الجمعة، 12 يونيو 2015

كتاب الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام - [بَابٌ فِي الْبُيُوعِ وَمَا شَاكَلَهَا] - [فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ]

[فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ]
ِ
وَحَيْثُمَا اخْتَلَفَ بَائِعٌ وَمَنْ ... مِنْهُ اشْتَرَى إنْ كَانَ فِي قَدْرِ الثَّمَنْ
وَلَمْ يَفُتْ مَا بِيعَ فَالْفَسْخُ إذَا ... مَا حَلَفَا أَوْ نَكَلَا قَدْ أُنْفِذَا
وَالْبَدْءُ بِالْبَائِعِ ثُمَّ الْمُشْتَرِي ... فِي الْأَخْذِ وَالْيَمِينِ ذُو تَخَيُّرِ
ثُمَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ بَعْدَ الرِّضَا ... وَقِيلَ إنْ تَحَالَفَا الْفَسْخُ مَضَى
وَقِيلَ لَا يُحْتَاجُ فِي الْفَسْخِ إلَى ... حُكْمٍ وَسَحْنُونٌ لَهُ قَدْ نَقَلَا
ذُكِرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ حُكْمُ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ، إمَّا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ، أَوْ فِي جِنْسِهِ، أَوْ فِي الْأَجَلِ، أَوْ فِي انْقِضَائِهِ، أَوْ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ، أَوْ الْمَثْمُونِ، أَوْ فِي الْبَتِّ وَالْخِيَارِ، أَوْ فِي الصِّحَّةِ، وَالْفَسَادِ، أَوْ فِي بَعْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ لَهُ عَقْدُ الْبَيْعِ. أَشَارَ بِالْأَبْيَاتِ إلَى أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ مَعَ قِيَامِ الْمَبِيعِ، وَعَدَمِ فَوَاتِهِ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، وَيُفْسَخُ بَيْعُهُمَا. وَكَذَلِكَ يُفْسَخُ إنْ نَكَلَا مَعًا عَنْ الْيَمِينِ. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَأَشَارَ لِكَيْفِيَّةِ تَحَالُفِهِمَا بِقَوْلِهِ: وَالْبَدْءُ بِالْبَائِعِ، وَالْبَيْتُ وَبَيَانُهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُ بِعَشَرَةٍ مَثَلًا، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: بَلْ بِثَمَانِيَةٍ، فَيَحْلِفُ الْبَائِعُ أَنَّهُ إنَّمَا بَاعَ بِعَشَرَةٍ، ثُمَّ يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي إنْ شِئْتَ فَخُذْهُ بِالْعَشَرَةِ، فَإِنْ أَخَذَهُ بِهَا فَلَا كَلَامَ وَإِلَّا حَلَفَ أَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَى بِثَمَانِيَةٍ وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا.
وَكَذَا يُفْسَخُ إنْ نَكَلَا مَعًا عَنْ الْيَمِينِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِتَمَامِ تَحَالُفِهِمَا؟ أَوْ حَتَّى يَحْكُمَ الْقَاضِي بِالْفَسْخِ؟ وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ إذَا رَجَعَ أَحَدُهُمَا لِقَوْلِ صَاحِبِهِ بَعْدَ التَّحَالُفِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ فَعَلَى تَوَقُّفِ الْفَسْخِ عَلَى الْحُكْمِ، مَنْ رَجَعَ لَزِمَ الْبَيْعُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا. وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:
ثُمَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ بَعْدَ الرِّضَا
أَيْ بَعْدَ التَّحَالُفِ عَلَى عَدَمِ تَوَقُّفِ الْفَسْخِ عَلَى الْحُكْمِ لَا يَلْزَمُ الْبَيْعُ إنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا لِوُقُوعِ الْفَسْخِ بِتَمَامِ التَّحَالُفِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:
وَقِيلَ إنْ تَحَالَفَا، الْفَسْخُ مَضَى
وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَحْتَاجُ، الْبَيْتَ فَهُوَ فِي الْمَعْنَى تَعْلِيلٌ لِلْقَوْلِ الثَّانِي وَكَأَنَّهُ يَقُولُ: وَجْهُ مُضِيِّ الْفَسْخِ بِتَمَامِ التَّحَالُفِ، كَوْنُ الْفَسْخِ لَا يَفْتَقِرُ لِحُكْمِ حَاكِمٍ.
وَعَلَيْهِ فَلَوْ قَالَ: إذْ قِيلَ لَا يَحْتَاجُ إلَخْ، لَكَانَ، أَبَيْنَ وَأَحْسَنُ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ مَبْنَاهُمَا احْتِيَاجُ فَسْخِهِ إلَى الْبَيْتِ أَيْ مَبْنَى الْقَوْلَيْنِ فِي لُزُومِ الْبَيْعِ لِمَنْ رَجَعَ، وَعَدَمِ لُزُومِهِ احْتِيَاجُ الْفَسْخِ إلَى الْحُكْمِ أَيْ وَعَدَمُ احْتِيَاجِهِ إلَيْهِ، وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ سَحْنُونٌ وَتَقَدَّمَ فِي اللِّعَانِ
وَالْفَسْخُ مِنْ بَعْدِ اللِّعَانِ مَاضِي ... دُونَ طَلَاقٍ وَبِحُكْمِ الْقَاضِي
وَتَقَدَّمَ أَيْضًا فِي فَصْلِ تَدَاعِي الزَّوْجَيْنِ:
وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى النِّكَاحِ ... فَفِي الْأَصَحِّ الرَّفْعُ لِلْجُنَاحِ
أَيْ تَرَاضَيَا عَلَى النِّكَاحِ بَعْدَ حَلْفِهِمَا بِنَاءً عَلَى افْتِقَارِ الْفَسْخِ لِلْحُكْمِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ افْتِقَارِهِ لَهُ
(قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) : وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي ثَمَنِ السِّلْعَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، يَحْلِفُ الْبَائِعُ أَوَّلًا، ثُمَّ يَكُونُ لِلْمُبْتَاعِ الْخِيَارُ فِي أَنْ يَأْخُذَ السِّلْعَةَ مِمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ، أَوْ يَحْلِفُ عَلَى مَا قَالَ فَيُفْسَخُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا أَنْ يَرْضَى الْمُبْتَاعُ أَخْذَهَا قَبْلَ الْحُكْمِ بِالْفَسْخِ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ فَذَلِكَ لَهُ. (قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ) : وَإِنْ أَرَادَ الْبَائِعُ قَبْلَ الْفَسْخِ أَنْ يُلْزِمَهَا الْمُبْتَاعَ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ، فَذَلِكَ لَهُ، وَإِلَّا فُسِخَ الْبَيْعُ. وَقَالَ سَحْنُونٌ: بِتَمَامِ التَّحَالُفِ يَقَعُ الْفَسْخُ كَاللِّعَانِ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَإِنْ نَكَلَ الْبَائِعُ أَوَّلًا عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ الْمُبْتَاعُ، وَاسْتَحَقَّ سِلْعَتَهُ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَإِنْ نَكَلَ الْمُبْتَاعُ أَيْضًا انْفَسَخَتْ الصَّفْقَةُ بَيْنَهُمَا. رَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ اهـ
وَقَوْلُ الْمُتَيْطِيِّ فِي ثَمَنِ السِّلْعَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا يُرِيدُ، وَكَذَلِكَ بَعْدَ قَبْضِهَا وَالْغَيْبَةِ عَلَيْهَا، وَلَمْ تَفُتْ عَلَى إحْدَى رِوَايَتَيْنِ، وَهِيَ الَّتِي اعْتَمَدَ
(2/22)

النَّاظِمُ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَبْضِهَا، وَعَدَمِ قَبْضِهَا إذَا كَانَتْ قَائِمَةً لَمْ تَفُتْ حَسْبَمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْمُتَيْطِيَّةِ أَيْضًا، وَعَنْ الْمُقَرِّبِ وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: إذَا حَلَفَا فَمَذْهَبُ سَحْنُونٍ انْفِسَاخُ الْعَقْدِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: بَلْ يَفْتَقِرُ إلَى إنْشَاءِ الْفَسْخِ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ إذَا رَضِيَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْفَسْخِ أَنْ يُمْضِيَ الْعَقْدَ بِمَا قَالَ الْآخَرُ
وَإِنْ يَفُتْ فَالْقَوْلُ لِلَّذِي اشْتَرَى ... وَذَا الَّذِي بِهِ الْقَضَاءُ قَدْ جَرَى
هَذَا تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي مِنْ الْأَبْيَاتِ قَبْلَ هَذَا، وَلَمْ يَفُتْ مَا بِيعَ، يَعْنِي إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ بَعْدَ فَوْتِ الْمَبِيعِ بِحَوَالَةِ سُوقٍ فَأَكْثَرَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي، يَعْنِي مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي بِهِ الْقَضَاءُ، وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَيَعْنِي أَيْضًا، إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ إنْ أَتَى مِمَّا يُشْبِهُ، وَيَأْخُذُ مَا قَالَ فَإِنْ نَكَلَ أَخَذَ مَا قَالَ الْمُبْتَاعُ بِلَا يَمِينٍ، وَإِنْ جَاءَا مَعًا بِمَا لَا يُشْبِهُ فَعَلَى الْمُبْتَاعِ الْقِيمَةُ، وَيُصَدَّقُ فِي الصِّفَةِ وَإِنْ قَالَ عَبْدٌ أَعْجَمِيٌّ مُقْعَدٌ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِخِلَافِهِ قَالَهُ الْمُتَيْطِيُّ ثُمَّ نَقَلَ رِوَايَةً أُخْرَى قَالَ: وَبِالْأُولَى الْقَضَاءُ. وَلَوْ قَالَ النَّاظِمُ بَدَلَ الشَّرْطِ الْأَخِيرِ: إنَّ قَوْلَهُ أَشْبَهَ وَالْخُلْفُ جَرَى لَكَانَ أَفْيَدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ وَصُدِّقَ مَنْ ادَّعَى الْأَشْبَهَ وَحَلَفَ إنْ فَاتَ فَقَوْلُهُ: مَنْ ادَّعَى الْأَشْبَهَ أَيْ مِنْ بَائِعٍ أَوْ مُشْتَرٍ مَعَ يَمِينِهِ عِنْد فَوْتِ الْمَبِيعِ
وَإِنْ يَكُنْ فِي جِنْسِهِ الْخُلْفُ بَدَا ... تَفَاسَخَا بَعْدَ الْيَمِينِ أَبَدَا
وَمَا يَفُوتُ وَاقْتَضَى الرُّجُوعَ ... بِقِيمَةٍ فَذَاكَ يَوْمَ بِيعَا
تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ مَعَ قِيَامِ السِّلْعَةِ، أَوْ فَوَاتِهَا، وَالْكَلَامُ الْآنَ فِي الِاخْتِلَافِ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ مَعَ الْقِيَامِ أَوْ الْفَوَاتِ أَيْضًا يَعْنِي إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ كَادِّعَاءِ أَحَدِهِمَا: أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ بِدَنَانِيرَ، أَوْ دَرَاهِمَ، وَادَّعَى الْآخَرُ أَنَّهُ بِطَعَامٍ مَثَلًا، فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعُ بَاقِيًا أَوْ فَائِتًا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ " أَبَدَا " فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا رَجَعَ لِبَائِعِهِ وَلَا إشْكَالَ وَإِنْ كَانَ قَدْ فَاتَ فَإِنَّ الْبَائِعَ يَرْجِعُ فِيهِ عَلَى الْمُبْتَاعِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ بَيْعِهِ، وَإِلَى اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْبَيْعِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ يَوْمَ بِيعَا وَنَحْوُ هَذَا فِي الْمُتَيْطِيَّةِ. نَقَلَهُ الشَّارِحُ. قَالَ: وَقَدْ اقْتَضَى هَذَا الْكَلَامُ بِفَوْتِهِ أَنَّهُ إنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا عَمَّا حَلَفَ عَلَى ضِدِّهِ الْآخَرُ، فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْحَالِفِ مِنْهُمَا.
وَحَيْثُمَا الْمَبِيعُ بَاقٍ وَاخْتُلِفْ ... فِي أَجَلٍ تَفَاسَخَا بَعْدَ الْحَلِفْ
وَقِيلَ ذَا إنْ ادَّعَى الْمُبْتَاعُ مَا ... يَبْعُدُ وَالْعُرْفُ بِهِ قَدْ عُدِمَا
وَإِنْ يَفُتْ فَالْقَوْلُ عِنْدَ مَالِكْ ... لِبَائِعٍ نَهْجُ الْيَمِينِ سَالِكْ
وَقِيلَ لِلْمُبْتَاعِ وَالْقَوْلَانِ ... لِحَافِظِ الْمَذْهَبِ مَنْقُولَانِ
وَفِي انْقِضَاءِ أَجَلٍ بِذَا قُضِيَ ... حَتَّى يَقُولَ إنَّهُ لَمْ يَنْقَضِ
(2/23)

هَذَا الْكَلَامُ فِي الِاخْتِلَاف فِي الْأَجَلِ، أَيْ هَلْ وَقَعَ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ أَوْ مُعَجَّلٍ؛ وَهُوَ أَيْضًا إمَّا مَعَ قِيَامِ الْمَبِيعِ أَوْ مَعَ فَوَاتِهِ، وَفِي الِاخْتِلَافِ فِي انْقِضَاءِ الْأَجَلِ وَعَدَمِ انْقِضَائِهِ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى الدُّخُولِ عَلَى الْأَجَلِ، وَهُوَ أَيْضًا إمَّا مَعَ قِيَامِ الْمَبِيعِ أَوْ مَعَ فَوَاتِهِ. يَعْنِي إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي كَوْنِ الْبَيْعِ وَقَعَ لِأَجَلٍ أَوْ عَلَى الْحُلُولِ، فَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً فَقَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ مُطْلَقًا. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ خَاصٌّ بِمَا إذَا ادَّعَى الْمُبْتَاعُ أَجَلًا بَعِيدًا وَلَا عُرْفَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْمَبِيعِ فَهَهُنَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ، وَإِنْ كَانَ فِي مِثْلِ تِلْكَ السِّلْعَةِ أَجَلٌ مَعْرُوفٌ جَارٍ بَيْنَ النَّاسِ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، لِأَنَّهُ ادَّعَى مَا يُشْبِهُ، وَهَذَا الْقَوْلُ مَنْقُولٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا، وَعَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ نَبَّهَ بِالْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ. فَقَوْلُهُ لَهُ: وَقِيلَ ذَا أَيْ التَّحَالُفُ وَالتَّفَاسُخُ، وَمَا نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ صِفَتُهَا جُمْلَةُ يَبْعُدُ وَاقِعَةٌ عَلَى الْأَجَلِ، وَجُمْلَةُ وَالْعُرْفُ بِهِ قَدْ عُدِمَا حَالِيَةٌ، وَبِهِ يَتَعَلَّقُ بَعْدَمَا، وَالضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ مَا، وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ بَعْدَ فَوَاتِ الْمَبِيعِ كَالطَّحْنِ فِي الْقَمْحِ، وَحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ فِي الْعُرُوضِ، وَالْعِتْقِ، وَالتَّدْبِيرِ، فِي الرَّقِيقِ، وَالْإِيلَادِ فِي الْإِمَاءِ، وَالْبَيْعِ، وَالْوَقْفِ فِي الْعَقَارِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُعَدّ فَوْتًا فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ الْمُعَيَّنَةِ فَقَوْلَانِ أَيْضًا:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقَوْلَ لِلْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ وَهُوَ لِمَالِكٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ، وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُبْتَاعِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ الَّذِي عَنَى النَّاظِمُ بِحَافِظِ الْمَذْهَب وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ. فَقَوْلُهُ وَإِنْ يُفْتِ هُوَ مُقَابِلُ قَوْلِهِ وَحَيْثُمَا الْمَبِيعُ بَاقٍ، وَنَهَجَ أَيْ طَرِيقَ مَفْعُولُ سَالِكٍ وَسَالِكٌ صِفَةُ بَائِعٍ، وَقَوْلُهُ وَقِيلَ لِلْمُبْتَاعِ هُوَ مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ لِبَائِعٍ
(قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) وَإِنْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْبَائِعُ بِالنَّقْدِ، وَقَالَ الْمُبْتَاعُ إلَى أَجَلٍ، وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ. فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَ مَا يَدَّعِيه الْمُبْتَاعُ أَجَلًا قَرِيبًا لَا يُتَّهَمُ فِيهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِلَّا صُدِّقَ الْبَائِعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلسِّلْعَةِ أَمَدٌ مَعْرُوفٌ تُبَاعُ عَلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِيهِ مِنْهُمَا، ثُمَّ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ وَقَالَ أَيْضًا ابْنُ الْقَاسِمِ: مَرَّةً أُخْرَى يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ وَيَبْدَأُ الْبَائِعُ. قَالَ الْمُتَيْطِيُّ وَإِنْ فَاتَتْ السِّلْعَةُ بِيَدِ الْمُبْتَاعِ فَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُبْتَاعِ مَعَ يَمِينِهِ، وَالْآخَرُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ. وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَبِهَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ اهـ وَأَشَارَ بِالْبَيْتِ الْخَامِسِ إلَى حُكْمِ الِاخْتِلَافِ فِي انْقِضَاءِ الْأَجَلِ وَأَنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَنْقَضِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي تَعُودُ الْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ بِذَا لِتَقَدُّمِهِ فِي الْبَيْتِ قَبْلَهُ، وَهَذَا إنَّمَا هُوَ مَعَ فَوَاتِ الْمَبِيعِ، وَرُبَّمَا يُؤْخَذُ هَذَا مِنْ إتْيَانِهِ بِذَلِكَ إثْرَ قَوْلِهِ: وَإِنْ يَفُتْ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِمَنْ الْقَوْلُ قَوْلُهُ وَأَمَّا مَعَ قِيَامِ الْمَبِيعِ وَعَدَمِ فَوَاتِهِ فَيَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ
(قَالَ الشَّارِحُ) : يُؤْخَذُ حُكْمُهُ مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ أَوَّلًا
وَحَيْثُمَا الْمَبِيعُ بَاقٍ وَاخْتُلِفَ
الْبَيْتَ
(قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ) قَالَ سَحْنُونٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْتُك إلَى شَهْرٍ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُ مِنْك إلَى شَهْرَيْنِ فَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ لَمْ تَفُتْ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ فَاتَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ.
(2/24)

وَالْقَوْلُ قَوْلُ مُشْتَرٍ بَعْدَ الْحَلِفْ ... فِي الْقَبْضِ فِيمَا بَيْعُهُ نَقْدًا عُرِفْ
وَهُوَ كَذَا لِبَائِعٍ فِيمَا عَدَا ... مُسْتَصْحَبِ النَّقْدِ وَلَوْ بَعْدَ مَدَى
كَالدُّورِ وَالرَّقِيقِ وَالرِّبَاعِ ... مَا لَمْ يُجَاوِزْ حَدَّ الِابْتِيَاعِ
وَالْقَبْضُ لِلسِّلْعَةِ فِيهِ اُخْتُلِفَا ... كَقَبْضٍ حُكْمُهُ قَدْ سَلَفًا
تَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ أَوْ الْمَثْمُونِ فَذَكَرَ أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي: دَفَعْتُ الثَّمَنَ، وَقَالَ الْبَائِعُ: لَمْ يُعْطِ شَيْئًا، فَيُرْجَعُ فِي ذَلِكَ لِلْعُرْفِ الْجَارِي فِي ذَلِكَ الْمَبِيعِ فَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّهُ يُبَاعُ نَقْدًا كَالدَّقِيقِ، وَالزَّيْتِ، وَاللَّحْمِ، وَالْفَوَاكِهِ، وَالْخُضَرِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ دَفَعَ الثَّمَنَ مَعَ يَمِينِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا بَعْدَ الِافْتِرَاقِ، أَوْ قَبْلَهُ. وَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّهُ يُبَاعُ بِغَيْرِ النَّقْدِ فِي الْحَالِ كَالْبَزِّ، وَالرَّقِيقِ، وَالرِّبَاعِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ سَوَاءٌ قَامَ فِي الْحِينِ أَوْ بَعْدَ زَمَانِ وُقُوعِ الْبَيْعِ فِيهِ مَا لَمْ يُجَاوِزْ فِي ذَلِكَ حَدَّ الِابْتِيَاعِ، أَيْ مَا لَمْ يَقُمْ بَعْدَ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً إذَا لَمْ تَجْرِ عَادَةُ النَّاسِ بِتَأْخِيرِ الثَّمَنِ هَذِهِ الْمُدَّةَ.
وَحَدُّ تَأْخِيرِ الثَّمَنِ عَلَى مَا قَالَ النَّاظِمُ هُوَ فِي الدُّورِ، وَالْأَرْضِينَ، وَالرِّبَاعِ، وَغَيْرِهَا إلَى عِشْرِينَ سَنَةً فَمَا دُونَهَا وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعُرْفِ وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي قَبْضِ الشَّيْءِ الْمَبِيعِ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي: لَمْ أَقْبِضْهُ، وَقَالَ الْبَائِعُ: بَلْ قَبَضْتَهُ، فَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ كَالِاخْتِلَافِ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ، فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَسْلِيمِهِ عِنْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَرَاخِي قَبْضِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي كَمَا تَقَدَّمَ فِي الثَّمَنِ. هَذَا حَاصِلُ كَلَامِ النَّاظِمِ. فَقَوْلُهُ: فِي الْقَبْضِ أَيْ قَبْضِ الثَّمَنِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ:
وَالْقَبْضُ لِلسِّلْعَةِ فِيهِ اُخْتُلِفَا
وَنَقْدًا مَنْصُوبٌ عَلَى إسْقَاطِ حَرْفِ الْجَرِّ أَيْ بِالنَّقْدِ، وَقَوْلُهُ وَهُوَ كَذَا لِبَائِعٍ أَيْ الْقَوْلُ كَذَا مَعَ الْيَمِينِ لِبَائِعٍ، وَالْمَدَى الزَّمَانُ، وَلَوْ إغْيَاءً فِي كَوْنِ الْقَوْلِ لِلْبَائِعِ وَكَالدُّورِ وَمَا بَعْدَهُ تَمْثِيلٌ لِمَا عَادَتُهُ أَنْ يُبَاعَ بِتَأْخِيرٍ وَجَارٍ خَبَرُ الْقَبْضُ، وَالْقَبْضُ الَّذِي سَلَفَ أَيْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ هُوَ قَبْضُ الثَّمَنِ.
(قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ) قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً وَانْقَلَبَ بِهَا وَزَعَمَ أَنَّهُ دَفَعَ الثَّمَنَ وَقَالَ الْبَائِعُ لَمْ يَدْفَعْ إلَيَّ شَيْئًا فَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ مِثْلَ الْحِنْطَةِ، وَالزَّيْتِ، وَاللَّحْمِ، وَالْفَوَاكِهِ، وَالْخُضَرِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَتَبَايَعُ عَلَى وَجْهِ الِانْتِقَادِ فَهُوَ يُشْبِهُ الصَّرْفَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ أَيْضًا إنْ لَمْ يَفْتَرِقَا إذَا قَبَضَ مَا اشْتَرَى، كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَسَوَاءٌ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ كَانَ مَا اشْتَرَى مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، ثُمَّ قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانَ مَا اشْتَرَى مِثْلَ الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ، وَالْبَزِّ، وَالدَّقِيقِ، وَالدَّوَابِّ، وَالْعُرُوضِ، كُلِّهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ. قَالَ مُحَمَّدٌ وَذَكَر ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ كَانَ يَجْعَلُ الْقَوْلَ فِي هَذَا قَوْلَ الْبَائِعِ أَبَدًا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةً حَتَّى يَجُوزَ الْوَقْتُ الَّذِي لَا يَجُوزُ إلَيْهِ التَّبَايُعُ اهـ.
وَكَلَامُ الْمُنْتَخَبِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيمَا يُبَاعُ بِالنَّقْدِ بَيْنَ أَنْ يَفْتَرِقَ الْمُتَبَايِعَانِ أَمْ لَا، الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي فِي الْوَجْهَيْنِ لِقَوْلِهِ أَوَّلًا، وَانْقَلَبَ بِهَا ثُمَّ قَالَ، قَالَ مُحَمَّدٌ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَفْتَرِقَا، فَإِطْلَاقُ النَّاظِمِ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ صَحِيحٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُنْتَخَبِ الْيَمِينَ عَلَى الْبَائِعِ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي غَيْرِ مَا يُبَاعُ بِالنَّقْدِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا قَبَضَ الْمُبْتَاعُ السِّلْعَةَ الْمَبِيعَةَ وَبَانَ بِهَا، قَالَ إنَّ الْبَائِعَ مُصَدَّقٌ مَعَ يَمِينِهِ، إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ وَتَقَدَّمَ أَنَّ لُزُومَ الْيَمِينِ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ النَّاظِمِ وَهُوَ كَذَا، وَفِي الْمُنْتَخَبِ أَيْضًا وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي قَبْضِ السِّلْعَةِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي لَمْ أَقْبِضْهَا، وَقَالَ الْبَائِعُ قَدْ قَبَضْتَهَا فَإِنْ كَانَ أَشْهَدَ لَهُ بِالثَّمَرِ فَقَدْ قَبَضَ السِّلْعَةَ، كَذَا رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ.
وَيَحْلِفُ الْبَائِعُ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِحَدَاثَةِ الْبَيْعِ وَالْإِشْهَادِ لِأَنَّ هَذَا مِنْ أَفْعَالِ النَّاسِ فَأَمَّا إنْ سَكَتَ حَتَّى إذَا حَلَّ الْأَجَلُ قَالَ لَمْ أَقْبِضْ السِّلْعَةَ فَلَا قَوْلَ لَهُ وَلَا يَمِينَ عَلَى الْبَائِعِ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ اهـ وَهَذَا النَّقْلُ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِإِحَالَةِ النَّاظِمِ الِاخْتِلَافَ فِي قَبْضِ السِّلْعَةِ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي التَّفْصِيلَ بَيْنَ مَا الْعَادَةُ قَبْضُهُ عِنْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ أَوْ تَأْخِيرُهُ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي جُلِّ كَلَامِ النَّاظِمِ، وَاَلَّذِي فِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ أَوْ السِّلْعَةِ فَالْأَصْلُ بَقَاءُ الثَّمَنِ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي وَبَقَاءُ السِّلْعَةِ تَحْتَ يَدِ الْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ عُرْفٌ لِأَحَدِهِمَا، إمَّا لِلْمُشْتَرِي بِدَفْعِ الثَّمَنِ كَمَنْ اشْتَرَى لَحْمًا، أَوْ بَقْلًا وَبَانَ بِهِ فَإِنَّ
(2/25)

الْعُرْفَ يَشْهَدُ لِلْمُشْتَرِي بِدَفْعِ الثَّمَنِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْكَثِيرِ فَإِنْ لَمْ يَبْنِ بِهِ وَإِنَّمَا وَقَعَ النِّزَاعُ بِالْحَضْرَةِ فَإِنْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ دَفَعَ الثَّمَنَ بَعْدَ أَخْذِهِ لِلسِّلْعَةِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْبَائِعِ وَإِنْ ادَّعَى دَفْعَهُ قَبْلَ أَخْذِهِ لِلسِّلْعَةِ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:
قِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُهُ: وَقِيلَ قَوْلُ الْبَائِعِ، ثَالِثُهَا: يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا الْعَادَةُ فِيهِ أَنْ يَدْفَعَ ثَمَنَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَشْهَدَ الْعُرْفُ لِلْبَائِعِ بِكَوْنِ الْمُشْتَرِي قَبَضَ الْمَبِيعَ كَأَنْ يَشْهَدَ الْمُشْتَرِي بِتَقَرُّرِ الثَّمَنِ فِي ذِمَّتِهِ فَإِنَّهُ مُقْتَضٍ لِقَبْضِ الْمَثْمُونِ فَإِنْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ أَنَّهُ قَبَضَهُ مَعَ يَمِينِهِ إنْ قَامَ الْمُشْتَرِي بِالْقُرْبِ وَإِلَّا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
وَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعٍ لِأَصْلِ ... أَوْ صِحَّةٍ فِي كُلِّ فِعْلٍ فِعْلِ
مَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَاكَ عُرْفٌ جَارِ ... عَلَى خِلَافِ ذَاكَ ذُو اسْتِقْرَارِ
يَعْنِي أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الْخَصْمَانِ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا الْأَصْلَ وَادَّعَى الْآخَرُ خِلَافَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْأَصْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ الْمُدَّعِي فِيهِ عُرْفٌ جَارٍ قَدْ اسْتَقَرَّ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ الْقَوْلُ قَوْلَ مُدَّعِي مُقْتَضَى ذَلِكَ الْعُرْفِ الْجَارِي عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الصِّحَّةَ وَالْآخَرُ الْفَسَادَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ عُرْفٌ جَارٍ قَدْ اسْتَقَرَّ عَلَى الْفَسَادِ فَإِنَّهُ يُرْجِعُ الْقَوْلُ قَوْلَ مُدَّعِي مُقْتَضَى ذَلِكَ الْعُرْفِ الْجَارِي عَلَى خِلَافِ الصِّحَّةِ
(قَالَ الشَّارِحُ) وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ بَابِ تَعَارُضِ الْأَصْلِ وَالْغَالِبِ الْمَبْحُوثِ فِيهِمَا عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ. اهـ فَمِثَالُ الِاخْتِلَافِ فِي الْأَصْلِ وَخِلَافِهِ اخْتِلَافُ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي الْبَتِّ وَالْخِيَارِ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْبَتِّ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْبُيُوعِ إلَّا إنْ جَرَى الْعُرْفُ فِي مَوْضِعٍ إنَّ هَذِهِ السِّلْعَةَ الْمَبِيعَةَ لَا تُبَاعُ إلَّا عَلَى خِيَارٍ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِيهِ لِأَنَّهُ صَارَ أَصْلًا فِي هَذِهِ السِّلْعَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَكَذَا إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا عَدَمَ الشَّرْطِ فِي بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ وَادَّعَى الْآخَرُ الشَّرْطَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي عَدَمِ الشَّرْطِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ.
وَكَذَا إنْ ادَّعَى أَنَّهُ أَمَرَهُ وَكِيلُهُ بِشِرَاءِ حِنْطَةٍ فَاشْتَرَى تَمْرًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَأْمُورِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْآمِرَ قَدْ أَقَرَّ لَهُ بِالْوَكَالَةِ عَلَى الشِّرَاءِ فَلَمَّا اسْتَهْلَكَ الثَّمَنَ ادَّعَى مَا يُوجِبُ تَضْمِينَهُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْآمِرِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَكَمَنِ ادَّعَى سِلْعَةً بِيَدِ رَجُلٍ وَقَالَ اسْتَوْدَعْتُكَهَا وَقَالَ الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ وَهَبْتَنِيهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ السِّلْعَةِ. وَمِثَالُ الِاخْتِلَافِ فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ ادِّعَاءُ أَحَدِهِمَا مُسَاقَاةً جَائِزَةً وَالْآخَرِ مُسَاقَاةً لَا تَجُوزُ، أَوْ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ لَمْ يَضْرِبْ لِلسَّلَمِ أَجَلًا، وَقَالَ الْآخَرُ ضَرَبْنَا أَجَلَ شَهْرَيْنِ مَثَلًا، أَوْ ادَّعَى السَّلَمَ إلَيْهِ بَعْدَ حُلُولِ أَجَلِ السَّلَمِ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ فِي ذَاكَ كُلِّهِ، وَيَكُنْ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي تَامَّةٌ وَفِي ذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِيَكُنْ عَلَى قَوْلٍ، وَعُرْفٌ فَاعِلُ يَكُنْ وَجَارٍ وَذُو اسْتِقْرَارٍ صِفَتَانِ
(2/26)

لِعُرْفٍ وَعَلَى خِلَافٍ مُتَعَلِّقٌ بِجَارٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
وَتَابِعِ الْمَبِيعِ كَالسَّرْجِ اخْتُلِفْ ... فِيهِ بِرَدِّ بَيْعِهِ بَعْدَ الْحَلِفْ
وَذَاكَ إنْ لَمْ يَفُتْ الْمَبِيعْ ... وَيَبْدَأُ الْيَمِينَ مَنْ يَبِيعْ
وَذَا الَّذِي قَالَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ ... وَإِنْ يَفُتْ فَلِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ
(قَالَ الشَّارِحُ) تَابِعُ الْمَبِيعِ كَسَرْجِ الدَّابَّةِ وَإِكَافِهَا وَلِجَامِهَا مِمَّا هُوَ ظَاهِرُ التَّبَعِيَّةِ لَهَا وَلِذَلِكَ كُلِّهِ أَشَارَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِكَافِ التَّشْبِيهِ إذَا وَقَعَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَنَّهُمَا عَقَدَا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى عَدَمِهِ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ كَمَا سَبَقَ وَيُرَدُّ بَعْدَ الْأَيْمَانِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ الَّذِي تَبِعَهُ هَذَا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ لَمْ يَفُتْ وَيَبْدَأُ الْبَائِعُ بِالْيَمِينِ كَمَا تَقَدَّمَ وَذَلِكَ فِي قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ قَدْ فَاتَ فَيَجْتَهِدُ الْحَاكِمُ فِي ذَلِكَ فَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَإِنْ ادَّعَى عِنْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ أَنَّهُ ابْتَاعَ الدَّابَّةَ بِسَرْجِهَا وَلِجَامِهَا أَوْ بِبُرْدَتِهَا وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْبَائِعُ تَحَالَفَا، وَتَفَاسَخَا فِي قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا لَمْ تَفُتْ الدَّابَّةُ اهـ.
وَبَيْعُ مَنْ رُشِّدَ كَالدَّارِ ادَّعَى ... بِأَنَّهُ فِي سَفَهٍ قَدْ وَقَعَا
لِلْمُشْتَرِي الْقَوْلُ بِهِ مَعَ قَسَمِ ... وَعَكْسُ هَذَا لِابْنِ سَحْنُونٍ نُمِيَ
يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَ مَحْجُورًا ثُمَّ تَرَشَّدَ وَصَدَرَ مِنْهُ بَيْعُ دَارٍ أَوْ غَيْرِهَا فَادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ الْبَيْعَ وَقَعَ مِنْهُ فِي حَالِ السَّفَهِ قَبْلَ التَّرْشِيدِ لِيَكُونَ لَهُ النَّظَرُ فِي إمْضَائِهِ وَرَدِّهِ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَى مِنْهُ بَعْدَ التَّرْشِيدِ وَخُرُوجِهِ مِنْ الْوِلَايَةِ فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ
(قَالَ الشَّارِحُ) : يُرِيدُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا لَمْ يَكُنْ لِمُدَّعِي ذَلِكَ بَيِّنَةٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَمْ يَظْهَرْ لِلشِّرَاءِ تَارِيخٌ بِعَيْنِهِ مِنْ تَارِيخِ التَّرْشِيدِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَحْنُونٍ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ إنَّهُ وَقَعَ فِي حَالِ السَّفَهِ وَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ السَّفَهَ سَابِقٌ لِلْبَيْعِ وَالْمُشْتَرِي يُسَلِّمُهُ لَهُ فَحُمِلَ الْحَالُ عَلَى الِاسْتِصْحَابِ وَأَنَّ الْمُشْتَرِي هُوَ الْمُدَّعِي لِوُقُوعِ الْبَيْعِ فِي حَالِ الرُّشْدِ فَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ قَالَ مَالِكٌ مَا بَاعَ السَّفِيهُ مِنْ السِّلَعِ وَأَخَذَ الثَّمَنَ فَأَتْلَفَهُ إنَّ الثَّمَنَ مِنْ الْمُبْتَاعِ وَيَرُدُّ السِّلْعَةَ إنْ وُجِدَتْ أَوْ قِيمَتَهَا. وَقَالَ غَيْرُهُ إنْ ادَّعَى الْمُوَلَّى عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ بَاعَهُ أَنَّهُ بَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يَجُوزَ لَهُ الْبَيْعُ، وَقَالَ الْمُبْتَاعُ بَعْدَ أَنْ جَازَ لَك الْبَيْعُ إنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْبَائِعِ أَنَّهُ بَاعَ وَهُوَ سَفِيهٌ لِأَنَّهُ يُرِيدُ فَسْخَ بَيْعٍ قَدْ تَمَّ بَيْنَهُمَا وَلِابْنِ سَحْنُونٍ فِي كِتَابِهِ قَوْلٌ، إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ السَّفِيهِ اهـ وَالشَّاهِدُ قَوْلُهُ وَقَالَ غَيْرُهُ إلَخْ وَبَيْعٌ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِلْفَاعِلِ وَهُوَ مَنْ وَكُمِّلَ بِالْمَفْعُولِ وَهُوَ الْكَافُ الدَّاخِلَةُ عَلَى الدَّارِ لِأَنَّهُ اسْمٌ بِمَعْنَى مِثْلَ، وَجُمْلَةُ ادَّعَى حَالٌ مِنْ نَائِبِ رُشِّدَ.
وَمَنْ يَكُنْ بِمَالِ غَيْرِهِ اشْتَرَى ... وَالْمُشْتَرِي لَهُ لِلْأَمْرِ أَنْكَرَا
وَحَلَفَ الْآمِرُ فَالْمَأْمُورُ ... مِنْهُ ارْتِجَاعُ مَالِهِ مَأْثُورُ
وَمَالَهُ شَيْءٌ عَلَى مَنْ بَاعَا ... مَا لَمْ يَكُنْ قَدْ صَدَّقَ الْمُبْتَاعَا
وَقِيلَ بَلْ يَكُونُ ذَا تَخَيُّرٍ ... فِي أَخْذِهِ مِنْ بَائِعٍ أَوْ مُشْتَرٍ
وَالْبَيْعُ فِي الْقَوْلَيْنِ لَنْ يُنْتَقَضَا ... وَالْمُشْتَرِي لَهُ الْمَبِيعُ مُقْتَضَى
يَعْنِي أَنَّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِمَالِ غَيْرِهِ وَادَّعَى أَنَّ رَبَّ الْمَالِ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ وَأَنْكَرَ رَبُّ الْمَالِ كَوْنَهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ فَرَبُّ الْمَال مُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَيْهِ الْيَمِينُ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالشِّرَاءِ فَإِذَا حَلَفَ أَخَذَ مَالَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ رُجُوعٌ عَلَى الْبَائِعِ بِالْمَالِ فِي قَوْلِ أَصْبَغَ بْنِ الْفَرَجِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَائِع صَدَّقَ الْمُبْتَاعَ فِي قَوْلِهِ إنَّ رَبَّ الْمَالِ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ فَحِينَئِذٍ يَرْتَجِعُهُ مِنْهُ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْأَبْيَاتِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ وَقِيلَ رَبُّ الْمَالِ مُخَيَّرٌ فِي أَخْذِهِ مِمَّنْ شَاءَ مِنْهُمَا فَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَلَا كَلَامَ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْمَبِيعَ يَكُونُ لَهُ وَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ الْبَائِعِ رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ فَلَا يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ، وَالْمَبِيعُ لِلْمُشْتَرِي عَلَى كُلِّ حَالٍ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ وَقَوْلُهُ وَحَلَفَ الْآمِرُ الْمُرَادُ بِهِ رَبُّ الْمَالِ وَسَمَّاهُ آمِرًا بِنَاءً عَلَى دَعْوَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ أَمَرَهُ
(2/27)


بِالشِّرَاءِ وَضَمِيرُ مِنْهُ يَعُودُ عَلَى الْمَأْمُورِ الَّذِي هُوَ الْمُشْتَرِي وَسَمَّاهُ مَأْمُورًا بِاعْتِبَارِ دَعْوَاهُ الْأَمْرَ، وَضَمِيرُ مَالِهِ لِلْآمِرِ وَمَأْثُورٌ صِفَةُ ارْتِجَاعُ وَضَمِيرُ مَالَهُ لِرَبِّ الْمَالِ وَاسْمُ يَكُنْ لِلْبَائِعِ وَاسْمُ يَكُونُ فِي الْبَيْتِ الرَّابِعِ لِرَبِّ الْمَالِ.
(تَنْبِيهٌ) مَسْأَلَةُ النَّاظِمِ هَذِهِ هِيَ إذَا أَرَادَ رَبُّ الْمَالِ أَخْذَ مَالِهِ وَلَمْ يُرِدْ أَخْذَ مَا اشْتَرَى بِهِ مِمَّنْ يَأْخُذُ مَالَهُ هَلْ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ مِنْ الْمُشْتَرِي فَإِنْ أَحَبَّ رَبُّ الْمَالِ أَخْذَ ذَلِكَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَنَازَعَهُ الْمُشْتَرِي وَأَرَادَهُ لِنَفْسِهِ وَيُعْطِي لِرَبِّ الْمَالِ مِثْلَ دَنَانِيرِهِ أَوْ دَرَاهِمِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مُتَعَدِّيًا فِي الصَّرْفِ فِي الْمَالِ كَالْغَاصِبِ وَالْمُودِعِ فَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ إلَّا مِثْلُ مَالِهِ وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التَّصَرُّفِ كَالْمُقَارِضِ وَالْوَكِيلِ يَتَعَدَّى، فَرَبُّ الْمَالِ مُخَيَّرٌ فِي أَخْذِهِ وَأَخْذِ مَالِهِ اُنْظُرْ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي الشَّرِكَةِ وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ الْمَالِ جَارِيَةً لِنَفْسِهِ خُيِّرَ الْآخَرُ فِي رَدِّهَا شَرِكَةً كَالْمُقَارَضَةِ لَا كَالْمُودِعِ


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق