الاثنين، 8 ديسمبر 2014

القتل – المبحث الرابع : عقوبات القتل العمد – العقوبات الأصلية – الكفارة ..من كتاب التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي – الجزء الثاني – د. عبد القادر عودة

الكفارة
197- الأصل فى الكفارة قوله تعالى: {وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُوا فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ} [النساء: 92] .
198- والكفارة عقوبة أصلية: وهى عتق رقبة مؤمنة فمن لم يجدها أو يجد قيمتها يتصدق بها فعليه صيام شهرين متتابعين، فالصوم عقوبة بدلية لا تكون إلا إذا امتنع تنفيذ العقوبة الأصلية.
199- وظاهر من النص أن الكفارة شرعت فى القتل الخطأ: ومن المتفق عليه أنها واجبة فى القتل الخطأ وكذلك فى القتل شبه العمد لأنه يشبه الخطأ من وجه ولكنهم اختلفوا فى وجوبها فى القتل العمد فرأى الشافعى أنها تجب فى العمد لأنها إذا وجبت فى قتل الخطأ مع عدم المأثم فلأن تجب فى العمد وشبه العمد وقد تغلظ بالإثم أولى. واستند إلى ما رواه واثلة بن الأسقع قال: أتينا النبى - صلى الله عليه وسلم - بصاحب لنا قد أوجب بالقتل فقال: "اعتقوا عنه رقبة يعتق الله تعالى بكل عضو فيها عضوًا منه من النار" (1) . ولأحمد رأى يتفق مع رأى الشافعى ولكن المشهور فى مذهبه أن لا كفارة فى القتل العمد، وحجة القائلين بأن لا كفارة فى العمد أن النص الخاص بالقتل جاء خلوًا من الكفارة وأن الله جعل جزاء القتل العمد القصاص من القاتل وجهنم خالدًا فيها ومفهوم هذا أن لا كفارة فى القتل العمد، ويستندون إلى أن سويد بن الصامت قتل رجلاً فى عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - فأوجب عليه القود ولم يوجب كفارة.
_________
(1) المهذب ج2 ص334.
(2/172)
________________________________________
وأن عمرو بن أمية الضمرى قتل رجلين فى عهد النبى - صلى الله عليه وسلم -، فوداهما ولم يوجب كفارة (1) .
ويرى أبو حنيفة وأصحابه أن لا كفارة فى القتل العمد؛ لأن الكفارة دائرة بين العبادة والعقوبة فلابد من أن يكون سببها دائر بين الحظر والإباحة لتعلق العبادة بالمباح والقتل بالمحظور وقتل العمد كبيرة محضة فلا تناظر به الكفارة، ولأن الكفارة من العقوبات المقدرة فلا يجوز إثباتها بالقياس بل لابد من النص عليها (2) .
ولا يوجب مالك الكفارة فى القتل العمد، ولكنه يراها مندوبًا إليها فى العمد الذى لم يقتص فيه سواء كان عدم القصاص راجعًا لمانع شرعى أو للعفو (3) .
وسنذكر فيما يلى أحكام الكفارة مقارنة فى المذاهب مع ملاحظة الفرق بين من يجيزها فى القتل العمد ومن لا يجيزها.
200- على من تجب الكفارة؟: تجب الكفارة عند الشافعى وأحمد على القاتل أيًا كان بالغًا أو غير بالغ عاقلاً أو مجنونًا مسلمًا أو غير مسلم، لا يستثنى من ذلك إلا الحربى، فتجب على الذمى والمعاهد والمستأمن (4) .
ويرى مالك أنها تجب على الصبى البالغ والعاقل والمجنون، ولكنها لا تجب إلا على مسلم لأنها عقوبة تعبدية (5) .
ويرى أبو حنيفة أن الكفارة لا تجب إلا على مسلم بالغ، فهى لا تجب على الصبى والمجنون وغير المسلم، لأن الصبى والمجنون لا يخاطبان بالشرائع أصلاً، أى لا مسئولية عليهما، ولأن غير المسلم لا يلزم بما هو عبادة، والكفارة وإن
_________
(1) المغنى ج10 ص40.
(2) البحر الرائق ج8 ص291.
(3) مواهب الجليل ج6 ص268.
(4) المغنى ج10 ص38 , نهاية المحتاج ج7 ص364 , 365.
(5) شرح الدردير ج4 ص254 , مواهب الجليل ج6 ص268.
(2/173)
________________________________________
كانت عقوبة إلا أنها فى الوقت نفسه عبادة. ويدر على أبى حنيفة بأن الكفارة عقوبة مالية، والمجنون والصغير وإن لم يسألا عن فعلهما من الناحية الجنائية فهما ضامنان له من الناحية المالية، وأما الكافر فيلزم بها لعموم النص.
201- تعدد الكفارة بتعدد الجناة: إذا تعدد الجناة فى قتل يوجب الكفارة لزم كل جان كفارة مستقلة، وعلى هذا أجمع الأئمة الأربعة؛ لأن الكفارة عن الفعل فلا تتبعض، وتكون كاملة فى حق كل واحد من المشتركين فى القتل كالقصاص يجب على كل مشترك فى القتل.
وهناك رواية عن أحمد ورأى فى مذهب الشافعى بأن على الجميع كفارة واحدة، وهذا يتفق مع رأى أبى ثور والأوزاعى، وحجة أصحاب هذا الرأى أن النص أوجب فى القتل دية واحدة وكفارة واحدة، وإذا كان من المسلم به أن الدية لا تتعدد فكذلك يجب أن يكون شأن الكفارة (1) .
202- وكفارة القتل - كما قلنا - هى عتق رقبة مؤمنة: فإن لم يجدها القاتل فى ملكه فاضلة عن حاجته، أو يجد ثمنها فى ماله فاضلاً عن كفايته، فصيام شهرين متتابعين، فليس بشرط إذن أن تكون الكفارة عتق رقبة بالذات لأن قيمتها تقوم مقامها، وعلى هذا يمكن أن نقول: إن الكفارة بعد إلغاء الرق لا تكون بعتق رقبة، وإنما تكون بالتصدق بقيمة الرقبة إذا كان لدى القاتل ما يفيض عن حاجته، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، وتقدير قيمة الرقبة يترك لأولياء الأمور.
وإذا لم يستطع القاتل الصيام فيرى البعض أن الصيام يثبت فى ذمته حتى يستطيعه أو يستطيع قيمة الرقبة، ويرى البعض أن على القاتل إذا لم يستطع الصوم أن يطعم ستين مسكينًا قياسًا على ما جاء فى كفارة الظهار، ويعترض على هذا الرأى بأن الله ذكر العتق والصيام فقط فى القتل، وذكر العتق
_________
(1) المغنى ج10 ص39 , 40 , المهذب ج2 ص234 , مواهب الجليل ج6 ص268.
(2/174)
________________________________________
والصيام والإطعام فى الظهار، ولو وجب الإطعام فى القتل لذكره كما ذكره فى حالة الظهار (1) .
هل تجب الكفارة فى كل قتل؟: تجب الكفارة فى القتل المحرم فقط، أما القتل المباح فلا تجب فيه، كقتل قاطع الطريق والقتل للقصاص وقتل الحرب والقتل دفاعًا عن النفس، وتجب الكفارة سواء كان القتيل مسلمًا أو غير مسلم، ذكرًا أو أنثى، صغيرًا أو كبيرًا، وسواء كان القتل فى دار الإسلام أو دار الحرب باتفاق.
واختلف فى قتل النفس: فرأى الشافعى أن على قاتل نفسه الكفارة فى ماله لأن القتل محرم والنص عام يدخل تحت قتل النفس. وفى مذهب أحمد رأيان أحدهما: يرى ما يراه الشافعى، والثانى: يرى أن لا كفارة فى قتل النفس؛ لأن النص مقصود به قتل الغير بدليل قوله تعالى: {وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء:92] ، وقاتل نفسه لا تجب فيه دية كما أن عامر بن الأكوع قتل نفسه خطأ، ولم يأمر النبى عليه السلام فيه بكفارة، ويرى مالك وأبو حنيفة أن لا كفارة فى قتل النفس (2) .
القتل المباشر والقتل بالتسبب: وتجب الكفارة عند مالك والشافعى وأحمد سواء كان القتل مباشرًا أو تسببًا، ويرى أبو حنيفة أن لا كفارة فى القتل بالتسبب أيًا كان نوعه؛ أى ولو كان خطأ (3) .
* * *

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق