الأحد، 14 يونيو 2015

كتاب الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام- بَابٌ فِي الْبُيُوعِ وَمَا شَاكَلَهَا - فصل في بيع الطعام

[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ]
ِ
الْبَيْعُ لِلطَّعَامِ بِالطَّعَامِ ... دُونَ تَنَاجُزٍ مِنْ الْحَرَامِ
وَالْبَيْعُ لِلصِّنْفِ بِصِنْفِهِ وَرَدْ ... مِثْلًا بِمِثْلٍ مُقْتَضًى يَدًا بِيَدْ
وَالْبَيْعُ لِلطَّعَامِ قَبْلَ الْقَبْضِ ... مُمْتَنِعٌ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَرْضِ
وَالْجِنْسُ بِالْجِنْسِ تَفَاضُلًا مُنِعْ ... حَيْثُ اقْتِيَاتٌ وَادِّخَارٌ يَجْتَمِعْ
وَغَيْرُ مُقْتَاتٍ وَلَا مُدَّخَر ... يَجُوزُ مَعَ تَفَاضُلٍ كَالْخُضَرِ
وَفِي اخْتِلَافِ الْجِنْسِ بِالْإِطْلَاقِ ... جَازَ مَعَ الْإِنْجَازِ بِاتِّفَاقِ
تَعَرَّضَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ لِحُكْمِ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ وَبَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الطَّعَامَ عَلَى قِسْمَيْنِ رِبَوِيٌّ وَهُوَ الْمُقْتَاتُ الْمُدَّخَرُ لِلْعَيْشِ غَالِبًا وَنُسِبَ لِلرِّبَا لِدُخُولِهِ فِيهِ أَعْنِي رِبَا الْفَضْلِ الَّذِي هُوَ الزِّيَادَةُ وَرِبَا النَّسَاءِ الَّذِي هُوَ التَّأْخِيرُ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ، وَمَعْنَى كَوْنِهِ مُقْتَاتًا أَنَّهُ تَقُومُ بِهِ الْبُنْيَةُ أَيْ عِنْدَهُ لَا بِهِ، وَمَعْنَى كَوْنِهِ مُدَّخَرًا أَيْ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِطُولِ الزَّمَانِ عَلَيْهِ إلَّا الطُّولُ الْكَثِيرُ (قَالَ ابْنُ نَاجِي) (وَلَا حَدَّ لِلِادِّخَارِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَإِنَّمَا يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ) وَحَكَى الشَّاذِلِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ فِيهِ فِي بَعْضِ الْمَجَالِسِ أَنَّ حَدَّهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ.
وَغَيْرُ رِبَوِيٍّ كَالْفَوَاكِهِ وَالْخُضَرِ وَهُوَ مَا اخْتَلَّ فِيهِ الْقَيْدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا بِأَنْ كَانَ غَيْرَ مُقْتَاتٍ وَلَا مُدَّخَرٍ كَالتُّفَّاحِ، وَالْإِجَّاصِ. أَوْ مُقْتَاتًا غَيْرَ مُدَّخَرٍ كَاللِّفْتِ أَوْ مُدَّخَرًا غَيْرَ مُقْتَاتٍ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالضَّابِطُ فِي حُكْمِ ذَلِكَ الطَّعَامُ إذَا بِيعَ بِطَعَامٍ فَلَا يَجُوزُ إلَّا يَدًا بِيَدٍ وَلَا يَجُوزُ فِيهِ تَأْخِيرٌ سَوَاءٌ بِيعَ بِجِنْسِهِ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ رِبَوِيٌّ أَوْ غَيْرُ رِبَوِيٍّ أَوْ أَحَدُهُمَا رِبَوِيٌّ دُونَ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ تَأْخِيرٌ أَصْلًا وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ:
الْبَيْعُ لِلطَّعَامِ بِالطَّعَامِ ... دُونَ تَنَاجُزٍ مِنْ الْحَرَامِ
وَأَمَّا رِبَا الْفَضْلِ وَهُوَ كَوْنُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا بِيعَ الْجِنْسُ بِجِنْسِهِ وَهُمَا رِبَوِيَّانِ كَالْقَمْحِ بِالشَّعِيرِ فَيَحْرُمُ الْفَضْلُ وَهُوَ الزِّيَادَةُ وَلَا يُبَاعُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ:
وَالْجِنْسُ بِالْجِنْسِ تَفَاضُلًا مُنِعْ ... حَيْثُ اقْتِيَاتٌ وَادِّخَارٌ يَجْتَمِعْ
(1/294)

وَإِنْ بِيعَ الْجِنْسُ الرِّبَوِيُّ بِرِبَوِيٍّ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَالْقَمْحِ بِالْفُولِ جَازَ التَّفَاضُلُ فَيُبَاعُ وَسْقٌ مِنْ قَمْحٍ بِوَسْقَيْنِ مِنْ فُولٍ مَثَلًا، وَكَذَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ إذَا بِيعَ الْجِنْسُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ سَوَاءٌ كَانَ أَحَدُهُمَا رِبَوِيًّا كَرَطْلِ دَقِيقٍ بِرَطْلَيْنِ مِنْ تُفَّاحٍ مَثَلًا، أَوْ كَانَا مَعًا غَيْرَ رِبَوِيَّيْنِ سَوَاءٌ كَانَا جِنْسَيْنِ كَتُفَّاحٍ وَإِجَّاصٍ، أَوْ جِنْسًا وَاحِدًا كَتُفَّاحٍ وَتُفَّاحٍ فَيَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مِمَّا اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُ مُطْلَقًا رِبَوِيَّيْنِ أَوْ غَيْرَ رِبَوِيَّيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا رِبَوِيٌّ دُونَ الْآخَرِ فَقَدْ نَبَّهَ عَلَى حُكْمِهِ بِقَوْلِهِ
وَفِي اخْتِلَافِ الْجِنْسِ بِالْإِطْلَاقِ ... جَازَ مَعَ الْإِنْجَازِ بِاتِّفَاقِ
وَقَوْلُهُ مَعَ الْإِنْجَازِ زِيَادَةُ بَيَانٍ وَإِلَّا فَقَدْ تَقَدَّمَ مَنْعُ التَّأْخِيرِ مُطْلَقًا
وَأَمَّا مَا اتَّفَقَتْ أَجْنَاسُهُ مِنْ غَيْرِ الرِّبَوِيِّ كَتُفَّاحٍ مَعَ مِثْلِهِ وَالْخُضَرِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَنَبَّهَ عَلَى حُكْمِهِ بِقَوْلِهِ:
وَغَيْرُ مُقْتَاتٍ وَلَا مُدَّخَرِ ... يَجُوزُ مَعَ تَفَاضُلٍ كَالْخُضَرِ
وَقَدْ اخْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ ضَابِطَ بَيْعِ النَّقْدَيْنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَبَيْعِ الطَّعَامَيْنِ بِقَوْلِهِ وَيَحْرُمُ بَيْعُ رِبَا الْفَضْلِ وَالنَّسَاءِ فِيمَا يَتَّحِدُ جِنْسُهُ مِنْ النُّقُودِ، وَمِنْ الْمَطْعُومَاتِ الرِّبَوِيَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُمَاثَلَةِ وَالْمُنَاجَزَةِ.
وَيَحْرُمُ النَّسَاءُ خَاصَّةً فِيمَا يَخْتَلِفُ جِنْسُهُ مِنْ النُّقُودِ وَفِي الْمَطْعُومَاتِ كُلِّهَا اهـ فَقَوْلُهُ " كُلِّهَا " يَعْنِي مَا عَدَا الرِّبَوِيَّ بِجِنْسِهِ فَيَحْرُمَانِ فِيهِ مَعًا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا وَمِنْ الْمَطْعُومَاتِ الرِّبَوِيَّةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ:
وَالْبَيْعُ لِلصِّنْفِ بِصِنْفِهِ وَرَدْ ... مِثْلٍ بِمِثْلٍ مُقْتَضًى يَدًا بِيَدْ
فَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِتَمَامِ التَّقْسِيمِ دُونَهُ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ طَعَامٍ بِطَعَامٍ يَدًا بِيَدٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ كَيْفَ كَانَ الطَّعَامَانِ، وَهَذَا الْمِقْدَارُ قَدْ اُسْتُفِيدَ مِمَّا تَقَدَّمَ فَلَوْ أَسْقَطَهُ مَا ضَرَّ ذَلِكَ وَكَأَنَّهُ ذَكَرَهُ تَوْطِئَةً لِمَا يُذْكَرُ بَعْدَهُ مِنْ حُكْمِ مَا اتَّفَقَتْ أَجْنَاسُهُ أَوْ اخْتَلَفَتْ وَبِيعَ مُتَفَاضِلًا أَوْ بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ أَوْ لِأَجَلٍ مِمَّا يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ وَالنَّسَاءِ فَقَطْ.
أَمَّا مَا سَلِمَ مِنْهُمَا مَعًا كَهَذَا فَلَا إشْكَالَ فِي جَوَازِهِ، وَأَمَّا بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ الْمُشَارُ لَهُ بِقَوْلِهِ
وَالْبَيْعُ لِلطَّعَامِ قَبْلَ الْقَبْضِ
الْبَيْتَ فَقَدْ ذَكَرَهُ النَّاظِمُ خِلَالَ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ وَمَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ فَلَوْ قَدَّمَهُ أَوْ أَخَّرَهُ لَكَانَ أَوْلَى. وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ فِيهِ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا رِبَوِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ رِبَوِيٍّ عَلَى كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ إلَّا إذَا بَاعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ مِمَّنْ كَانَ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ مِثْلُهُ. كَمَنْ سَلَّفَ لِغَيْرِهِ طَعَامًا فَيَجُوزُ لِرَبِّهِ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ الْمُتَسَلِّفِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كَمَا يَأْتِي (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ طَعَامٍ ابْتَعْتَهُ بِعَيْنِهِ أَوْ مَضْمُونًا عَلَى كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ مِمَّا يُدَّخَرُ أَوْ لَا يُدَّخَرُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَبِيعَهُ مِنْ بَائِعِكَ أَوْ غَيْرِهِ حَتَّى تَسْتَوْفِيَهُ إلَّا أَنْ تَقْبَلَ مِنْهُ أَوْ تَشْتَرِكَ فِيهِ أَوْ تُوَلِّيَهُ وَكَذَلِكَ كُلُّ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ عَدَا الْمَاءِ. (قَالَ مَالِكٌ) وَكُلُّ مَا اكْتَرَيْتَ بِهِ أَوْ صَالَحْت عَنْ دَمِ عَمْدٍ أَوْ خَالَعْت بِهِ مِنْ طَعَامٍ بِعَيْنِهِ أَوْ مَضْمُونًا عَلَى كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ.
(ابْنُ عَرَفَةَ) وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الطَّعَامَ غَيْرَ الرِّبَوِيِّ كَالرِّبَوِيِّ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَبَيْعُ الْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ إلَّا فِي الطَّعَامِ مُطْلَقًا بِشَرْطِ كَوْنِهِ مُعَاوَضَةً فِيمَا فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ مِنْ كَيْلٍ وَشِبْهِهِ بِخِلَافِ الْقَرْضِ، وَالْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ، وَكَذَلِكَ الْجُزَافُ عَلَى الْأَصَحِّ فَمَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا جَازَ لَهُ إقْرَاضُهُ أَوْ وَفَاؤُهُ عَنْ قَرْضٍ وَمَنْ اقْتَرَضَهُ فَإِنَّ لَهُ بَيْعَهُ اهـ وَقَدْ اشْتَمَلَ كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمُ وَكَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ هَذَا عَلَى مَسَائِلَ: الْأُولَى: أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي مَنْعِ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ رِبَوِيًّا أَوْ غَيْرَهُ وَهَذَا الَّذِي يَعْنِي ابْنُ الْحَاجِبِ بِالْإِطْلَاقِ.
الثَّانِيَةُ: كَوْنُهُ بِمُعَاوَضَةٍ احْتِرَازًا مِنْ الْقَرْضِ، وَالْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ فَيَجُوزُ لِمَنْ اشْتَرَى طَعَامًا أَنْ يُسَلِّفَهُ لِغَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ هُوَ مِنْ الَّذِي بَاعَهُ لَهُ، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ لِمُتَسَلِّفِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ إلَّا بَعْدَ قَبْضِهِ لِئَلَّا يَتَوَالَى بَيْعَانِ لَا قَبْضَ بَيْنَهُمَا، وَأَنْ يَقْضِيَ بِهِ طَعَامًا فِي ذِمَّتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْبَائِعُ أَيْضًا. وَمَنْ تَسَلَّفَ طَعَامًا جَازَ لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ مُسَلِّفِهِ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ " فَمَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا جَازَ لَهُ " إلَخْ فَقَدْ اشْتَمَلَ عَلَى ثَلَاثَةِ فُرُوعٍ وَكَذَا يَجُوزُ لِمَنْ سَلَّفَ لِغَيْرِهِ طَعَامًا أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ الْمُتَسَلِّفِ وَهَذِهِ الْفُرُوعُ الْأَرْبَعَةُ يَشْمَلُهَا قَوْلُ النَّاظِمِ " مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَرْضِ وَشُمُولُهُ لِلْأَخِيرِ مِنْهَا أَظْهَرُ. وَانْظُرْ كَيْفَ أَخْرَجُوا الْقَرْضَ مِنْ الْمُعَاوَضَةِ وَالْمُعَاوَضَةُ حَاصِلَةٌ فِيهِ.
(قَالَ الشَّارِحُ) وَفِي اقْتِصَارِ الشَّيْخِ عَلَى إخْرَاجِ الْقَرْضِ إيهَامُ أَنَّهُ فِي غَيْرِ الْقَرْضِ مِمَّا لَا عِوَضَ لَهُ فِيهِ
(1/295)

لَا يَجُوزُ وَلَوْ قَالَ إلَّا بِمِثْلِ قَرْضِ لَكَانَ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى سِوَاهُ اهـ (تَنْبِيهٌ) وَحَيْثُ جَازَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَإِنَّمَا يَجُوزُ إذَا عُجِّلَ الثَّمَنُ لِأَنَّهُ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ، وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِتَعْجِيلِ الثَّمَنِ (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كَوْنِ طَعَامِ الْغَصْبِ وَالتَّعَدِّي كَالْقَرْضِ أَوْ الْبَيْعِ نَقَلَ الْبَاجِيُّ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَحِكَايَةُ الْقَاضِي، اهـ.
" وَيَجُوزُ أَنْ تَأْخُذَ الْمَرْأَةُ الثَّمَنَ عَمَّا وَجَبَ لَهَا مِنْ الطَّعَامِ فِي نَفَقَتِهَا أَوْ نَفَقَةِ أَوْلَادِهَا مِنْ الْمَوَّاقِ " الثَّالِثَةُ: أَنَّ مَحَلَّ الْمَنْعِ الْمَذْكُورِ هُوَ فِي الطَّعَامِ الَّذِي فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ، وَهُوَ الَّذِي بِيعَ عَلَى كَيْلٍ، أَوْ وَزْنٍ، أَوْ عَدَدٍ دُونَ الْمَبِيعِ جُزَافًا فَيَجُوزُ بَيْعُهُ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَلَيْسَ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ فِي الْجُزَافِ قَوْلًا بِالْمَنْعِ. اهـ الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الطَّعَامِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا أَوْ مَضْمُونًا فِي الذِّمَّةِ كَالسَّلَمِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمَنْعِ بَيْنَ بَيْعِهِ لِبَائِعِهِ، أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ. وَأَنَّ مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا جَازَ لَهُ أَنْ يَتَقَايَلَ مَعَ بَائِعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَلَيْسَتْ الْإِقَالَةُ هُنَا بَيْعًا وَأَنْ يُشَارِكَ فِيهِ غَيْرَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. أَيْ يُوَلَّى بَعْضَهُ وَأَنْ يُوَلِّيَ جَمِيعَ مَا اشْتَرَى مِنْ الطَّعَامِ لِغَيْرِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مَا عَدَا الْمَاءَ. وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الطَّعَامِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ مِنْ كِرَاءٍ أَوْ مِنْ صُلْحٍ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ أَوْ خُلْعٍ كُلُّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ
وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِ النَّاظِمِ
وَالْبَيْعُ لِلطَّعَامِ قَبْلَ الْقَبْضِ
أَنَّ مَا عَدَا الطَّعَامَ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ.
(قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) مَا ابْتَعْتَهُ أَوْ أَسْلَمَكَ فِيهِ عَدَا الطَّعَامِ، وَالشَّرَابِ، مِنْ سَائِرِ الْعُرُوضِ عَلَى عَدَدٍ أَوْ كَيْلٍ، أَوْ وَزْنٍ فَجَائِزٌ بَيْعُ ذَلِكَ كُلِّهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَقَبْلَ أَجَلِهِ مِنْ غَيْرِ بَائِعِك بِمِثْلِ رَأْسِ مَالِكَ أَوْ أَكْثَرَ نَقْدًا أَوْ بِمَا شِئْتَ مِنْ الْأَثْمَانِ.
وَبَيْعُ مَعْلُومٍ بِمَا قَدْ جُهِلَا ... مِنْ جِنْسِهِ تَزَابُنٌ لَنْ يُقْبَلَا
يَعْنِي أَنَّ بَيْعَ الشَّيْءِ الْمَعْلُومِ الْقَدْرِ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ بِشَيْءٍ مَجْهُولِ الْقَدْرِ وَهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ يُسَمَّى بَيْعَ مُزَابَنَةٍ وَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَيْ غَيْرُ جَائِزٍ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ. (قَالَ الشَّارِحُ) : وَالزَّبِنُ وَالزِّبَانُ هُوَ الْخَطِرُ وَالْخِطَارُ اهـ وَإِذَا كَانَ فِي بَيْعِ الْمَعْلُومِ بِالْمَجْهُولِ مُخَاطَرَةٌ وَهُوَ الَّذِي فِي الْبَيْتِ فَأَحْرَى وُجُودُ الْمُخَاطَرَةِ فِي بَيْعِ مَجْهُولٍ بِمَجْهُولٍ مِنْ جِنْسِهِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُزَابَنَةِ هُوَ بَيْعُ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ كَيْلًا.» (الْمَازِرِيُّ) الْمُزَابَنَةُ عِنْدَنَا بَيْعُ مَعْلُومٍ بِمَجْهُولٍ أَوْ بَيْعُ مَجْهُولٍ بِمَجْهُولٍ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فِيهِمَا. (ابْنُ عَرَفَةَ) يَبْطُلُ. عَكْسُهُ بَيْعُ الشَّيْءِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ حَسْبَمَا يَأْتِي وَيَكُونُ فِي الرِّبَوِيِّ وَغَيْرِهِ. اهـ.
فَمِنْ الْمُزَابَنَةِ بَيْعُ ثَمَرِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا وَبَيْعُ الزَّبِيبِ بِالْعِنَبِ كَيْلًا وَبَيْعُ زَرْعٍ قَائِمٍ أَوْ مَحْصُودٍ بِكَيْلٍ مِنْ الْبُرِّ أَوْ زَيْتُونٍ فِي شَجَرَةٍ بِكَيْلٍ مِنْ الزَّيْتُونِ وَكَبَيْعِ الرُّطَبِ بِالْبُسْرِ وَالْبُسْرِ بِالتَّمْرِ، وَكَذَلِكَ رَطْبُ كُلِّ ثَمَرَةٍ بِيَابِسِهَا. (التَّوْضِيحُ) وَتَفْسِيرُهَا الْوَاقِعُ فِي الْحَدِيثِ إنَّمَا هُوَ فِي الرِّبَوِيِّ، وَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ لَا يَخْتَصُّ الرِّبَوِيَّ لِأَنَّ غَيْرَ الرِّبَوِيِّ، وَإِنْ لِمَ يَدْخُلْ تَحْتَ الْمُزَابَنَةِ فَثَمَّ عُمُومَاتٌ يَدْخُلُ تَحْتَهَا كَالنَّهْيِ عَنْ الْغَرَرِ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) فَإِنْ
(1/296)


عُلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا أَكْثَرُ جَازَ فِيمَا لَا رِبَا فِيهِ. (التَّوْضِيحُ) لِانْتِفَاءِ الْمُزَابَنَةِ إذْ ذَاكَ إذْ الْمُزَابَنَةُ الْمُدَافَعَةُ مِنْ قَوْلِهِمْ (نَاقَةٌ زَبُونٌ) إذَا مَنَعَتْ مِنْ حِلَابِهَا وَمِنْهُ الزَّبَانِيَةُ لِدَفْعِهِمْ الْكَفَرَةَ، فَكَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَدْفَعُ صَاحِبَهُ عَنْ مُرَادِهِ، وَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ الْغَالِبُ فَإِذَا عُلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا أَكْثَرُ انْتَفَى هَذَا. وَعُمُومُ قَوْلِهِ جَازَ فِيمَا لَا رِبَا فِيهِ يَشْمَلُ غَيْرَ الْمَطْعُومَيْنِ وَالْمَطْعُومَيْنِ غَيْرَ الرِّبَوِيَّيْنِ وَهُوَ مُقْتَضَى النَّظَرِ اهـ وَيَدْخُلُ فِي غَيْرِ الْمَطْعُومَيْنِ نَحْوُ حَرِيرٍ، وَكَتَّانٍ بِكَتَّانٍ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَيَدْخُلُ فِي الْمَطْعُومَيْنِ غَيْرِ الرِّبَوِيَّيْنِ الْفَوَاكِهُ، وَالْخُضَرُ يُبَاعُ الْجِنْسُ مِنْهُمَا بِجِنْسِهِ.
(تَنْبِيهٌ) بَقِيَ عَلَى النَّاظِمِ مِنْ الْمُزَابَنَةِ بَيْعُ مَجْهُولٍ بِمَجْهُولٍ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ أَحْرَى فِي الْمَنْعِ بِمَا ذَكَرَ، وَاسْتَثْنَى مَا إذَا كَثُرَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ كَثْرَةً بَيِّنَةً فَإِنَّهُ جَائِزٌ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ كَالصُّوفِ وَالْكَتَّانِ وَنَحْوِهِمَا. أَمَّا مَا يَمْتَنِعُ فِيهِ التَّفَاضُلُ كَالطَّعَامِ الرِّبَوِيِّ يُبَاعُ بِجِنْسِهِ فَيُمْتَنَعُ وَإِنْ تَبَيَّنَ الْفَضْلُ لِأَنَّهُ وَإِنْ ذَهَبَتْ الْمُزَابَنَةُ بِالْكَثْرَةِ فَقَدْ خَلَفَهَا رِبَا الْفَضْلِ وَكَذَا سَلَمُ الشَّيْءِ فِيمَا يُخْرَجُ مِنْهُ كَسَلَمِ سَيْفٍ فِي حَدِيدٍ وَغَزْلٍ فِي كَتَّانٍ فَإِنَّهُ مِنْ الْمُزَابَنَةِ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ وَلَوْ زَادَ بَعْدَ هَذَا الْبَيْتِ فَقَالَ:
كَذَاك مَجْهُولٌ بِمَجْهُولٍ عَدَا ... إنْ كَثُرَ الْفَضْلُ وَلَا مَنْعٌ بَدَا
وَسَلَمُ الشَّيْءِ بِشَيْءٍ يُخْرَجُ ... مِنْهُ تَزَابُنٌ وَذَاكَ الْمَنْهَجُ
وَبَاءُ بِشَيْءٍ " ظَرْفِيَّةٌ " وَالْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ وَذَاكَ الْمَنْهَجُ إلَى الْمَنْعِ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِ النَّاظِمِ فِي الْبَيْتِ " لَنْ يُقْبَلَا " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق