الأحد، 14 ديسمبر 2014

كتاب الدرة الغراء في نصيحة السلاطين والقضاة والأمراء - الباب السادس في قواعد الأجناد وآدابها

كتاب
الدرة الغراء في نصيحة السلاطين والقضاة والأمراء

العلامة
محمود بن إسماعيل بن إبراهيم الجذبتي

دار النشر / مكتبة نزار مصطفى الباز - الرياض - 1417هـ- 1996م
عدد الأجزاء / 1




الباب السادس في قواعد الأجناد وآدابها
اعلم أنه لا يخفى في العالم أن خدمة السلاطين والأمراء والملوك أمر عظيم وكل من يجعل نفسه في خدمة الملك فإنه في معرض الخطر والخطأ ومن أجل ذلك قال النبي عليه السلام من اقترب أبواب السلطان افتتن وتقول العرب من شرب من كأس الملوك احترقت شفتاه ففي الجملة إن قدر الله - تعالى - لرجل خدمة الملوك والتقرب عندهم ينبغي له ألا يخاف الملك في كل الأحوال لأن النبي _ عليه السلام - قال إن الله ليغضب على من خالف السلطان وقال الحكماء من خدم السلطان خدمه الإخوان إذا تغير السلطان تغير الزمان

واعلم أنما يليق الرجل لخدمة السلطان إذا حافظ عشر قواعد فحينئذ يأمن من غضب الملوك ويبعد عن شرورهم ويكون ذا عزة عند الملوك القاعدة الأولى ينبغي لأجناد الملك وخدامه ألا ينكروا على أفعال الملك وأقواله وإن كانت تلك الأقوال والأفعال منكرة في الشرع بل الأجناد يمنعون الملك عن منكرات الشرع بالتأني والتدريج القاعدة الثانية هي أن يشتغل الأجناد والخدام جميع أوقاتهم باستمالة قلب الملك وكل شيء يعمل الأجناد والخدام ينبغي أن يكون على وجه العبودية والخضوع القاعدة الثالثة هي ألا يعارض الخادم للملك بالحجة ولا يخالف أمر الملك القاعدة الرابعة هي ألا يغتر الأجناد والخدام ببساطة وجه الملك واستمالته ولا يأمن من مكر الملك بل يعلم محبته من عطائه فإن كان عطاؤه كثيرا يعلم أن محبته معه كثير وإن كان عطاؤه قليلا يعلم أن محبته معه قليل وقال الحكماء ثلاثة أشياء على مقدار عقول أربابها الكتاب يدل على مقدار عقل كاتبه والرسول يدل على مقدار عقل مرسله والهدية تدل على مقدار همة مهديها القاعدة الخامسة هي أن يحفظ الخادم لسانه عن الخصومة في حضرة الملك مع رجل آخر ولا يغضب رجلا عند الملك لأنه إذا أغضب الخادم رجلا عند الملك فكأنه يغضب الملك القاعدة السادسة إذا كانت الأجناد أو الخدام في خضرة الملك يتوجه بعينه وإذنه إلى أمر الملك ويمتثل بإشارته وأمره القاعدة السابعة هي أن الخادم إذا خاطب الملك ينبغي للخادم أن يكون لين الكلام ويكون كلامه أخفض من كلام الملك ولا يتحاج من الملك

القاعدة الثامنة هي ألا يكثر الخادم طلب الحوائج من الملك كي لا ينقص حرمته عند الملك وإن عرض الخادم حاجة للملك فلم يقض الملك حاجته فينبغي للخادم ألا يغتم بذلك ولا يغضب الخادم الملك لذلك السبب ولا يبعد عن خدمة الملك لأجل عدم قضائه الحاجة لئلا يكون هلاك الخادم في ذلك الغضب والبعد القاعدة التاسعة هي أن يعتاد الخادم في خدمة الملك أن يكون على أطيب خلق وطلاقة وجه ويحترز عن الحزن وعبوس الوجه عند الملك القاعدة العاشرة ألا يعقد الخادم مع خدام الملك العداوة وإن كان بينه وبين خادم آخر عداوة فلا يظهر تلك العداوة عند الملك وإن شكا الخادم من خادم آخر إلى الملك فينبغي للخادم أن يعرض الشكاية للملك على طريق النصيحة والتعريض ليقع كلامه محل القبول عند الملك ففي الجملة ينبغي للأجناد والخدام أن يكون شعارهم ودثارهم عند الملك الصبر والرفق والمداراة والأدب لأن الأدب مفيد في جميع المواضع أما في مجلس الملك أعظم فائدة قال أفلاطون ينبغي للعاقل ألا يكلم الملك بالمجاهرة والغضب ولا يجاري على الملك في الكلام ولا يغتر باستمالة الملوك ولا بالتقرب عندهم لأن في التقرب عندهم حصول خطر البعد عن الملك وفي القبول عندهم يحصل الخذلان والهوان وقال سقراط إذا عفا الملك عن جرم رجل ينبغي أن يعرف الرجل حق ذلك العفو ولا ينبغي للرجل أن يفعل مرة أخرى ذلك الجرم وقال أفلاطون الحكيم لا يمكن خدمة الملك إلا بثلاثة أشياء أن يغمض عينه عن مساوئ الملك ويقصر يده عن أخذ مال الملك بغير أمره ويحفظ لسانه عن غيبة الملك وقال حكماء اليونان ثلاثة أشياء من علامات عدم السعادة الأول ألا يرى عيبه والثاني أن يطلب عيب غيره والثالث الكذب في القول

وقال أنو شروان العادل لا يبلغ الرجل مراده في خدمة الملوك فإذا لم يبلغ مراده فينبغي ألا يمنع إحسانه من أصدقائه وينبغي للوزير والخادم ألا يرجع السائلين من بابه محرومين فإنه من أعظم العيوب عند العقلاء عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال لابنه محمد إياك والسؤال فإنه يخلق الوجه ويذهب بهاءه ويطفئ نوره ويضع الأقدار ويحط الأخطار ويكسو الذلة والصغار وقال الحسن بن علي رضي الله عنه من رجا نوالا فقد باع حياته بالموت واستبدل بالعز الذل وقال المهلب لبنيه إياكم ورد السائلين فإني ما رأيت شيئا أذل من السؤال فلا تجمعوا عليه ذلين ذل السؤال وذل الرد وقال حكيم ما أحب أن أرد ذا حاجة فإنه لا يخلو إما أن يكون كريما فأصون وجهه أو لئيما فأصون عرضي عنه وقال الأصمعي سمعت أعرابيا يوصي إلى ولده ويقول إن افتقرت فمت
قبل أن تسأل وإن استغنيت فأعط قبل أن تسئل وإياك ورد الطالب فإنه قد باع نفسه وقال بزرجمهر ينبغي للرجل أن يعيش مع الملك كما يعيش العبد مع سيده لأن الملك لا يخرج عن كونه ظل الله والرعية لا تخرج عن ذل العبودية وقال الحكماء فساد الرعية بلا ملك كفساد الجسم بلا روح إذا تغير السلطان تغير الزمان شعر ( الوافر )
إذا ما اللحم أنتن ملحوه
ونتن الملح ليس له دواء
وقال الحكماء احذروا من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره قيل لحكيم لم لا تشرب الشراب قال أكره أن أصبح سيد قوم وأمسي سفيههم وينبغي للأجناد والخدام أن يكونوا أصبر الخلائق على أذى الملك لأن العقلاء قالوا إن في الصبر خمس فوائد كل ذلك مستحسن ومطلوب وفي العجلة خمسة أشياء كل ذلك مذموم الأول في الصبر رجاء الفرج كما قال النبي عليه السلام الصبر مفتاح الفرج فعلم من هذا الحديث أن في العجلة لا يرجى الفرج

والثاني أن في الصبر رجاء الصواب وفي العجلة رجاء الخطأ كما قال النبي عليه السلام من تأنى أصاب أو كاد ومن تعجل أخطأ أو كاد والثالث أن في الصبر رجاء النصرة كما قال عليه السلام إن النصر مع الصبر فيعلم منه أن في العجلة عدم النصر وهو الهزيمة والرابع أن في الصبر رجاء الحسنة لأنه ذكر في التوراة لا حسنة أعلى من الصبر فعلم من ذلك أن في العجلة السيئة والخامس أن في الصبر الاقتداء بالرسل - عليهم السلام - كما قال الله تعالى ( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم ) ( الأحقاف 35 ) فعلم من هذه الآية أن الصبر من المأمورات والعجلة من قبيل المنهيات لأنها ضد الصبر قال علي كرم الله وجهه كل رجل يبعد عن أربعة أشياء فإن ذلك الرجل يكون بعيدا عن السيء والمكروه الأول العجلة والثاني الغضب والثالث العجب والرابع التكاسل وقال النبي عليه السلام التعجيل لا يباح في المأمور إلا في ثلاثة أشياء الأول في تزويج البنت والثاني في دفن الميت والثالث في إحضار الطعام إلى الضيف
فصل في الموعظة ( والنصيحة)
كتب أبو الدرداء إلى مسلمة بن مخلد سلام عليك أما بعد فإن العبد إذا عمل بطاعة الله تعالى أحبه الله تعالى وإذا أحبه الله تعالى حببه إلى عباده وإن العبد إذا عمل بمعصية الله أبغضه الله وإذا أبغضه بغضه إلى عباده وكان رسول الله - {صلى الله عليه وسلم} - يقول يا أبا ذر أوصيك بوصية إن لزمتها قرت عينك انظر إلى من هو دونك ولا تنظر إلى من هو فوقك فإنك إذا فعلت ذلك خشع قلبك وإن لم تفعل شمخ قلبك فشمخ معه السمع والبصر شعر ( البسيط )
من رام عيشا رغيدا يستفيد به
في دينه ثم في دنياه إقبالا
فلينظرن إلى من فوقه عملا
ولينظرن إلى من دونه مالا
وقال لقمان الحكيم - عليه السلام - لابنه لا تجمع المال لولدك فإن كان الولد من الأبرار فإن الله لا يضيع الأبرار وإن كان من الفجار فلا تجمع المال للفجار
شعر ( الوافر )
جرى قلم القضاء بما يكون
فسيان التحرك والسكون

جنون منك أن تسعى لرزق
فيرزق في غشاوته الجنين
وقال بعض النصاح أما ينفعك موعظة مشاهدة جنازة والدك وحضورك وفاة أخيك وأنت بينهما عارية وسأل موسى عليه السلام ربه أن يجعل في كل ألف من بني إسرائيل واعظا يعظهم فأوحى الله سبحانه وتعالى إليه أن يا موسى أني قد أقمت بين كل خمسة منهم واعظا يعظهم يعني الأربعة الباقية - فقال موسى عليه السلام من ذلك الواعظ يا رب فقال الميت على السرير يعظ حامليه الأربعة حكاية يحكى أن رجلا كان له ابن صغير يكون معه في الفراش فليلة اضطرب الابن ولم ينم فقال له أبوه ما لك يا بني أبك وجع قال لا يا أبت ولكن غدا يوم الخميس يوم يعرض المتعلم على المعلم فأخاف من ذلك فقام الرجل إلى صحن الدار ووضع التراب على رأسه وقال أنا أحق بهذا البكاء لأني أعرض يوم القيامة على ربي قال رجل لحاتم الأصم إني أريد سفرا فأوصني فقال إن أردت الأنيس فعليك بالقرآن وإن أردت الرفيق فالملائكة الكرام وإن أردت الحبيب فالله تعالى فرح قلوب أحبابه وعن الأنطاكي - رحمه الله - قال خمس من دواء القلب مجالسة الصالحين وقراءة القرآن وخلاء البطن وقيام الليل والتضرع عند الصحة

وقال رجل لذي النون المصري أوصني فقال إن أردت أن تذهب قساوة قلبك فأدم الصيام وإن وجدت قساوة فأطل القيام وإن وجدت قساوة فذر الحرام وإن وجدت قساوة فصل الأرحام فإن وجدت قساوة فالطف بالأيتام اعلم أن القلب عبارة عن قطعة من دم جامدة سوداء وهو مستكن في الفؤاد وهو بيت النفس ومسكن العقل وقساوة القلب عبارة عن عدم قبول ذكر الله تعالى والخوف والرجاء وغير ذلك من الخصال الحميدة وعدم هذه الخصال لبعد الناس من الله تعالى وقال رجل لحامل اللفاف عظني فقال اجعل لدينك غلافا كغلاف المصحف لئلا يدنسه الآفات فقال الرجل ما غلاف ذلك قال ترك طلب الدنيا إلا ما لا بد منه وترك مخالطة الناس إلا ما لا بد منه حكاية كان لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - صحيفة يكتب جميع ما كان يفعل في أسبوع من الخير والشر فإذا كان يوم الجمعة يعرض أعمال الأسبوع على نفسه فلما بلغ شيئا لم يكن فيه رضاء الله - تعالى - جعل يضرب الدرة على نفسه ويقول لم فعلت هذا فلما مات وأرادوا إخراج ثيابه فإذا ظهره وجنبه مسودة من كثر الضرب أوحى الله - تعالى - إلى داود عليه السلام يا داود هل تدري من أغفر له ذنوبه قال من هو يا رب قال الذي إذا ذكر ذنوبه ارتعدت فرائصه فذلك العبد الذي آمر ملائكتي أن تمحو عنه ذنوبه

وقال داود أين أجدك إلهي إذا طلبتك قال عند المنكسرة قلوبهم من مخافتي وقال أبوعلي الروذباري رحمه الله إن الله - تعالى - وضع لعباده ثلاث شبكات شبكة العفو للمذنبين وطرح حواليها حبوب التوبة فإذا تاب العبد وندم جرته شبكة العفو إلى مغفرته ورضوانه ووضع شبكة البشارة للنبيين وطرح حواليها حبوب الطاعة فإذا أطاع العبد ربه جرته شبكة البشارة إلى التوفيق والاعتصام والانقطاع عما سواه ووضع شبكة بره للعارفين وطرح حواليها حبوب المحبة فإذا طلب المحب مرضاة حبيبه جرته شبكة بره إلى أياديه القديمة وإلى بره الأزلي ويروى أن رجلا أتى النبي - {صلى الله عليه وسلم} - فقال يا رسول الله قد بارك الله لهذه الأمة فخصني بخصلة خير فقال عليك بالصلاة في الجماعة فإن فيها النجاة وإن علمت أن فيها الهلكة وعليك بطلب العلم فإنه شرف لك في الدنيا والآخرة وإذا أردت أمرا فتدبر عاقبته فإن كان رشدا فأمضه وإن كان غيا فأمسك نفسك عنه قيل لواحد من الحكماء لماذا لا تتعلم الفقه والعلم فقال تعلمت ثلاث مسائل من كتب الفقه من كتاب النكاح أن الجمع بين الأختين حرام بالنص فقلت الدنيا أخت الآخرة فلا أجمع بينهما

ومن كتاب الطلاق أن مطلقة النبي - عليه السلام - لا يجوز نكاحها بالنص قال الله تعالى ( ولا تنكحوا أزواجه من بعده أبدا ) ( الأحزاب 53 ) فقلت الدنيا مطلقة النبي - عليه السلام - فلا يجوز أن أتزوجها ومن كتاب البيوع الحنطة بالحنطة مثلا بمثل يدا بيد والفضل ربا فقلت الصاع من العمر بصاع من الرزق والفضل ربا حرام قال علي كرم الله وجهه الفتوة أربعة العفو عند المقدرة والتواضع عند الرفعة والنصيحة عند العداوة والعطية بغير منة قال الأصمعي لما حج أمير المؤمنين هارون الرشيد - رحمه الله - وانصرف إلى الكوفة بقى بها أياما فلما أراد الانصراف وبدت هوادجه تخرج خرج الناس ينظرون إلى بهجة الخلافة وبين يديه الطرد والدفع والمنع فإذا بهلول المجنون والصبيان حوله فقال من هذا الذي يجرء علينا طريقنا هذه فقال له محمد بن الأحنف هذا بهلول المشوش يا أمير المؤمنين فخرج إليه هارون فأخذ بعنان فرسه وأقبل عليه بوجهه فقال له ما حاجتك يا بهلول فقال النصيحة لوجه الله والتذكير لطاعة الله - تعالى - فقال بلى قال يا هارون حدثني أبي عن جدي عن أحمد بن وائل عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن

النبي عليه السلام أنه خرج من مكة يريد المدينة على هذه المحجة التي أنت عليها وهو على بغلته الدلدل وليس بين يديه طرد ولا دفع ولا منع وهو يقول يا أيها الناس رحمكم الله ليلطف بعضكم على بعض فإن الله لطيف بالعباد قال هارون زدني يا بهلول قال نعم يا هارون حدثني أحمد بن وائل عن معبد العامري قال سمعت رسول الله - {صلى الله عليه وسلم} - يقول وهو بعرفات وبيده قضيبه الممشوق من رزقه الله جمالا في الدنيا ومالا فأتعب جماله في طاعة الله تعالى وبذل ماله في مرضاة الله كان حقيقا على الله أن يسكنه في ديوان الأبرار يوم القيامة قال له هارون أتأخذ مني جائزة يا بهلول قال والله ما أرضاها لك فكيف لنفسي اصرفها على الذي أخذتها منه فهو أحق بها قال فأجري عليك عطائي من مالي يا بهلول قال يا هارون أليس رزقي ورزقك على الله قال بلى قال يا هارون فتظن أنه يذكرك وينساني ثم ركب القصبة وجعل يكر على الصبيان حكاية قيل لما حج هارون الرشيد ماشيا فرش له من العراق إلى الحجاز اللبود والمرعزي لأنه قد حلف أن يحج ماشيا فاستند يوما إلى ميل من الحجر - وقد تعب تعبا شديدا - فإذا سعدون المجنون قد غار منه فأنشد شعرا ( الهزج )
هب الدنيا تواتيك
أليس الموت يأتيك
فما تصنع بالدنيا
وظل الميل يكفيك
ألا يا طالب الدنيا
دع الدنيا لشانيك
كما أضحكك الدهر
كذاك الدهر يبكيك
فشهق الرشيد وخر مغشيا عليه وقد فاته ثلاث صلوات .
وقيل أوحى الله - تعالى - إلى داود عليه السلام انصب كرسيا للقمان واسمع منه الحكمة ففعل ذلك قال يا داود اسمع مني ست كلمات يدخل فيها علم الأولين والاخرين ليكن همك على الدنيا بمقدار مقامك فيها

وليكن عملك للآخرة بقدر لبثك فيها ولتكن جرأتك على المعاصي بقدر صبرك على النار وليكن خدمتك لمولاك بقدر حاجتك إليه وليكن انفكاك رقبتك على النار بقدر طاعتك وإذا اردت أن تعصي مولاك فاختر موضعا لا يراك .
ولما حان للخضر وموسى - عليهما السلام - أن يتفرقا قال يا موسى لو صبرت علي لأتيت على ألف عجيبة كل أعجب مما رأيت فبكى موسى عليه السلام على فراقه وقال للخضر أوصني يا نبي الله فقال يا موسى اجعل همك في معادك ولا تخض فيما لا يعنيك ولا تأمن الخوف في أمنك ولا تيأس من الأمن في خوفك ولا تذر الإحسان في قدرتك قال له موسى عليه السلام زدني - رحمك الله - فقال له الخضر إياك والإعجاب بنفسك والتفريط فيما بقى من عمرك وهم من لا يغفل عنك قال له موسى عليه السلام زدني رحمك الله فقال له الخضر إياك واللجاج ولا تمش في غير حاجة ولا تضحك من غير عجب وابك على خطيئتك يا ابن عمران فقال موسى عليه السلام قد بلغت في الوصية فأتم الله - تعالى - عليك نعمته وغمرك في رحمته وكلأك من عدوه فقال له الخضر آمين فأوصني أنت يا موسى فقال له موسى عليه السلام إياك والغضب إلا في أمر الله تعالى فقال له الخضر قد أبلغت في الوصية فأعانك الله على طاعته وحببك إلى خلقه ووسع عليك من فضله فقال له موسى عليه السلام آمين ثم قال له موسى يا نبي الله من أجل أي شيء أعطاك الله الحياة من بين العباد فلا تموت حتى تسأل الله تعالى ذلك واطلعت على ما في قلوب العباد فقال له يا موسى على الصبر على معصية الله تعالى والشكر لله في نعمته وسلامة القلب لا أخاف ولا أرجو غير الله تعالى يا ابن عمران والله أعلم
وقال النبي عليه السلام ناجى موسى - عليه السلام - ربه فقال يا رب إني خفت من الفقر ومن عذاب القبر ومن سكرات الموت ومن أهوال القيامة قال الله تعالى يا موسى إن خفت من الفقر فعليك بصلاة الضحى وإن خفت من عذاب القبر فعليك بركعتين بين المغرب والعشاء وإن خفت من سكرات الموت

فعليك بقيام الليل وإن خفت من أهوال القيامة فعليك بإطعام المساكين والله الموفق



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق