السبت، 20 ديسمبر 2014

الديات - من كتاب نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار للعلامة محمد بن علي الشوكاني


الديات

من كتاب نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار  للعلامة محمد بن علي  الشوكاني
‏‏
باب دية النفس وأعضائها ومنافعها
1- عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم كتب إلى أهل اليمن كتاباً وكان في كتابه أن من اعتبط مؤمناً قتلاً عن بينة فإنه قود إلا أن يرضي أولياء المقتول وأن في النفس الدية مائة من الإبل وأن في الأنف إذا أوعب جدعه الدية وفي اللسان الدية وفي الشفتين الدية وفي البيضتين الدية وفي الذكر الدية وفي الصلب الدية وفي العينين الدية وفي الرجل الواحدة نصف الدية وفي المأمومة ثلث الدية وفي الجائفة ثلث الدية وفي المنقلة خمسة عشر من الإبل وفي كل إصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل وفي السن خمس من الإبل وفي الموضحة خمس من الإبل وأن الرجل يقتل بالمرأة وعلى أهل الذهب ألف دينار‏)‏‏.‏
رواه النسائي‏.‏ وقال‏:‏ وقد روى هذا الحديث يونس عن الزهري مرسلاً‏.‏
الحديث أخرجه أيضاً ابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود والحاكم والبيهقي موصولاً‏.‏ وأخرجه أيضاً أبو داود في المراسيل وقد صححه جماعة من أئمة الحديث منهم أحمد والحاكم وابن حبان والبيهقي وقد قدمنا بسط الكلام عليه واختلاف الحفاظ فيه في باب قتل الرجل بالمرأة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من اعتبط‏)‏ بعين مهملة فمثناة فوقية فموحدة فطاء مهملة وهو القتل بغير سبب موجب وأصله من اعتبط الناقة إذا ذبحها من غير مرض ولا داء فمن قتل مؤمناً كذلك وقامت عليه البينة بالقتل وجب عليه القود إلا أن يرضي أولياء المقتول بالدية أو يقع منهم العفو‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأن في النفس مائة من الإبل‏)‏ الاقتصار على هذا النوع من أنواع الدية يدل على أنه الأصل في الوجوب كما ذهب إليه الشافعي ومن أهل البيت القاسم بن إبراهيم قالا وبقية الأصناف كانت مصالحة لا تقديراً شرعياً‏.‏
وقال أبو حنيفة وزفر والشافعي قي قول له بل هي من الإبل للنص ومن النقدين تقويماً إذ هما قيم المتلفات وما سواهما صلح‏.‏ وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الدية من الإبل مائة ومن البقر مائتان ومن الغنم ألفان ومن الذهب ألف مثقال واختلفوا في الفضة فذهب الهادي والمؤيد باللّه إلى أنها عشرة آلاف درهم وذهب مالك والشافعي في قول له إلى أنها اثني عشر ألف درهم‏.‏
قال زيد بن علي والناصر‏:‏ أو مائتا حلة الحلة إزار ورداء أو قميص وسراويل وستأتي أدلة هذه الأقوال في باب أجناس الدية وسيأتي أيضاً الخلاف في صفة الإبل وتنوعها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأن في الأنف إذا أوعب جدعه الدية‏)‏ بضم الهمزة من أوعب على البناء للمجهول أي قطع جميعه وفي هذا دليل على أنه يجب في قطع الأنف جميعه الدية قال في البحر‏:‏ فصل والأنف مركبة من قصبة ومارن وأرنبة وروثة وفيها الدية إذا استؤصلت من أصل القصبة إجماعاً ثم قال‏:‏ فرع قال الهادي‏:‏ وفي كل واحد من الأربع حكومة وقال الناصر والفقهاء بل في المارن الدية وفي بعضه حصته وأجاب عن ذلك بأن المارن وحده لا يسمى أنفاً وإنما الدية في الأنف ورد بما رواه الشافعي عن طاوس أنه قال عندنا في كتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وفي الأنف إذا قطع مارنه مائة من الإبل‏.‏
وأخرج البيهقي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال‏:‏ ‏(‏قضى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إذا جدعت ثندوة الأنف بنصف العقل خمسون من الإبل وعدلها من الذهب والورق‏)‏‏.‏
قال في النهاية‏:‏ أراد بالثندوة هنا روثة الأنف وهي طرفه ومقدمه اهـ‏.‏ وإنما قال أراد بالثندوة هنا لأنها في الأصل لحم الثدي أو أصله على ما في القاموس وفي القاموس أيضاً أن المارن الأنف أو طرفه أو ما لان منه وفيه أن الأرنبة طرف الأنف وفيه أيضاً أن الروثة طرف الأرنبة قال في البحر‏:‏ فرع فإن قطع الأرنبة وهي الغضروف الذي يجمع المنخرين ففيه الدية إذ هو زوج كالعينين وفي الوترة حكومة وهي الحاجزة بين المنخرين وفي إحداهما نصف الدية وفي الحاجز حكومة فإن قطع المارن والقصبة أو المارن والجلدة التي تحته لزمت دية وحكومة اهـ‏.‏
والوترة هي الوتيرة‏.‏ قال في القاموس‏:‏ وهي حجاب ما بين المنخرين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وفي اللسان الدية‏)‏ فيه دليل على أن الواجب في اللسان إذا قطع جميعه الدية‏.‏ وقد حكى صاحب البحر الإجماع على ذلك قال‏:‏ فإن جنى ما أبطل كلامه فدية فإن أبطل بعضه فحصته ويعتبر بعدد الحروف وقيل بعدد حروف اللسان فقط وهي ثمانية عشر حرفاً لا بما عداها واختلف في لسان الأخرس إذا قطعت فذهب الأكثر إلى أنها يجب فيها حكومة فقط وذهب النخعي إلى أنها يجب فيها دية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وفي الشفتين الدية‏)‏ إلى هذا ذهب جمهور أهل العلم وقيل إنه مجمع عليه قال في البحر‏:‏ وحدهما من تحت المنخرين إلى منتهى الشدقين في عرض الوجه ولا فضل لأحدهما على الأخرى عند أبي حنيفة والشافعي والناصر والهادوية‏.‏ وذهب زيد بن ثابت إلى أن دية العليا ثلث والسفلى ثلثان ومثله في المنتخب قال في البحر‏:‏ إذ منافع السفلى أكثر للجمال والإمساك يعني للطعام والشراب وأجاب عنه بقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏وفي الشفتين الدية‏)‏ ولم يفصل ولا يخفى أن غاية ما في هذا أنه يجب في المجموع دية وليس ظاهراً في أن لكل واحدة نصف دية حتى يكون ترك الفصل منه صلى اللّه عليه وآله وسلم مشعراً بذلك ولا شك أن في السفلى نفعاً زائداً على النفع الكائن في العليا ولو لم يكن إلا الإمساك للطعام والشراب على فرض الاستواء في الجمال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وفي البيضتين الدية‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏وفي الأنثيين الدية‏)‏ ومعناهما ومعنى البيضتين واحد كما في الصحاح والضياء والقاموس‏.‏ وذكر في الغيث أن الأنثيين هما الجلدتان المحيطتان بالبيضتين فينظر في أصل ذلك فإن كتب اللغة على خلافه وقد قيل أن وجوب الدية في البيضتين مجمع عليه وذهب الجمهور إلى أن الواجب في كل واحدة نصف الدية وحكى في البحر عن علي عليه السلام أن في اليسرى ثلثي الدية إذ النسل منها وفي اليمنى ثلثها وروي نحو ذلك عن سعيد بن المسيب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وفي الذكر الدية‏)‏ هذا مما لا يعرف فيه خلاف بين أهل العلم وظاهر الدليل عدم الفرق بين ذكر الشاب والشيخ والصبي كما صرح به الشافعي والإمام يحيى وأما ذكر العنين والخصي فذهب الجمهور إلى أن فيه حكومة وذهب البعض إلى أن فيه الدية إذ لم يفصل الدليل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وفي الصلب الدية‏)‏ قال في القاموس‏:‏ الصلب بالضم وبالتحريك عظم من لدن الكاهن إلى العجب اهـ‏.‏
ولا أعرف خلافاً في وجوب الدية فيه وقد قيل إن المراد بالصلب هنا هو ما في الجدول المنحدر من الدماغ لتفريق الرطوبة في الأعضاء لا نفس المتن بدليل ما رواه ابن المنذر عن علي عليه السلام أنه قال‏:‏ في الصلب الدية إذا منع من الجماع هكذا في ضوء النهار والأولى حمل الصلب في كلام الشارع على المعنى اللغوي وعلى فرض صلاحية قول علي لتقييد ما ثبت عنه صلى اللّه عليه وآله وسلم فليس من لازمه تفسير الصلب بغير المتن بل غايته أن يعتبر مع كسر المتن زيادة وهي الإفضاء إلى منع الجماع لا مجرد الكسر مع إمكان الجماع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وفي العينين الدية‏)‏ هذا مما لا أعرف فيه خلافاً بين أهل العلم وكذلك لا يعرف الخلاف بينهم في أن الواجب في كل عين نصف الدية وإنما اختلفوا في عين الأعور فحكي في البحر عن الأوزاعي والنخعي والعترة والحنفية والشافعية أن الواجب فيها نصف الدية إذا لم يفصل الدليل‏.‏ وحكي أيضاً عن علي عليه السلام وعمر وابن عمر والزهري ومالك والليث وأحمد وإسحاق أن الواجب فيها دية كاملة لعماه بذهابها‏.‏ وأجاب عنه بأن الدليل لم يفصل وهو الظاهر ثم حكي أيضاً عن العترة والشافعية والحنفية أنه يقتص من الأعور إذا أذهب عين من له عينان وخالف في ذلك أحمد بن حنبل والظاهر ما قاله الأولون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وفي الرجل الواحدة نصف الدية‏)‏ هذا أيضاً مما لا أعرف فيه خلافاً وهكذا لا خلاف في أن في اليدين دية كاملة‏.‏ قال في البحر‏:‏ وحد موجب الدية مفصل الساق واليدان كالرجلين بلا خلاف والحد الموجب للدية من الكوع كما حكاه صاحب البحر عن العترة وأبي حنيفة والشافعي فإن قطعت اليد من المنكب أو الرجل من الركبة ففي كل واحدة منهما نصف دية وحكومة عند أبي حنيفة ومحمد والقاسمية والمؤيد باللّه وعند أبي يوسف والشافعي في قول له أنه يدخل الزائد على الكوع ومفصل الساق في دية اليد والرجل فلا تجب حكومة لذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وفي المأمومة ثلث الدية‏)‏ هي الجناية البالغة أم الدماغ وهو الدماغ أو الجلدة الرقيقة التي عليه كما حكاه صاحب القاموس وإلى إيجاب ثلث الدية فقط في المأمومة ذهب علي وعمر والعترة والحنفية والشافعية وذهب بعض أصحاب الشافعي إلى أنه يجب مع ثلث الدية حكومة لغشاوة الدماغ‏.‏ وحكى ابن المنذر الإجماع على أنه يجب في المأمومة ثلث الدية إلا عن مكحول فإنه قال يجب الثلث مع الخطأ والثلثان مع العمد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وفي الجائفة ثلث الدية‏)‏ قال في القاموس‏:‏ الجائفة هي الطعنة التي تبلغ الجوف أو تنفذه ثم فسر الجوف بالبطن‏.‏ وقال في البحر‏:‏ هي ما وصل جوف العضو من ظهر أو صدر أو ورك أو عنق أو ساق أو عضد مما له جوف وهكذا في الانتصار وفي الغيث أنها ما وصل الجوف وهو من ثغرة النحر إلى المثانة اهـ‏.‏ وهذا هو المعروف عند أهل العلم والمذكور في كتب اللغة‏.‏ وإلى وجوب ثلث الدية في الجائفة ذهب الجمهور وحكى في نهاية المجتهد الإجماع على ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وفي المنقلة خمسة عشر من الإبل‏)‏ في رواية‏:‏ ‏(‏خمس عشرة‏)‏ قال في القاموس‏:‏ هي الشجة التي ينقل منها فراش العظام وهي قشور تكون على العظم دون اللحم وفي النهاية إنها التي تخرج صغار العظام وتنتقل عن أماكنها وقيل التي تنقل العظم أي تكسره وقد حكى صاحب البحر القول بإيجاب خمس عشرة ناقة عن علي وزيد بن ثابت والعترة والفريقين يعني الشافعية والحنفية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وفي كل إصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل‏)‏ هذا مذهب الأكثرين وروي عن عمر أنه كان يجعل في الخنصر ستاً من الإبل وفي البنصر تسعاً وفي الوسطى عشراً وفي السبابة اثنتي عشرة وفي الإبهام ثلاث عشرة ثم روي عنه الرجوع عن ذلك وروي عن مجاهد أنه قال في الإبهام خمس عشرة وفي التي تليها عشر وفي الوسطى عشر وفي التي تليها ثمان وفي الخنصر سبع وهو مردود بحديث الباب وبما سيأتي قريباً من حديث أبي موسى وعمرو بن شعيب وذهبت الشافعية والحنفية والقاسمية إلى أن في كل أنملة ثلث دية الإصبع إلا أنملة الإبهام ففيها النصف وقال مالك بل الثلث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وفي السن خمس من الإبل‏)‏ ذهب إلى هذا جمهور العلماء‏.‏ وظاهر الحديث عدم الفرق بين الثنايا والأنياب والضروس لأنه يصدق على كل منها أنه سن‏.‏
وروي عن علي أنه يجب في الضرس عشر من الإبل وروي عن عمر وابن عباس أنه يجب في كل ثنية خمسون ديناراً وفي الناجذ أربعون وفي الناب ثلاثون وفي كل ضرس خمسة وعشرون‏.‏
وروى مالك والشافعي عن عمر أن في كسر الضرس جملاً قال الشافعي وبه أقول لأني لا أعلم له مخالفاً من الصحابة وفي قول للشافعي في كل سن خمس من الإبل ما لم يزد على دية النفس وإلا كفت في جميعها دية وأجاب عنه في البحر بأنه خلاف الإجماع ورد بأنه لا وجه للحكم بمخالفة الإجماع لاختلاف الناس في دية الأسنان وسيأتي قريباً ما يدل على أن جميع الأسنان مستوية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وفي الموضحة خمس من الإبل‏)‏ هي التي تكشف العظم بلا هشم وقد ذهب إلى إيجاب الخمس في الموضحة الشافعية والحنفية والعترة وجماعة من الصحابة وروي عن مالك أن الموضحة إن كانت في الأنف أو اللحى الأسفل فحكومة وإلا فخمس من الإبل‏.‏ وذهب سعيد بن المسيب إلى أنه يجب في الموضحة عشر الدية وذلك عشر من الإبل وتقدير أرش الموضحة المذكورة في الحديث إنما هو في موضحة الرأس والوجه لا موضحة ما عداهما من البدن فإنها على النصف من ذلك كما هو المختار لمذهب الهادوية وكذلك الهاشمة والمنقلة والدامية وسائر الجنايات وحكى في البحر عن الإمام يحيى أن الموضحة والهاشمة والمنقلة إنما أرشها المقدر في الرأس وفيها في غيره حكومة وقيل بل في جميع البدن لحصول معناها حيث وقعت‏.‏
قال في البحر‏:‏ وهو الأقرب للمذهب لكن ينسب من دية ذلك العضو قياساً على الرأس ففي الموضحة نصف عشر دية ما هي فيه اهـ وحكى في البحر أيضاً في موضع آخر عن الإمام يحيى والقاسمية وأحد قولي الشافعي أن في الموضحة ونحوها في غير الرأس حكومة إذا لم يقدر الشرع أرشها إلا فيه وحكى الشافعي في قول له أن الحكم واحد قال الإمام يحيى وهو غير بعيد إذ لم يفصل الخبر اهـ‏.‏ وهو يستفاد أيضاً من العموم المستفاد من تحلية الموضحة بالألف واللام وأخرج البيهقي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أبا بكر وعمر قالا في الموضحة في الوجه والرأس سواء‏.‏ وأخرج البيهقي أيضاً عن سليمان بن يسار نحو ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأن الرجل يقتل بالمرأة‏)‏ قد تقدم الكلام على هذا مبسوطاً‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعلى أهل الذهب ألف دينار‏)‏ فيه دليل لمن جعل الذهب من أنواع الدية الشرعية كما سلف‏.‏
2 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قضى في الأنف إذا جدع كله بالعقل كاملاً وإذا جدعت أرنبته فنصف العقل وقضى في العين نصف العقل والرجل نصف العقل واليد نصف العقل والمأمومة ثلث العقل والمنقلة خمسة عشر من الإبل‏)‏‏.‏
رواه أحمد‏.‏ ورواه أبو داود وابن ماجه ولم يذكرا فيه العين ولا المنقلة‏.‏
3 - وعن ابن عباس‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ هذه وهذه سواء يعني الخنصر والبنصر والإبهام‏)‏‏.‏
رواه الجماعة إلا مسلماً‏.‏
وفي رواية‏:‏ ‏(‏قال دية أصابع اليدين والرجلين سواء عشر من الإبل لكل إصبع‏)‏ رواه الترمذي وصححه‏.‏
4 - وعن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ الأسنان سواء الثنية والضرس سواء‏)‏‏.‏  رواه أبو داود وابن ماجه‏.‏
5 - وعن أبي موسى‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قضى في الأصابع بعشر عشر من الإبل‏)‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود والنسائي‏.‏
6 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ في كل إصبع عشر من الإبل وفي كل سن خمس من الإبل والأصابع سواء والأسنان سواء‏)‏‏.‏ رواه الخمسة إلا الترمذي‏.‏
7 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال في المواضح‏:‏ خمس خمس من الإبل‏)‏‏.‏ رواه الخمسة‏.‏
8 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قضى في العين العوراء السادة لمكانها إذا طمست بثلث ديتها وفي اليد الشلاء إذا قطعت بثلث ديتها وفي السن السوداء إذا نزعت بثلث ديتها‏)‏‏.‏ رواه النسائي‏.‏
ولأبي داود منه‏:‏ ‏(‏قضى في العين القائمة السادة لمكانها بثلث الدية‏)‏‏.‏
9 - وعن عمر بن الخطاب‏:‏ ‏(‏أنه قضى في رجل ضرب رجلاً فذهب سمعه وبصره ونكاحه وعقله بأربع ديات‏)‏‏.‏
ذكره أحمد بن حنبل في رواية أبي الحارث وابنه عبد اللّه‏.‏
حديث عمرو بن شعيب الأول في إسناده محمد بن راشد الدمشقي المكحولي وقد تكلم فيه جماعة من أهل العلم ووثقه جماعة ولفظ أبي داود‏:‏ ‏(‏قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في الأنف إذا جدع الدية كاملة وإن جدعت ثندوته فنصف العقل خمسون من الإبل أو عدلها من الذهب أو الورق أو مائة بقرة أو ألف شاة وفي اليد إذا قطعت نصف العقل وفي الرجل نصف العقل وفي المأمومة ثلث العقل ثلاث وثلاثون وثلث أو قيمتها من الذهب أو الورق أو البقر أو الشاة والجائفة مثل ذلك وفي الأصابع في كل إصبع عشر من الإبل‏)‏ وهو حديث طويل‏.‏
وحديث ابن عباس الثاني أخرجه أيضاً البزار وابن حبان ورجال إسناده رجال الصحيح‏.‏
وحديث أبي موسى أخرجه أيضاً ابن حبان وابن ماجه وسكت عنه أبو داود والمنذري وإسناده لا بأس به‏.‏
وحديث عمرو بن شعيب الثاني سكت عنه أبو داود والمنذري وصاحب التلخيص ورجال إسناده إلى عمرو بن شعيب ثقات‏.‏
وحديثه الثالث أخرجه أيضاً ابن خزيمة وابن الجارود وصححاه‏.‏
وحديثه الرابع سكت عنه أبو داود والنسائي ورجال إسناده إلى عمرو بن شعيب ثقات‏.‏
وأثر عمر أخرجه أيضاً ابن شيبة عن خالد عن عوف سمعت شيخاً في زمن الحاكم وهو ابن المهلب عم أبي قلابة قال‏:‏ رمى رجل رجلاً بحجر في رأسه في زمن عمر فذهب سمعه وبصره وعقله وذكره فلم يقرب النساء فقضى عمر فيه بأربع ديات وهو حي وقدمنا الكلام المتعلق بفقه أكثر هذه الأحاديث في شرح حديث عمرو بن حزم المذكور في أول الباب ونتكلم الآن على ما لم يذكر هنالك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فنصف العقل‏)‏ أي الدية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏هذه وهذه سواء‏)‏ الخ هذا نص صريح يرد القول بالتفاضل بين الأصابع ولا أعرف مخالفاً من أهل العلم لما يقتضيه إلا ما روي عن عمر ومجاهد وقد قدمنا أنه روي عن عمر الرجوع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الأسنان سواء‏)‏ هذه جملة مستقلة لفظ الأسنان فيها مبتدأ ولفظ سواء خبره‏.‏
وقوله‏:‏ ‏(‏الثنية‏)‏ مبتدأ والضرس مبتدأ آخر والخبر عنهما قوله سواء وإنما تعرضنا لمثل هذا مع وضوحه لأنه ربما ظن أن سواء الأولى بمعنى غير وأن الخبر عن الأسنان هو سواء الثانية ويكون التقدير الأسنان غير الثنية والضرس سواء ولا شك أن هذا غير مراد بل المراد الحكم على جميع الأسنان التي يدخل تحتها الثنية والضرس بالاستواء والتنصيص على الثنية والضرس إنما هو لدفع توهم عدم دخولهما تحت الأسنان ولهذا اقتصر في الرواية الثانية على قوله الأسنان سواء وبهذا يندفع قول من ذهب إلى تفضيل الثنية والضرس من الصحابة وغيرهم وقول من حكم في الأسنان بأحكام مختلفة كما سلف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قضى في العين العوراء السادة لمكانها‏)‏ أي التي هي باقية لم يذهب إلا نورها والمراد بالطمس ذهاب جرمها وإنما وجب فيها ثلث دية العين الصحيحة لأنها كانت بعد ذهاب بصرها باقية الجمال فإذا قلعت أو فقئت ذهب ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وفي اليد الشلاء‏)‏ الخ هي التي لا نفع فيها وإنما وجب فيها ثلث دية الصحيحة لذهاب الجمال أيضاً‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وفي السن السوداء‏)‏ الخ نفع السن السوداء باق وإنما ذهب منها مجرد الجمال فيكون على هذا التقدير ذهاب النفع كذهاب الجمال وبقاؤه فقط كبقائه وحده قال في البحر‏:‏ مسألة وإذا اسود السن وضعف ففيه الدية لذهاب الجمال والمنفعة ولقول علي عليه السلام إذا اسودت فقد تم عقلها أي ديتها فإن لم تضعف فحكومة وقال الناصر وزفر وكذا لو اصفرت أو احمرت وقيل لا شيء في الاصفرار إذ أكثر الأسنان كذلك قلنا إذا لم يحصل بجناية اهـ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بأربع ديات‏)‏ فيه دليل على أنه يجب في كل واحد من الأربعة المذكورة دية عند من يجعل قول الصحابي حجة وقد استدل بها صاحب البحر وزعم أنه لم ينكره أحد من الصحابة فكان إجماعاً وقد قال الحافظ ابن حجر في التلخيص‏:‏ إنه وجد في حديث معاذ في السمع الدية قال‏:‏ وقد رواه البيهقي من طريق قتادة عن ابن المسيب عن علي رضي اللّه عنه وقد زعم الرافعي أنه ثبت في حديث معاذ أنه في البصر الدية‏.‏
قال الحافظ‏:‏ لم أجده‏.‏ وروى البيهقي من حديث معاذ في العقل الدية وسنده ضعيف‏.‏ قال البيهقي‏:‏ وروينا عن عمر وعن زيد بن ثابت مثله‏.‏ وقد زعم الرافعي أن ذلك في حديث عمرو بن حزم وهو غلط‏.‏
وأخرج البيهقي عن زيد من أسلم بلفظ‏:‏ ‏(‏مضت السنة في أشياء من الإنسان إلى أن قال وفي اللسان الدية وفي الصوت إذا انقطع الدية‏)‏‏.‏
والحاصل أنه قد ورد النص بإيجاب الدية في بعض الحواس الخمس الظاهرة كما عرفت ويقاس ما لم يرد فيه نص منها على ما ورد فيه وقد قيل أنها تجب الدية في ذهاب القول بغير قطع اللسان بالقياس على السمع بجامع فوات القوة والأولى التعويل على النص المذكور في حديث زيد بن مسلم وأما ذهاب النكاح فيمكن أن يستدل لإيجاب الدية فيه بالقياس على سلس البول فإنه قد روى محمد بن منصور بإسناده عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي أنه قضي بالدية لمن ضرب حتى سلس بوله والجامع ذهاب القوة ولكن هذا على القول بحجية قول علي عليه السلام قال في البحر‏:‏ وفي إبطال مني الرجل بحيث لا يقع منه حمل دية كاملة إذ هو إبطال منفعة كاملة كالشلل ويخالف مني المرأة ولبنها ففيهما حكومة إذ قد يطرأ ويزول بخلافه من الرجل فيستمر وإذا انقطع لم يرجع اهـ‏.‏ وهذا إذا كان ذهاب النكاح بغير قطع الذكر أو الأنثيين فإن كان بذلك دخلت ديته في دية ذلك المقطوع وهكذا ذهاب البصر إذا كان بغير قلع العينين أو فقئها وإلا وجبت الدية للعينين ولا شيء لذهابه وهكذا السمع لو ذهب بقطع الأذنين‏.‏
باب دية أهل الذمة
1- عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ عقل الكافر نصف دية المسلم‏)‏‏.‏  رواه أحمد والنسائي والترمذي‏.‏
وفي لفظ‏:‏ ‏(‏قضى أن عقل أهل الكتابين نصف عقل المسلمين وهم اليهود والنصارى‏)‏ رواه أحمد والنسائي وابن ماجه‏.‏
وفي رواية‏:‏ ‏(‏كانت قيمة الدية على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ثمانمائة دينار وثمانية آلاف درهم ودية أهل الكتاب يومئذ النصف من دية المسلم قال‏:‏ وكان ذلك كذلك حتى استخلف عمر فقام خطيباً فقال‏:‏ إن الإبل قد غلت قال‏:‏ ففرضها عمر على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثني عشر ألفاً وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاة ألفي شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة قال‏:‏ وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع من الدية‏)‏ رواه أبو داود‏.‏
2 - وعن سعيد بن المسيب قال‏:‏ ‏(‏كان عمر يجعل دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف والمجوسي ثمانمائة‏)‏‏.‏
رواه الشافعي والدارقطني ‏.‏
حديث عمرو بن شعيب حسنه الترمذي وصححه ابن الجارود‏.‏ وأثر عمر أخرجه أيضاً البيهقي وأخرج ابن حزم في الإيصال من طريق ابن لهيعة عن يزيد بن حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ دية المجوسي ثمانمائة درهم‏)‏ وأخرجه أيضاً الطحاوي وابن عدي والبيهقي وإسناده ضعيف من أجل ابن لهيعة وروى البيهقي عن ابن مسعود وعلي عليه السلام أنهما كانا يقولان في دية المجوسي ثمانمائة درهم‏.‏ وفي إسناده ابن لهيعة‏.‏
وأخرج البيهقي أيضاً عن عقبة بن عامر نحوه وفيه أيضاً ابن لهيعة وروي نحو ذلك ابن عدي والبيهقي والطحاوي عن عثمان وفيه ابن لهيعة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عقل الكافر نصف دية المسلم‏)‏ أي دية الكافر نصف دية المسلم فيه دليل على أن دية الكافر الذمي نصف دية المسلم وإليه ذهب مالك وذهب الشافعي والناصر إلى أن دية الكافر أربعة آلاف درهم والذي في منهاج النووي أن دية اليهودي والنصراني ثلث دية المسلم ودية المجوسي ثلثا عشر دية المسلم قال شارحه المحلى أنه قال بالأول عمر وعثمان وبالثاني عمر وعثمان أيضاً وابن مسعود‏.‏ ثم قال النووي في المنهاج‏:‏ وكذا وثنى له أمان يعني أن ديته دية مجوسي ثم قال والمذهب أن من لم يبلغه الإسلام إن تمسك بدين لم يبدل فديته دية دينه وإلا فكمجوسي وحكى في البحر عن زيد بن علي والقاسمية وأبي حنيفة وأصحابه أن دية المجوسي كالذمي وعن الناصر والإمام يحيى والشافعي ومالك أنها ثمانمائة درهم‏.‏ وذهب الثوري والزهري وزيد بن علي وأبو حنيفة وأصحابه والقاسمية إلى أن دية الذمي كدية المسلم وروي عن أحمد أن ديته مثل دية المسلم إن قتل عمداً وإلا فنصف دية احتج من قال إن ديته ثلث دية المسلم بفعل عمر المذكور من عدم رفع دية أهل الذمة وإنها كانت في عصره أربعة آلاف درهم ودية المسلم اثني عشر ألف درهم‏.‏ ويجاب عنه بأن فعل عمر ليس بحجة على فرض عدم معارضته لما ثبت عنه صلى اللّه عليه وآله وسلم فكيف وهو هنا معارض للثابت قولاً وفعلاً وتمسكوا في جعل دية المجوسي ثلثي عشر دية المسلم بفعل عمر المذكور في الباب ويجاب عنه بما تقدم ويمكن الاحتجاج لهم بحديث عقبة بن عامر الذي ذكرناه فإنه موافق لفعل عمر لأن ذلك المقدار هو ثلثا عشر الدية إذ هي اثنا عشر ألف درهم وعشرها اثنا عشر ومائة وثلثا عشرها ثمانمائة ويجاب بأن إسناده ضعيف كما أسلفنا فلا يقوم بمثله حجة لا يقال أن الرواية الثانية من حديث الباب بلفظ‏:‏ ‏(‏قضى أن عقل أهل الكتابين‏)‏ الخ مقيدة باليهود والنصارى والرواية الأولى منه مطلقة فيحمل المطلق على المقيد ويكون المراد بالحديث دية اليهود والنصارى دون المجوس لأنا نقول لا نسلم صلاحية الرواية الثانية للتقييد ولا للتخصيص لأن ذلك من التنصيص على بعض أفراد المطلق أو العام وما كان كذلك فلا يكون مقيداً لغيره ولا مخصصاً له ويوضح ذلك أن غاية ما في قوله عقل أهل الكتابين أن يكون من عداهم بخلافهم لمفهوم اللقب وهو غير معمول به عند الجمهور وهو الحق فلا يصلح لتخصيص قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏عقل الكافر نصف دية المسلم‏)‏ ولا لتقييده على فرض الإطلاق ولا سيما مخرج اللفظين واحد والراوي واحد فإن ذلك يفيد أن أحدهما من تصرف الراوي واللازم الأخذ بما هو مشتمل على زيادة فيكون المجوسي داخلاً تحت ذلك العموم وكذلك كل من له ذمة من الكفار ولا يخرج عنه إلا من لا ذمة له ولا أمان ولا عهد من المسلمين لأنه مباح الدم ولو فرض عدم دخول المجوسي تحت ذلك اللفظ كان حكمه حكم اليهود والنصارى والجامع الذمة من المسلمين للجميع‏.‏ ويؤيد ذلك حديث‏:‏ ‏(‏سنوا بهم سنة أهل الكتاب‏)‏ واحتج القائلون بأن دية الذمي كدية المسلم بعموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وان كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله‏}‏ قالوا‏:‏ وإطلاق الدية يفيد أنها الدية المعهودة وهي دية المسلم ويجاب عنه أولاً بمنع كون المعهود ههنا هو دية المسلم لم لا يجوز أن يكون المراد بالدية الدية المتعارفة بين المسلمين لأهل الذمة والمعاهدين وثانياً بأن هذا الإطلاق مقيد بحديث الباب‏.‏ واستدلوا ثانياً بما أخرجه الترمذي عن ابن عباس وقال غريب أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ودى العامريين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري وكان لهما عهد من النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يشعر به عمرو بدية المسلمين‏.‏ وبما أخرجه البيهقي عن الزهري أنها كانت دية اليهودي والنصراني في زمن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم مثل دية المسلم وفي زمن أبي بكر وعمر وعثمان فلما كان معاوية أعطى أهل المقتول النصف وألقى النصف في بيت المال قال ثم قضى عمر بن عبد العزيز بالنصف وألغى ما كان جعل معاوية‏.‏ وبما أخرجه أيضاً عن عكرمة عن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏جعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم دية العامريين دية الحر المسلم وكان لهما عهد‏)‏‏.‏ وأخرج أيضاً من وجه آخر ‏(‏أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم جعل دية المعاهدين دية المسلم‏)‏‏.‏
وأخرج أيضاً عن ابن عمر‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ودى ذمياً دية مسلم‏)‏ ويجاب عن حديث ابن عباس بأن في إسناده أبا سعيد البقال واسمه سعيد بن المرزبان ولا يحتج بحديثه والراوي عنه أبو بكر ابن عياش‏.‏
وحديث الزهري مرسل ومراسيله قبيحة لأنه حافظ كبير لا يرسل إلا لعلة‏.‏
وحديث ابن عباس الآخر في إسناده أيضاً أبو سعيد البقال المذكور وله طريق أخرى فيها الحسن بن عمارة وهو متروك‏.‏
وحديث ابن عمر في إسناده أبو كرز وهو أيضاً متروك‏.‏
ومع هذه العلل فهذه الأحاديث معارضة بحديث الباب وهو أرجح منها من جهة صحته وكونه قولاً وهذه فعلاً والقول أرجح من الفعل ولو سلمنا صلاحيتها للاحتجاج وجعلناها مخصصة لعموم حديث الباب كان غاية ما فيها إخراج المعاهد ولا ضير في ذلك فإن بين الذمي والمعاهد فرقاً لأن الذمي ذل ورضي بما حكم به عليه من الذلة بخلاف المعاهد فلم يرض بما حكم عليه به منها فوجب ضمان دمه وماله الضمان الأصلي الذي كان بين أهل الكفر وهو الدية الكاملة التي ورد الإسلام بتقريرها ولكنه يعكر على هذا ما وقع في رواية من حديث عمرو بن شعيب عند أبي داود بلفظ‏:‏ ‏(‏دية المعاهد نصف دية الحر‏)‏ وتخلص عن هذا بعض المتأخرين فقال‏:‏ إن لفظ المعاهد يطلق على الذمي فيحمل ما وقع في حديث عمرو بن شعيب عليه ليحصل الجمع بين الأحاديث ولا يخفى ما في ذلك من التكلف والراجح العمل بالحديث الصحيح وطرح ما يقابله مما لا أصل له في الصحة وأما ما ذهب إليه أحمد من التفصيل باعتبار العمد والخطأ فليس عليه دليل‏.‏
باب دية المرأة في النفس وما دونها
1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى يبلغ الثلث من ديته‏)‏‏.‏
رواه النسائي والدارقطني‏.‏
2 - وعن ربيعة ابن أبي عبد الرحمن‏:‏ ‏(‏أنه قال لسعيد بن المسيب كم في إصبع المرأة قال‏:‏ عشر من الإبل قلت‏:‏ في إصبعين قال‏:‏ عشرون من الإبل قلت‏:‏ فكم في ثلاث أصابع قال‏:‏ ثلاثون من الإبل قلت‏:‏ فكم في أربع أصابع قال‏:‏ عشرون من الإبل قلت‏:‏ حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقلها قال سعيد‏:‏ أعراقي أنت قلت‏:‏ بل عالم متثبت أو جاهل متعلم قال‏:‏ هي السنة يا ابن أخي‏)‏‏.‏
رواه مالك في الموطأ عنه‏.‏
حديث عمرو بن شعيب هو من رواية إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عنه وقد صحح هذا الحديث ابن خزيمة كما حكى ذلك عنه في بلوغ المرام‏.‏ وحديث سعيد ابن المسيب أخرجه أيضاً البيهقي وعلى تسليم أن قوله من السنة يدل على الرفع فهو مرسل وقد قال الشافعي فيما أخرجه عنه البيهقي أن قول سعيد من السنة يشبه أن يكون عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أو عن عامة من أصحابه ثم قال وقد كنا نقول إنه على هذا المعنى ثم وقفت عنه واسأل اللّه الخير لأنا قد نجد منهم من يقول السنة ثم لا نجد لقوله السنة نفاذاً إنها عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم والقياس أولى بنا فيها‏.‏
وروى صاحب التلخيص عن الشافعي أنه قال‏:‏ كان مالك يذكر أنه السنة وكنت أتابعه عليه وفي نفسي منه شيء ثم علمت أنه يريد أنه سنة أهل المدينة فرجعت عنه‏.‏ - وفي الباب - عن معاذ بن جبل عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏دية المرأة نصف دية الرجل‏)‏ قال البيهقي‏:‏ إسناده لا يثبت مثله‏.‏
وأخرج البيهقي عن علي عليه السلام أنه قال‏:‏ دية المرأة على النصف من دية الرجل في الكل وهو من رواية إبراهيم النخعي عنه وفيه انقطاع‏.‏ وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق الشعبي عنه‏.‏
وأخرجه أيضاً من وجه آخر عنه‏.‏ وعن عمر قوله‏:‏ ‏(‏عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى يبلغ الثلث من ديته‏)‏ فيه دليل على أن أرش المرأة يساوي أرش الرجل في الجراحات التي لا يبلغ أرشها إلى ثلث دية الرجل وفيما بلغ أرشه إلى مقدار الثلث من الجراحات يكون أرشها فيه كنصف أرش الرجل لحديث سعيد بن المسيب المذكور‏.‏ وإلى هذا ذهب الجمهور من أهل المدينة منهم مالك وأصحابه وهو مذهب سعيد بن المسيب كما تقدم في رواية مالك عنه‏.‏ ورواه أيضاً عن عروة بن الزبير وهو مروي عن عمر وزيد بن ثابت وعمر بن عبد العزيز وبه قال أحمد وإسحاق والشافعي في قول وصفة التقدير أن يكون على الصفة المذكورة في حديث الباب عن سعيد بن المسيب فإنه جعل أرش إصبعها وأرش الإصبعين عشرين وأرش الثلاثة ثلاثين لأنها دون ثلث دية الرجل فلما سأله السائل عن أرش الأربع الأصابع جعلها عشرين من الإبل لأنها لما جاوزت ثلث دية الرجل وكان أرش الأصابع الأربع من الرجل أربعين من الإبل كان أرش الأربع من المرأة عشرين وهذا كما قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن إن المرأة حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقلها والسبب في ذلك أن سعيداً جعل التصنيف بعد بلوغ الثلث من دية الرجل راجعاً إلى جميع الأرش ولو جعل التنصيف باعتبار المقدار الزائد على الثلث لا باعتبار ما دونه فيكون مثلاً في الإصبع الرابعة من المرأة خمس من الإبل لأنها هي التي جاوزت الثلث ولا يحكم بالتنصيف في الثلاث الأصابع فإذا قطعت من المرأة أربع أصابع كان فيها خمس وثلاثون ناقة لم يكن في ذلك إشكال ولم يدل حديث عمرو بن شعيب المذكور إلا على أن أرشها في الثلث فما دون مثل أرش الرجل وليس في ذلك دليل على أنها إذا حصلت المجاوزة للثلث لزم تنصيف ما لم يجاوز الثلث من الجنايات على فرض وقوعها متعددة كالأصابع والأسنان وأما لو كانت جناية واحدة مجاوزة للثلث من دية الرجل فيمكن أن يقال باستحقاق نصف أرش الرجل في الكل فإن كان ما أفتى به سعيد مفهوماً من مثل حديث عمرو بن شعيب فغير مسلم وإن كان حفظ ذلك التفصيل من السنة التي أشار إليها فإن أراد سنة أهل المدينة كما تقدم عن الشافعي فليس في ذلك حجة وإن أراد السنة الثابتة عنه صلى اللّه عليه وآله وسلم فنعم ولكن مع الاحتمال لا ينتهض إطلاق تلك السنة للاحتجاج به ولا سيما بعد قول الشافعي أنه علم أن سعيداً أراد سنة أهل المدينة ومع ذلك فالمرسل لا تقوم به حجة فالأولى أن يحكم في الجنايات المتعددة بمثل أرش الرجل في الثلث فما دون وبعد المجاوزة يحكم بتنصيف الزائد على الثلث فقط لئلا يقتحم الإنسان في مضيق مخالف للعدل والعقل والقياس بلا حجة نيرة وحكى صاحب البحر عن ابن مسعود وشريح أن أرش المرأة يساوي أرش الرجل حتى يبلغ أرشها خمساً من الإبل ثم ينصف‏.‏
قال في نهاية المجتهد‏:‏ إن الأشهر عن ابن مسعود وعثمان وشريح وجماعة أن دية جراحة المرأة مثل دية جراحة الرجل إلا الموضحة فإنها على النصف وحكي في البحر أيضاً عن زيد بن ثابت وسليمان بن يسار أنهما يستويان حتى يبلغ أرشها خمس عشرة من الإبل‏.‏ وعن الحسن البصري يستويان إلى النصف ثم ينصف وهذه الأقوال لا دليل عليها وذهب علي وابن أبي ليلى وابن شبرمة والليث والثوري والعترة والشافعية والحنفية كما حكى عنهم صاحب البحر إلى أن أرش المرأة نصف أرش الرجل في القليل والكثير واستدلوا بحديث معاذ الذي ذكرناه وهو مع كونه لا يصلح للاحتجاج به لما سلف يمكن الجمع بينه وبين حديث الباب إما بحمله على الدية الكاملة كما هو ظاهر اللفظ‏.‏ وذلك مجمع عليه كما حكاه في البحر في موضعين‏.‏ حكى في أحدهما بعد حكاية الإجماع خلافاً للأصم وابن علية أن ديتها مثل دية الرجل ويمكن الجمع بوجه آخر على فرض أن لفظ الدية يصدق على دية النفس وما دونها وهو أن يقال هذا العموم مخصوص بحديث عمرو بن شعيب المذكور فتكون ديتها كنصف دية الرجل فيما جاوز الثلث فقط‏.‏
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif باب دية الجنين
1 - عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتاً بغرة عبد أو أمة ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بأن ميراثها لبنيها وزوجها وأن العقل على عصبتها‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة وقضى بدية المرأة على عاتقها‏)‏‏.‏
متفق عليهما‏.‏ وفيه دليل على أن دية شبه العمد تحملها العاقلة‏.‏
2 - وعن المغيرة بن شعبة عن عمر‏:‏ ‏(‏أنه استشارهم في أملاص المرأة فقال المغيرة‏:‏ قضى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فيه بالغرة عبد أو أمة فشهد محمد بن مسلمة أنه شهد النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قضى به‏)‏‏.‏
متفق عليه‏.‏
3 - وعن المغيرة‏:‏ ‏(‏أن امرأة ضربتها ضرتها بعمود فسطاط فقتلتها وهي حبلى فأتي فيها النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقضى فيها على عصبة القاتلة بالدية في الجنين غرة فقال عصبتها أندى ما لا طعم ولا شراب ولا صاح ولا استهل مثل ذلك يطل فقال‏:‏ سجع مثل سجع الأعراب‏)‏‏.‏
رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي‏.‏ وكذلك الترمذي ولم يذكر اعتراض العصبة وجوابه‏.‏
4 - وعن ابن عباس في قصة حمل بن مالك قال‏:‏ ‏(‏فأسقطت غلاماً قد نبت شعره ميتاً وماتت المرأة فقضى على العاقلة بالدية فقال عمها‏:‏ إنها قد أسقطت يا نبي اللّه غلاماً قد نبت شعره فقال أبو القاتلة‏:‏ إنه كاذب إنه واللّه ما استهل ولا شرب فمثله يطل فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ أسجع الجاهلية وكهانتها أَدِّ في الصبي غرة‏)‏‏.‏
رواه أبو داود والنسائي وهو دليل على أن الأب من العاقلة‏.‏
حديث ابن عباس أخرجه أيضاً ابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححاه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في جنين امرأة‏)‏ الجنين بفتح الجيم وبعده نونان بينهما ياء تحتية ساكنة بوزن عظيم وهو حمل المرأة ما دام في بطنها سمي بذلك لاستتاره فإن خرج حياً فهو ولد أو ميتاً فهو سقط‏.‏ وقد يطلق عليه جنين‏.‏ قال الباجي في شرح رجال الموطأ‏:‏ الجنين ما ألقته المرأة مما يعرف أنه ولد سواء كان ذكراً أم أنثى ما لم يستهل صارخاً‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بغرة‏)‏ بضم الغين المعجمة وتشديد الراء وأصلها البياض في وجه الفرس قال الجوهري‏:‏ كأنه عبر الغرة عن الجسم كله كما قالوا أعتق رقبة‏.‏
وقوله‏:‏ ‏(‏عبد أو أمة‏)‏ تفسير للغرة وقد اختلف هل لفظ غرة مضاف إلى عبد أو منون قال الإسماعيلي‏:‏ قرأه العامة بالإضافة وغيرهم بالتنوين وحكى القاضي عياض الاختلاف وقال‏:‏ التنوين أوجه لأنه بيان للغرة ما هي وتوجيه الإضافة أن الشيء قد يضاف إلى نفسه لكنه نادر قال الباجي‏:‏ يحتمل أن تكون أو شكاً من الراوي في تلك الواقعة المخصوصة ويحتمل أن تكون للتنويع وهو الأظهر‏.‏ قال في الفتح‏:‏ قيل المرفوع من الحديث قوله بغرة‏.‏
وأما قوله عبد أو أمة فشك من الراوي في المراد بها وروي عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال‏:‏ الغرة عبد أبيض أو أمة بيضاء فلا يجزى عنده في دية الجنين الرقبة السواد وذلك منه مراعاة لأصل الاشتقاق وقد شذ بذلك فإن سائر أهل العلم يقولون بالجواز وقال مالك‏:‏ الحمران أولى من السودان قال في الفتح‏:‏ وفي رواية ابن أبي عاصم ما له عبد ولا أمة قال‏:‏ عشر من الإبل قالوا ما له شيء إلا أن تعينه من صدقة بني لحيان فأعانه بها وفي حديثه عند الحارث ابن أبي أسامة‏.‏ وفي الجنين غرة عبد أو أمة أو عشر من الإبل أو مائة شاة‏.‏ ووقع في حديث أبي هريرة‏:‏ ‏(‏قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في الجنين بغرة عبد أو أمة أو فرس أو بغل وكذا وقع عند عبد الرزاق عن حمل بن النابغة‏:‏ ‏(‏قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بالدية في المرأة وفي الجنين غرة عبد أو أمة أو فرس‏)‏ وأشار البيهقي إلى أن ذكر الفرس في المرفوع وهم وأن ذلك أدرج من بعض رواته على سبيل التفسير للغرة وذكر أنه في رواية حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن طاوس بلفظ‏:‏ ‏(‏فقضى أن في الجنين غرة‏)‏ قال طاوس‏:‏ الفرس غرة وكذا أخرج الإسماعيلي عن عروة قال‏:‏ الفرس غرة وكأنهما رأيا أن الفرس أحق بإطلاق الغرة من الآدمي‏.‏ ونقل ابن المنذر والخطابي عن طاوس ومجاهد وعروة بن الزبير الغرة عبداً أو أمة أو فرس‏.‏ وتوسع داود ومن تبعه من أهل الظاهر فقالوا يجزي كل ما وقع عليه اسم غرة‏.‏ وحكى في الفتح عن الجمهور أن أقل ما يجزى من العبد والأمة ما سلم من العيوب التي يثبت بها الرد في البيع لأن المعيب ليس من الخيار واستنبط الشافعي من ذلك أن يكون منتفعاً به بشرط أن لا ينقص عن سبع سبين لأن من لم يبلغها لا يستقل غالباً بنفسه فيحتاج إلى التعهد بالتربية فلا يجبر المستحق على أخذه ووافقه على ذلك القاسمية وأخذ بعضهم من لفظ الغلام المذكور في رواية أن لا يزيد على خمس عشرة ولا تزيد الجارية على عشرين‏.‏
وقال ابن دقيق العيد‏:‏ إنه يجزي ولو بلغ الستين وأكثر منها ما لم يصل إلى سن الهرم ورجحه الحافظ وذهب الباقر والصادق والناصر في أحد قوليه إلى أن الغرة عشر الدية وخالفهم في ذلك الجمهور وقالوا الغرة ما ذكر في الحديث‏.‏
قال في الفتح‏:‏ وتطلق الغرة على الشيء النفيس آدمياً كان أم غيره ذكراً أم أنثى‏.‏
وقيل أطلق على الآدمي غرة لأنه أشرف الحيوان فإن محل الغرة الوجه وهو أشرف الأعضاء قال في البحر‏:‏ واشتقاقها من غرة الشيء أي خياره وفي القاموس والغرة بالضم العبد والأمة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت‏)‏ في الرواية الثانية‏:‏ ‏(‏فقتلتها وما في بطنها‏)‏ وفي رواية المغيرة المذكورة‏:‏ ‏(‏فقتلتها وهي حبلى‏)‏ وفي حديث ابن عباس المذكور‏:‏ ‏(‏فأسقطت غلاماً قد نبت شعره ميتاً وماتت المرأة‏)‏ ويجمع بين هذه الروايات بأن موت المرأة تأخر عن موت ما في بطنها فيكون قوله‏:‏ ‏(‏فقتلتها وما في بطنها‏)‏ إخباراً بنفس القتل وسائر الروايات يدل على تأخر موت المرأة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في أملاص المرأة‏)‏ وقع تفسير الأملاص في الاعتصام من البخاري هو أن تضرب المرأة في بطنها فتلقي جنينها وهذا التفسير أخص من قول أهل اللغة أن الأملاص أن تزلقه المرأة قبل الولادة أي قبل حين الولادة هكذا نقله أبو داود في السنن عن ابن عبيد وهو كذلك في الغريب له وقال الخليل‏:‏ أملصت الناقة إذا رمت ولدها وقال ابن القطاع‏:‏ أملصت الحامل ألقت ولدها ووقع في بعض الروايات ملاص بغير ألف كأنه اسم فعل الولد فحذف وأقيم المضاف مقامه أو اسم لتلك الولادة كالخداج وروى الإسماعيلي عن هشام أنه قال الملاص الجنين‏.‏
وقال صاحب البارع‏:‏ الأملاص الإسقاط‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فشهد محمد بن مسلمة‏)‏ زاد البخاري في رواية‏:‏ ‏(‏فقال عمر من يشهد معك فقام محمد بن مسلمة فشهد له‏)‏‏.‏
وفي رواية له‏:‏ ‏(‏أن عمر قال للمغيرة لا تبرح حتى تجيء بالمخرج مما قلت قال‏:‏ فخرجت فوجدت محمد بن مسلمة فجئت به فشهد معي أنه سمع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قضى به‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فسطاط‏)‏ هو الخيمة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقضى فيها على عصبة القاتلة‏)‏ في حديث أبي هريرة المذكور‏:‏ ‏(‏وقضى بدية المرأة على عاقلتها‏)‏ وفي حديث ابن عباس المذكور أيضاً‏:‏ ‏(‏فقضى على العاقلة بالدية‏)‏ وظاهر هذه الروايات يخالف ما في الرواية الأولى من حديث أبي هريرة حيث قال ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة ويمكن الجمع بأن نسبة القضاء إلى كونه على المرأة باعتبار أنها هي المحكوم عليها بالجنابة في الأصل فلا ينافي ذلك الحكم على عصبتها بالدية والمراد بالعاقلة المذكورة هي العصبة وهم من عدا الولد وذوي الأرحام ووقع في رواية عن البيهقي‏:‏ ‏(‏فقال أبوها إنما يعقلها بنوها فاختصموا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال الدية على العصبة‏)‏ وفي حديث أبي هريرة المذكور‏:‏ ‏(‏فقضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بأن ميراثها لزوجها وبنيها وأن العقل على عصبتها‏)‏ وسيأتي الكلام على العاقلة وضمانها لدية الخطأ في باب العاقلة وما تحمله وقد استدل المصنف بحديث أبي هريرة المذكور على أن دية شبه العمد تحملها العاقلة وسيأتي تكميل الكلام عليه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مثل ذلك يطل‏)‏ بضم أوله وفتح الطاء المهملة وتشديد اللام أي يبطل ويهدر يقال طل القتل يطل فهو مطلول وروى بالباء الموحدة وتخفيف اللام على أنه فعل ماض من البطلان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال سجع مثل سجع الأعراب‏)‏ استدل بذلك على ذم السجع في الكلام ومحل الكراهية إذا كان ظاهر التكلف وكذا لو كان منسجماً لكنه في إبطال حق أو تحقيق باطل فأما لو كان منسجماً وهو حق أو في مباح فلا كراهية بل ربما كان في بعضه ما يستحب مثل أن يكون فيه إذعان مخالف للطاعة وعلى هذا يحمل ما جاء عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وكذا عن غيره من السلف الصالح‏.‏
قال الحافظ‏:‏ والذي يظهر لي أن الذي جاء من ذلك عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يكن عن قصد إلى التسجيع وإنما جاء اتفاقاً لعظم بلاغته وأما من بعده فقد يكون ذلك وقد يكون عن قصد وهو الغالب ومراتبهم في ذلك متفاوتة جداً‏.‏
وفي قوله في حديث ابن عباس المذكور‏:‏ ‏(‏أسجع الجاهلية وكهانتها‏)‏ دليل على أن المذموم من السجع إنما هو ما كان من ذلك القبيل الذي يراد به إبطال شرع أو إثبات باطل أو كان متكلفاً وقد حكى النووي عن العلماء أن المكروه منه إنما هو ما كان كذلك لا غير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حمل بن مالك‏)‏ بفتح الحاء المهملة والميم وفي بعض الروايات حمل بن النابغة وهو نسبة إلى جده وإلا فهو حمل بن مالك بن النابغة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال أبو القاتلة‏)‏ في رواية لمسلم وأبي داود‏:‏ ‏(‏فقال حمل بن النابغة وهو زوج القاتلة‏)‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ ‏(‏فقال ولي المرأة‏)‏ وفي حديث أبي هريرة المذكور‏:‏ ‏(‏فقال عصبتها‏)‏ وفي رواية للطبراني‏:‏ ‏(‏فقال أخوها العلاء بن مسروح‏)‏ وفي رواية للبيهقي من حديث أسامة بن عمير‏:‏ ‏(‏فقال أبوها‏)‏ ويجمع بين الروايات بأن كل واحد من أبيها وأخيها وزوجها قال ذلك لأنهم كلهم من عصبتها بخلاف المقتولة فإن في حديث أسامة بن عمير أن المقتولة عامرية والقاتلة هذلية فيبعد أن تكون عصبة إحدى المرأتين عصبة للأخرى مع اختلاف القبيلة‏.‏
وقد استدل بأحاديث الباب على أنه يجب في الجنين على قاتله الغرة إن خرج ميتاً‏.‏ وقد حكى في البحر الإجماع على أن المرأة إذا ضربت فخرج جنينها بعد موتها ففيها القود أو الدية‏.‏ وأما الجنين فذهبت العترة والشافعي إلى أن فيه الغرة وهو ظاهر أحاديث الباب‏.‏ وذهب أبو حنيفة ومالك إلى أنه لا يضمن وأما إذا مات الجنين بقتل أمه ولم ينفصل فذهبت العترة والحنفية والشافعية إلى أنه لا شيء فيه وقال الزهري إن سكنت حركته ففيه الغرة ورد بأنه يجوز بأن يكون غير آدمي فلا ضمان مع الشك‏.‏
قال في الفتح‏:‏ وقد شرط الفقهاء في وجوب الغرة انفصال الجنين ميتاً بسبب الجناية فلو انفصل حياً ثم مات وجب فيه القود أو الدية كاملة انتهى‏.‏ فإن أخرج الجنين رأسه ومات ولم يخرج الباقي فذهبت الحنفية والشافعية والهادوية إلى أن فيه الغرة أيضاً وذهب مالك إلى أنه لا يجب فيه شيء‏.‏
قال ابن دقيق العيد‏:‏ ويحتاج من اشترط الانفصال إلى تأويل الرواية وحملها على أنه انفصل وإن لم يكن في اللفظ ما يدل عليه وتعقب بما في حديث ابن عباس المذكور أنها أسقطت غلاماً قد نبت شعره ميتاً فإنه صريح في الانفصال وبما في حديث أبي هريرة المذكور في الباب بلفظ‏:‏ ‏(‏سقط ميتاً‏)‏ وفي لفظ للبخاري‏:‏ ‏(‏فطرحت جنينها‏)‏ وقيل هذا الحكم مختص بولد الحرة لأن القصة وردت في ذلك وما وقع في الأحاديث بلفظ أملاص المرأة ونحوه فهو وإن كان فيه عموم لكن الراوي ذكر أنه شهد واقعة مخصوصة‏.‏ وقد ذهب الشافعي والهادوية وغيرهم إلى أن في جنين الأمة عشر قيمة أمه كما أن الواجب في جنين الحرة عشر ديتها‏.‏
باب من قتل في المعترك من يظنه كافراً فبان مسلماً من أهل دار الإسلام
1 - عن محمود بن لبيد قال‏:‏ ‏(‏اختلفت سيوف المسلمين على اليمان أبي حذيفة يوم أحد ولا يعرفونه فقتلوه فأراد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يديه فتصدق أبو حذيفة بديته على المسلمين‏)‏‏.‏
رواه أحمد‏.‏
2 - وعن عروة بن الزبير قال‏:‏ ‏(‏كان أبو حذيفة اليمان شيخاً كبيراً فرفع في الآطام مع النساء يوم أحد فخرج يتعرض للشهادة فجاء من ناحية المشركين فابتدره المسلمون فتوشقوه بأسيافهم وحذيفة يقول أبي أبي فلا يسمعونه من شغل الحرب حتى قتلوه فقال حذيفة‏:‏ يغفر اللّه لكم وهو أرحم الراحمين فقضى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بديته‏)‏‏.‏
رواه الشافعي‏.‏
حديث محمود بن لبيد في إسناده محمد بن إسحاق وهو مدلس وبقية رجاله رجال الصحيح‏.‏ وأصل الحديثين في صحيح البخاري وغيره عن عروة عن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏لما كان يوم أحد هزم المشركون فصاح إبليس أي عباد اللّه أخراكم فرجعت أولادهم فاجتلدت هي وأخراهم فنظر حذيفة فإذا هو بأبيه اليمان فقال‏:‏ أي عباد اللّه أبي أبي قالت‏:‏ فواللّه ما احتجزوا حتى قتلوه قال حذيفة‏:‏ غفر اللّه لكم قال عروة‏:‏ فما زالت في حذيفة منه بقية خير حتى لحق باللّه‏)‏ وقد أخرج أبو إسحاق الفزاري في السيرة عن الأوزاعي عن الزهري قال‏:‏ أخطأ المسلمون بأبي حذيفة يوم أحد حتى قتلوه فقال حذيفة‏:‏ يغفر اللّه لكم وهو أرحم الراحمين فبلغت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فوداه من عنده‏.‏
وأخرج أبو العباس السراج في تاريخه من طريق عكرمة أن والد حذيفة قتل يوم أحد قتله بعض المسلمين وهو يظن أنه من المشركين فوداه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏ قال في الفتح‏:‏ ورجاله ثقات مع إرساله انتهى‏.‏ وهذان المرسلان يقويان مرسل عروة المذكور في الباب في دفع أصل الدية وإن كان حديث عروة يدل على أنه لم يحصل منه صلى اللّه عليه وآله وسلم إلا مجرد القضاء بالدية ومرسل الزهري وعكرمة يدلان على أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم وداه من عنده‏.‏ وحديث محمود بن لبيد المذكور يدل على أن حذيفة تصدق بدية أبيه على المسلمين ولا تعارض بينه وبين تلك المرسلات لأن غاية ما فيها أنه وقع القضاء منه صلى اللّه عليه وآله وسلم بالدية أو وقع منه الدفع لها من بيت المال وليس فيها أن حذيفة قبضها وصيرها من جملة ماله حتى ينافي ذلك تصدقه بها عليهم‏.‏ ويمكن الجمع أيضاً بين تلك المرسلات بأنه وقع منه صلى اللّه عليه وآله وسلم القضاء بالدية ثم الدفع لها من بيت المال ثم تعقب ذلك التصدق بها من حذيفة‏.‏
وقد استدل المصنف رحمه اللّه تعالى بما ذكره على الحكم فيمن قتله قاتل في المعركة وهو يظنه كافراً ثم انكشف مسلماً وقد ترجم البخاري على حديث عائشة الذي ذكرناه فقال باب إذا مات من الزحام وترجم عليه في باب آخر فقال باب العفو في الخطأ بعد الموت‏.‏
قال ابن بطال‏:‏ اختلف على عمر وعلي عليه السلام هل تجب الدية في بيت المال أو لا وبه قال إسحاق أي بالوجوب وتوجيهه أنه مسلم مات بفعل قوم من المسلمين فوجبت ديته في بيت مال المسلمين‏.‏
وروى مسدد في مسنده من طريق يزيد بن مذكور أن رجلاً زحم يوم الجمعة فمات فوداه علي رضي اللّه تعالى عنه من بيت مال المسلمين‏.‏
وقال الحسن البصري‏:‏ إن ديته تجب على جميع من حضر وإلى ذلك ذهبت الهادوية‏.‏ وقال الشافعي ومن وافقه أنه يقال لولي المقتول ادع على من شئت واحلف فإن حلفت استحققت الدية وإن نكلت حلف المدعى عليه على النفي وسقطت المطالبة وتوجيهه أن الدم لا يجب إلا بالطلب ومنها قول مالك دمه هدر وتوجيهه إذا لم يعلم قاتله بعينه استحال أن يؤخذ به أحد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الآطام‏)‏ جمع أطم وهو بناء مرتفع كالحصن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏توشقوه‏)‏ بالشين المعجمة وبعدها قاف أي قطعوه بأسيافهم ومنه الوشيقة وهي اللحم يغلى ثم يقدد ‏.‏
باب ما جاء في مسألة الزبية والقتل بالسبب
1 - عن حنش بن المعتمر عن علي رضوان اللّه عليه قال‏:‏ ‏(‏بعثني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى اليمن فانتهينا إلى قوم قد بنوا زبية للأسد فبينما هم كذلك يتدافعون إذ سقط رجل فتعلق بآخر ثم تعلق الرجل بآخر حتى صاروا فيها أربعة فجرحهم الأسد فانتدب له رجل بحربة فقتله وماتوا من جراحتهم كلهم فقام أولياء الأول إلى أولياء الآخر فأخرجوا السلاح ليقتتلوا فأتاهم علي رضوان اللّه عليه على تفئة ذلك فقال‏:‏ تريدون أن تقتتلوا ورسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حي إني أقضي بينكم قضاء إن رضيتم به فهو القضاء وإلا حجر بعضكم على بعض حتى تأتوا النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فيكون هو الذي يقضي بينكم فمن عدا بعد ذلك فلا حق له اجمعوا من قبائل الذين حضروا البئر ربع الدية وثلث الدية ونصف الدية والدية كاملة فللأول ربع الدية لأنه هلك من فوقه ثلاثة وللثاني ثلث الدية وللثالث نصف الدية وللرابع الدية كاملة فأبوا أن يرضوا فأتوا النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو عند مقام إبراهيم فقصوا عليه القصة فأجازه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏
رواه أحمد ورواه بلفظ آخر نحو هذا وفيه‏:‏ ‏(‏وجعل الدية على قبائل الذين ازدحموا‏)‏‏.‏
2 - وعن علي بن رياح اللخمي‏:‏ ‏(‏أن أعمى كان ينشد في الموسم في خلافة عمر بن الخطاب وهو يقول‏:‏
يا أيها الناس لقيت منكراً ** هل يعقل الأعمى الصحيح المبصرا ** خرا معا كلاهما تكسرا **
وذلك أن أعمى كان يقوده بصيراً فوقعا في بئر فوقع الأعمى على البصير فمات البصير فقضى عمر بعقل البصير على الأعمى‏)‏‏.‏
رواه الدارقطني‏.‏
وفي الحديث‏:‏ ‏(‏أن رجلاً أتى أهل أبيات فاستسقاهم فلم يسقوه حتى مات فأغرمهم عمر الدية‏)‏ حكاه أحمد في رواية ابن المنصور وقال أقول به‏.‏
حديث حنش بن المعتمر أخرجه أيضاً البيهقي والبزار قال‏:‏ ولا نعلمه يروى إلا عن علي ولا نعلم له إلا هذه الطريقة وحنش ضعيف وقد وثقه أبو داود قال في مجمع الزوائد وبقية رجاله رجال الصحيح‏.‏ وأثر علي بن رياح أخرجه أيضاً البيهقي وهو من رواية موسى بن علي بن رياح عن أبيه قال الحافظ‏:‏ وفيه انقطاع ولفظه‏:‏ ‏(‏فقضى عمر بعقل البصير على الأعمى فذكر أن الأعمى كان ينشد ثم ذكر الأبيات‏)‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏زبية للأسد‏)‏ بضم الزاي وسكون الموحدة بعدها تحتية وهي حفرة الأسد وتطلق أيضاً على الرابية بالراء قال في القاموس‏:‏ والزبية بالضم الرابية لا يعلوها ماء ثم قال‏:‏ وحفرة للأسد انتهى‏.‏ والمقصود هنا الحفرة التي يحفرها الناس ليقع فيها الأسد فيقتلونه ومن إطلاق الزبية على المحل المرتفع قول عثمان بن عفان يخاطب علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه أيام حصره في الدار‏:‏ ‏(‏قد بلغ السيل الزبى ونالني ما حسبي به وكفى‏)‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏على تفئة ذلك‏)‏ بالتاء الفوقية المفتوحة وكسر الفاء ثم همزة مفتوحة‏.‏ قال في القاموس‏:‏ تفئة الشيء حينه وزمانه‏.‏
وقد استدل بهذا القضاء الذي قضى به أمير المؤمنين وقرره رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على أن دية المتجاذبين في البئر تكون على الصفة المذكورة فيؤخذ من قوم الجماعة الذين ازدحموا على البئر وتدافعوا ذلك المقدار ثم يقسم على تلك الصفة فيعطى الأول من المتردين ربع الدية ويهدر من دمه ثلاثة أرباع لأنه هلك بفعل المزدحمين وبفعل نفسه وهو جذبه لمن بجنبه فكأن موته وقع بمجموع الازدحام ووقوع الثلاثة الأنفار عليه ونزل الازدحام منزلة سبب واحد من الأسباب التي كان بها موته ووقوع الثلاثة عليه منزلة ثلاثة أسباب فهدر من ديته ثلاثة أرباع واستحق الثاني ثلث الدية لأنه هلك بمجموع الجذب المتسبب عن الازدحام ووقوع الاثنين عليه ونزل الازدحام منزلة سبب واحد ووقوع الاثنين عليه منزلة سببين فهدر من دمه الثلثان لأن وقوع الاثنين عليه كان بسببه واستحق الثالث نصف الدية لأنه هلك بمجموع الجذب ممن تحته المتسبب عن الازدحام وبوقوع من فوقه عليه وهو واحد وسقط نصف ديته ولزم نصفها والرابع كان هلاكه بمجرد الجذب له فقط فكان مستحقاً للدية كاملة ولم يجعل للجناية التي وقعت من الأسد عليهم حكم جناية من تضمن جنايته حتى ينظر في مقدار ما شاركها من الوقوع الذي كان هلاك الواقعين بمجموعها والمعروف في كتب الفقه أنه إذا تجاذب جماعة في بئر بأن سقط الأول ثم جذب من بجنبه فوقع عليه ثم كذلك حتى صار الواقعون في البئر مثلاً أربعة فإنه يهدر من الأول سقوط الثاني عليه لأنه بسببه وهو ربع الدية ويضمن الحافر ربع ديته والثالث والرابع نصفها ويهدر من الثاني سقوط الثالث عليه وحصته ثلث ديته ويضمن الأول ثلث ديته والثالث ثلثها ويهدر من الثالث وقوع الرابع عليه وحصته نصف الدية ويضمن الباقي نصفها ويضمن الثالث جميع دية الرابع هذا إذا هلكوا بمجموع الوقوع في البئر وصدم بعضهم لبعض وأما إذا لم يتصادموا بل تجاذبوا ووقع كل واحد منهم بجانب من البئر غير جانب صاحبه فإنها تكون دية الأول على الحافر ودية الثاني على الأول ودية الثالث على الثاني ودية الرابع على الثالث‏.‏
وأما إذا تصادموا في البئر ولم يتجاذبوا فربع دية الأول على الحافر وعلى الثلاثة ثلاثة أرباع ونصف دية الثاني على الثالث والنصف الآخر على الرابع ودية الثالث على الرابع وبهدر الرابع وهذا إذا كان الموت وقع بمجرد المصادمة من دون أن يكون للهوى تأثير وإلا كان على الحافر من الضمان بقدر ذلك ويكون الضمان في صورة التصادم والتجاذب على عاقلة الحافر‏.‏ وفي أموال المتجاذبين المتصادمين وفي صورة التجاذب فقط كذلك‏.‏ وأما في صورة التصادم فقط فعلى عواقلهم فقط وأما إذا لم يكن تجاذب ولا تصادم فالديات كلها على عاقلة الحافر – والحاصل - أن من كان جانياً على غيره خطأ فما لزم بالجناية على عاقلته ومن كان جانياً عمداً فمن ماله وتحمل قصة الأعمى المذكورة في الباب على أنه لم يقع على البصير بجذبه له وإلا كان هدراً‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فاستسقاهم فلم يسقوه‏)‏ الخ فيه دليل على أن من منع من غيره ما يحتاج إليه من طعام أو شراب مع قدرته على ذلك فمات ضمنه لأنه متسبب بذلك لموته وسد الرمق واجب وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا مات الشخص بسبب ومباشرة يكون الضمان على المباشر فقط‏.‏
قال في البحر‏:‏ مسألة ومن سقط في بئر فجر آخر فماتا بالتصادم والهوى ضمن الحافر نصف دية الأول فقط وهدر نصف إذ مات بسببين منه ومن الحافر‏.‏ وقيل لا شيء على الحافر إذ هو فاعل سبب والجذب مباشرة وأما المجذوب فعلى الجاذب قولاً واحداً إذ هو المباشر انتهى ‏.‏


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق