الاثنين، 8 ديسمبر 2014

العقوبات التبعية للقتل العمد ..من كتاب التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي – الجزء الثاني – د. عبد القادر عودة

القتل

من كتاب التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي
الجزء الثاني


الدكتور: عبد القادر عودة




المبحث الرابع

عقوبات القتل العمد




العقوبات التبعية للقتل العمد


221- العقوبات التبعية للقتل عقوبتان: الأولى: الحرمان من الميراث، الثانية: الحرمان من الوصية.
أولاً: الحرمان من الميراث
222- الأصل فى ذلك قوله عليه السلام: "ليس للقاتل شئ من الميراث، وليس للقاتل ميراث بعد كصاحب البقرة".
وقد اختلف الفقهاء فى تطبيق النص اختلافًا كبيرًا بحيث لا يتفق مذهبان فى هذه المسالة.
_________
(1) مواهب الجليل ج4 ص127 , مجمع الأنهر ج1 ص426 , المهذب ج2 ص129 , الإقناع ج4 ص92.
(2) شرح الدردير ج4 ص254 , البحر الرائق ج8 ص329 , المهذب ج2 ص234 , المغنى ج10 ص41.
(3) مجمع الأنهر ج1 ص224 , مواهب الجليل ج2 ص395 , المهذب ج1 ص189.
(2/185)
________________________________________
223- فالإمام مالك يرى أن القتل المانع من الميراث هو القتل العمد، سواء كان القتل مباشرة أو تسببًا وسواء اقتص من القاتل أو درئ عنه القصاص بسبب ما.
ويلاحظ أن القتل العمد عند مالك يشمل شبه العمد أيضًا لأنه يقسم القتل إلى عمد وخطأ. أما القتل الخطأ عند مالك فلا يحرم القاتل من ميراث المقتول وإنما يحرمه فقط من الدية التى وجبت بالقتل. واختلف فى مذهب مالك فى الصغير والمجنون إذا قتلا عمدًا هل يمنعان من الميراث أم لا؟ فرأى البعض أن لا يمنعا من الميراث لأن عمدهما كخطئهما، ولرأى البعض حرمانهما من الميراث، وهو الراجح فى المذهب.
وإذا كان القتل عمدًا ولكنه غير عدوان فلا يحرم من الميراث كالقتل دفاعًا عن النفس، فمن قتل ولده دفاعًا عن نفسه يرث ولده، والحاكم الذى ينفذ القصاص أو الحد على ولده يرثه (1) .
224- ويرى أبو حنيفة: أن القتل العمد، والقتل شبه العمد، والقتل الخطأ وما جرى مجرى الخطأ - كل هذه الأنواع من القتل تحرم القاتل من الميراث بشروط:
أولها: أن يكون القتل مباشرًا فإن كان القتل بالتسبب فلا حرمان من الميراث ولو كان القتل عمدًا.
وثانيها: أن يكون القاتل بالغًا عاقلاً، فإن كان صغيرًا أو مجنونًا فلا حرمان.
وثالثها: أن يكون القتل فى العمد وشبه العمد عدوانًا فإن كان بحق كالقتل دفاعًا عن النفس فلا يكون القتل مانعًا من الميراث (2) .
225- واختلف أصحاب الشافعى: فمنهم من فرق بين القتل المضمون وبين القتل غير المضمون ورأى الحرمان من الميراث إذا كان القتل مضمونًا لأنه
_________
(1) شرح الدردير ج4 ص432 , مواهب الجليل ج6 ص422.
(2) البحر الرائق ج8 ص488 - 500.
(2/186)
________________________________________
قتل بغير حق، أما القتل غير المضمون فلا يمنع من الميراث لأنه قتل بحق.
ومنهم من قال: إن كان متهمًا باستعجال الميراث حرم من الميراث كما فى القتل الخطأ وكما لو حكم حاكم فى الزنا على أساس البينة على مورثه فإنه يحرم لأنه متهم فى قتله لاستعجال الميراث، وإن لم يكن متهمًا باستعجال الميراث فلا حرمان لو حكم عليه فى الزنا بإقراره.
والرأى الراجح فى المذهب غير هذين: وهو أن القاتل يحرم من الإرث فى كل حال سواء كان القتل عمدًا أو شبه عمد أو خطأ وسواء كان مباشرة أو تسببًا، وسواء كان القتل بحق أو بغير حق، وساء كان القاتل بالغًا عاقلاً أو صغيرًا مجنونًا، وأصحاب هذا الرأى يرون أن الحرمان من الميراث قصد به سد الذرائع ومنع المورث من استعجال الميراث (1) .
226- ويرى أحمد أن القتل المضمون هو القتل المانع من الإرث، سواء كان عمدًا أو شبه عمد أو خطأ وسواء كان مباشرة أو تسببًا، وسواء كان من صغير أو مجنون أو من بالغ عاقل، أما القتل غير المضمون فلا يمنع من الميراث كالقتل دفاعًا عن النفس والقتل قصاصًا. ويعللون حرمان الصبى والمجنون من الميراث مع أن كليهما ليس أهلاً بأن ما فعله أحدهما هو فعل محرم لكنه لم يعاقب عليه عقوبة الحد لقصور أهليته، وامتناع القصاص لقصور الأهلية لا يمنع من حرمان الميراث، بل إن الاحتياط يقتضى المنع من الميراث صونًا للدماء (2) .
* * *
ثانيًا: الحرمان من الوصية
227- الأصل فى الحرمان من الوصية قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "لا وصية لقاتل"، "ليس لقاتل شئ" وذكره "الشئ" نكرة فى محل النفى يعم الميراث والوصية جميعًا.
_________
(1) المهذب ج2 ص26.
(2) الغقناع ج3 ص123 , أحكام المرأة ص586 وما بعدها , مجلة القانون والاقتصاد - السنة السادسة.
(2/187)
________________________________________
وقد اختلف الفقهاء فى تفسير هذين النصين وتطبيقهما:
228- ففى مذهب مالك يفرقون بين القتل العمد والخطأ كما فرقوا فى الميراث، ويتفقون على أن القتل الخطأ لا يصلح سببًا للحرمان من الوصية، فالقاتل خطأ تصح الوصية له فى المال ولو لم يكن المقتول عالمًا بأنه هو قاتله، فإن علم بأنه قاتله وأوصى له صحت الوصية فى المال وفى الدية.
ولكنهم اختلفوا فى القتل العمد. فرأى بعضهم أن الوصية لا تصح إذا كان المقتول لا يعلم أن الموصى له قاتله، فإن علم بأنه قاتله وأوصى له بعد الجناية فالوصية تصح فى المال ولا تصح فى الدية، لأن الدية مال لم يجب إلا بالموت. وعلى هذا إذا كانت الوصية قبل الجريمة فإنها تبطل بارتكاب جريمة العمد إلا رأى المقتول البقاء على الوصية.
ويرى البعض الآخر أن الوصية تصح للقاتل عمدًا سواء علم الوصى بأنه قاتله أو لم يعلم، ويستوى عند أصحاب هذا الرأى أن تكون الوصية قبل القتل أو بعده فهى صحيحة فى الحالين (1) .
229- ويرى أبو حنيفة حرمان القاتل من الوصية فى القتل العمد العدوانى وشبه العمد العدوانى والخطأ وما جرى مجرى الخطأ بشرط أن يكون القتل مباشرًا لا قتلاً بالتسبب وأن يكون القاتل بالغًا عاقلاً، فإن كان القتل بالتسبب أو كان الإبل صغيرًا أو مجنونًا أو كان القتل ليس عدوانًا فلا يحرم من الوصية (2) ويرى أبو حنيفة ومحمد أن الوصية تصح إذا أجازها الورثة، ويرى أبو يوسف أنها لا تصح للقاتل ولو أجازها الورثة؛ لأن المانع من الوصية هو القتل لا مصلحة الورثة والقتل لا ينعدم بإجازة الورثة.
230- وفى مذهب الشافعى وأحمد نظريتان:
أما الأولى: فيرى أصحابها أن الوصية لا تصح لقاتل، وأصحاب هذه النظرية ينقسمون بعد ذلك
_________
(1) مواهب الجليل ج6 ص368 , شرح الدردير ج4 ص379.
(2) بدائع الصنائع ج7 ص339 , 340.
(2/188)
________________________________________
إلى فريقين: فريق يرى أن الوصية لا تصح ولو أجازها الورثة لأن المانع من الوصية هو القتل لا مصلحة الورثة فإجازة الورثة تكون هبة مبتدئة ينبغى أن تتوفر فيها شروط الهبة، وفريق آخر يرى أن الوصية تصح بإجازة الورثة.
والنظرية الثانية: يرى أصحابها أن الوصية صحيحة فى كل حال للقاتل دون حاجة لإجازة الورثة.
* * *

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق