهِ تَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ بِاعْتِبَارِ زَوْجَتِهِ وَمَالِهِ وَأَدْمَجَ مَعَهُ حُكْمَ الْأَسِيرِ الْمَجْهُولِ الْحَيَاةِ بِاعْتِبَارِ زَوْجَتِهِ وَمَالِهِ أَيْضًا فَأَخْبَرَ أَنَّ حُكْمَ الْمَفْقُودِ فِي أَرْضِ الْكُفْرِ فِي غَيْرِ حَرْبٍ حُكْمُ الْأَسِيرِ، أَيْ الَّذِي لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ مِنْ مَوْتِهِ، وَحُكْمُهُ أَنَّ الْمَالَ لَا يُوَرَّثُ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهِ مِنْ السِّنِينَ مَا لَا يَعِيشُ إلَى مِثْلِهِ.
وَكَذَا لَا تَتَزَوَّجُ زَوْجَتُهُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ أَجَلِ التَّعْمِيرِ وَالْحُكْمِ بِمَوْتِهِ، فَكَذَلِكَ الْمَفْقُودُ بِأَرْضِ الْكُفْرِ فِي غَيْرِ حَرْبٍ لَا يُوَرَّثُ مَالُهُ وَلَا تَتَزَوَّجُ زَوْجَتُهُ إلَّا بَعْدَ التَّعْمِيرِ فَقَوْلُهُ وَالطَّلَاقُ مُمْتَنِعٌ، يَعْنِي أَنَّ زَوْجَةَ الْمَفْقُودِ وَالْأَسِيرِ لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ مَا دَامَتْ نَفَقَتُهَا مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ لَهُ مَالٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ بِالْإِعْسَارِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ
وَكُلُّ مَنْ لَيْسَ لَهُ مَالٌ حَرِيّ
الْبَيْتَ فَهُوَ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ.
قَوْلِهِ
مُمْتَنِعٌ مَا بَقِيَ الْإِنْفَاقُ
إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ مَا بَقِيَ الْإِنْفَاقُ أَنَّهُ مَهْمَا كَانَ عِنْدَهُ مَا تُنْفِقُ مِنْهُ، فَلَهَا حُكْمُ الزَّوْجَةِ فَتُنْفِقُ مِنْ مَالِهِ وَلَا تَتَزَوَّجُ، وَلَوْ طَالَتْ السُّنُونَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا قَبْلَ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ، أَمَّا إذَا انْقَضَى أَجَلُ التَّعْمِيرِ، وَحُكِمَ بِمَوْتِهِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا حِينَئِذٍ وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ لِأَنَّهَا إذْ ذَاكَ مُتَوَفًّى عَنْهَا وَلَا نَفَقَةَ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا، وَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بَعْدَ عِدَّةِ الْوَفَاةِ تَبْتَدِئُهَا مِنْ غَدِ يَوْمِ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ.
(قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) ، وَأَمَّا الْأَسِيرُ، فَإِنْ كَانَ لِامْرَأَتِهِ شَرْطٌ فِي الْمَغِيبِ، طَوْعًا أَوْ كَرْهًا، فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا بِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا شَرْطٌ وَلَا خَلَفَ لَهَا نَفَقَةً قَامَتْ بِعَدَمِهَا وَطَلَّقَهَا عَلَيْهِ الْإِمَامُ كَمَا تَطْلُقُ عَلَى الْحَاضِرِ، فَإِنْ كَانَ خَلَفَ لَهَا مَا تُنْفِقُ مِنْهُ عَلَيْهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ شَرْطٌ فَلَا تَتَزَوَّجُ أَبَدًا وَيُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ حَتَّى يَثْبُتَ مَوْتُهُ، أَوْ تُبْصِرَهُ طَائِعًا، أَوْ يَنْقَضِيَ تَعْمِيرُهُ، إنْ جُهِلَ مَكَانُهُ فَتَنْقَطِعُ النَّفَقَةُ عَنْهَا وَعَمَّنْ كَانَ يُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَتَعْتَدُّ زَوْجَتُهُ وَتَتَزَوَّجُ وَيُقَسَّمُ مَالُهُ فِي ثُبُوتِ الْمَوْتِ، أَوْ انْقِضَاءِ التَّعْمِيرِ اهـ.
وَيَأْتِي لِلنَّاظِمِ الْكَلَامُ عَلَى حَدِّ التَّعْمِيرِ، وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ وَبَقِيَتْ أُمُّ وَلَدِهِ وَمَالُهُ وَزَوْجَةُ الْأَسِيرِ وَزَوْجَةُ مَفْقُودِ أَرْضِ الشِّرْكِ لِلتَّعْمِيرِ، وَالشَّاهِدُ لِمَسْأَلَتِنَا، أَعْنِي مَسْأَلَةَ الْمَفْقُودِ وَالْأَسِيرِ هُوَ قَوْلُهُ وَزَوْجَةُ الْأَسِيرِ وَزَوْجَةُ مَفْقُودِ أَرْضِ الشِّرْكِ يَعْنِي وَمَالُهُمَا فَقَوْلُهُ " وَمَفْقُودٌ " عَطْفٌ عَلَى الْأَسِيرِ مَدْخُولٌ لِزَوْجَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .
(1/266)

وَإِنْ يَكُنْ فِي الْحَرْبِ فَالْمَشْهُورُ ... فِي مَالِهِ وَالزَّوْجَةِ التَّعْمِيرُ
وَفِيهِ أَقْوَالٌ لَهُمْ مُعَيَّنَهْ ... أَصَحُّهَا الْقَوْلُ بِسَبْعِينَ سَنَهْ
وَقَدْ أَتَى الْقَوْلُ بِضَرْبِ عَامِ ... مِنْ حِينِ يَأْسٍ مِنْهُ لَا الْقِيَامِ
وَيُقْسَمُ الْمَالُ عَلَى مَمَاتِهِ ... وَزَوْجَةٌ تَعْتَدُّ مِنْ وَفَاتِهِ
وَذَا بِهِ الْقَضَاءُ فِي أَنْدَلُسِ ... لِمَنْ مَضَى فَمُقْتَفِيهِمْ مُؤْتَسِ
يَعْنِي الْمَفْقُودُ فِي أَرْضِ الْكُفْرِ إمَّا فِي غَيْرِ حَرْبٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَإِمَّا فِي حَرْبٍ وَعَلَيْهِ تَكَلَّمَ هُنَا فَهُوَ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ
وَحُكْمُ مَفْقُودٍ بِأَرْضِ الْكُفْرِ
فِي غَيْرِ حَرْبٍ يَعْنِي أَنَّ مَنْ فُقِدَ فِي أَرْضِ الْكُفْرِ فِي الْحَرْبِ وَالْقِتَالِ مَعَ الْكُفَّارِ فَفِيهِ قَوْلَانِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ النَّاظِمُ، الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يُعْمَلُ فِي الْمَالِ وَالزَّوْجَةِ كَالْمَفْقُودِ وَالْأَسِيرِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فَلَا يُقَسَّمُ مَالُهُ، وَلَا تَتَزَوَّجُ زَوْجَتُهُ، إلَّا بَعْدَ أَجَلِ التَّعْمِيرِ، وَالْحُكْمِ بِمَوْتِهِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ فَالْمَشْهُورُ
فِي مَالِهِ وَالزَّوْجَةِ التَّعْمِيرُ
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ سَنَةٍ بَعْدَ النَّظَرِ وَالْبَحْثِ عَنْهُ فَإِذَا انْقَضَتْ السَّنَةُ وُرِّثَ مَالُهُ وَاعْتَدَّتْ زَوْجَتُهُ عِدَّةَ الْوَفَاةِ، وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْمَفْقُودِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ تَعْتَدُّ بَعْدَ سَنَةٍ بَعْدَ النَّظَرِ وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ
وَقَدْ أَتَى الْقَوْلُ بِضَرْبِ عَامِ
وَمُبْتَدَأُ الْعَامِ مِنْ حَيْثُ الْيَأْسُ مِنْ خَبَرِهِ لَا مِنْ حِينِ قِيَامِ الزَّوْجَةِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ:
مِنْ حِينِ يَأْسٍ مِنْهُ لَا الْقِيَامِ
، فَإِذَا انْقَضَى الْعَامُ وَحُكِمَ بِمَوْتِهِ قُسِّمَ مَالُهُ وَاعْتَدَّتْ زَوْجَتُهُ عِدَّةَ الْوَفَاةِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ:
يُقَسَّمُ الْمَالُ عَلَى مَمَاتِهِ
الْبَيْتُ فَقَوْلُهُ عَلَى مَمَاتِهِ، أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِتَمْوِيتِهِ إذْ ذَاكَ، أَيْ لَا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِتَعْمِيرِهِ، وَبِهَذَا الْقَوْلِ الْقَضَاءُ فِي بِلَادِ الْأَنْدَلُسِ لِمَنْ مَضَى مِنْ الشُّيُوخِ فَمَنْ عَمِلَ بِذَلِكَ فَهُوَ مُؤْتَسٍ وَمُقْتَدٍ بِهِمْ، وَلَمَّا ذَكَرَ النَّاظِمُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ بِتَعْمِيرِهِ ذَكَرَ إثْرَهُ بَعْضَ مَا قِيلَ فِي التَّعْمِيرِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ فِيهِ أَقْوَالًا لَهُمْ لَكِنَّهُ لَمْ يَحْكِ مِنْهَا إلَّا قَوْلًا وَاحِدًا وَهُوَ سَبْعُونَ سَنَةً، وَقَالَ إنَّهُ أَصَحُّهَا، وَفِي ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ مَفْقُودَ الْمُعْتَرَكِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: (الْأَوَّلُ) أَنَّهُ كَالْأَسِيرِ لَا تَتَزَوَّجُ زَوْجَتُهُ وَلَا يُقَسَّمُ مَالُهُ حَتَّى يُعْلَمَ مَوْتُهُ، أَوْ يَأْتِيَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّمَانِ مَا لَا يَعِيشُ إلَى مِثْلِهِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ كَالْمَفْقُودِ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ فِي مَالِهِ وَزَوْجَتِهِ فَيُعَمَّرُ فِي مَالِهِ وَيُضْرَبُ لِزَوْجَتِهِ أَجَلُ أَرْبَعِ سِنِينَ، ثُمَّ تَعْتَدُّ كَعِدَّةِ الْوَفَاةِ (الْقَوْلُ الثَّالِثُ) تَعْتَدُّ بَعْدَ سَنَةٍ بَعْدَ النَّظَرِ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الثَّانِي فِي النَّظْمِ وَعَلَيْهِ ذَهَبَ خَلِيلٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَنَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ فِي حَدِّ التَّعْمِيرِ سِتَّةَ أَقْوَالٍ اقْتَصَرَ فِي مُخْتَصَرِهِ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْهَا، فَقَالَ وَهُوَ سَبْعُونَ سَنَةً وَاخْتَارَ الشَّيْخَانِ ثَمَانِينَ وَحَكَمَ بِخَمْسٍ وَسَبْعِينَ، ثُمَّ قَالَ
وَمَنْ بِأَرْضِ الْمُسْلِمِينَ يُفْقَدُ ... فَأَرْبَعٌ مِنْ السِّنِينَ الْأَمَدُ
وَبِاعْتِدَادِ الزَّوْجَةِ الْحُكْمُ جَرَى ... مُبَعَّضًا وَالْمَالُ فِيهِ عُمِّرَا
لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْمَفْقُودِ فِي أَرْضِ الْكُفْرِ بِقِسْمَيْهِ، أَيْ فِي غَيْرِ حَرْبٍ، أَوْ فِي حَرْبٍ تَكَلَّمَ هُنَا عَلَى الْمَفْقُودِ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ فِي غَيْرِ حَرْبٍ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُفْصَلُ بَيْنَ زَوْجَتِهِ وَمَالِهِ، فَأَمَّا زَوْجَتُهُ فَيُضْرَبُ لَهَا أَجَلُ أَرْبَعِ سِنِينَ بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ خَبَرِهِ تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ، ثُمَّ تَتَزَوَّجُ إنْ شَاءَتْ، وَأَمَّا مَالُهُ فَلَا يُوَرَّثُ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهِ مِنْ السِّنِينَ مَا لَا يَعِيشُ إلَى مِثْلِهِ (قَالَ فِي الرِّسَالَةِ) وَالْمَفْقُودُ يُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ تَرْفَعُ ذَلِكَ وَيَنْتَهِي الْكَشْفُ عَنْهُ، ثُمَّ تَعْتَدُّ كَمُعْتَدَّةِ الْمَيِّتِ، ثُمَّ تَتَزَوَّجُ إنْ شَاءَتْ وَلَا يُوَرَّثُ مَالُهُ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّمَانِ مَا لَا يَعِيشُ إلَى مِثْلِهِ اهـ. فَقَوْلُهُ وَبِاعْتِدَادِ الزَّوْجَةِ الْبَيْتُ يَعْنِي أَنَّ الْحُكْمَ جَرَى فِي الْمَفْقُودِ بِأَرْضِ الْإِسْلَامِ مُبَعَّضًا بِسَبَبِ اعْتِدَادِ الزَّوْجَةِ بَعْدَ الْأَرْبَعِ سِنِينَ وَحِلِّيَّتِهَا لِلْأَزْوَاجِ بَعْدَهَا وَتَعْمِيرِهِ فِي الْمَالِ فَلَمْ يُعَمَّرْ فِي الْجَمِيعِ وَلَا ضُرِبَ لَهُ الْأَجَلُ فِي الْجَمِيعِ، بَلْ عُمِّرَ فِي الْمَالِ وَضُرِبَ لِزَوْجَتِهِ الْأَجَلُ فَيُحْكَمُ بِمَوْتِهِ بِاعْتِبَارِ الزَّوْجَةِ وَبِحَيَاتِهِ بِاعْتِبَارِ الْمَالِ، وَهَذَا هُوَ التَّبْعِيضُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وَحُكْمُ مَفْقُودٍ بِأَرْضِ الْفِتَنِ ... فِي الْمَالِ وَالزَّوْجَةِ حُكْمُ مَنْ فَنِيَ
مَعَ التَّلَوُّمِ لِأَهْلِ الْمَلْحَمَهْ ... بِقَدْرِ مَا تَنْصَرِفُ الْمُنْهَزِمَهْ
فَإِنْ نَأَتْ أَمَاكِنُ الْمَلَاحِمِ ...
تَرَبَّصَ الْعَامَ لَدَى ابْنِ الْقَاسِمِ
(1/267)

وَأَمَدُ الْعِدَّةِ فِيهِ إنْ شُهِدْ ... أَنْ قَدْ رَأَى الشُّهُودُ فِيهَا مَنْ فُقِدْ
هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنْ أَقْسَامِ الْمَفْقُودِ بِأَرْضِ الْمُسْلِمِينَ فِي وَقْتِ الْحَرْبِ بَيْنَهُمْ، وَهُوَ الْمَفْقُودُ فِي الْفِتَنِ الْوَاقِعَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَذَكَرَ النَّاظِمُ عَلَى ظَاهِرِ لَفْظِهِ أَنَّ فِيهِ قَوْلًا وَاحِدًا بِالتَّفْصِيلِ إنْ لَمْ تَبْعُدْ أَمَاكِنُ الْمَلْحَمَةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ مَاتَ حَاضِرًا فِي الْمَالِ وَالزَّوْجَةِ فَيُوَرَّثُ مَالُهُ وَتَعْتَدُّ زَوْجَتُهُ، وَلَا يُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ وَإِنَّمَا يَتَلَوَّمُ الْإِمَامُ لِزَوْجَتِهِ بِقَدْرِ انْصِرَافِ مَنْ انْصَرَفَ وَانْهِزَامِ مَنْ انْهَزَمَ، ثُمَّ تَعْتَدُّ وَتَتَزَوَّجُ، وَإِنْ بَعُدَتْ أَمَاكِنُ الْمَلْحَمَةِ الَّتِي فُقِدَ فِيهَا عَنْ بَلَدِهِ كَإِفْرِيقِيَّةَ، وَنَحْوِهَا انْتَظَرَتْ زَوْجَتُهُ سَنَةً وَالْعِدَّةُ دَاخِلَةٌ فِي السَّنَةِ، هَذَا إنْ رَأَى الْمَفْقُودَ فِي الْمَعْرَكَةِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا بِمَوْتِهِ هَذَا مَقْصُودُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ لَفْظِهِ أَنَّ الَّذِينَ رَأَوْهُ فِي الْمَلْحَمَةِ لَمْ يَشْهَدُوا وَإِنَّمَا نُقِلَتْ الشَّهَادَةُ عَنْهُمْ لِقَوْلِهِ " إنْ شُهِدَ " أَنْ قَدْ رَأَى الشُّهُودُ وَالْأَمْرُ قَرِيبٌ فَقَوْلُهُ " مَنْ فَنِيَ " أَيْ مَنْ مَاتَ فِي بَلَدِهِ " وَنَأَتْ " مَعْنَاهُ بَعُدَتْ " وَلَدَى " بِمَعْنَى عِنْدَ " وَأَمَدُ الْعِدَّةِ " فِيهِ، أَيْ دَاخِلٌ فِي الْعَامِ " وَشُهِدَ " بِالْبِنَاءِ لِلنَّائِبِ الَّذِي هُوَ " أَنْ قَدْ رَأَى " " وَالشُّهُودُ " فَاعِلُ رَأَى وَ " مَنْ فُقِدْ " مَفْعُولُهُ، وَضَمِيرُ فِيهَا لِلْمَلْحَمَةِ.
(قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) فِي الْمَفْقُودِ فِي الْفِتَنِ الْوَاقِعَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ حَكَى فِيهِ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ لِمَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ زَوْجَتَهُ تَعْتَدُّ مِنْ يَوْمِ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ وَكَانَ أَشْبَاهُ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى يَوْمَ صِفِّينَ وَالْحَرَّةِ. الثَّانِي لِأَصْبَغَ يُضْرَبُ لِامْرَأَتِهِ بِقَدْرِ مَا يُسْتَقْصَى أَمْرُهُ وَيَسْتَبِينُ خَبَرُهُ، وَلَيْسَ لِذَلِكَ حَدٌّ مَعْلُومٌ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَجَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا لِلْأَوَّلِ.
وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ تَفْسِيرًا لَهُ. الثَّالِثُ لِابْنِ الْقَاسِمِ تَتَرَبَّصُ زَوْجَتُهُ سَنَةً، ثُمَّ تَعْتَدُّ. الرَّابِعُ أَنَّ الْعِدَّةَ دَاخِلَةٌ فِي السَّنَةِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَلَوَّمَ لَهُ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ حَيًّا، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ لَهُ خَبَرٌ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ قُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ، وَفِي الْعُتْبِيَّةِ خَامِسٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَا قَرُبَ مِنْ الدِّيَارِ يَتَلَوَّمُ الْإِمَامُ لِزَوْجَتِهِ بِاجْتِهَادِهِ بِقَدْرِ انْصِرَافِ مَنْ انْصَرَفَ وَانْهِزَامِ مَنْ انْهَزَمَ، ثُمَّ تَعْتَدُّ وَتَتَزَوَّجُ وَبَيْنَ مَا بَعُدَ، مِثْلُ إفْرِيقِيَّةَ، وَنَحْوِهَا تَمْكُثُ زَوْجَتُهُ سَنَةً فَأَدْخَلَ نَظَرَ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ سَادِسٌ إنْ كَانَ بَعِيدًا فَحُكْمُهُ كَالْمَفْقُودِ تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَةَ أَعْوَامٍ (اللَّخْمِيُّ) مَنْ قَالَ: إنَّ الْعِدَّةَ مِنْ يَوْمِ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ وَرَّثَ مَالُهُ حِينَئِذٍ.
وَمَنْ جَعَلَ لِزَوْجَتِهِ التَّرَبُّصَ وَقَفَ مَالُهُ إلَى التَّعْمِيرِ، وَاخْتُلِفَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ زَوْجَتَهُ تَتَرَبَّصُ سَنَةً فَقِيلَ يُوَرَّثُ مَالُهُ ذَلِكَ الْوَقْتَ، وَقِيلَ يُوقَفُ مَالُهُ إلَى التَّعْمِيرِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ أَنَّهُ شَهِدَ الْمُعْتَرَكَ، وَأَمَّا إنْ كَانَ إنَّمَا رَأَوْهُ خَارِجًا مَعَ الْعَسْكَرِ وَلَمْ يَرَوْهُ فِي الْمُعْتَرَكِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَفْقُودِ فِي زَوْجَتِهِ وَمَالِهِ بِاتِّفَاقٍ. اهـ. فَقَوْلُهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَفْقُودِ، أَيْ تُؤَجَّلُ زَوْجَتُهُ أَرْبَعَ سِنِينَ وَيَبْقَى مَالُهُ لِلتَّعْمِيرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فِي التَّوْضِيحِ مَعَ التَّرَدُّدِ فِي كَوْنِ الثَّانِي تَفْسِيرًا لَهُ، أَوْ خِلَافًا، ذَهَبَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ وَاعْتَدَّتْ فِي كَمَفْقُودِ الْمُعْتَرَكِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ انْفِصَالِ الصَّفَّيْنِ وَهَلْ يَتَلَوَّمُ وَيَجْتَهِدُ؟ تَفْسِيرَانِ وَوُرِّثَ مَالُهُ وَحِينَئِذٍ وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالتَّوْضِيحِ عَنْ الْعُتْبِيَّةِ يَكُونُ قَوْلُهُ فِي النَّظْمِ،
فَإِنْ نَأَتْ أَمَاكِنُ الْمَلَاحِمِ
قَوْلًا ثَالِثًا مُسْتَقِلًّا، لَا مِنْ تَمَامِ الْأَوَّلِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ النَّظْمِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ إنْ شُهِدَ إلَخْ تَقْيِيدًا لِمَحَلِّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ لَا شَرْطًا فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا بَعُدَتْ أَمَاكِنُ الْمَلَاحِمِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ النَّظْمِ أَيْضًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ فِي الْحَضَانَةِ]
ِ (ابْنُ عَرَفَةَ) الْحَضَانَةُ هِيَ مَحْصُولُ قَوْلِ الْبَاجِيِّ حِفْظُ الْوَلَدِ فِي مَبِيتِهِ، وَمُؤْنَةُ طَعَامِهِ، وَمَلْبَسِهِ، وَمَضْجَعِهِ، وَتَنْظِيفُ جِسْمِهِ (الرَّصَّاعُ) الْمَصْدَرُ مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنْ يُحْفَظَ الْوَلَدُ وَبِنَاءُ الْمَصْدَرِ مِنْ الْمَفْعُولِ فِيهِ خِلَافٌ، وَقَصَرَ الْحِفْظَ لِلْحَاضِنِ عَلَى مَا ذَكَرَ فَلَا نَظَرَ لَهُ فِي غَيْرِ هَذَا، فَإِنْ كَانَ لِلْمَحْضُونِ
(1/268)

أَبٌ فَيَنْظُرُ لَهُ فِي غَيْرِ هَذَا مِنْ مَالِهِ، وَتَعْلِيمِهِ الصَّنْعَةَ، وَتَزْوِيجِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى إنَّ خِتَانَ الْمَحْضُونِ يَكُونُ عِنْدَ أَبِيهِ وَيُرَدُّ إلَى الْأُمِّ، وَالرُّقَاد اخْتَارَ بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنَّهُ يَكُونُ عِنْدَ الْأُمِّ. وَأَمَّا زِفَافُ الْأُنْثَى لِدَارِ زَوْجِهَا فَمِنْ عِنْدِ أُمِّهَا قَالَهُ فِي تَكْمِيلِ التَّقْيِيدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ النَّاظِمُ
الْحَقُّ لِلْحَاضِنِ فِي الْحَضَانَهْ ... وَحَالُ هَذَا الْقَوْلِ مُسْتَبَانَهْ
لِكَوْنِهِ يُسْقِطُهَا فَتَسْقُطْ ... وَقِيلَ بِالْعَكْسِ فَمَا إنْ تَسْقُطْ
يَعْنِي أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي الْحَضَانَةِ هَلْ هِيَ حَقٌّ لِلْحَاضِنِ؟ وَعَلَيْهِ إذَا أَسْقَطَهَا سَقَطَتْ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ حَقٌّ إذَا أَسْقَطَهُ يَسْقُطُ قِيلَ إنَّهَا حَقٌّ لِلْمَحْضُونِ، وَهُوَ مُرَادُهُ بِالْعَكْسِ وَعَلَيْهِ فَلَا تَسْقُطُ إنْ أَسْقَطَهَا.
وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ " فَمَا إنْ تَسْقُطْ " إنْ زَائِدَةٌ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ آخَرَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهَا لَهُمَا مَعًا، وَالثَّانِي أَنَّهَا حَقُّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَعَلَيْهِ فَلَا تَسْقُطُ أَيْضًا إنْ أَسْقَطَهَا الْحَاضِنُ (التَّوْضِيحُ) عَنْ اللَّخْمِيِّ كُلُّ مَنْ ذَكَرَ أَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْحَضَانَةِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ، وَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي ذَلِكَ مِنْ أَبٍ، أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ حَنَانًا وَعَطْفًا مَا خَلَا الْأُمَّ فَاخْتُلِفَ هَلْ تُجْبَرُ أَمْ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لَهَا، أَوْ لَهُ؟ (ابْنُ مُحْرِزٍ) وَالصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّهُ حَقٌّ سَوَاءٌ بَيْنَ الْحَاضِنَةِ وَالْمَحْضُونِ.
(قَالَ فِي الطُّرَرِ) عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْحَضَانَةِ هَلْ هِيَ حَقٌّ لِلْأُمِّ، أَوْ لِلْوَلَدِ عَلَى الْأُمِّ؟ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ هُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ حَقًّا لَهَا جَازَ تَرْكُهَا لَهُ، وَانْتَقَلَ إلَى غَيْرِهَا وَإِذَا كَانَ حَقًّا لِلْوَلَدِ لَزِمَهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهَا تَرْكُهُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: وَالصَّوَابُ مِنْ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ حَقٌّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْحَاضِنِ وَالْمَحْضُونِ.
(قَالَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَالْقَوْلُ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ هُوَ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ تَطَّرِدُ فِيهِ الْفُرُوعُ الْوَارِدَةُ فِي هَذَا الْبَابِ قَالَ فَمَا يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ كَوْنُ الْحَاضِنِ لَا تَجِبُ لَهُ أُجْرَةٌ عَلَى مُجَرَّدِ الْحَضَانَةِ فِي الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ فَلَوْ لَمْ تَكُنْ حَقًّا لَهُ لَفُرِضَتْ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ فَتَأَمَّلْهُ. اهـ
(تَنْبِيهٌ) قَوْلُهُمْ لَا أُجْرَةَ لِلْحَضَّانَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ مَعْنَاهُ: لَا أُجْرَةَ لَهَا عَلَى مُجَرَّدِ الْحَضَانَةِ، وَأَمَّا خِدْمَتُهَا لِلْمَحْضُونِ كَطَبْخِ طَعَامِهِ، وَطَحْنِ دَقِيقِهِ، وَغَسْلِ ثِيَابِهِ فَإِنَّ لَهَا الْأُجْرَةَ عَلَى ذَلِكَ، وَلِهَذَا زَادَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ قَوْلَهُ " لِأَجْلِهَا " بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَا شَيْءَ لِلْحَاضِنِ فَنَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّ عَدَمَ اسْتِحْقَاقِهَا لِلْأُجْرَةِ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا عَمَلٌ سِوَى الْحَضَانَةِ وَحْدَهَا وَهِيَ النَّظَرُ فِي مَصَالِحِ ذَاتِ الْمَحْضُونِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِّ الْحَضَانَةِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ تَخْدِمُ الْمَحْضُونَ فَلَهَا عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَقِيلَ لَهَا النَّفَقَةُ، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى الْأُجْرَةِ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ لِلْأُمِّ الْحَاضِنَةِ الْفَقِيرَةِ النَّفَقَةُ عَلَى وَلَدِهَا الْيَتِيمِ.
فَإِنْ كَانَتْ مُوسِرَةً فَقَالَ مَالِكٌ: لَا نَفَقَةَ لَهَا، وَقَالَ مَرَّةً: لَهَا إنْ قَامَتْ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ أَيْضًا تُنْفِقُ بِقَدْرِ حَضَانَتِهَا إنْ كَانَ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ حَاضِنٍ جَعَلَ لَهَا فِي هَذَا الْقَوْلِ الْأُجْرَةَ دُونَ النَّفَقَةِ وَأَرَى إنْ تَأَيَّمَتْ لَأَجْلِهِمْ وَهِيَ الْقَائِمَةُ بِأَمْرِهِمْ كَانَ لَهَا النَّفَقَةُ، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى الْأُجْرَةِ، لِأَنَّهَا لَوْ تَزَوَّجَتْ أَتَى مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ تَتَأَيَّمْ لِأَجْلِهِمْ، أَوْ كَانَتْ فِي سِنِّ مَنْ لَا يَتَزَوَّجُ، فَلَهَا الْأُجْرَةُ، وَإِنْ كَانَتْ دُونَ نَفَقَتِهَا، وَإِنْ كَانَ لَهُمْ مَنْ يَخْدُمُهُمْ، أَوْ اسْتَأْجَرَتْ لَهُمْ مَنْ يَخْدُمُهُمْ، وَإِنَّمَا هِيَ نَاظِرَةٌ لَهُمْ فَلَا شَيْءَ لَهَا. اهـ. وَمِمَّا يَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي فِي مَحْضُونٍ لَيْسَ لَهُ إلَّا دَارٌ أَرَادَتْ جَدَّتُهُ لِأُمِّهِ حَضَانَتَهُ وَبَيْعَهَا وَالْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ مِنْ قِيمَتِهَا، وَأَرَادَتْ جَدَّتُهُ لِأَبِيهِ حَضَانَتَهُ عَلَى أَنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهَا وَتُبْقِيَ لَهُ دَارِهِ فَقِيلَ: جَدَّةُ الْأُمِّ، أَوْلَى وَقِيلَ جَدَّةُ الْأَبِ، وَهُمَا عَلَى أَنَّ الْحَقَّ لِلْحَاضِنَةِ أَوْ لِلْمَحْضُونِ، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا سُئِلَ عَنْهُ أَبُو سَعِيدٍ بْنُ لُبٍّ فِي بِنْتَيْنِ كَانَتَا فِي حَضَانَةِ جَدَّتِهِمَا لِلْأُمِّ فَمَاتَ أَبُوهُمَا وَأَوْصَى بِهِمَا إلَى شَقِيقَتِهِ وَتَحْتَ إشْرَافِ زَوْجِهَا فَالْتَزَمَتْ الْعَمَّةُ نَفَقَتَهُمَا وَكِسْوَتَهُمَا مِنْ مَالِ نَفَسِهَا مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ عَلَيْهِمَا عَلَى أَنْ تَكُونَ لَهَا الْحَضَانَةُ وَامْتَنَعَتْ الْجَدَّةُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ بَقِيَتَا عِنْدَ الْجَدَّةِ ذَهَبَ مَالُهُمَا (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الصَّوَابَ نَقْلُ الْحَضَانَةِ إلَى الْعَمَّةِ إنْ لَمْ يُعْلَمْ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى الْبِنْتَيْنِ، وَلَا نَقْصٌ مُرْفَقٌ فِي الْكَفَالَةِ وَالْقِيَامِ بِالْمُؤْنَةِ وَالْخِدْمَةِ لِظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ الْعُظْمَى لِلْبِنْتَيْنِ بِصَوْنِ مَالِهِمَا، ثُمَّ رَجَّحَ ذَلِكَ بِوُجُوهٍ نَقَلَهَا الشَّارِحُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ
وَهِيَ إلَى الِاثِّغَارِ فِي الدُّخُولِ
ثُمَّ قَالَ
(1/269)

وَصَرْفُهَا إلَى النِّسَاءِ أَلْيَقُ ... لِأَنَّهُنَّ فِي الْأُمُورِ أَشْفَقُ
وَكَوْنُهُنَّ مِنْ ذَوَاتِ الرَّحِمِ ... شَرْطٌ لَهُنَّ وَذَوَاتُ مَحْرَمِ
يَعْنِي أَنَّ صَرْفَ 8 الْحَضَانَةِ وَجَعْلَهَا لِلنِّسَاءِ أَلْيَقُ مِنْ جَعْلِهَا لِلرِّجَالِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْقِيَامُ بِمُؤْنَةِ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ خَلْقٌ ضَعِيفٌ لَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ فَقَدَّمَ الشَّارِعُ لِحَضَانَتِهِ مَنْ هُوَ فِي طَبْعِهِ أَشْفَقُ عَلَى الْمَحْضُونِ وَأَرْفَقُ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي الثَّانِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْحَاضِنَةِ شَرْطَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ مِنْ ذَوَاتِ رَحِمِ الْمَحْضُونِ، الثَّانِي أَنْ تَكُونَ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ.
(قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي ذَخِيرَتِهِ) قَاعِدَةً يُقَدِّمُ الشَّرْعُ فِي كُلِّ وِلَايَةٍ مَنْ هُوَ أَقْوَمُ بِمَصَالِحِ تِلْكَ الْوِلَايَةِ فَفِي الْحَرْبِ مَنْ هُوَ شُجَاعٌ مُجَرَّبٌ لِيَسُوسَ الْجُيُوشَ، وَفِي الْقَضَاءِ مَنْ هُوَ فَقِيهٌ مُتَوَفِّرُ الدِّينِ وَالْعَزْمِ وَالْفِرَاسَةِ، وَفِي وِلَايَةِ الْأَيْتَامِ مَنْ هُوَ عَارِفٌ بِتَنْمِيَةِ الْمَالِ وَمَصَارِفِهِ، وَقَدْ يَكُونُ الْمُقَدَّمُ فِي بَابٍ مُؤَخَّرًا فِي آخَرَ فَالْمَرْأَةُ مُؤَخَّرَةٌ فِي الْإِمَامَةِ مُقَدَّمَةٌ فِي الْحَضَانَةِ لِمَزِيدِ شَفَقَتِهَا وَصَبْرِهَا فَهِيَ أَقْوَمُ بِمَصَالِحِ الْحَضَانَةِ مِنْ الرِّجَالِ
(قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) : وَيَسْتَحِقُّ النِّسَاءُ الْحَضَانَةَ بِوَصْفَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنْ يَكُنَّ ذَوَاتِ رَحِمٍ مِنْ الْمَحْضُونِ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُنَّ مُحَرَّمَاتٍ عَلَيْهِ فَإِنْ كُنَّ ذَوَاتِ رَحِمٍ مِنْهُ وَلَمْ يَكُنَّ مُحَرَّمَاتٍ عَلَيْهِ كَبِنْتِ الْخَالَةِ وَبِنْتِ الْعَمَّةِ لَمْ تَكُنْ لَهُنَّ حَضَانَةٌ، وَإِنْ كُنَّ مُحَرَّمَاتٍ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنَّ ذَوَاتِ رَحِمٍ مِنْهُ كَالْأُمِّ مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَالْمُحَرَّمَاتِ بِالصِّهْرِ لَمْ تَكُنْ لَهُنَّ حَضَانَةٌ أَيْضًا. اهـ.
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا، وَأَمَّا الرِّجَالُ فَإِنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ الْحَضَانَةَ بِمُجَرَّدِ الْوِلَايَةِ كَانُوا مِنْ ذَوِي رَحِمِ الْمَحْرَمِ كَالْجَدِّ وَالْأَخِ وَابْنِ الْأَخِ، أَوْ مِنْ ذَوِي رَحِمِهِ الَّذِي لَيْسَ بِمَحْرَمٍ كَابْنِ الْعَمِّ، أَوْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ ذَوِي رَحِمِهِ كَالْمَوْلَى الْمُعْتَقِ وَالْوَصِيِّ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ، وَمِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ. اهـ.
وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي بَعْضَ شُرُوطِ الْحَاضِنِ إنْ كَانَ امْرَأَةً، وَيَأْتِي بَعْضُ شُرُوطِهِ إنْ كَانَ رَجُلًا، أَوْ امْرَأَةً فِي قَوْلِهِ
وَشَرْطُهَا الصِّحَّةُ وَالصِّيَانَةُ
الْبَيْتَيْنِ وَلَمْ يَظْهَرْ.
وَجْهُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ هَذِهِ الشُّرُوطِ، وَالْأَنْسَبُ جَمْعُهَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وَهِيَ إلَى الِاثِّغَارِ فِي الذُّكُورِ ... وَالِاحْتِلَامُ الْحَدُّ فِي الْمَشْهُورِ
وَفِي الْإِنَاثِ لِلدُّخُولِ الْمُنْتَهَى ... وَالْأُمُّ أَوْلَى ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا
فَأُمُّهَا فَخَالَةٌ فَأُمُّ الْأَبْ ... ثُمَّ أَبٌ فَأُمُّ مَنْ لَهُ انْتَسَبْ
فَالْأُخْتُ فَالْعَمَّةُ فَابْنَةُ الَأَخْ ... فَابْنَةُ أُخْتٍ فَأَخٌ بَعْدُ رَسَخْ
وَالْعَصَبَاتُ بَعْدُ وَالْوَصِيُّ ... أَحَقُّ وَالسِّنُّ بِهَا مَرْعِيُّ
يَعْنِي أَنَّ حَدَّ الْحَضَانَةِ فِي الذَّكَرِ إلَى الِاحْتِلَامِ، أَيْ الْبُلُوغِ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ إلَى الِاثِّغَارِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي مُصْعَبٍ وَغَيْرِهِ وَأَمَّا الْأُنْثَى فَتَنْتَهِي إلَى دُخُولِ زَوْجِهَا بِهَا، ثُمَّ ذَكَرَ تَرْتِيبَ الْحَاضِنَاتِ إذَا تَعَدَّدْنَ فَذَكَرَ أَنَّ الْأُمَّ أَوْلَى، ثُمَّ أُمُّهَا وَهِيَ جَدَّةُ الْمَحْضُونِ، ثُمَّ أُمُّ أُمِّ الْأُمِّ وَهِيَ جَدَّةُ أُمِّهِ، ثُمَّ الْخَالَةُ، ثُمَّ أُمُّ الْأَبِ، ثُمَّ الْأَبُ، ثُمَّ أُمُّ الْجَدِّ وَهِيَ الْمُرَادُ بِمَنْ لَهُ انْتَسَبَ، أَيْ مَنْ انْتَسَبَ الْأَبُ لَهُ وَهُوَ الْجَدُّ، ثُمَّ الْأُخْتُ، ثُمَّ الْعَمَّةُ، ثُمَّ بِنْتُ الْأَخِ، ثُمَّ بِنْتُ الْأُخْتِ، ثُمَّ الْأَخُ، ثُمَّ الْوَصِيُّ، ثُمَّ الْعَصَبَةُ وَلِهَذَا قَالَ وَالْوَصِيُّ أَحَقُّ، أَيْ مِنْ الْعَصَبَةِ وَإِذَا تَعَدَّدَ مَنْ هُوَ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ فَالْأَكْبَرُ سِنًّا مُقَدَّمٌ عَلَى مَنْ هُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ فَلِذَلِكَ قَالَ وَالسِّنُّ بِهَا مَرْعِيٌّ، وَكَذَلِكَ إذَا تَعَدَّدْنَ بِوُجُودِ الشَّقِيقِ وَاَلَّذِي لِلْأُمِّ وَاَلَّذِي لِلْأَبِ قُدِّمَ الشَّقِيقُ، ثُمَّ الَّذِي لِلْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْحَنَانَ وَالشَّفَقَةَ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ أَكْثَرُ مِنْ الَّذِي لِلْأَبِ وَيُقَدَّمُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِزِيَادَةِ الصِّيَانَةِ وَالشَّفَقَةِ.
(قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي أَمَدِ حَضَانَةِ الذُّكْرَانِ مِنْ الْبَنِينَ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِلِاحْتِلَامِ قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ يَحْتَلِمُ الْغُلَامُ صَحِيحُ الْعَقْلِ وَالْبَدَنِ وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَبِي مُصْعَبٍ الِاثِّغَارُ فِي رِوَايَةِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ مَالِكٍ وَفِي رِوَايَةٍ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ وَحَضَانَةُ الْغِلْمَانِ حَتَّى يَحْتَلِمُوا، وَحَضَانَةُ النِّسَاءِ حَتَّى يُنْكَحْنَ وَيَدْخُلَ بِهِنَّ أَزْوَاجُهُنَّ.
(وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْجَدَّةُ لِلْأُمِّ أَحَقُّ وَإِنْ بَعُدَتْ بَعْدَ الْأُمِّ، ثُمَّ الْخَالَةُ، ثُمَّ الْجَدَّةُ لِلْأَبِ، وَقَسَّمَ ابْنُ الْحَاجِبِ مَنْ لَهُ الْحَضَانَةُ إلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، تَارَةً يَنْفَرِدُ النِّسَاءُ، وَتَارَةً يَنْفَرِدُ الرِّجَالُ، وَتَارَةً يَجْتَمِعُ النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ
(1/270)

مَعًا فَأَشَارَ إلَى انْفِرَادِ النِّسَاءِ بِقَوْلِهِ الْحَضَانَةُ فِي النِّسَاءِ لِلْأُمِّ، ثُمَّ جَدَّةِ الْأُمِّ لِأُمِّهَا، ثُمَّ الْخَالَةِ، ثُمَّ الْجَدَّةِ لِلْأَبِ، ثُمَّ جَدَّةِ الْأَبِ لِأَبِيهِ، ثُمَّ الْأُخْتِ، ثُمَّ الْعَمَّةِ، ثُمَّ بِنْتِ الْأَخِ، وَفِي إلْحَاقِ خَالَةِ الْخَالَةِ بِالْخَالَةِ قَوْلَانِ وَأَشَارَ إلَى انْفِرَادِ الرِّجَالِ بِقَوْلِهِ وَفِي الذُّكُورِ لِلْأَبِ، ثُمَّ الْأَخِ، ثُمَّ الْجَدِّ، ثُمَّ أَبِي الْجَدِّ، ثُمَّ ابْنِ الْأَخِ، ثُمَّ الْعَمِّ، ثُمَّ ابْنِ الْعَمِّ، ثُمَّ الْمَوْلَى الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا (التَّوْضِيحُ) قَوْلُهُ ثُمَّ الْمَوْلَى، أَيْ بَعْدَ الْعَصَبَةِ وَهُوَ الْمُعْتِقُ وَالْأَسْفَلُ يُرِيدُ بَعْدَ الْأَعْلَى نَصَّ عَلَى ذَلِكَ اللَّخْمِيُّ وَقَوْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا، أَيْ فِي الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ إثْبَاتُ الْحَضَانَةِ لَهُمَا، أَيْ وَمُقَابِلُهُ لَا حَقَّ لَهُمَا فِي الْحَضَانَةِ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ وَهُوَ إذَا اجْتَمَعَ مِمَّنْ لَهُ الْحَضَانَةُ النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ فَقَالَ وَالْأُمُّ، ثُمَّ أُمُّهَا أَوْلَى مِنْ الْجَمِيعِ، وَفِي الْأَبِ مَعَ بَقِيَّتِهِنَّ، ثَالِثُهَا الْمَشْهُورُ وَيُقَدَّمُ عَلَى مَنْ بَعْدَ الْجَدَّةِ لِلْأَبِ، وَقِيلَ الْأَبُ أَوْلَى مِنْ الْأُمِّ عِنْدَ اثِّغَارِ الذُّكُورِ، وَبَقِيَّةُ النِّسَاءِ أَوْلَى مِنْ بَقِيَّةِ الذُّكُورِ (التَّوْضِيحُ) قَوْلُهُ أَوْلَى مِنْ الْجَمِيعِ، أَيْ مِنْ جَمِيعِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَقَوْلُهُ: وَقِيلَ الْأَبُ أَوْلَى يَعْنِي فَأَحْرَى أَنْ يَكُونَ مُقَدَّمًا عَلَى غَيْرِهَا، وَهَذَا الْقَوْلُ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُهُ أَنَّ احْتِيَاجَ الْوَلَدِ إلَى أَبِيهِ بَعْدَ سِنِّ الِاثِّغَارِ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ حِينَئِذٍ إلَى التَّرْبِيَةِ وَالتَّعْلِيمِ. اهـ. وَنَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ الْخِلَافَ فِي بِنْتِ الْأُخْتِ هَلْ لَهَا حَضَانَةٌ، أَوْ لَا؟ قَالَ: وَالصَّوَابُ أَنَّ لَهَا الْحَضَانَةَ، فَإِنْ اجْتَمَعَتْ مَعَ بِنْتِ الْأَخِ فَقِيلَ بِنْتُ الْأَخِ مُقَدَّمَةٌ، وَقِيلَ بِنْتُ الْأُخْتِ مُقَدَّمَةٌ وَقِيلَ هُمَا سَوَاءٌ، يَنْظُرُ السُّلْطَانُ فِي أَكْفَئِهِمَا وَأَحْرَزِهِمَا، وَقَوْلُهُ، ثُمَّ أُمُّهَا بِهَا، أَيْ أُمُّ الْأُمِّ أَوْلَى بِهَا، أَيْ بِالْحَضَانَةِ وَقَوْلُهُ فَأُمُّهَا، أَيْ أُمُّ الْمُحَدَّثِ عَنْهَا الَّتِي هِيَ أُمُّ الْأُمِّ وَأُمُّهَا هِيَ جَدَّةُ أُمِّ الْمَحْضُونِ لِأُمِّهَا

قَالَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وَشَرْطُهَا الصِّحَّةُ وَالصِّيَانَهْ ... وَالْحِرْزُ وَالتَّكْلِيفُ وَالدِّيَانَهْ
وَفِي الْإِنَاثِ عَدَمُ الزَّوْجِ عَدَا ... جَدًّا لِمَحْضُونٍ لَهَا زَوْجًا غَدَا
تَعَرَّضَ فِي الْبَيْتَيْنِ لِشُرُوطِ الْحَاضِنِ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ صِحَّةُ الْجِسْمِ لِيَتَحَرَّزَ بِذَلِكَ مِنْ الْمَرِيضِ الضَّعِيفِ الْقُوَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقُومُ بِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ فَأَحْرَى أَنْ لَا يَقُومَ بِمَصْلَحَةِ غَيْرِهِ، وَكَذَا مَنْ يُخَافُ مِنْ مَرَضِهِ ضَرُورَةُ الْعَدْوَى عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ مِنْ كَوْنِهِ عِنْدَهُ لَا بِهِ كَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْضًا الصِّيَانَةُ لِيَتَحَرَّزَ بِذَلِكَ مِنْ لُحُوقِ الْمَعَرَّةِ بِسَبَبِ عَدَمِ الصَّوْنِ، وَأَنْ يَكُونَ فِي حِرْزٍ لِئَلَّا يَلْحَقَهُ الضَّيَاعُ كَأَنْ يَكُونَ بِطَرَفِ الْعِمَارَةِ بِحَيْثُ يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ السِّبَاعِ وَنَحْوِهَا، أَوْ تُصِيبُهُ الْمُتَوَقَّعَاتُ الْمَحْظُورَةُ، كَالْخَوْفِ عَلَيْهِ مِنْ سَارِقٍ يَسْرِقُهُ، أَوْ سَالِبٍ يَسْلُبُهُ ثِيَابَهُ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُصِيبُهُ مِنْ قِلَّةِ الصَّوْنِ وَالْحِفْظِ وَأَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا، أَيْ عَاقِلًا بَالِغًا.
لِأَنَّ غَيْرَ الْبَالِغِ، أَوْ الْمَجْنُونَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الْمَحْضُونُ مَعَهُ فِي أَمْنٍ، وَلَا حِرْزٍ فَهُوَ فِي نَفْسِهِ مُفْتَقِرٌ لِمَنْ يَكْفُلُهُ، فَكَيْفَ يَكْفُلُ غَيْرَهُ، وَأَنْ يَكُونَ دَيِّنًا؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ وَأَحْرَى الْكَافِرُ لَا يُؤْمَنُ عَلَى الْمَحْضُونِ مِنْ وُجُوهٍ.
وَهَذِهِ الشُّرُوطُ عَامَّةٌ، سَوَاءٌ كَانَ
(1/271)

الْحَاضِنُ رَجُلًا، أَوْ امْرَأَةً وَيُزَادُ فِي شُرُوطِ الْحَاضِنَةِ الْخُلُوُّ عَنْ زَوْجٍ قَدْ دَخَلَ بِهَا إلَّا إنْ كَانَ هَذَا الزَّوْجُ جَدًّا لِلْمَحْضُونِ كَالْجَدَّةِ لِلْأُمِّ الْمُتَزَوِّجَةِ بِوَالِدِ الْأُمِّ فَلَا تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا؛ لِأَنَّ لَهُ حَنَانًا وَشَفَقَةً حَتَّى قِيلَ إنَّ لَهُ الْحَضَانَةَ (قَالَ فِي النَّوَادِرِ) مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ وَمَنْ لَمْ تَكُنْ فِي حِرْزٍ، أَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَأْمُونَةٍ أَوْ تَضْعُفُ عَنْهُمْ، أَوْ كَانَتْ سَفِيهَةً، أَوْ سَقِيمَةً، أَوْ ضَعِيفَةً، أَوْ مُسِنَّةً فَلَا حَضَانَةَ لَهَا كَانَتْ جَدَّةً، أَوْ غَيْرَهَا (قَالَ الشَّارِحُ) مَا عَدَّهُ الشَّيْخُ مِنْ الشُّرُوطِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي النَّوَادِرِ الْمُتَقَدِّمِ، ثُمَّ بَيَّنَهُ بِمَا هُوَ ظَاهِرٌ.
(وَفِي الْمُقَرِّبِ) إذَا كَانَتْ الْأُمُّ لَيْسَتْ بِمَرْضِيَّةٍ فِي حَالِهَا فَيَكُونُ أَبُو الْجَارِيَةِ أَوْ، أَوْلِيَاؤُهَا أَحَقَّ بِهَا إذَا ضُمَّتْ إلَى كَفَالَةٍ وَحِرْزٍ.
(قَالَ الشَّارِحُ) وَمِنْ قَوْلِ الْمُقَرِّبِ وَمِثْلِهِ
(1/272)

أَخَذَ الْمُتَأَخِّرُونَ شَرْطَ الدِّيَانَةِ فِي الْحَاضِنَةِ إذَا كَانَتْ مُسْلِمَةً، فَإِنَّ الْكِتَابِيَّةَ تَحْضُنُ مَا لَمْ يُخَفْ أَنْ تَسْقِيَهُمْ الْخَمْرَ، أَوْ تُغَذِّيَهُمْ بِالْخِنْزِيرِ (وَفِي النَّوَادِرِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ) وَلَا حَقَّ لِمَنْ تَكُونُ مُتَزَوِّجَةً مِنْهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ زَوْجُ الْجَدَّةِ جَدَّ الصَّبِيِّ فَلَا يَضُرُّهَا ذَلِكَ. اهـ.
مِنْ الشَّارِحِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْحَاضِنِ الرُّشْدُ أَمْ لَا؟ قَالَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي شُرُوطِ الْحَاضِنِ " وَرُشْدٌ " وَخَرَجَ بِهِ السَّفِيهُ قَالَ اللَّخْمِيُّ، وَهَذَا إذَا كَانَ سَفِيهًا فِي عَقْلِهِ ذَا طَيْشٍ وَقِلَّةِ ضَبْطٍ لَا يُحْسِنُ الْقِيَامَ بِالْمَحْضُونِ وَلَا أَدَبَهُ، أَوْ كَانَ سَفِيهًا فِي الْمَالِ يُبَذِّرُ مَا يَقْبِضُهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَمَدِ قَالَ، وَأَمَّا إنْ كَانَ سَفِيهًا مُوَلًّى عَلَيْهِ ذَا صِيَانَةٍ وَقِيَامٍ بِالْمَحْضُونِ فَلَا
(1/273)

يَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْ الْحَضَانَةِ اهـ. نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ بَهْرَامَ (ابْنُ غَازِيٍّ) قَوْلُهُ " وَرُشْدٌ " قَدْ عَلِمْتَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ فِيهِ (وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ) اُخْتُلِفَ فِي السَّفِيهَةِ، قِيلَ لَهَا الْحَضَانَةُ وَقِيلَ لَا حَضَانَةَ لَهَا (ابْنُ عَرَفَةَ) نَزَلْتُ بِبَلَدِ بَاجَةَ فَكَتَبَ قَاضِيهَا لِقَاضِي الْجَمَاعَةِ يَوْمَئِذٍ بِتُونُسَ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَكَتَبَ إلَيْهِ بِأَنْ لَا حَضَانَةَ لَهَا فَرَفَعَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ إلَى سُلْطَانِهَا الْأَمِيرِ أَبِي يَحْيَى بْنِ الْأَمِيرِ أَبِي زَكَرِيَّا فَأَمَرَ بِاجْتِمَاعِ فُقَهَاءِ الْوَقْتِ مَعَ الْقَاضِي الْمَذْكُورِ لِيَنْظُرُوا فِي ذَلِكَ فَاجْتَمَعُوا بِالْقَصَبَةِ.
وَكَانَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ ابْنُ هَارُونَ وَالْأَجَمِيُّ قَاضِي الْأَنْكِحَةِ حِينَئِذٍ بِتُونُسَ فَأَفْتَى الْقَاضِيَانِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْمَجْلِسِ بِأَنْ لَا حَضَانَةَ لَهَا وَأَفْتَى ابْنُ هَارُونَ وَبَعْضُ أَهْلِ الْمَجْلِسِ بِأَنَّ لَهَا الْحَضَانَةَ، وَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ الْمَذْكُورِ فَخَرَجَ الْأَمْرُ بِالْعَمَلِ بِفَتْوَى ابْنِ هَارُونَ وَأَمَرَ قَاضِي الْجَمَاعَةِ بِأَنْ يَكْتُبَ بِذَلِكَ إلَى قَاضِي بَاجَةَ فَفَعَلَ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ ظَاهِرُ عُمُومِ الرِّوَايَاتِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا (تَكْمِيلٌ) قَالَ ابْنُ عَاتٍ قَالَ الْمُشَاوِرُ وَحَضَانَةُ أَوْلَادِ السُّؤَالِ وَالْفُقَرَاءِ وَمَنْ لَا قَرَابَةَ لَهُمْ يَنْظُرُ فِي ذَلِكَ السُّلْطَانُ لِلْأَصَاغِرِ بِالْأَحْوَطِ لَهُمْ وَمَا يَرَاهُ صَلَاحًا لَهُمْ مِنْ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ اهـ.
وَالْمُشَاوِرُ هُوَ ابْنُ الْفَخَارِ اهـ. كَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ، وَكَذَا مِنْ شَرْطِ مَنْ لَهُ الْحَضَانَةُ مِنْ الرِّجَالِ وُجُودُ الْأَهْلِ مِنْ زَوْجَةٍ، أَوْ سُرِّيَّةٍ، نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ اللَّخْمِيِّ، ثُمَّ قَالَ وَإِذَا كَانَتْ الْحَضَانَةُ لِرَجُلٍ رُوعِيَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ فِيمَنْ يَتَوَلَّى الْحَضَانَةَ مِنْ نِسَائِهِ فِي الْقِيَامِ بِالْمَحْضُونِ وَدَفْعِ الْمَضَرَّةِ عَنْهُ. اهـ.
هَذَا إذَا كَانَ الْحَاضِنُ وَالْمَحْضُونُ مَعًا ذَكَرَيْنِ، فَيُشْتَرَطُ فِي الْحَاضِنِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَنْ يَحْضُنُ، فَإِنْ كَانَ الْحَاضِنُ ذَكَرًا وَالْمَحْضُونُ أُنْثَى فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ اللَّخْمِيِّ، وَأَمَّا فِي الْأُنْثَى فَحَقُّ الْأَوْلِيَاءِ فِي حَضَانَتِهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: ثَابِتٍ، وَسَاقِطٍ، وَمُخْتَلَفٍ فِيهِ، فَيَثْبُتُ فِيمَنْ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَهُ مَحْرَمٌ، كَالْأَخِ وَابْنِهِ وَالْجَدِّ وَيَسْقُطُ فِي كُلِّ مَنْ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ إذَا كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ أَوْ مَأْمُونًا وَلَا أَهْلَ لَهُ وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ مَأْمُونًا وَلَهُ أَهْلٌ. اهـ. بِاخْتِصَارٍ

، ثُمَّ قَالَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وَمَا سُقُوطُهَا لِعُذْرٍ قَدْ بَدَا ... وَارْتَفَعَ الْعُذْرُ تَعُودُ أَبَدَا
وَهِيَ عَلَى الْمَشْهُورِ لَا تَعُودُ إنْ ... كَانَ سُقُوطُهَا بِتَزْوِيجٍ قُرِنْ
لَفْظَةُ " مَا " مَوْصُولَةٌ وَاقِعَةٌ عَلَى الْحَضَانَةِ، يَعْنِي أَنَّ الْحَضَانَةَ إذَا سَقَطَتْ لِعُذْرٍ، ثُمَّ زَالَ الْعُذْرُ فَإِنَّهَا تَعُودُ وَذَلِكَ كَالْمَرَضِ، وَالسَّفَرِ، وَانْقِطَاعِ اللَّبَنِ فَإِنَّ الْحَضَانَةَ تَعُودُ بَعْدَ الصِّحَّةِ وَالْحُضُورِ وَجَرْيِ اللَّبَنِ.
وَكَذَا إذَا وَجَبَتْ لَهَا الْحَضَانَةُ وَهِيَ إذْ ذَاكَ مُتَزَوِّجَةٌ ثُمَّ طَلَّقَ الزَّوْجُ، أَوْ مَاتَ، فَإِنَّ الْحَضَانَةَ تَعُودُ لَهَا؛ لِأَنَّهَا مَعْذُورَةٌ بِالْمَنْعِ مِنْ الْحَضَانَةِ بِسَبَبِ كَوْنِهَا مُتَزَوِّجَةً فَإِنْ وَجَبَتْ لَهَا وَهِيَ غَيْرُ مُتَزَوِّجَةٍ فَتَزَوَّجَتْ، ثُمَّ تَأَيَّمَتْ فَلَا تَعُودُ لَهَا لِإِدْخَالِهَا عَلَى نَفْسِهَا مَا يُسْقِطُ حَضَانَتَهَا، وَعَلَى عَدَمِ عَوْدِهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ:
وَهِيَ عَلَى الْمَشْهُورِ لَا تَعُودُ إنْ ... كَانَ سُقُوطُهَا بِتَزْوِيجٍ قُرِنْ
أَيْ بِإِحْدَاثِ التَّزْوِيجِ وَاسْتِئْنَافِهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ وَقْتَ وُجُوبِ الْحَضَانَةِ مُتَزَوِّجَةً.
(قَالَ اللَّخْمِيُّ) كُلُّ امْرَأَةٍ سَقَطَ حَقُّهَا بِسَبَبٍ ثَمَّ زَالَ السَّبَبُ فَهِيَ عَلَى حَقِّهَا إذَا كَانَ سُقُوطُهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا، مِثْلُ أَنْ تَكُونَ مَرِيضَةً فَبَرِئَتْ، أَوْ ذَاتَ زَوْجٍ فِي حِينِ وُجُوبٍ ثُمَّ طَلَّقَ، أَوْ مَاتَ، أَوْ سَافَرَ لِحَجَّةِ الْفَرِيضَةِ، أَوْ سَافَرَ بِهَا زَوْجُهَا وَهُوَ جَدُّ الصِّبْيَانِ، أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ غَيْرَ طَائِعَةٍ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا تَبَيَّنَ بِهِ عُذْرُهَا.
(قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ) وَإِذَا تَرَكَتْ وَلَدَهَا مِنْ عُذْرٍ بِأَنْ مَرِضَتْ، أَوْ انْقَطَعَ لَبَنُهَا، أَوْ جَهِلَتْ أَنَّ ذَلِكَ لَهَا، فَلَهَا انْتِزَاعُهُ قَالَ أَبُو عِمْرَانَ فِي الَّذِي يَنْتَقِلُ إلَى بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ فَيَأْخُذُ وَلَدَهُ مِنْ أُمِّهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى الْبَلَدِ هَلْ يَرُدُّ إلَيْهَا الْوَلَدَ؟ فَقَالَ نَعَمْ يَرْجِعُ إلَى حَضَانَةِ الْأُمِّ فَقِيلَ لَهُ فَلَوْ خَرَجَتْ إلَى مِيرَاثٍ لَهَا فِي بَلَدٍ تَطْلُبُهُ، ثُمَّ رَجَعَتْ فَقَالَ تَرْجِعُ إلَيْهَا الْحَضَانَةُ. اهـ.
وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ حَقَّ الْحَضَانَةِ يَسْقُطُ حَالَ حُصُولِ الْعُذْرِ اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ اللَّقَانِيِّ عَلَى التَّوْضِيحِ
(وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) ، فَإِنْ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ ابْنَهَا الْمُرْضَعَ إلَى أَبِيهِ فَلَمَّا فُطِمَ أَرَادَتْ أَخْذَهُ، فَإِنْ كَانَ إسْلَامُهَا لَهُ عُذْرٌ مِثْلُ أَنْ تَكُونَ لَا لَبَنَ لَهَا قُبِلَ عُذْرُهَا وَاسْتَرَدَّتْ ابْنَهَا بَعْدَ فِطَامِهِ إلَى حَضَانَتِهَا.
(وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) ، وَكَذَلِكَ إذَا مَرِضَتْ، أَوْ سَافَرَتْ سَفَرًا لَا يَكُونُ لَهَا حَمْلُ الْمَحْضُونِ إلَيْهِ فَلَهَا أَنْ تَأْخُذَهُ إذَا رَجَعَتْ، أَوْ صَحَّتْ، ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَفِي
(1/274)

الْمُقَرِّبِ قُلْت، فَإِنْ تَزَوَّجَتْ وَهُوَ صَغِيرٌ فَأَخَذَهُ أَبُوهُ، أَوْ أَوْلِيَاؤُهُ، ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا، أَوْ طَلَّقَهَا أَيُرَدُّ إلَى أُمِّهِ قَالَ لَا إذَا أَسْلَمَتْهُ مَرَّةً فَلَا حَقَّ لَهَا فِيهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ الْأَعْذَارِ اخْتِيَارِيًّا أَدْخَلَتْهُ الْحَاضِنَةُ عَلَى نَفْسِهَا كَالتَّزْوِيجِ فَإِنَّهَا لَا تَعُودُ بَعْدَ ذَهَابِهِ وَمَا دَخَلَ عَلَيْهَا مِنْ الْأَعْذَارِ اضْطِرَارًا، أَحَبَّتْ أَمْ كَرِهَتْ مِثْلُ انْقِطَاعِ اللَّبَنِ وَالْمَرَضِ، فَإِنَّهَا تَعُودُ بَعْدَ زَوَالِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .
وَحَيْثُ بِالْمَحْضُونِ سَافَرَ الْوَلِيّ ... بِقَصْدِ الِاسْتِيطَانِ وَالتَّنَقُّلِ
فَذَاكَ مُسْقِطٌ لِحَقِّ الْحَاضِنَهْ ... إلَّا إذَا صَارَتْ هُنَاكَ سَاكِنَهْ
يَعْنِي أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا كَانَ عِنْدَ حَاضِنَتِهِ، ثُمَّ أَرَادَ وَلِيُّهُ أَبًا، أَوْ أَخًا، أَوْ غَيْرَهُمَا أَنْ يُسَافِرَ بِقَصْدِ الِاسْتِيطَانِ وَالْإِقَامَةِ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَأَرَادَ أَنْ يَذْهَبَ بِالصَّبِيِّ مَعَهُ فَلَهُ ذَلِكَ وَيُقَالُ لِلْحَاضِنَةِ؛ إمَّا أَنْ تَنْتَقِلِي لِلْبَلَدِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ الْوَلِيُّ وَالْمَحْضُونُ، وَإِلَّا سَقَطَتْ حَضَانَتُكِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَيَسْقُطُ حَقُّ الْأُمِّ وَغَيْرِهَا مِنْ الْحَضَانَةِ إذَا سَافَرَ وَلِيُّ الطِّفْلِ الْحُرِّ أَبًا، أَوْ غَيْرَهُ سَفَرَ نُقْلَةٍ سِتَّةَ بُرُدٍ وَلَوْ كَانَ رَضِيعًا، لَا سَفَرَ تَنَزُّهٍ، أَوْ تِجَارَةٍ إلَّا أَنْ تُسَافِرَ وَهِيَ مَعَهُ (التَّوْضِيحُ) دَخَلَ فِي قَوْلِهِ أَبًا، أَوْ غَيْرَهُ الْوَصِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَقَوْلُهُ " الْحُرِّ " يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِلْوَلِيِّ، أَوْ الطِّفْلِ وَقَوْلُهُ " سِتَّةَ بُرُدٍ " هُوَ بَيَانٌ لِلسَّفَرِ الْمُسْقِطِ، يَعْنِي وَأَمَّا لَوْ سَافَرَ سَفَرًا قَرِيبًا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ حَضَانَتَهَا لِإِمْكَانِ نَظَرِ الْوَلِيِّ، وَهَذَا التَّحْدِيدُ لِمَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَقَوْلُهُ " وَلَوْ كَانَ رَضِيعًا " مُبَالَغَةٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ بِشَرْطِ أَنْ يَقْبَلَ غَيْرَ أُمِّهِ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ " لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَطِيمًا قَدْ اسْتَغْنَى عَنْ أُمِّهِ " وَلِمَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ " لَا يَخْرُجُ بِهِمْ حَتَّى يُثْغِرُوا " وَقَوْلُهُ " إلَّا أَنْ تُسَافِرَ هِيَ مَعَهُ " أَيْ إلَّا أَنْ تَتْبَعَهُ فَهِيَ عَلَى حَضَانَتِهَا، وَلَا كَلَامَ لِلْوَلِيِّ. بَعْضُ شُيُوخِنَا.
وَإِنْ كَانَ لِلْوَلَدِ وَلِيَّانِ وَهُمَا فِي الْعَقْدِ سَوَاءٌ فَسَافَرَ أَحَدُهُمَا فَلَيْسَ لَهُ الرِّحْلَةُ بِالْوَلَدِ، وَالْمُقِيمُ أَوْلَى لِبَقَاءِ الْوَلَدِ مَعَ أُمِّهِ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أُمٌّ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُقَدَّمُ فِي إنْكَاحِهَا إنْ كَانَتْ أُنْثَى (فَرْعَانِ: الْأَوَّلُ) قَالَ جَمَاعَةٌ يُشْتَرَطُ فِي إسْقَاطِ الْحَضَانَةِ بِالسَّفَرِ أَنْ تَكُونَ الطَّرِيقُ مَأْمُونَةً يُسْلَكُ فِيهَا بِالْمَالِ وَالْحَرِيمِ، وَكَذَلِكَ الْبَلَدُ الَّذِي يَنْتَقِلُ إلَيْهِ وَلَا يُشْتَرَطُ عَدَمُ رُكُوبِهِ بِهِ الْبَحْرُ، قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [يونس: 22] (وَالثَّانِي) إذَا قُلْنَا لِلْوَلِيِّ الِانْتِقَالُ بِالْوَلَدِ فَلَا يَكُونُ الْوَالِي أَحَقَّ حَتَّى يُثْبِتَ عِنْدَ حَاكِمِ الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْحَاضِنَةُ أَنَّهُ قَدْ اسْتَوْطَنَ الْمَوْضِعَ الَّذِي رَحَلَ إلَيْهِ. اهـ.
بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ

قَالَ النَّاظِمُ:
وَيُمْنَعُ الزَّوْجَانِ مِنْ إخْرَاجِ مَنْ ... مِنْ حِينِ الِابْتِنَاءِ مَعَهُمَا سَكَنْ
مِنْ وَلَدٍ لِوَاحِدٍ أَوْ أُمِّ ... وَفِي سِوَاهُمْ عَكْسُ هَذَا الْحُكْمِ
يَعْنِي إذَا بَنَى الزَّوْجُ بِزَوْجَتِهِ فَأَتَتْ مَعَهَا بِوَلَدِهَا الصَّغِيرِ، أَوْ وَجَدَتْ عِنْدَهُ وَلَدًا لَهُ صَغِيرًا وَسَكَنَ ذَلِكَ الْوَلَدُ مَعَهُمَا ثُمَّ أَرَادَ إخْرَاجَ وَلَدِهَا، أَوْ أَرَادَتْ إخْرَاجَ وَلَدِهِ عَنْهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، وَلَا لَهَا وَيُجْبَرُ الْمُمْتَنِعِ مِنْهُمَا عَلَى السُّكْنَى مَعَ ذَلِكَ الْوَلَدِ، وَكَذَلِكَ إذَا وُجِدَتْ عِنْدَ الزَّوْجِ أُمُّهُ وَسَكَتَتْ ثُمَّ امْتَنَعَتْ مِنْ
(1/275)

السُّكْنَى مَعَهَا فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ.
وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَبِشَطْرِ الثَّانِي وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ
وَفِي سِوَاهُمْ عَكْسُ هَذَا الْحُكْم
إلَى أَنَّهُ إذَا بَنَى بِزَوْجَتِهِ وَلَمْ تَأْتِ مَعَهَا بِوَلَدٍ، أَوْ لَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ وَلَدًا، ثُمَّ أَرَادَتْ أَنْ تَأْتِيَ بِوَلَدِهَا، أَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ بِوَلَدٍ لَهُ، وَامْتَنَعَ الْآخَرُ فَإِنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى السُّكْنَى مَعَهُ وَإِنَّمَا يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ مِنْ السُّكْنَى مَعَهُ إذَا لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ، إذَا كَانَ لِلْوَلَدِ وَلِيُّ حَاضِنٌ يُمْكِنُ دَفْعُهُ إلَيْهِ، وَإِلَّا أُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ عَلَى السُّكْنَى مَعَهُ.
وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً فَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ، وَسُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ خَطَبَهَا رَجُلٌ، لَهَا بِنْتٌ صَغِيرَةٌ لَمْ تَلِ نَفْسَهَا فَتَزَوَّجَهَا وَهُوَ يَعْلَمُ بِذَلِكَ، ثُمَّ بَنَى بِهَا، وَابْنَتُهَا مَعَهَا، ثُمَّ قَالَ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَخْرِجِي ابْنَتَكِ عَنِّي، أَتَرَى ذَلِكَ لَهُ؟ فَقَالَ لَهُ: مَا أَرَى ذَلِكَ لَهُ. (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا وَهُوَ يَعْلَمُ بِابْنَتِهَا، ثُمَّ بَنَى بِهَا وَهِيَ مَعَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا عَنْهَا وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ مِمَّا سُئِلَ عَنْهُ ابْنُ زَرْبٍ وَإِنْ بَنَى بِهَا وَالصَّبِيُّ مَعَهُ، ثُمَّ أَرَادَتْ بَعْدَ ذَلِكَ إخْرَاجَهُ عَنْ نَفْسِهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ لِدُخُولِهَا عَلَيْهِ (وَفِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ) عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلرَّجُلِ أَنَّهُ يُسْكِنُ أَوْلَادَهُ مِنْ امْرَأَتِهِ مَعَ امْرَأَةٍ لَهُ أُخْرَى فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ وَمَسْكَنٍ وَاحِدٍ يَجْمَعُهُمْ إلَّا أَنْ تَرْضَى بِذَلِكَ، وَفِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا رَجُلٌ فَأَسْكَنَهَا مَعَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَشَكَتْ الضَّرَرَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ مَالِكٌ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسْكِنَهَا مَعَهُمَا فَقِيلَ لَهُ إنَّهُ يَقُولُ: إنَّ أَبِي أَعْمَى وَأُغْلِقُ دُونِي وَدُونَهُ بَابًا قَالَ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ رُئِيَ ضَرَرٌ كَأَنَّهُ يَقُولُ إنْ رُئِيَ ضَرَرٌ يُحَوِّلُهَا عَنْ حَالِهَا. اهـ.
(وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) سُئِلَ ابْنُ زَرْبٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً وَلَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ مِنْ غَيْرِهَا فَأَرَادَ إسْكَانَهُ مَعَهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ، وَأَبَتْ هِيَ ذَلِكَ إنْ كَانَ لَهُ مَنْ يَدْفَعُهُ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ لِيَحْضُنَهُ لَهُ وَيَكْفُلَهُ أُجْبِرَ عَلَى إخْرَاجِهِ عَنْهَا، وَإِنْ كَانَ لَا أَهْلَ لَهُ لَمْ يُكَلَّفْ إخْرَاجَهُ، وَأُجْبِرَتْ هِيَ عَلَى الْبَقَاءِ مَعَهُ، ثُمَّ قَالَ وَكَذَلِكَ الزَّوْجَةُ إذَا كَانَ لَهَا وَلَدٌ صَغِيرٌ مَعَ الزَّوْجِ هَذَا حَرْفًا بِحَرْفٍ. اهـ.
(تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ " أَوْ أُمِّ " أَنَّ الْأُمَّ تَجْرِي عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ الَّذِي فِي الْوَلَدِ وَأَنَّهَا إنْ كَانَتْ مَعَ ابْنِهَا يَوْمَ الْبِنَاءِ أُلْزِمَتْ الزَّوْجَةُ بِالسُّكْنَى مَعَهَا، وَإِلَّا فَلَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ لَا تُجْبَرُ الزَّوْجَةُ عَلَى السُّكْنَى مَعَ أُمِّهِ، أَوْ أَبِيهِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَا مَعَهُ حِينَ الْبِنَاءِ، أَوْ لَا وَلَكِنْ هَذَا فِي ذَوَاتِ الْقَدْرِ، وَأَمَّا الْوَضِيعَةُ فَلَا (التَّوْضِيحُ) قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسْكِنَ مَعَهَا أَبَوَيْهِ إلَّا بِرِضَاهَا قَالَ فِي الْبَيَانِ لِمَا عَلَيْهَا مِنْ الضَّرَرِ بِاطِّلَاعِهِمْ عَلَى أَمْرِهَا وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكْتُمَهُ عَنْهُمْ مِنْ أَمْرِهَا.
(قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ) فِي الْمَرْأَةِ تَكُونُ هِيَ وَأَهْلُ زَوْجِهَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ فَتَقُولُ: إنَّ أَهْلَكَ يُؤْذُونَنِي فَأَخْرِجْهُمْ عَنِّي، أَوْ أَخْرِجْنِي عَنْهُمْ، رُبَّ امْرَأَةٍ لَا يَكُونُ لَهَا ذَلِكَ لِكَوْنِ صَدَاقِهَا قَلِيلًا وَتَكُونُ وَضِيعَةَ الْقَدْرِ، وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ذَلِكَ تَزَوَّجَهَا، وَفِي الْمَنْزِلِ سَعَةٌ، فَأَمَّا ذَاتُ الْقَدْرِ فَلَا بُدَّ لَهُ أَنْ يَعْزِلَهَا، وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَعْزِلَهَا حُمِلَ عَلَى الْحَقِّ أَبَرَّهُ ذَلِكَ، أَوْ أَحْنَثَهُ.
(قَالَ فِي الْبَيَانِ) وَلَيْسَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ عِنْدِي خِلَافًا لِقَوْلِ مَالِكٍ اهـ.
وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ فِي الْأَوْلَادِ تَفْصِيلًا غَيْرَ الَّذِي فِي الزَّوْجَةِ فَفِي الْأَوْلَادِ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَسْكُنُوا مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ، أَوْ لَا وَفِي الزَّوْجَةِ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ ذَاتَ قَدْرٍ، أَوْ وَضِيعَةً، وَهَذَا ظَاهِرٌ مِنْ قَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ وَلَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْ أَنْ تَسْكُنَ مَعَ أَقَارِبِهِ إلَّا الْوَضِيعَةَ كَوَلَدٍ صَغِيرٍ لِأَحَدِهِمَا إنْ كَانَ لَهُ حَاضِنٌ إلَّا أَنْ يَبْنِيَ وَهُوَ مَعَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(1/276)