السبت، 22 نوفمبر 2014

المعاد : من كتاب الإسلام أصوله ومبادئه - د . محمد بن عبدالله بن صالح السحيم

المعـاد


من كتاب
الإسلام أصوله ومبادئه
د . محمد بن عبدالله بن صالح السحيم

كل إنسان يعلم علم اليقين أنه ميت لامحالة، ولكن ما مصيره بعد الموت؟ وهل هو سعيد أم شقي؟
إن كثيراً من الشعوب والأمم يعتقدون أنهم سيبعثون من بعد الموت ويحاسبون على أفعالهم إن خيراً فخير، وإن شراً فشر ([1])، وهذا الأمر -وهو البعث والحساب- تقر به العقول السليمة، وتؤيده الشرائع الإلهية، ومبناه على ثلاثة أصول:
1 - تقرير كمال علم الرب سبحانه.
2 - تقرير كمال قدرته سبحانه.
3 - تقرير كمال حكمته سبحانه([2]).
وقد تظافرت الأدلة النقلية والعقلية على إثباته ومن هذه الأدلة ما يلي:
1 - الاستدلال بخلق السموات والأرض على إحياء الموتى قال تعالى: {أو لم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير}([3])، وقال تعالى: {أو ليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم}([4]).
2 - الاستدال بقدرته على خلق الخلق بغير مثال سابق على قدرته على إعادة الخلق كرة أخرى، فالقادر على الإيجاد يكون أقدر على الإعادة من باب أولى، قال تعالى: {وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى}([5])، وقال جل ثناؤه: {وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم. قل يحييها الذي أنشاها أول مرة وهو بكل خلق عليم} ([6]).
3 - خلق الإنسان في أحسن تقويم بهذه الصورة المتكاملة بأعضائها وقواها وصفاتها وما فيها من اللحم والعظم والعروق والأعصاب والمنافذ والآلات والعلوم والإرادات والصناعات -فيه أعظم دليل على قدرته سبحانه على إحياء الموتى.
4 - الاستدلال بإحياء الموتى في الحياة الدنيا على قدرته سبحانه على أحياء الموتى في الدار الآخرة، وقد ورد الخبر بهذا في الكتب الإلهية التي أنزلها الله على رسله، ومن هذه الأخبار إحياء الموتى بإذن الله على يد إبراهيم والمسيح عليهم السلام، وغير ذلك كثير.
5 -      الاستدلال بقدرته على أمور تشبه الحشر والنشر بقدرته على إحياء الموتى ومن ذلك:-
أ -        خلق الله الإنسان من نطفة من مني كانت متفرقة في أنحاء البدن -ولذا تشترك جميع الأعضاء في الالتذاذ بالوقاع- فيجمع الله هذه النطفة من أنحاء البدن ثم تخرج إلى قرار الرحم فيخلق الله منها الإنسان؛ فإذاً كانت هذه الأجزاء متفرقة فجمعها وكوّن منها ذلك الشخص، فإذا افترقت بالموت مرة أخرى فكيف يمتنع عليه جمعها مرة أخرى، قال عز من قائل: {أفرأيتم ماتمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون} ([7])
ب-       أن بذور النبات على اختلاف أشكالها إذا وقعت في الأرض الندية واستولى عليها الماء والتراب، فالنظر العقلي يقتضى أن يتعفن ويفسد؛ لأن أحدهما يكفي في حصول العفونة، ففيهما جميعاً أولى، لكنه لا يفسد بل يبقى محفوظاً، ثم إذا ازدادت الرطوبة تنفلق الحبة فتخرج منها النبتة، أفلا يدل ذلك على قدرة كاملة، وحكمة شاملة؟. فهذا الإله الحكيم القادر كيف يعجز عن جمع الأجزاء وتركيب الأعضاء؟ قال تعالى: {أفرأيتم ما تحرثون. أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون}([8])، ونظير ذلك قوله تعالى: {وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج} ([9]).
6 - أن الخالق القادر العليم الحكيم يتنزه أن يخلق الخلق عبثاً، ويتركهم سدى قال جل ثناؤه: {وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما باطلاً ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار} ([10])، بل خلق خلقه لحكمة عظيمة ولغاية جليلة، قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}([11])، فلا يليق بهذا الإله الحكيم أن يستوي لديه من يطيعه ومن يعصيه قال تعالى: {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار}([12])؛ لذا كان من كمال حكمته وعظيم قهره أن يبعث الخلق يوم القيامة ليجزي كل إنسان بعمله، فيثيب المحسن ويعذب المسيء قال تعالى: {إليه مرجعكم جميعاً وعد الله حقاً إنه يبدؤا الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم} ([13]).
وللإيمان باليوم الآخر -يوم البعث والنشور- آثار كثيرة على الفرد والمجتمع، فمن آثاره: 
1 - أن يحرص الإنسان على طاعة الله رغبة في ثواب ذلك اليوم، ويبتعد عن معصيته خوفاً من عقاب ذلك اليوم.
2 - الإيمان باليوم الآخر فيه تسلية للمؤمن عما يفوته من نعيم الدنيا ومتاعها بما يرجوه من نعيم الآخرة وثوابها.
3 - وبالإيمان باليوم الآخر يعلم الإنسان أين مصيره بعد موته، ويعلم أنه ملاق جزاء عمله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وأنه سيوقف للمحاسبة، وسيقتص له ممن ظلمه، وتؤخذ حقوق العباد منه لمن ظلمهم أو اعتدى عليهم.
4 - الإيمان باليوم الآخر يردع الإنسان عن ظلم الآخرين وانتهاك حقوقهم، فإذا آمن الناس باليوم الآخر سلموا من ظلم بعضهم لبعض وحفظت حقوقهم.
5 - الإيمان باليوم الآخر يجعل الإنسان ينظر إلى الدار الدنيا على أنها مرحلة من مراحل الحياة وليست هي كل الحياة.
وفي ختام هذه الفقرة يحسن أن نستشهد بقول “وين بت” النصراني الأمريكي، الذي كان يعمل في إحدى الكنائس ثم أسلم ووجد ثمرة الإيمان باليوم الآخر، حيث يقول: (إنني الآن أعرف إجابات لأسئلةٍ أربعةٍ شغلت حياتي كثيراً، وهي: من أنا؟ وماذا أريد؟ ولماذا جئت، وإلى أين مصيري؟) ([14]).



([1]) انظر الجواب الصحيح، ج4 ص 96.
([2]) انظر الفوائد لابن القيم، ص6-7.
([3]) سورة الأحقاف، الآية 33.
([4]) سورة يس، الآية 81.
([5]) سورة الروم، الآية 27.
([6]) سورة يس، الآيتان، 78،79.
([7]) سورة الواقعة، الآية 58.
([8]) سورة الواقعة، الآيتان 63،64.
([9]) سورة الحج، الآية 5.
([10]) سورة ص، الآية 27.
([11]) سورة الذاريات، الآية 56.
([12]) سورة ص، الآية 28.
([13]) سورة يونس، الآية 4. وانظر لما تقدم الفوائد لابن القيم، ص6-9، والتفسير الكبير، للرازي، جـ2، ص 113-116.
([14]) مجلة الدعوة السعودية، عدد 1722 في 19/9/1420هـ ص 37.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق