السبت، 15 نوفمبر 2014

النكول عن اليمين وردها - من كتاب التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي - الجزء الثاني - الدكتور عبد القادر عودة

النكول عن اليمين وردها

من كتاب التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي

الجزء الثاني  

 الدكتور عبد القادر عودة 

472 - اختلف الفقهاء فى اعتبار النكول عن اليمين طريقًا من طرق الإثبات، فرأى بعضهم أن المدعى إذا لم يقم بينة على ما ادعاه ولم يقر المدعى عليه كان على المدعى عليه أ، يحلف على نفى المدعى به، فإن نكل عن الحلف قضى للمدعى بما يدعيه بنكول المدعى عليه، وهذا هو رأى أبى حنيفة والمشهور من مذهب أحمد. ورأى البعض أن نكول المدعى عليه لا يكفى وحده لثبوت المدعى به، بل ترد اليمين على المدعى فإن حلف اليمين المردودة قضى له بما يدعيه، وهذا هو مذهب مالك والشافعى، وقد صوبه أحمد فقال: ما هو ببعيد يحلف ويستحق، وعلى هذا لا تكون الدعوى ثابتة بالنكول وإنما باليمين المردودة (2) .
473 - واختلف الفقهاء بعد ذلك فيما إذا كان يمكن الحكم بالنكول واليمين المردودة فى الجرائم، فرأى مالك أنه لا يجوز الحكم باليمين المردودة فى الجرائم سواء كانت حدودًا أو قصاصًا أو تعازير، وسواء أوجبت عقوبة بدنية أو عقوبة مالية، وعلى هذا فإذا لم تكن بينة ونكل المتهم عن الحلف فلا ترد اليمين على المدعى لأن حلفها ليس له أثر (3) .
474 - ويرى الشافعى: أنه يحكم باليمين المردودة فى الجرائم المتعلقة بحقوق الآدميين كالقتل والضرب والشتم، سواء كانت العقوبة قصاصًا أو دية أو تعزيرًا، وكذلك فى جرائم التعازير المتعلقة بالأمور العامة كطرح الحجارة فى الطريق
_________
(1) الطرق الحكمية ص 3، 4..
(2) المغنى ج12 ص124، الطرق الحكمية ص 84 وما بعدها، طرق الإثبات الشرعية ص 438، 459 أسنى المطالب ج4 ص 404 وما بعدها، تبصرة الحكام ج1 ص 169..
(3) تبصرة الحكام ج1 ص 174 وما بعدها..
(2/341)

وإفساد الآبار، أما فى جرائم الحدود فالقاعدة ألا يحكم فيها باليمين المردودة إلا فى بعض الحالات الاستثنائية (1) .
475 - ويرى أبو حنيفة وصاحباه: القضاء بالنكول ولكنهم اختلفوا فى تفسير النكول، فقال أبو حنيفة: إنه بذل من جهة المدعى عليه، وقال الصاحبان: إنه قرار، وقد أدى هذا الخلاف إلى اختلافهم فى بعض المسائل، ويمكن تلخيص رأى الأحناف فيما يختص بالقضاء بالنكول فى الجرائم فيما يأتى:
1 - فى جرائم الحدود واللعان لا يستحلف المنكر اتفاقًا: إما على قوله فلان البذل لا يصح فى شئ منها، وإما على قولهما فلان النكول إقرار فيه شبهة لأنه هو فى نفسه سكوت أو تصريح بالامتناع عن اليمين والحدود تدرأ بالشبهات، واللعان فى معنى الحد لأنه قائم مقام حد القذف فى حق الزوج وقائم مقام حد الزنا فى حق المرأة.
2 - فىجرائم القصاص والدية: إذا كانت الجريمة توجب المال صح التحليف فيها والحكم بالنكول اتفاقًا، لأن الأموال يصح فيها البذل من جهة، وتثبت بالإقرار مطلقًا من جهة أخرى.
أما إذا كانت الجريمة مما يوجب القصاص استحلف المدعى عليه باتفاق غير انه إذا نكل عن اليمين لزمه القصاص على قول أبى حنيفة لأنه بذل، وبذل ما دون النفس جائز كما تقدم. وأما على قولهما فلا قصاص بل يلزمه الأرش لأن النكول عندهما إقرار فيه شبهة.
476 - وإذا كان النكول عن اليمين فى الجناية على النفس حبس حتى يحلف أو يقر على قول أبى حنيفة لتعذر القضاء بالنكول، إذ النفس لا يصح فيها البذل. وعلى قولهما يحكم عليه بالدية بنكوله لأن النكول إقرار فيه شبهة (2) .
3 - فى جرائم التعازير: يصح طبقًا لرأى الصاحبين الحكم فيها بالنكول
_________
(1) أسنى المطالب ج4 ص 403، 406 ونفس المرجع ص 104، المغنى ج 10 ص 7.
(2) طرق الإثبات الشرعية ص 438، 443..
(2/342)


لأن النكول إقرار لا شبهة فيه فى التعازير إذ الإقرار فيها لا يجوز العدول عنه، ويصح طبقًا لرأى أبى حنيفة الحكم فى هذه الجرائم بالنكول إذا أوجبت عقوبة مالية لأن المال مما يصح بذله، أما إذا أوجبت عقوبة بدنية فلا يصح الحكم بالنكول، وهذا هو قياس رأى أبى حنيفة وصاحبيه.
وفى مذهب أحمد رأيان: أولهما: أنه لا يقضى بالنكول إلا فى المال، فأما غير المال وما لا يقصد به المال فلا يقضى فيه بالنكول (1) .
ومقتضى هذا الرأى لا يحكم بالنكول فى جرائم الحدود ولا فى جرائم التعازير التى توجب المال، ويحكم فى جرائم القصاص والدية بالنكول على أن تكون العقوبة مالية.
والرأى الثانى: يرى الحكم بالقصاص على الناكل إذا كان القصاص فيما دون النفس (2) .
* * *


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق