الأربعاء، 19 نوفمبر 2014

الباب الثاني - في الحدود – الكتاب الرابع : السرقة – مقدمة– من كتاب التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي - الجزء الثاني / د . عبد القادر عودة

الباب الثاني
في الحدود
كتاب التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي

 الجزء الثاني  

الدكتور عبد القادر عودة



الكتاب الرابع
السرقة
مقدمة

595- أنواع السرقة: السرقة فى الشريعة الإسلامية نوعان:
(1) سرقة عقوبتها حد. ... ... (2) سرقة عقوبتها التعزير.
والسرقة المعاقب عليها بالحد نوعان:
أ - سرقة صغرى ... ب - سرقة كبرى.
فأما السرقة الصغرى فهى أخذ مال الغير خفية أى على سبيل الاستخفاء (1) .
أما السرقة الكبرى فهى أخذ مال الغير على سبيل المغالبة, وتسمى السرقة الكبرى حرابة. وسنفصل القول فيها فيما بعد.
والفرق بين السرقة الصغرى والسرقة الكبرى هو أن السرقة الصغرى يؤخذ فيها المال دون علم المجنى عليه ودون رضاه, ولابد لوجود السرقة الصغرى من توفر هذين الشرطين معاً فإذا لم يتوفر أحدهما فلا يعتبر الفعل سرقة صغرى, فمن سرق من دار متاعاً على مشهد من صاحب الدار دون استعمال القوى والمغالبة لا يعتبر فعله سرقة صغرى وإنما يعتبر فعله اختلاساً, ومن خطف مالاً من آخر لا يعتبر فعله سرقة صغرى وإنما يعتبر فعله خطفاً أو نهباً, والاختلاس والغصب والنهب كلها صور من صور السرقة ولكن لا حد فيها, ومن أخذ متاعاً من دار برضاء صاحبها وفى غير حضوره لا يعتبر سارقاً.
أما السرقة الكبرى فيأخذ فيها المال بعلم المجنى عليه
_________
(1) حاشية ابن عابدين ج3 ص265, بدائع الصنائع ج7 ص65, شرح فتح القدير ج4 ص219, الروض النضير ج4 ص228, نهاية المحتاج ج7 ص418, أسنى المطالب ج14 ص137, المغنى ج10 ص239, كشاف القناع ج4 ص77, المحلى ج11 ص337, مواهب الجليل ج6 ص305.
(2/514)

ولكن بغير رضاه وعلى سبيل المغالبة. فإن لم تكن مغالبة فالفعل اختلاس أو غصب أو نهب ما دام الرضاء غير متوافر.
596- السرقة المعاقب عليها بالتعزير: هى نوعان: أولهما: يدخل فيه كل سرقة ذات حد لم تتوفر شروط الحد فيها أو درأ فيها الحد للشبهة كأخذ مال الابن وأخذ المال المشترك, ويستوى أن تكون السرقة فى الأصل صغرى أو كبرى. وثانيهما: هو أخذ مال الغير دون استخفاء؛ أى بعلم المجنى عليه وبدون رضاه وبغير مغالبة, ويدخل تحت هذا النوع الاختلاس والغصب والنهب, مثل أن يأخذ السارق ملابس آخر خلعها ووضعها بجواره ثم يهرب بها على مرأى من المجنى عليه, ومثل أن يخطف شخص من آخر ورقة مالية كان يمسكها بين أصابعه. وهذا النوع من السرقة لا حد فيه أى لا قطع فيه لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "لا قطع على نباش ولا منتهب ولا خائن", ولا تخرج السرقات فى الشريعة الإسلامية عن هذه الأنواع الأربعة, ويطلق الفقهاء عادة لفظ السرقة دون تمييز على السرقة الصغرى, وإذا تكلموا على السرقة وأحكامها فإنما يقصدون السرقة الصغرى بينما يسمون السرقة الكبرى الحرابة أو قطع الطريق, أما ما عدا ذلك من نهب وغصب واختلاس فيطلقون عليه لفظ الاختلاس بصفة عامة.
والسبب الذى دعا الفقهاء إلى إطلاق لفظ السرقة على السرقة الصغرى دون تمييز أن عقوبتها قطع اليد, وأن أكثر السرقات تقع على سبيل الاستخفاء أى تقع سرقة صغرى. والقاعدة العامة التى يسير عليها الفقهاء أنهم يعنون عناية تامة بالجرائم المعاقب عليها بحد أو قصاص, فيبينون أركانها وشروطها ويفصلون أحكامها ولا يتركون صغيرة ولا كبيرة إلا بينوا حكمها. أما الجرائم المعاقب عليها بالتعزير فلا يعنون بها تلك العناية ولا يتعرضون إلا للمهم منها, وما يتعرضون له يكتفون ببيان أحكامه مجملة, وإن كانوا قد عنوا بالتعازير عامة فيما يختص بأنواع العقوبات وحد كل عقوبة وسلطة القاضى وولى الأمر. ولعل عذر الفقهاء فى أخذهم بهذه الطريقة أن أكثر جرائم التعزير يترك لأولى الأمر تحديد الأفعال المكونة لها
(2/515)

والعقوبات التى تقع على مرتكبيها, وأن هذه الجرائم يختلف النظر إليها باختلاف البلدان ونوع الحكومات, فكان من المعقول أن لا يهتم بتفصيل أحكام الجرائم التعزيرية كما تفصل أحكام الجرائم الثابتة وهى جرائم الحدود والقصاص, خصوصاً وأن فكرة تجميع الأحكام التشريعية والأفعال المحرمة فى مجامع تنشر على الناس لم تكن ظهرت بعد.
ويجب أن نلاحظ أن الفقهاء حين يتكلمون على السرقة الصغرى يتناول كلامهم بالضرورة السرقة المعاقب عليها بالتعزير بنوعيها, إذ النوع الأول ليس إلا سرقة فيها الحد تخلف فيها شرط من شروط الحد, ولأن النوع الثانى وهو ما يطلق عليه الاختلاس ولا يختلف عن السرقة الصغرى إلا فى بعض الشروط التى يجب توفرها فى السرقة دون الاختلاس, فكان الكلام على السرقة شاملاً للاختلاس فكل سرقة صغرى إذا انتفت بعض شروطها تصبح اختلاساً.
ويمكننا أن نحصر أوجه الخلاف بين السرقة الصغرى والاختلاس فيما يأتى:
1- عقوبة السرقة القطع وعقوبة الاختلاس التعزير.
2- الركن المادى فى السرقة الأخذ على سبيل الاستخفاء, وفى الاختلاس الأخذ دون استخفاء.
3- يشترط فى السرقة أن سكون المسروق فى حرز ولا يشترط ذلك فى الاختلاس.
4- يشترط فى السرقة أن يبلغ المسروق نصاباً معيناً ولا يشترط ذلك فى الاختلاس.
ونستطيع بعد معرفة الفرق بين السرقة والاختلاس أن نقول بأن أحكام الاختلاس فى الشريعة تكاد تكون نفس أحكام القانون المصرى فى السرقات المعتبرة جنحاً, وإذا كان ثمة فرق بين الشريعة والقانون فى بعض الحالات كما فى حالة اعتبار القانون للاختلاس الحاصل على متعهد النقل سرقة وعدم اعتباره خيانة أمانة كما هو الحال فى الشريعة فإن القانون يجب اتباعه فى هذه الحالة لأن الجريمة من الجرائم التعزيرية وهى محرمة اعتبرت فى تكييفها سرقة أو خيانة أمانة, ولولى
(2/516)

الأمر سلطة كبرى فى تحديد عقوبات الجرائم التعزيرية فإذا عاقب عليها بعقوبة السرقة فإن أمره يجب أن يطاع.
وإذا قارنا الشريعة الإسلامية بالقانون المصرى فيما يختص بالسرقات وجدنا أن الشريعة تعاقب على نفس الأفعال التى يعاقب عليها القانون باعتبارها سرقة, فالشريعة تعاقب على أخذ المال خفية (السرقة الصغرى) , وعلى أخذه مغالبة أى بإكراه وتهديد فى طرق العامة وغيرها (السرقة الكبرى أو الحرابة) , وعلى أخذه بغير استخفاء وبغير مغالبة (الاختلاس) , وكذلك القانون يعاقب على اختلاس المال سواء كان الاختلاس بعلم المجنى عليه أو بغير علمه, أى سواء أخذ خفية أو غير خفية, ما دام ذلك دون رضاه وبغير إكراه, ويعتبر القانون الأفعال التى من هذا النوع جنحاً, كذلك يعاقب القانون على الاختلاس مغالبة أى بإكراه أو تهديد فى الطرق العمومية وغيرها وتعتبر الأفعال التى من هذا النوع جنايات.
ولقد كانت القوانين الوضعية تعاقب حتى الثورة الفرنسية على اختلاس منفعة الشىء على اختلاس حق حيازته, على اعتبار أن اختلاس المنفعة واختلاس الحيازة سرقة, كذلك كانت هذه القوانين تخلط بين السرقة والتبديد والغصب وتعتبرها جميعاً سرقة متأثرة فى ذلك بأحكام القانون الرومانى الذى أخذت عنه, أما الشريعة الإسلامية فإنها على قدمها وقد وجدت من أكثر من ثلاثة عشر قرناً لم تخلط بين سرقة الشىء والانتفاع به أو استرداد حيازته, ولم تخلط بين السرقة وبين الجرائم الأخرى الواقعة على الأموال كالغصب والتبديد.
وسنرى عندما نستعرض الأفعال المكونة لجريمة السرقة على وجه التفصيل أنها لا تختلف شيئاً عما وصلت إليه أرقى القوانين الوضعية الحديثة, ولست أريد من هذا أن أبين للناس مدى دقة فقه الشريعة وصفاته وإنما أريد أن أبين للناس أن القانون الوضعى حين يتطور مرة بعد مرة إنما يسير فى أثر الشريعة ويأخذ بمبادئها. وحين يقال إنه وصل إلى الكمال يكون قد أوشك
(2/517)

أن يبلغ فقط بعض ما بلغته الشريعة, وأن اليوم الذى تأخذ فيه القوانين الوضعية عن الشريعة قد أصبح قريباً جداً وأقرب مما يظن أكثر الناس.
* * *


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق