الأربعاء، 19 نوفمبر 2014

الباب الثاني - في الحدود – الكتاب الثالث : الشرب – المبحث الأول : أركان الجريمة – من كتاب التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي - الجزء الثاني / د . عبد القادر عودة


الباب الثاني
في الحدود
كتاب التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي

 الجزء الثاني  

الدكتور عبد القادر عودة
الكتاب الثالث
الشرب


المبحث الأول
أركان الجريمة
لجريمة الشرب ركنان: الأول الشرب الثانى: القصد الجنائى.
الركن الأول: الشرب
582 - يتوفر هذا الركن عند مالك والشافعى وأحمد كلما شرب الجانى شيئًا مسكرًا، ولا عبرة باسم المشروب ولا بالمادة التى استخرج منها، فيستوى أن يكون المشروب مستخرجًا من العنب أو البلح أو القمح أو الشعير أو القصب أو التفاح أو أى مادة أخرى، كذلك لا عبرة بقوة الإسكار فى المشروب فما أسكر كثيره فقليلة حرام ولو كان لا يؤدى فعلا للإسكار، فإذا كان المشروب لا يسكر منه الإنسان عادة إلا إذا شرب عشرة أقداح أو أكثر، فالقدح الواحد محرم ولو أنه لا يسكر فعلًا وبعض القدح محرم كذلك فيتوفر ركن الشرب بشرب القليل أو الكثير مادام الكثير من المشروب يؤدى إلى الإسكار، فإذا كان الكثير من الشراب لا يؤدى للسكر فهو غير محرم (1) .
ولا يتوفر ركن الشرب عند أبى حنيفة إلا إذا كان المشروب خمرًا، وقد علمنا فيما سبق معنى الخمر عنده، فإن لم يكن المشروب خمرًا لم يتوفر ركن الشرب ولو كان الشرب مسكرًا ولو أدى للسكر فعلا (2) .
_________
(1) شرح الزرقانى ج8 ص112، أسنى المطالب ج4 ص 158، المغنى ج10 ص 328.
(2) بدائع الصنائع ج5 ص 112، 118 شرح فتح القدير ج4 ص 181 وما بعدها.
(2/501)

ومن المتفق عليه أنه لا يشترط لتوفر ركن الشرب أن يؤدى الشرب للسكر، فيكفى لقيام الجريمة مجرد الشرب ولو كان من المستحيل أن تؤدى الكمية التى شربت للسكر لأن الشرب محرم لعينه (1) .
ولا عقاب إذا لم يكن المشروب مسكرًا أصلا ولو شرب على أنه مسكر، وإن كان الشارب يأثم فيما بينه وبين ربه.
ويشترط أن تكون المادة المسكرة مشروبًا، فإن لم تكن كذلك فلا حد فيها وإنما فيها التعزير كالحشيش والداتورة (2) .
ويحد على الشرب ولو أن المادة المسكرة دخلت الفم أو الجوف على غير هيئة الشراب، فخلط المسكر بالطعام أو عجنه به (3) .
وتعتبر المادة المسكرة ولو خلطت بماء ما دامت مميزاتها محفوظة من رائحة ولون وطعم وتأثير، فإن خلطت بماء حتى زالت كل مميزاتها زوالا تامًا فلا يعتبر الخليط مسكرًا وإنما هو ماء عند أبى حنيفة والشافعى وأحمد (4) . والراجح فى مذهب مالك تحريم المخلوط ولو استهلك فيه المسكر (5) . ويكفى لاعتبار الجانى شاربًا أن يصل المشروب إلى حلقة ومن باب أولى إلى جوفه، فإن لم يصل المشروب إلى الحلق كأن تمضيض به ثم مجه فلا يعتبر شاربًا (6) .
ويشترط المالكية والحنيفة أن تصل الخمر إلى الجوف عن طريق الفم، فإن وصلت عن غير هذا الطريق كالأنف أو الشرج مثلًا درئ الحد للشبهة، على أن
_________
(1) بدائع الصنائع ج5 ص 112، شرح الزرقانى ج8 ص 113، أسنى المطالب ج4 ص 158، المغنى ج10 ص 328.
(2) شرح الزرقانى ج8 ص112، 114، حاشية ابن عابدين ج3 ص 224، نهاية المحتاج ج8 ص 12.
(3) الإقناع ج4 ص 267، المغنى ج10 ص 330.
(4) الإقناع ج4 ص 267، المغنى ج10 ص 330.
(5) المغنى ج10 ص 330.
(6) أسنى المطالب ج4 ص159، حاشية ابن عابدين ج3 ص 328، 329 نهاية المحتاج ج8 ص 10.
(2/502)

درء الحد لا يمنع من التعزير (1) .
وفى مذهب الشافعى ثلاثة آراء أحدها كرأى المالكى، والثانى: يحد ولو لم تصل الخمر للجوف عن طريق الفم كما لو استعط أو احتقن، والثالث: يحد فى السعوط دون الحقنة (2) .
وفى مذهب أحمد رأيان: أن ما وصل عن طريق الحلق فيه الحد كالشرب والاستعاط، وما وصل عن طريق الشرج فلا حد فيه. والرأى الثانى يوجب الحد فى الحالين (3) . ويعتبر شاربًا من شرب الخمر أو المسكر لدفع العطش وهو يستطيع استعمال الماء، وكن من يشرب مضطرًا لدفع غصته لا حد عليه للاضطرار لقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] وكذلك حكم من أكره على الشرب سواء كان الإكراه ماديًا أو أدبيًا لقول النبى عليه الصلاة والسلام: "عفى لأمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"، واختلف فيمن شرب لدفع عطش مهلك، فمذهب أبى حنيفة وهو يتفق مع الرأى الراجح فى مذهب مالك والشافعى أن لا حد على الشارب (4) .
أما أحمد فيفرق بين ما إذا شربها الشارب صرفًا أو ممزوجة بشىء يسير لا يروى من العطش، ففى هذه الحالة على الشارب الحد، أما إذا شربها ممزوجة بما يروى من العطش أبيح الشرب لدفع الضرورة (5) .
وفى التداوى بالخمر خلاف، فالرأى الراجح فى مذهب مالك والشافعى أن التداوى بالخمر فيه الحد إذا شربها المريض، أما إذا استعملها لطلاء جسمه فلا حد؛ لما روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من تداوى بالخمر فلا شفاه الله"،
_________
(1) أسنى المطالب ج4 ص159، المغنى ج10 ص 329، شرح الزرقانى ج8 ص 114.
(2) بدائع الصنائع ج5 ص 113، أسنى المطالب ج4 ص159، الإقناع ج4 ص 267.
(3) شرح الزرقانى ج8 ص 114.
(4) الإقناع ج4 ص 267، المغنى ج10 ص332، شرح الزرقانى ج8 ص 112.
(5) شرح الزرقانى ج8 ص 112، بدائع الصنائع ج7 ص 40.
(2/503)

"إن الله لم يجعل شفاء أمتى فيما حرم عليها" (1) . ويرى أبو حنيفة إباحة الشرب للتداوى، أما أحمد فيحرمه ويرى فى الشرب للتداوى الحد (2) .
السكر
583 - لا وجود لحد السكر إلا إذا كان الشرب مباحًا، والسكر هو المحرم كما هو الحال عند غير المسلمين أو كما يقول أبو حنيفة وأصحابه فى غير الخمر، فإن كان الشرب غير مباح فالحد حد الشرب لا حد السكر ولو أدى الشرب إلى السكر فعلا.
فالسكر إذا درجة تأتى بعد الشرب وهى نتيجة له، ولذلك يجب أن تتوفر فى جريمة السكر أركان جريمة الشرب وأن يؤدى الشرب بعد ذلك إلى السكر، فإن لم يؤد للسكر فلا حد على الشرب ولا على السكر ولو قصد الجانى أن يشرب ليسكر.
ويحد الجانى على السكر إذا شرب المادة المسكرة وهو عالم بأن كثيرها مسكر ولو شرب منها قليلا ما دام أن الشرب قد أدى فعلا للسكر، ويحد كذلك ولو لم يقصد من الشرب السكر ما دام قد سكر وذلك أخذًا بقصده الاحتمالى إذ كان عليه أن يتوقع أن الشرب ربما أدى للسكر (3) . واختلف فى بيان السكر المستوجب للحد، فرأى أبو حنيفة أن السكران هو من فقد عقله فلم يعد يعقل قليلًا لا وكثيرًا ولا يميز الأرض من السماء ولا الرجل من المرأة (4) .
ويرى أبو يوسف ومحمد أن السكران هو الذى يغلب على كلامه الهذيان وحجتهما قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاة َ وأَنتُمْ سُكَاَرَى حَتَّى تََعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] فمن لم يعلم ما يقول فهو سكران، ورأيهما يتفق مع رأى بقية الأئمة (5) .
* * *
_________
(1) نهاية المحتاج ج8 ص 11.
(2) المغنى ج 10ص 329.
(3) شرح فتح القدير ج4 ص 183.
(4) بدائع الصنائع ج5 ص118.
(5) المغنى ج10 ص335.
(2/504)

الركن الثانى: القصد الجنائى
584 - يتوفر القصد الجنائى عند الفاعل كلما أقدم على الشرب عالمًا أنه يشرب خمرًا أو مسكرًا، فإن شرب المادة المسكرة وهو لا يعلم أن كثيرها مسكر فلا حد عليه ولو سكر فعلا. كذلك لا حد إذا شرب مادة مسكرة وهو يظنها مادة أخرى لا تسكر، ولا عقاب على الفاعل فى هذه الحالة ولو تبين أن الشرب كان نتيجة لخطأ جسيم أو لعدم الاحتياط؛ لأن الجريمة عمدية فيشترط فيها تعمد الفعل.
ويعتبر القصد الجنائى غير متوفر إذا كان الجانى يجهل تحريم الشرب، ولو كان يعلم أن المشروب مسكر، ولكن لا يقبل الجهل ممن نشأ فى بلاد المسلمين لأن نشأته بينهم تجعل العلم بالتحريم مفروضًا فيه، أما من نشأ فى بلاد غير إسلامية فيقبل منه الادعاء بالجهل إذا ثبت أنه يجهل حقيقة تحريم الشرب، ويرى مالك جواز الاحتجاج بجهل العقوبة (1) .
ويقبل الادعاء بجهل التحريم لكن لا يقبل منه الادعاء بجهل العقوبة (2) .
عقوبة الشرب
585 - يعاقب على الشرب بالجلد ثمانين جلدة عند مالك وأبى حنيفة، وهو رواية عن أحمد. ويرى الشافعى وقوله رواية أخرى عن أحمد أن الحد أربعون جلدة فقط، ولكن لا بأس عنده من ضرب المحدود ثمانين جلدة إذا رأى الإمام ذلك، فيكون الحد أربعين وما زاد عليه تعزير. ويعاقب على السكر عند أبى حنيفة بنفس عقوبة الشرب فالحد عنده مقرر للسكر والشرب معًا.
_________
(1) شرح الزرقانى ج8 ص 113.
(2) بدائع الصنائع ج7 ص 40، شرح فتح القدير ج4 ص 183، نهاية المحتاج ج8 ص 10، شرح الزرقانى ج8 ص 113، المغنى ج10 ص 331، الإقناع ج4 ص 267.
(2/505)

سبب اختلاف الفقهاء فى مقدار الحد أن القرآن لم يحدد العقوبة وأن الروايات لا تقطع بإجماع الصحابة على رأى فى حد الخمر، فالقرآن وإن كان قد حرم الخمر فإنه لم يعين لها حدًا، كما أن النبى - صلى الله عليه وسلم - لم يعين للخمر حدًا فكان يضرب فيها القليل والكثير ولكنه لم يزد عن أربعين، وجاء أبو بكر وضرب فى الخمر أربعين، وروى عن أبى بكر أنه سأل أصحاب الرسول كم بلغ ضربه لشرب الخمر، فقدوره بأربعين وروى عن أبى سعيد الخدرى وعن على أن النبى - صلى الله عليه وسلم - ضرب فى الخمر أربعين. فلما جاء زمن عمر رضى الله عنه تحير أمر الناس على شرب الخمر، فاستشار عمر الصحابة فى حد الخمر فقال عبد الرحمن بن عوف: اجعله كأخف الحدود ثمانين، فضرب عمر ثمانين وكتب به إلى خالد وأبى عبيدة بالشام. وروى أن عليًا رضى الله عنه قال فى المشورة: نرى أن نجلده ثمانين، فإنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هَذَى، وإذا هذى افترى وعلى المفترى ثمانون. وقد روى عن معاوية بن حصين بن المنذر الرقاش أنه قال: شهدت عثمان رضى الله عنه وقد أُتى بالوليد بن عقبة فشهد عليه حمران ورجل آخر فشهد أنه رآه يشرب الخمر وشهد الآخر أنه رآه يتقيؤها، فقال عثمان: إنه لم يتقيأها حتى شربها، فقال لعلى: أقم عليه الحد، فقال على لعبد الله ابن جعفر: أقم عليه الحد فأخذ السوط وجلده، وعلىُّ يعد إلى أن بلغ أربعين قال حسبك، جلد النبى - صلى الله عليه وسلم - أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وجلد عمر ثمانين، وكل سنة وهذا أحب إلىَّ.
وكذلك روى عن على ٍّ رضى الله عنه أنه قال: ما كنت لأقيم حدًا على أحد فيموت فأجد فى نفسى منه شيئًا إلا صاحب الخمر ولو مات وديته؛ لأن النبى - صلى الله عليه وسلم - لم يسنه لنا.
فمن رأى من الفقهاء أن حد الخمر ثمانون اعتبر أن الصحابة أجمعوا على هذا, والإجماع مصدر من المصادر التشريعية, ومن رأى أن الحد أربعون احتج بما فعله على من جلد الوليد بن عقبة أربعين جلدة, وقوله: جلد النبى أربعين وأبو بكر أربعين وعمر ثمانين وكل سنة، وهذا أحب إلى. ويرى أصحاب هذا الرأى
(2/506)

أن فعل النبى - صلى الله عليه وسلم - حجة لا يجوز تركه بفعل غيره، وأن الإجماع لا ينعقد على ما يخالف فعل النبى وأبى بكر وعلى، ويحملون الزيادة من عمر على أنها تعزير يجوز إذا رآه الإمام (1) .
والأصل فى الحدود أنها لا تقبل عفواً ولا صلحاً ولا إسقاطاً إذا كانت من حقوق الله الخالصة، ولما كان حد الشرب من حقوق الله الخالصة فليس للأفراد أو الجماعة إسقاطه أو العفو عنه، على أننا إذا اعتبرنا رأى الشافعى فى أن الحد أربعون جلدة فقط وأن مازاد على ذلك تعزير فإنه يجوز لولى الأمر أن يعفو عن العقوبة المعتبرة تعزيراً كلها أو بعضها؛ لأن الشريعة تجعل لولى الأمر أن يعفو عن العقوبة فى جرائم التعزير، أما الجزء المعتبر حداً فلا يمكن إسقاطه ولا العفو عنه.
ومن المتفق عليه أن العقوبة لا تنفذ على السكران حتى يفيق؛ لأن العقوبة جعلت للتأديب والزجر، والسكران لا يشعر تماماً بما يحدث له (2) .
ويرى البعض أنه إذا جلد قبل الإفاقة أجزأ واعتد به، ويرى البعض أن يعاد الحد ولا يقيد بالتنفيذ الحادث وقت السكر، ويفرق البعض بين ما إذا كان عنده ميز أم لا، فإن كان عنده ميز وقت الجلد ولو كان قبل صحوه، وأما إن كان طافحاً أعيد عليه الحد، وإن لم يحس فى أوله وأحس فى أثنائه حسب له من أول إحساسه بالضرب (3) .
586- التداخل: إذا تعددت جرائم الشرب والسكر قبل تنفيذ الحكم فى إحداها تداخلت عقوبات هذه الجرائم، سواء حكم بها أولم يحكم بها ما دامت
_________
(1) المغنى ج10 ص329، شرح فتح القدير ج4 ص185، أسنى المطالب ج4 ص160، شرح الزرقانى ج8 ص113.
(2) شرح فتح القدير ج4 ص158، شرح الزرقانى ج8 ص113، أسنى المطالب ج4 ص160، المغنى ج10 ص335.
(3) شرح الزرقانى ج8 ص113، أسنى المطالب ج4 ص160.
(2/507)

كلها قد وقعت قبل تنفيذ إحدى العقوبات واكتفى فيها بتنفيذ عقوبة واحدة، فإذا وقعت جريمة أخرى بعد تنفيذ العقوبة وجبت لها عقوبة خاصة.
والتداخل يكون من ثلاثة وجوه:
أولاً: تتداخل عقوبات الشرب كما تتداخل عقوبات السكر المتعدد إلى الوقت الذى تنفذ فيه إحداها.
ثانياً: تتداخل عقوبة السكر مع عقوبة الشرب، فلو سكر ذمى ثم أسلم قبل تنفيذ العقوبة وشرب تداخل حد السكر مع حد الشرب، وكذلك الحال عند الحنفية فإن حد السكر يتداخل مع حد الشرب، فلو سكر شخص ثم شرب قبل تنفيذ عقوبة السكر اكتفى بتنفيذ عقوبة واحدة.
ثالثاً: يتداخل حد الشرب مع حد القتل سواء كان القتل من حدود الله أو حقاً لآدمى، كما لو شرب وزنا وهو محصن أو شرب وقتل شخصاً، فلا تنفذ إلا عقوبة القتل التى تجب عقوبة الشرب؛ لأن كل عقوبة يقصد بها التأديب والزجر ولا حاجة مع القتل للزجر ولا فائدة فى تنفيذ ما دون القتل، وإذا انعدمت الفائدة التى شرع الحد من أجلها أصبح تنفيذه غير مشروع.
وهذا هو رأى مالك وأبى حنيفة وأحمد (1) .
أما الشافعى فيرى أن عقوبة القتل لا تجب ما دونها ويجب تنفيذ العقوبات كلها، فمثلاً إذا شرب شخص وسرق وزنا وهو محصن جلد للشرب وقطع للسرقة ثم قتل بعد ذلك (2) .
ولا يتداخل حد الشرب عند أبى حنيفة وأحمد مع أى عقوبة أخرى إلا مع عقوبة القتل، ولكن مالكاً يرى أن حد الشرب يتداخل مع القذف لأن موجبهما واحد، والقاعدة عنده: تتداخل الحدود كلما اتحدت موجباتها (3) .
587- كيفية تنفيذ الجلد: ينفذ الجلد على الوجه الذى سبق ذكره فى تنفيذ الجلد فى الزنا، ويرى البعض أن المحدود فى الخمر لا يجرد من ملابسه لأن
_________
(1) شرح الزرقانى ج8 ص108، شرح فتح القدير ج4 ص209، بدائع الصنائع ج7 ص63، المغنى ج10 ص321 وما بعدها.
(2) أسنى المطالب ج4 ص157.
(3) شرح الزرقانى ج8 ص108.
(2/508)

حد الخمر من أخف الحدود فوجب إبقاء ملابسه عليه إظهاراً لتتخفيف، ولكن الرأى الراجح هو أن لا فرق فى التنفيذ بين حد الخمر وغيره وأن الشارع أظهر التخفيف فى نقصان عدد الجلدات (1) .
ويرى البعض أنه إذا اجتمعت حدود لله من أجناس مختلفة أخر حد الشرب عنها جميعا لأنه ثابت بما لا يتلى (2) . وهو رأى أبى حنيفة، ولكن البعض يرى تقديم حد الشرب على غيره على أنه إذا تأخر فليس للتأخير أثر ما ووقع الموقع (3) ، وهذا هو رأى الشافعى وأحمد لأنهما يريان تقديم الأخف على الخفيف، أما مالك فيستوى عنده أن يقدم الأخف أو الأشد ولولى الأمر أن يبدأ بأيهما أراد (4) .
* * *

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق