السبت، 20 ديسمبر 2014

أيها الظالم..... أتق الله !!...


بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الظالم..... أتق الله !!...


المحامي : محمد قايد محمد الصايدي - اليمن

كثيرا ما نرى العديد من أنواع الظلم ترتكب على الواقع كل يوم وبصورة مستمرة ودائمة, سواء من القاضي أو من الوزير أو أحد من وكلائه أو من المحافظ  أو من أحد وكلائه أو من المدير العام في إحدى المؤسسات الحكومية, أو من المحكم أو من المحامي أو من الشخص الظالم لنفسه أو الظالم لزوجته أو لأبنائه أو لبناته أولأبويه أولأخوانه أولأخواته أو لأحد أقاربه أو لغيرهم من الناس سواء من اليتامى أو الضعفاء أوالفقراء أوالمساكين أو الأرامل, ولا ننطق في وجه ذلك الظالم حتى بكلمة واحدة, ولا نقول له, أتق الله أيها الظالم, فإن الظلم ظلمات يوم القيامة..
ولا نذكره بآيات الله سبحانه وتعالى التي حرم الله عزوجل فيها الظلم بأنواعه وصوره وحذرنا من ارتكابه مبيناً لنا أن جزاء الظالمين في الدنيا والأخرة هو العذاب الشديد, وأنه كان سبباً في هلاك العديد من الأمم الماضية, وأن الله سبحانه وتعالى لن يدع الظالم يفلت دون عقاب في الدنيا وعذاب في الأخرة, منها قوله تعالى (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ ) وقوله تعالى ( فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيراً) سورة النساء160 , وقوله جلا وعلا (ذلك إن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون) سورة الأنعام131, وقوله سبحانه تعالى (وما كان ربك مهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون) سورة هود 117, وقوله تعالى (وكذلك اخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد) هود:102 ,وقوله جلا وعلا (الذين أمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) الانعام82 , وقوله تعالى {وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين.* ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل.* إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم. ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور.* ومن يضلل الله فما له من وليٍ من بعده وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل} سورة الشورى: 40 – 44.
 أو نذكره بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي زاد فيها من التحذير من الظلم بشتئ أنواعه ومنها قوله صلى الله عليه وسلم  : (إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته )
وعن جابر بن عبدالله رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة) الترمذي ج4 ص184...

وعن العباس بن سهل بن سعد الساعدي، عن سعيد بن زيد ابن عمرو بن نفيل؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من اقتطع شبرا من الأرض ظلما، طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين). رواه مسلم
وعن سعيد بن زيد رضى الله عنه  قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول (من أخذ شبرا من الأرض ظلما، فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين).رواه مسلم
وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يأخذ أحد شبرا من الأرض بغير حقه، إلا طوقه الله إلى سبع أرضين يوم القيامة). رواه مسلم
 وعن حرملة بن يحيى عن عبدالله بن وهب عن عمر بن محمد؛ أن أباه حدثه عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل؛ أن أروى خاصمته في بعض داره. فقال: دعوها وإياها. فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من أخذ شبرا من الأرض بغير حقه، طوقه في سبع أرضين يوم القيامة). اللهم! إن كانت كاذبة، فأعم بصرها. واجعل قبرها في دارها. قال: فرأيتها عمياء تلتمس الجدر. تقول: أصابتني دعوة سعيد بن زيد. فبينما هي تمشي في الدار مرت على بئر في الدار، فوقعت فيها. فكانت قبرها.) رواه مسلم
وقوله صلى الله عليه وسلم: ( من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أراضين) [ متفق عليه] 
والاقتصاص يكون يوم القيامة بأخذ حسنات الظالم وطرح سيئات المظلوم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:( من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء، فليتحلله من اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه) [ رواه البخاري]
وعن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( "أتدرون ما المفلس؟" قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال "إن المفلس من أمتي، يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا. فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته. فإن فنيت حسناته، قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه. ثم طرح في النار".) رواه مسلم
وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ( لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء ) [ رواه مسلم]
بل أن البعض منا قد يعينون الظالم على ظلمه, ويشجعونه على مواصلة إرتكاب الظلم في المجتمع, ويناصرونه بأي وسيلة من الوسائل, ويقفون بجانبه ويساندونه بشتئ سبل الدعم والمساندة المادية والمعنوية, إما لكونه من ذوي القرابة أو المصاهرة, أو من ذوي الوجاهة أو السلطان, أو من ذوي المال, أو من أجل الحصول على منفعة دينيوية زائلة, بدلا من أن يردونه عن الظلم وينصحونه بتركه.

وكثيرا ًما نرى بعض القضاة الفاسدين وهو يظلم بعض المتقاضين المساكين الفقراء في أحكامه التي يصدرها لصالح الظالم مقابل الرشوة التي يعطيها له ذلك الظالم, أو بسبب وساطة أو جاهة, أو غير ذلك من العوامل التي يتأثر بها بعض القضاة الفاسدين في زمننا هذا فتؤثر على أحكامهم التي يصدرونها بين الرعية, ومع هذا لا ننطق حتى بكلمة حق واحدة في وجه ذلك القاضي الفاسد ونقول له أنت ظالم في أحكامك فأتق الله, أو نرفع فيه الشكاوى إلى التفتيش القضائي وإلى وزارة العدل وإلى مجلس القضاء الأعلى, لنرده عن ظلمه ونوقفه عند حده ونسعى إلى إصلاحه أو إراحة الأمة منه بعزله من القضاء أو تأديبه , ومن أجل أن يكون عبرة لغيره من القضاة الذين قد تسول لهم أنفسهم في الخروج عن الحق وإتباع الباطل والتعامل في أحكامهم بالرشوة والوجاهة والوساطة فيظلمون الناس في إحكامهم بسبب ذلك, بل قد يقول البعض منا لذلك القاضي الفاسد مجاملا  له أنك قد حكمت بالعدل وبالحق, وأنك من أفضل القضاة وأنزههم, مع أنه يعلم أن حكمه باطل وجائر, وحينما تأتي لجنة من التفتيش القضائي على ذلك القاضي الفاسد قد يقول البعض لتلك اللجنة بأن ذلك القاضي من أنزه القضاة وأعدلهم, من أجل أن يكسب مودته وصداقته أو من أجل أن يحكم لصالحه بقضية مطروحة أمامه..

والكثير منا من يرى الظالم وهو يأخذ مال هذا الضعيف, وينهب أرض هذا المسكين أو منزله غصباً بالقوة ويقتل أبن هذا الفقير, ثم يأتي أمام القضاء بشهود زور وبهتان, أو بمستندات ومحررات مزورة, ونحن نعلم بذلك الظلم ولا ننصر المظلوم ولا نرد الظالم عن ظلمه, بل قد يقوم البعض منا بالوقوف بجانب الظالم ومعاونته على ظلمه ومساندته دون خوفٍ من الله ومن عقابه ...

وكثيرا ًما نرى الأب يظلم بعض أبنائه بتفضيل بعضهم على بعض بأي وسيلة من وسائل التفضيل, أو بأعطاء بعضهم جزء من الميراث دون البعض الأخر بأي طريقة من الطرق التي قد يتبعها بعض الأباء أو أن يظلم بناته بحرمانهن من حقهن في الميراث, كشراء البيوت والأراضي بأسماء أبنائه الذكور أو جعل الشركات بأسماء أبنائه الذكور, أو بوقف الثلث من ماله وقف قراءة بنظر الذكور دون الإناث وغير ذلك من الوسائل التي يتبعها الأباء لحرمان بناتهم من حقهن في الجزء الأوفر من التركة بعد وفاته..

وكثيرا ما نرى بعض الأخوة يظلمون أخوانهم أو أخواتهم بحرمانهم من حقهم في تركة مؤرثهم بأي وسيلة من وسائل الحرمان, أو حرمانهم من حقهم في الأموال المكتسبة ظلما دون وجه حق..

وكثيرا ما نرى بعض الأقارب يظلمون أقاربهم من الأعمام والعمات أو أبناء العم أو أبناء العمات أو أبناء الأخوة أو أبناء الأخوات بحرمانهم من حقهم في تركة مؤرثهم..

وكثيرا ما نرى بعضاً من الأزواج وهو يظلم زوجته إما بهجرها في منزل والدها لا هي مطلقة ولا متزوجة لشهور أو لسنوات عديدة ودون نفقة أو كسوة, أو أن يقوم بأخذ أولادها الصغار منها وحرمانها من حق الحضانة أو من رؤيتهم, أو أن يقوم بطلاقها عند مرضه مرض الوفاة بقصد حرمانها من التركة, أوأن بكتابة بعض التركة بأسم أبنائه إذا كانت زوجته الثانية ليس لها أولاد ..
وكثيرا ما نرى الوالي وهو ينهب أراضي وأموال الرعية الضعفاء مستندا في ذلك إلى سلطته في الدولة ووجاهته وأمواله التي يمتلكها, ومع ذلك لا نكلمه حتى بكلمة واحدة, أتق الله أيها الظالم...
مع أن الله سبحانه وتعالى قد حرم الظلم على نفسه وجعله محرما بين عباده, ونهاهم عن إرتكاب الظلم بشتى صوره وأشكاله, فقد ورد في الحديث القدسي عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال : ( "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم )
مع أن ديننا الإسلامي الحنيف قد أوجب علينا أن ننهى عن ذلك الظلم الذي يقع أمام أعيننا أو نعلم بوقوعه في مجتمعنا , وأن نرد الظالم عن ظلمه وأن نقول له في وجهه كلمة حق نزجره بها .. (أتق الله أيها الظالم !!) , ( أتق الله أيها الظالم !!!)..
 ونقول له كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم, (إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك) ..
وليس هذا فحسب بل يجب علينا إذا لم يتوقف الظالم عن ظلمه أن نقف بجانب المظلوم ومناصرته بأي وسيلة من وسائل المناصرة التي يحتاجها للصمود في وجه ذلك الظالم, سواء مناصرته بالمال, أو مناصرته بالحضور أمام القضاء وتمثيله بدون مقابل مادي أو أتعاب, مهما كانت النتائج المترتبة على ذلك ومها لحق بنا من ذلك الظالم من مكروه ..
يقول الله عزوجل ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)
كما أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بنصرة المظلوم, و رد الظالم عن ظلمه معتبراً ذلك نصرة له لأن فيه أنقاذ له من العذاب ..
فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً). فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟ قال: (تحجزه، أو تمنعه، من الظلم فإن ذلك نصره). رواه البخاري برقم 6552 [ر:2311]
وقد أجاد الشاعر العربي الذي قال:
لاتظلمن إذا ما كنت مقتـدراً ****   فالظلم آخره يأتيك بالنـدم
نامت عيونك والمظلوم منتبه  ****  يدعوعليك وعين الله لم تنم
كلمة أخيرة
أقول لكل محامي يعين ظالماً على ظلمه ويأخذ قضيته ويترافع فيها أمام القضاء ويدافع عن الظالم وهو يعلم بظلمه , كأن يدافع عن القاتل الذي يقتل مظلوماً عمداً وعدوانا ويسعى بشتى أنواع التضليل والمغالطة في إفلات ذلك القاتل من القصاص وعرقلة تطبيق أحكام الله سبحانه وتعالى, بل وقد يبحث عن الأدلة من شهادات زورية وكاذبة في سبيل براءة موكله من تهمة القتل, أو من يعين ظالماً نهب مال غيره أو يساهم في ضياع أي حق من الحقوق المالية أو غيرها من أنواع الظلم أمام القضاء...
أتق الله أيها المحامي, وأسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم ( من أعان على خصومة بظلم أو يعين على ظلم لم يزل في سخط الله حتى ينزع ) رواه ابن ماجة.
فاليوم أخي المحامي تدافع عن ظالم وأنت تعلم بظلمه , فمن يدافع عنك يوم القيامة؟  وكيف ستدافع على نفسك أمام الله عز وجل؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق