الاثنين، 15 ديسمبر 2014

كتاب الدرة الغراء في نصيحة السلاطين والقضاة والأمراء - الباب السابع في المسائل الشرعية المتعلقة بالقضاة والسلاطين والأمراء

كتاب
الدرة الغراء في نصيحة السلاطين والقضاة والأمراء

العلامة
محمود بن إسماعيل بن إبراهيم الجذبتي


دار النشر / مكتبة نزار مصطفى الباز - الرياض - 1417هـ- 1996م
عدد الأجزاء / 1


الباب السابع في المسائل الشرعية المتعلقة بالقضاة والسلاطين والأمراء

قال الله تعالى ( والذين أوتوا العلم درجات ) ( المجادلة 11 ) وقال لنبيه عليه السلام ( وقل رب زدني علما ) ( 114 طه ) وقال النبي - عليه السلام - إذا مات المؤمن وترك ورقة عليها علم تكون الورقة سترا فيما بينه وبين النار وأعطاه الله بكل حرف عليها مدينة أوسع من الدنيا تسع مرات وقال النبي - عليه السلام - من درس مسألة من العلم - مثلا رجل مات وترك ابنا فالمال كله له - أعطاه الله - تعالى - ثواب أربعين ألف سنة وروى أن الله - تعالى - خير سليمان - عليه السلام - بين العلم والملك فاختار العلم فأعطاه الله تعالى الملك والعلم جميعا وقال النبي عليه السلام لا بد لكل مؤمن ومؤمنة من أربعة أشياء دار واسع وفرس جواد ولباس جيد وسراج منير قيل يا رسول الله ما الدار الواسع فقال عليه السلام الصبر قيل وما المركب الجواد فقال عليه السلام العقل قيل وما اللباس الجيد فقال عليه السلام الحياء قيل وما السراج المنير فقال عليه السلام العلم
وقال النبي عليه السلام إن لكل شيء عمادا وعماد هذا الدين الفقه وقال عليه السلام العلماء مصابيح الجنة وخلفاء الأنبياء وقال أبو علي رحمه الله من أراد الدنيا فعليه بالعلم ومن أراد الآخرة فعليه بالعمل وروى عن الشافعي - رحمه الله - أنه قال العلم قلادة والأدب إفادة ومجالسة العلماء زيادة وقيل العلم كنز مؤبد وعز سرمد وقيل العلم نسب لمن لا نسب له وحسب لمن لا حسب له وقال الحسن البصري رحمه الله إن هذا العلم يزيد الشريف شرفا ويبلغ المملوك مجالس الملوك وقيل العلم أفضل من العقل عند أهل السنة والجماعة خلافا للمعتزلة وعن عروة بن الزبير - رضي الله عنه - أنه قال لأولاده تعلموا فإنكم إن تكونوا صغار قوم عسى أن تكونوا كبار قوم آخرين وقال النبي عليه السلام لا راحة للمؤمن في الدنيا إلا في ثلاث في ترك الدنيا وطلب العلم وصحبة الصالحين
وعن أبي يوسف - رحمه الله - قال اختلفت إلى أبي حنيفة - رحمه الله - تسع عشرة سنة ما فاتني صلاة الغداة مع ابن أبي ليلى وعن زفر - رحمه الله - قال اختلفت إلى أبي حنيفة - رحمه الله - خمسا وعشرين سنة ما فاتني فطر ولا أضحى مسألة قالت له امرأته يا نحس فقال الرجل إن كنت نحسا فأنت طالق ثلاثا قال العلماء إن كان الحالف من أهل خوارزم ينظر إن كان له مال لم يحنث وإن لم يكن حنث لأن من عادتهم أن من لم يكن له مال يعدونه نحسا وإن كان من أهل بخارى إن كان له علم لا يحنث وإن كان جاهلا حنث وإن كان من أهل خجند إن كان له جمال لا يحنث وإن لم يكن حنث كذا يعتبر عرف كل بلد وقال النبي عليه السلام القضاة ثلاثة اثنان في النار وواحد في الجنة رجل عالم يقضي بما علم به فهو في الجنة لأنه أظهر الحق بعلم وأنصف المظلوم من خصمه فهو في الجنة ورجل جاهل فقضى بالجهل فهو في النار لأنه قضى بالجور ورجل عالم فقضى بغير علمه فهو في النار لأنه كابر الحق وأقدم الباطل عن بصيرة إنما يستحب التحرز عن الدخول في القضاء إذا كان وراءه في البلد من يصلح للقضاء لأنه حينئذ تحرزه عن القضاء لا يختل
روي عن أبي حنيفة رحمه الله القضاة ثلاثة قاض يقبل قوله مجملا ومفصلا وهو الفقيه الورع وقاض يقبل قوله مفصلا لا مجملا وهو الورع غير الفقيه وقاض لا يقبل قوله لا مجملا ولا مفصلا وهو ألا يكون فقيها ولا ورعا الإمام الجائر لا يقبل قوله في المحرمات نحو أخذ الأموال والقتل إلا إذا علم العدالة في الإمامة والإمارة والقضاء شرط الأولوية لا شرط الصحة السلطان إذا حكم بين الخصم قال أبو القاسم ليس لمن ولى الحرب والحلب من القضاء شيء إنما ذلك إلى متولي القضاء أراد بالحلب الرشوة وذكر الخصاف أنه يجوز لأن قضاء غيره إنما نفذ لأنه تقلده فلأن ينفذ قضاؤه كان أولى والفتوى على قول الخصاف وإن كان في تعليله نظر مسألة من قال لسلطان هذا الزمان عادل كفر لأنه لا شك في جوره والجور حرام بيقين فمن جعله حلالا وعدلا فقد كفر
قال لسلطان ظالم إنه عادل قال أبو منصور الماتريدي يكفر وقال السيد الإمام لا يكفر لأنه عدل في شيء روي عن بشر عن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله أن القاضي إذا كان غير عدل فقضاياه كلها مردودة وإذا كان الأمير الذي تولى القضاء جائرا لم يجز حكمه ويجوز حكم قضاته كما جاز قضاء من تقلد القضاء من معاوية مع أنه كان جائرا قضاء القاضي في غير مكان ولايته لا يصح يجب أن يذكر القاضي في مكتوباته مكانه ويجوز قضاء الأمير الذي تولى القضاء وكذلك كتابه إلى القاضي إلا أن يكون القاضي من جهة الخليفة فقضاء الأمير لا يجوز اعلم أن العلماء اختلفوا في القاضي والأمير إذا جار وارتشى قال بعضهم هما سواء وينعزلان بنفس الجور والخيانة لأنهما أمينان في الشرع والأمين إذا جار لا يبقى أمينا وقال بعضهم ينعزل القاضي دون الأمير لأنا تركنا القياس في الأمير بقوله عليه السلام ولو أمر عليكم عبد حبشي أجدع ولا نص في القاضي فيعمل فيه بالقياس وبه أخذ أبو بكر البلخي رحمه الله وقال بعضهم لا ينعزل بل يعزلان وهو الصحيح لأن الإنسان لا يخلو عن ذنب قال الشيخ الإمام إسماعيل الزاهد إني أحفظ عن أصحابنا المتقدمين رواية عن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله أن القاضي ينعزل لكن أدع هذه الرواية ولا أخالف أصحابي فأقول لا ينعزل ما لم يعزل وينفذ قضاؤه إلا فيما ارتشى فإنه لا ينفذ قضاؤه بل يكون حكمه فيه باطلا حتى لا يحل لأحد من القضاة تصحيح ذلك الحكم بل يرده ويبطله
وذكر الخصاف أيضا عن أصحابنا رحمهم الله لو أن قاضيا أخذ الرشوة ليحكم فحكم كان حكمه باطلا وصار معزولا من القضاء قال الناطقي قوله كان حكمه باطلا - مجرى على ظاهره وأما قوله صار معزولا معناه أن يعزل ألا يرى أنه لو رد الرشوة وحكم صح حكمه ولو صار معزولا لاحتيج إلى تقليد آخر كذا ذكره الناطقي عن تأويل رواية الخصاف والخصاف لم يؤول بل أخذ بظاهرها فقال يعزل لكن الفتوى على أنه يستحق العزل ولا ينعزل ولو ارتشى ولد القاضي أو كاتبه أو أحد في ناحيته ليعين الراشي عند القضاء ليقضي له وهو حق فقضى القاضي ولم يعلم بذلك أثم الراشي وحرم على القابض ونفذ القضاء ولو علم القاضي بذلك فقضاؤه مردود كما لو ارتشى بنفسه واعلم أن الرشوة والارتشاء حرام إلا لدفع خوف عن نفسه أو لدفع طمع ظالم في ماله حل الإعطاء ولا يحل الأخذ وكذا لو رشاه ليسوي أمره بين السلطان يحل الإعطاء دون الأخذ والحيلة في حل أخذ تلك
الرشوة أن يقول الآخذ استأجرني يوما إلى الليل لأقوم بعملك ببدل فيستأجره يصح ولو أعطاه بعدما سوى أمره ونجاه عن ظلمه يحل للآخذ وهو الصحيح مسألة أبرأه عن الدين ليصلح مهمة عند السطان لا يبرأ وهو رشوة رزق القاضي وأعوانه مقدار كفايته وكفاية أهله وأعوانه من بيت المال ثم قال بعض المشايخ لا يستحق الكفاية يوم البطالة وقال مشايخ ما وراء النهر إنه يستحق وهو الأصح
فصل في كيفية جلوس القاضي للقضاء
ويجلس القاضي للحكم في المسجد وإن كان الخصم امرأة حائضا أو نفساء يأتي القاضي إلى باب المسجد فينظر في خصومتها كما لو وقعت الخصومة في الدابة يخرج القاضي لسماع الدعوى والشهادة ولا بأس بأن يجلس في بيته ويأذن للناس بالدخول عليه ولا يقضي ماشيا ولا بأس متكئا ولا بأس بالسلام على القاضي وإن تركه وسعه والخصوم لا يسلمون على القاضي وهو لا يسلم عليهم إذا جلس للقضاء وذكر الرازي في أدب القاضي أن من دخل على القاضي في مجلس حكمه وسعه أن يترك السلام عليه هيبة له واحتشاما وبهذا جرى الرسم أن الولاة والأمراء إذا دخلوا عليهم لا يسلمون وعلى الأمير أن يسلم ولا يترك السنة
ويصلي ركعتين إذا دخل القاضي المسجد ثم يدعو الله - تعالى - أن يوفقه ويسدده للحق ويعصمه من الخطأ والذلل ثم يجلس للحكم ويستقبل القبلة بوجهه ويستحب أن يجلس معه قوما من أهل الفقه والأمانة قريبا منه ويضع القمطرة إلى جنبه عن يمينه ويتخذ كاتبا مسلما حرا عدلا ورعا ويقعد حيث يرى فيكتب خصومة كل خصمين وشهودهما في صحيفة بيضاء - وهي المحضر - وينبغي أن يكتب اسم المدعي واسم أبيه وجده وكنيته وصناعته وقبيلته وما يعرف به وكذلك المدعي عليه ويكتب للشهود مواضع منازلهم ومحالهم ومصلاهم في رقعة ويشدها في رأس المحضر للمسألة عنهم إن كان القاضي لا يعرفهم وإن كان يعرفهم لم يحتج إلى ذلك وينبغي للقاضي أن يتقي الله تعالى ويقضي بالحق ولا يقضي لهوى يضله ولا لرغبة يعزه ولا لرهبة يزجره بل يؤثر طاعة ربه على رضاء خلقه فيتبع الحكمة وفصل الخطاب قيل هو العلم بالقضاء وقيل هو الفصل بين الخصوم وإذا تقدم إليه خصمان فالسنة أن يقعدا بين يدي القاضي جثوا ويسوي بين الخصمين في الجلوس والنظر والمنطق ولا يرفع صوته على أحدهما إلا أن يسئ ولا يعين ولا يلقن أحدهما ولا يعرض عنهما بعدما كان مقبلا عليهما ولو اعتراه هم أو نعاس أو غضب أو جوع أو عطش أو حاجة حيوانية كف عن القضاء ولا يتطوع بالصوم في يوم القضاء ولا يبيع ولا يشتري في مجلس القضاء بنفسه ولا بأس بذلك في غير مجلس القضاء ويجيب الدعوة العامة كالعرس والختان ولا يجيب الخاصة وهي العشرة وما دونها وما فوقها عامة إلا إذا كان رجلا متخذا الضيافة للقاضي قبل القضاء لصداقة بينهما فيجيبه بعد القضاء كالمستقرض إذا أهدى للمقرض شيئا أو
أضافه إن كان فعل به قبل القرض فلا بأس بالقبول وإلا فلا يقبل ويجيب دعوة الخاص من القرابة ويقبل هديتهم بالاتفاق وإن كان للقريب خصومة لا يجيب ولا يقبل هديته
ولا يضيف القاضي أحد الخصمين إلا أن يكون خصمه معه ويكره للقاضي أن يفتي في مجلس القضاء للخصومات والدعاوى وفي غير مجلس القضاء قيل لا يكره وقيل يكره ويكره أن يأذن أحد الخصمين أن يدخل في منزله ولا بأس لمن لا خصومة له أن يدخل للحاجة ففي الجملة يجب أن يكون المفتي حليما رزينا لين القول منبسط الوجه
عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال رأس العقل أن يعفو الرجل عمن ظلمه وأن يتواضع لمن دونه وأن يتدبر ثم يتكلم وإذا أجاب المفتي ينبغي أن يكتب عقيب جوابه والله أعلم ونحو ذلك وقيل في المسائل الدينية التي اجتمع عليها أهل السنة والجماعة ينبغي أن يكتب والله الموفق أو يكتب وبالله التوفيق وبالله العصمة وإذا اتفق أصحابنا في شيء مثل أبي حنيفة - رحمه الله - وصاحبيه لا ينبغي للقاضي أن يخالفهم برأيه لأن الحق لا يعدوهم وإن اختلفوا فيما بينهم قال المتقدمون من مشايخنا يؤخذ بقول أبي حنيفة رحمه الله وقال المتأخرون إذا اجتمع اثنان منهم على شيء وفيهما أبو حنيفة - رحمه الله - يؤخذ بقولهما وإن كان أبو حنيفة - رحمه الله - في جانب وهما في جانب يتخير القاضي في ذلك إن كان من أهل الاجتهاد وإلا يستفتي غيره فيأخذ بقول المفتي بمنزلة العامي ولا يسعه أن يتعدى إلى غيره
وإن كان في المصر فقيهان اختلفا في شيء يأخذ بما هو أصوبهما عنده وإن كانوا ثلاثة فاتفق اثنان أخذ بقولهما ولا يجوز للحنفي أن يأخذ بقول مالك والشافعي فيما خالف مذهبه وله أن يأخذ بقول القاضي إذا حكم عليه بخلاف مذهبه وينبغي للقاضي أن يشاور أهل الفقه في الحكم ولو قضى القاضي بخلاف مذهبه نفذ قضاؤه عند أبي حنيفة - رحمه الله - خلافا لهما ولو قضى برأي غيره ثم ظهر له رأي بخلاف ما قضى ينقض قضاؤه عند محمد رحمه الله وعند أبي يوسف - رحمه الله - لا ينقض وهو الأظهر
مسألة
رجل خاصم السلطان إلى القاضي فجلس السلطان مع القاضي في مجلسه والخصم على الأرض ينبغي للقاضي أن يقوم من مقامه ويجلس فيه خصم السلطان ويقعد على الأرض ثم يقضي بينهما كي لا يكون مفضلا بين الخصمين على الآخر
مسألة
قضى بجواز نكاح مزنية الأب لا يجوز عند أبي يوسف رحمه الله والقاضي الثاني يبطله وقال محمد رحمه الله جاز ولا يبطله الثاني ولو قضى بشهادة الابن لأبيه أو عكسه فالخلاف على العكس
مسألة
نسى القاضي مذهبه فقضى غيره أو قضى به مع علمه بمذهب نفسه ينفذ عند الإمام خلافا لهما وقيل إذا قضى بخلاف مذهبه مع العلم به لم يجز في قولهم الحاصل عن الإمام في القضاء بخلاف مذهبه مع العلم به روايتان
إذا كان المدعي عليه شفعويا والمدعي حنفيا يقضى بما هو مذهب القاضي بالإجماع ومنهم من قال إذا كان المدعي شفعويا يسأله القاضي هل يعتقد هذا إن قال نعم قضى له وإن قال لا لا يقضى وهذا القول أعدل
مسألة
ولو انهدم جدار فظهر للميت مال وأخذه القاضي فعلم بذلك الظلمة فدفع إليهم ضمن القاضي الساعي إلى السلطان إذا سعى بغير ذنب أصلا يضمن كذا اختاره مشايخنا المتأخرون منهم القاضي الإمام السعدي والحاكم الإمام عبد الرحمن وغيرهما وجعلاه بمنزلة المودع إذا دل السارق على السرقة إذا لم يكن مأذونا في الاستخلاف فاستخلف فحكم الخليفة في مجلس القاضي بين يديه جاز كالوكيل إذا وكل غيره بالبيع فباع الثاني بمحضر الأول ويتوقت القضاء بالمكان والزمان
وإذا قلد السلطان رجلا قضاء بلدة لا يدخل فيه السواد والقرى ما لم يكتب في منشوره البلد والسواد السلطان أو الإمام الأكبر فوض قضاء ناحية إلى اثنين فقضى أحدهما لم يجز كأحد وكيلي بيع تعليق تقليد القضاء والإمارة بالشرط مضافا إلى وقت في المستقبل جاز بأن قال إذا قدم فلان فأنت قاضي بلدة كذا أو إذا قدمت بلدة كذا فأنت أميرها أو قال إن قدم فلان أو إن قدمت فأما تعليق التحكيم بين اثنين بأن قال إذا قدم فلان فاحكم بيننا في هذه الحادثة لم يصح عند أبي يوسف رحمه الله وبه يفتي وفيه خلاف محمد رحمه الله تعليق عزل القاضي بالشرط بأن قال إذا وصل كتابي إليك فأنت معزول قيل يصح وقيل لا وبه يفتي وإذا كان للسلطان أو القاضي من العلم ما يجوز قضاؤه لم يسعه أن يمتنع وإلا فهو في سعة قال أبو حنيفة رحمه الله لا ينبغي للقاضي أن يفتي في الخصومات ولا يفتي أيضا أحد يرى أنه من قبل خصم يخاصم إليه
مسألة
مات وال لا ينعزل قضاته
مسألة
خوارج غلبوا على بلدة وقلدوا قاضيا من الخوارج لم يجز وإن قلدوا من أهل العدل جاز
فصل في البغاة
غلب البغاة على المدينة واستعملوا عليها قاضيا منهم فقضى بأشياء ثم ظهر أهل العدل ينفذ قضاياه قاضي العدل إذا كان حقا أو مختلفا فيه وأهل البغي كل فئة لهم منعة ويقاتلوننا بتأويل أي قالوا الحق معنا وادعو الولاية حتى لو لم يكونوا متأولين لم يكونوا بغاة ويحل لأهل العدل قتال أهل البغي فالحاصل تغلب قوم مسلمون على بلد وخرجوا عن طاعة الإمام دعاهم الإمام إلى الجماعة وكشف عن شبهتهم التي استندوا لها في خروجهم عن طاعة الإمام ولا يبدأ الإمام البغاة بقتال بل الإمام يبدأ أولا بكشف شبهتهم لأنه أهون على الإمام فإن بدأ البغاة بالقتال قاتلهم حتى يفرق جمعهم وإذا أصاب أهل العدل كراع البغاة وسلاحهم يجوز أن يستعملوها في قتالهم فإذ فرغوا عن القتال ردوها عليهم وقال الشافعي رحمه الله لا يجوز وإذا بلغ الإمام أن البغاة يشترون السلاح ويتأهبون للقتال ينبغي للإمام أن يأخذهم ويحبسهم حتى يقلعوا عن ذلك ويحدثوا توبة دفعا للشر بقدر الإمكان وإن كانت لهم فئة أجهز - أي أسرع - على جريحهم واتبع موليهم وإن لم يكن لهم جماعة لا يفعل الإمام كذلك لأن شرهم مندفع بدونه ولا يسبى لهم ذرية ولا يقسم مال لأنهم مسلمون معصومون ولكن يحبس مالهم حتى يتوبوا فيرد عليهم وكذا أسيرهم لا يقتل إذا لم يكن لهم فئة وإذا قتل العادل مورثه الباغي ورثه لأن قتله بحق قال الله تعالى ( وقاتلوا التي تبغى حتى تفيء إلى أمر الله ) ( الحجرات 9 ) وإن قتل الباغي وقال كنت على حق وأنا الآن على حق ورثه وعند أبي يوسف - رحمه الله - لا يرث الباغي سواء قال أنا على حق أو لا المرأة الباغية تقاتل أخذت وحبست ولا تقتل وإن قتلت في المحاربة جاز كما في الحربية
مسألة
أعان قوم من أهل الذمة البغاة لم يكن نقضا للعهد ويكون ذميا باغيا فيقتل ولا يسترق وفي الهداية العادل إذا أتلف نفس الباغي أو ماله لا يضمن وكذا إذا أتلف الباغي مال العادل أو نفسه وفي المحيط و الوجيز العادل إذا أتلف مال الباغي يؤخذ بالضمان وفيما ذكر في الهداية محمول على ما إذا أتلفه حال القتال وأما إذا أتلفوا في غير هذه الحالات فلا معنى لمنع الضمان لأن مالهم معصوم ولو أتلف الباغي مال العادل لا يجب الضمان لأن الباغي يستحل مال العادل وليس لنا ولاية الإلزام عليهم فلا يفيد إيجاب الضمان ولا كذلك العادل العادل لا يقتل ذا رحم محرم منه من البغاة إلا دفعا عن نفسه ويحل له أن يقتل دابته ليترجل الباغي فيقتله غيره
مسألة
السارق الذي يصلبه السلطان ففي الصلاة عليه اختلاف
فصل في أحكام قطاع الطريق
وإذا خرج جماعة ممتنعون - أي قادرون على أن يمنعوا عن أنفسهم تعرض الغير - أو واحد ممتنع لقطع الطريق فأخذوا قبل التوبة حبسوا ليتوبوا وقيدنا بقولنا قبل التوبة لأنهم لو أخذوا بعد التوبة لم يحدوا بل يؤخذ منهم المال القائم ويضمن الهالك فإن أخذوا مال مسلم أو ذمي - ونصيب كل نصاب - قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وقيدنا بمال الذمي لأنهم لو أخذوا مال المستأمن لا يجب القطع وإن قتلوا قتلوا حدا من جهة أنه حق الله ولا يلتفت إلى عفو الأولياء وإن جمعوا فالإمام إن شاء جمع بين القطع والقتل والصلب وإن شاء اكتفى بالقتل أو الصلب عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وعند أبي يوسف - رحمه الله - يكتفي بالصلب سواء قتل وأخذ المال أو قتل فقط ويصلب حيا ويشق بطنه برمح إلى أن يموت ولا يترك أكثر من ثلاثة أيام ويقتلون بمباشرة أحدهم وإن كان فيهم صغير أو مجنون أو ذو رحم محرم من المقطوع عليه أو أخذ بعد التوبة - وقد قتل عمدا - صار القتل إلى الأولياء إن شاءوا استوفوا وإن شاءوا عفوا وإنما قيدنا بعد التوبة لأنهم لو أخذوا قبلها - وقد قتلوا - ليس لولي القتيل العفو بل قتلهم الإمام حدا ولو قطع الطريق بقرب العمران بمنعة أو أخذ في المصر مالا مغالبة لا يجعل قاطع الطريق عند الثلاثة خلافا للشافعي فحكمه أنه يحبس ويؤدب ويسترد ما أخذ ويتخير ولي القتيل - إذا قتلوا - إن شاء قتل وإن شاء عفا
مسألة
للسلطان حبس الغلة المدركة حتى يأخذ العشر والخراج من لا ولي له إذا قتل عمدا للسلطان أن يستوفي القصاص أو يصالح ولا يعفو وكذا القاضي في القصاص الذي ثبت للصغير ولو أن أمير العسكر في أرض الحرب بعث رسولا إلى ملك العدو فأجاز ملك العدو لرسوله جائزة فأخرجها فهي للرسول خاصة لأنه ملكه إذا لم يعطه لرغبة ولا لرهبة ولو استأجر أمير العسكر أجيرا للعسكر بأكثر من أجر المثل لا يتغابن الناس فيه فعمل الأجير وانقضت المدة فالزيادة باطلة لأن الأمير مأمور بالعمل بشرط ألا يضر وذلك يوجب تقييد الأمر بأجر المثل وصار كالقاضي إذا استأجر أجيرا لليتيم بأكثر من أجر المثل وعمل الأجير كانت الزيادة باطلة ولو قال أمير العسكر أو القاضي استأجرته وأنا أعلم أنه لا ينبغي فالأجر كله في ماله لأن القاضي إذا قضى بالجور فإن أخطأ كان خطؤه على المقضي له وأن تعمد ذلك كان الغرم على القاضي في ماله ولو استأجر أمير العسكر قوما مشاهرة ليسوقوا الغنم والأرماك حيث ما يدور ولم يبين المكان جاز وله أن يزيدهم غنما بعد غنم وأرماكا بعد أرماك قدر ما يتحملون لأنهم أجيروا حد ولو قال أمير العسكر لمسلم أو ذمي أن قتلت ذلك الفارس فلك مائة درهم فقتله لا شيء له ولو كانوا قتلى فقال الأمير من قطع رءوسهم فله عشرة دراهم جاز الاستئجار عليه.
إذا كتب الوالي إلى أمير العسكر إنا قد ولينا فلانا فأمير العسكر على حاله مالم يعزله أو يلحق به الثاني وجاز فعله قبل حضور الثاني فرق بين هذا وبين ما إذا كتب إليه إنا قد عزلناك حيث يصير معزولا حين وصل إليه الكتاب والفرق أن المسألة الأولى لو انعزل الأول إنما ينعزل بصيرورة الثاني أميرا ولا يصير الثاني أميرا حتى يلحق العسكر فكذا لا ينعزل الأول ما لم يلحق الثاني العسكر ولا كذلك في المسألة الثانية ولهذا لو كتب الخليفة إلى أمير المصر إنا قد ولينا فلانا جاز للأول أن يصلي بهم الجمعة قبل حضور الثاني ولو كتب إليه إنا قد عزلناك فليس له أن يصلي بالناس إذا وصل الكتاب إليه
مسألة
لا بأس بالمصافحة وتقبيل يد العالم أو الأمير العادل أما المصافحة لقوله عليه السلام إذا التقى المؤمنان فتصافحا تناثرت ذنوبهما كتناثر الورق اليابس من الشجر وأما التقبيل لما روى أن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يقبلون أطراف رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وأبو بكر قبل بين عيني رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وأما تقبيل يد غيرهما فقد تكلموا فيه منهم من قال إن كان الرجل يأمن على نفسه وينوي حبه - وهو تعظيم المسلم وإكرامه - لابأس به
والمختار أنه لا يرخص فيه لأنه لا رخصة عن المتقدمين إلا فيما ذكرنا ولو قبل رجل الأرض بين يدي أحد من أصحاب السلطان تعظيما له لا يكفر لأنه يريد به التحية لا العبادة إذا قيل لمسلم اسجد للملك وإلا قتلتك فالأفضل ألا يسجد لأنه كفر والأفضل ألا يأتي بما هو كفر صورة وإن كان في حالة الإكراه وإن سجد سجود التحية فالأفضل أن يسجد لأنه ليس بكفر فهذا دليل على أن السجود بنية التحية إذا كان خائفا لا يكون كفرا فعلى هذا القياس من سجد عند السلاطين على وجه التحية لا يصير كافرا
مسألة
رجل يدعوه الأمير فيسأله عن أشياء فما يتكلم بما يوافق الحق يناله المكروه لا ينبغي له أن يتكلم بخلاف الحق لقوله عليه السلام من تكلم عند ظالم ما يرضيه بغير حق يغير الله قلب الظالم عليه ويسلطه عليه وهذا إذا لم يخف القتل أو تلف بعض جسده أو أخذ ماله فإن خاف ذلك لا بأس بذلك لأنه مكره عليه
عن أبي الليث الحافظ أنه قال كنت أفتي بثلاثة أشياء فرجعت عنها كنت أفتي ألا يحل للمعلم أخذ الأجرة على تعليم القرآن ولا ينبغي للعالم أن يدخل على السلطان وكنت أفتي أنه لا ينبغي لصاحب العلم أن يخرج إلى القرى ن فيذكرهم بشيء فيجمعوا له شيئا فرجعت عن ذلك كله وإنما رجع تحرزا عن ضياع القرآن والحقوق والعلم ومن قذف مملوكا أو كافرا بالزنا أو قذف مسلما ب يا كافر يا فاسق - وهو ليس بفاسق - أو يا خبيث يا لص يا فاجر يا منافق يا لوطي يا من يلعب بالصبيان يا آكل الربا يا شارب الخمر يا مخنث يا خائن يا ابن القحبة يا زنديق يا قرطبان يا مأوي الزواني - عزر وأكثر التعزيز تسعة وتسعون وأقل التعزيز ثلاثة وصح حبسه بعد الضرب وعن أبي يوسف رحمه الله التعزير بأخذ المال يجوز للسلطان ثم تعزير الأشراف كالفقهاء والعلوية الإعلام فقط بأن يقول بلغني أنك فعلت كذا فلا تفعل وتعزير أوساط الناس كالسوقية الإعلام والجر والحبس وتعزير الأخساء الإعلام والجر والضرب والحبس
أهل البغي إذا قاتلوا أهل العدل وجب على أهل العدل أن يقاتلوا أهل البغاة ليرجعوا إلى أمر الله ( الآية ) وأما الحديث الذي يروى في ذلك الباب القاتل والمقتول في النار فمحمول علي ما إذا كانا باغيين يقتتلان لأجل الدنيا من المملكة وكذا إذا قاتل أهل المحلة للحمية والعصبية ليس لأحد أن يعاون أهل إحداهما
مسألة
استأجروا رجلا ليرفع أمرهم إلى السطان ويدفع الظالم عنهم جاز إن وقتوا وإن لم يوقتوا جاز أيضا فيما يتهيأ إصلاح الأمر يوما أو يومين وقيل إن كان ذلك لا يصلح إلا بمدة فإن وقتوا للإجازة وقتا معلوما فالإجازة جائزة والأجر كله له وإن لم يوقتوا الإجازة فهي فاسدة وله أجر مثل عليهم على قدر مؤنتهم ومنافعهم في ذلك
مسألة
القاضي إذا زوج الصغير أو الصغيرة يكون العقد لازما وليس لهما خيار البلوغ لأن ولاية القاضي كاملة فتكون ملزمة كالأب والجد لكن ولاية تزويج الصغار إنما تثبت للقاضي إذا شرط السلطان للقاضي في منشوره ولو لم يكن مشروطا في منشوره فزوجهم القاضي فأجاز السلطان ما صنعه يجوز على الأصح وعن أبي حنيفة رحمه الله لهما خيار البلوغ في تزويج القاضي وهو مختار الرواية لأن ولاية القاضي متأخرة عن ابن العم فإذا ثبت الخيار لهما في تزويج الحاجب فأولى أن يثبت في المحجوب وهو القاضي
مسألة
رجل لا يحل له الصدقة فالأفضل ألا يقبل جائزة السلطان لأنها تشبه الصدقة ولا يحل له قبول الصدقة فكذا ما يشبه الصدقة وهذا إذا أدى من بيت المال وأما إذا أدى من مال موروث له جاز لأنه لا يشبه الصدقة أما إذا كان فقيرا فإن كان السلطان لا يأخذ ذلك غصبا من الناس يحل له لأنه يحل الصدقة حقيقة فهذا أولى وإن كان يأخذ غصبا فإن كان لا يخلط بدراهم أخرى لا يحل له الأخذ لأنه دفع ملك الغير وإن كان يخلط لا بأس به لأنه صار ملكا له في قول أبي حنيفة رحمه الله حتى وجب عليه الحج والزكاة ويورث عنه وقوله أرفق بالناس إذ قل مال لا يخلو من الغصب
مسألة
رجل دخل على السلطان فقدم إليه شيئا من المأكول فهذا على ثلاثة أوجه إما أن اشتراه بالثمن أو لم يشتره وهذا الرجل لا يعلم أنه من المغصوب أو يعلم ففي الوجه الأول والثاني حل له أكلها أما الأول فلأن العقد لم يقع على الثمن المشار إليه فلا يتمكن الخبث في نفس المبيع وأما الثاني فلأن الأشياء على أصل الإباحة إن لم يتبين دليل الحرمة وأما الثالث فحرام لأنه على حرمته ولو أن السلطان الجائر أخذ الصدقات من المتأخرين من قال إن نوى المؤدي عند الأداء إليه الصدقة عليه لا يؤمر بالأداء ثانيا لأنهم فقراء حقيقة ومنهم من قال الأحوط أن يفتى بالأداء ثانيا كما لو ينو لعدم لعدم الاختيار الصحيح
وأما إذا لم ينو منهم من قال يفتي أرباب الصدقات بالأداء ثانيا بينهم وبين الله تعالى لأنه لا يوضع موضعها وقال الفقيه أو جعفر رحمه الله لا يؤمر لأن أخذ السلطان منهم قد صح لأن ولاية الأخذ للسلطان فسقط عن أرباب الصدقات فبعد ذلك إن لم يضع السلطان موضعها لا يبطل بينهم وبين الله تعالى أخذه عنهم وبه يفتي وهذا في صدقات الأموال الظاهرة أما إذا أخذ السلطان من الناس أموالا مصادرة فنووا هذا أداء الزكاة إليه فعلى قول أولئك المشايخ يجوز والصحيح أنه لا يجوز وبه يفتي لأنه ليس للطالب ولاية الأخذ في الأموال الباطنة وبه نأخذ جاء إلي رجلين من أعوان السلطان فأقر عندهما أن لفلان على دين كذا وفلان من أناس السلطان ثم طلب منهما الشهادة على إقرار هذا المقر والمقر يزعم أني إنما أقررت خوفا من المقر له فإن الشاهدين يبحثان عن هذا الأمر فإن وقعا على أمر فيه خوف أو إكراه امتنعا عن الشهادة لأن قوله تأيد بمؤيد وإن لم يقعا على ذلك يشهدان على إقراره ويخبران القاضي أنه أقر ومعه أعوان السلطان حتى يتأهل القاضي قول الآخر ويقبل شهادة عامل السلطان الذي يأخذ الحقوق كالخراج والجزية ونحوهما لأن العمل ليس بفسق ولهذا كان أكابر الصحابة عمالا وفي الكافي كان هذا في زمانهم وفي زماننا لا تقبل شهادة العمال لغلبة ظلمهم وفي النهاية لا تقبل شهادة من يبخل بالواجبات كالزكاة ونفقة الأقارب والزوجات
من صادره السلطان ولم يعين بيع ماله فباع ماله صح البيع لأن الإكراه ما وقع على البيع فصار البيع خاليا عن القسر
مسألة
خوفها زوجها بالضرب حتى وهبت مهرها لم يصح - إن قدر على الضرب - لأن الهبة تفسد بالإكراه ولو استحلف الوالي رجلا ليعلمنه فاسقا أو خائنا دخل البلد تقيد بقيام ولايته رجل في يده مال إنسان فقال له سلطان جائر إن لم تدفع إلي هذا المال حبستك شهرا أو ضربتك ضربا أو أطوف بك في الناس لا يجوز له أن يدفع فإن دفع فهو ضامن وإن قال أقطع يدك أو أضربك خمسين ضربا فلا ضمان عليه لأن دفع مال الغير لا يجوز إلا لخوف التلف وقد انعدم في الوجه الأول ووجد في الوجه الثاني
مسألة
سعى رجل رجلا عند الوالي فأخذوا منه مالا فإن كانت السعاية بغير حق من كل وجه ضمن الساعي عند زفر رحمه الله وبه يفتي
مسألة
لص معروف وجده رجل يذهب مشغولا بالسرقة ليس له أن يقاتله وله أن يأتي به إلى الإمام فيحبسه ولو قال وال ظالم لبعض التجار أدوا إلى كذا لترجعوا على أصحابكم المختفين بالحصص لا يلزم الغائبين شيء إلا بالتزام المختفين لو أن بلدة وقعت فيها فترة ولم يبق فيها وال ليصلي بهم صلاة العيد فضحوا بعد طلوع الفجر جاز وهو المختار لأن البلدة صارت في هذا الحكم كالسواد والمكان
الإمام إذا صلى العيد يوم عرفة وضحى الناس وكان شهد عنده شهود على هلال ذي الحجة جازت الصلاة والتضحية لأن التحرز عن هذا الخطأ غير ممكن والتدارك أيضا غير ممكن غالبا فيحكم بالجوار صيانة لجميع المسلمين ومتى جازت الصلاة جازت التضحية ضرورة وإن لم يشهد عنده شهود على هلال ذي الحجة لم يجز لأنه لا ضرورة إلى التجويز ومتى لم تجز الصلاة لم تجز التضحية وإذا رأى الوالي هلال شوال وحده لم يخرج ولا يأمر بالخروج إلى المصلى وإذا قلد العبد عمل ناحية فصلى بالمسلمين الجمعة أو العيد جازت صلاتهم للحديث المعروف ولو استقضى فقضى لا يجوز لأن أهل القضاء من كان أهلا للشهادة فضل في الجمعة
يشترط لأداء الجمعة المصر وهو - عند أبي حنيفة - كل بلدة فيها سكك وأسواق ولها رساتيق - أي قرى - ووال لدفع المظالم وعالم يرجع إليه في الحوادث هذا هو الأصح كذا في التبيين وعن أبي يوسف رحمه الله كل موضع له أمير وقاض ينفذ الأحكام وهو مختار الكرخي وعنه أيضا أنه يبلغ سكانه عشرة آلاف ومن شرط الجمعة أيضا الوالي - وهو السلطان - أو نائبه وهو الأمير أو القاضي
وقال الشافعي رحمه الله الوالي ليس بشرط اعتبارا بسائر الصلوات ولنا قوله عليه السلام من ترك الجمعة - وله إمام جائر أو عادل - لا جمع الله شمله شرط فيه أن يكون له إمام شرط الجمع بين صلاة الظهر وصلاة العصر في عرفة اثنان الجماعة والإمام الأكبر - وهو السلطان - عند أبي حنيفة رحمه الله خلافا لهما صلاة الجمعة خلف المتغلب الذي لا عهد له - أي لا منشور له - من الخليفة تجوز إن كانت سيرته في الدين عليهم سيرة الأمراء يحكم بين رعيته بحكم الولاية لأن بهذا تثبت الإمامة فيتحقق الشرط إذا افتتح الإمام الجمعة ثم حضر وال آخر يمضي على صلاته لأن افتتاحه قد صح فصار كرجل أمره الإمام أن يصلي بالناس الجمعة ثم حجر عليه إن حجر عليه قبل الدخول عمل حجره وإن حجر عليه بعد الدخول لا ويمضي على صلاته كذا هذا
مسألة
وإلى مصر مات ولم يبلغ موته الخليفة حتى مضت لهم جمع فإن صلى بهم خليفة الميت أو صاحب شرطة أو القاضي جاز لأنه فوض إليهم أمر العامة ولو اجتمع العامة على أن يقدموا رجلا لم يأمره القاضي ولا خليفة الميت لم يجز ولم يكن لهم الجمعة لأنه لم يفوض إليهم أمورهم إلا إذا لم يكن ثمة قاض ولا خليفة الميت بأن كان الكل هو الميت فالآن جاز للضرورة ألا ترى أن عليا - رضي الله عنه - صلى بالناس وعثمان - رضي الله عنه - محصور لأنه اجتمع الناس على علي رضي الله عنه
ولو مات الخليفة وله ولاة وأمراء على الأشياء من أمور المسلمين كانوا على ولايتهم يقيمون الجمع لأنهم أقيموا لأمور المسلمين فهم على حالهم ما لم يعزلوا ومن شرائط الجمعة المصر أو فناؤه حد المصر ذكر قبل أما فناء المصر وهو ما أعد لحوائج المصر من ركض الخيل والخروج للرمي ونحوهما وفي الخانية لا بد أن يكون فناء المصر متصلا بالمصر حتى لو كان بينه وبين المصر فرجة من المزارع والمراعي لا يكون فناء له ومقدار الفناء عند محمد رحمه الله أربعمائة ذراع وعن أبي يوسف رحمه الله ميلان وفناء المصر في حكم المصر في حق إقامة صلاة الجمعة والعيدين لأنهما من حوائج أهل المصر فألحق بالمصر في حق أداء الجمعة والعيدين بخلاف المسافر إذا خرج عن عمران المصر حيث يقصر الصلاة لأن قصر الصلاة ليس من حوائج أهل المصر فلا يلحق الفناء بالمصر في حق هذا الحكم وفي المحيط القروي إذا دخل المصر ونوى أن يمكث يوم الجمعة يلزمه الجمعة لأنه صار كواحد من أهل المصر وإن نوى أن يخرج في يومه وذلك قبل دخول وقت الصلاة أو بعده لا يلزمه وأهل القرية إذا اجتمعوا على ترك الوتر أدبهم الإمام وحبسهم فإن لم يمتنعوا يقاتلهم وإذا امتنعوا عن أداء السنن فجواب أئمة بخارى أن الإمام يقاتلهم كما يقاتلهم على ترك الفرائض لما روى عن عبد الله بن المبارك - رحمه الله - أنه قال لو أن أهل بلدة أنكروا سنة السواك يقاتلهم الإمام كما يقاتل أهل الردة
مسألة
أهل البغي إذا قتلوا في الحرب لا يصلى عليهم وإن قتلوا بعدما وضعت الحرب أوزارها صلى عليهم وكذا قطاع الطريق إذا قتلوا في حال حربهم لا يصلى عليهم وإن أخذهم الإمام وقتلهم صلى عليهم لأنهم ما داموا محاربين كانوا من جملة أهل البغي وإذا وضعت الحرب أوزارها تركوا البغي ومشايخنا جعلوا حكم المقتولين بالمعصية حكم أهل البغي حتى قالوا هذا التفصيل
مسألة
رجل صلى على جنازة والولي خلفه ولم يرض فهذا على وجهين إما إن تابعه وصلى معه أو لم يتابع ففي الوجه الأول لا يعيد الولي لأنه صلى مرة وفي الوجه الثاني إن كان المصلي سلطانا أو الإمام الأعظم أو القاضي أو الوالي على البلدة أو إمام حية ليس له أن يعيدها لأن هؤلاء أولى منه وإن كان غيرهم فله الإعادة
مسألة
كافر أذن في وقت صلاة أو صلى في جماعة صار مسلما وإن أذن في غير وقت الصلاة لا يصير مسلما
مسألة
ديباج الكعبة صار خلقا لا يجوز أخذه لكن يبيعه السلطان ويستعين به على أمر الكعبة
مسألة
السلطان إذا طمع في مال اليتيم فإن أمكن للوصي دفعه بلا إعطاء طائفة من المال لا يحل له الإعطاء ويضمن وإلا حل له الإعطاء ولم يضمن وفي الملتقط ظالم متغلب طلب بعض مال اليتيم فأعطى الوصي يضمن إلا إذا خاف القتل أو إتلاف عضو منه أو أخذ ماله فأعطى حينئذ لا يضمن وإن خاف الحبس أو القيد أو أخذ بعض ماله ويبقي له قدر الكفاية لا يحل له أن يؤدي مال اليتيم ولو أدى يضمن ولو أن الظالم أخذ بنفسه لا ضمان على الوصي
مسألة
من رأى أن الخراج ملك السلطان فقد كفر
مسألة
لو ترك السلطان لرجل خراج أرضه يجوز عند أبي يوسف رحمه الله وعليه الفتوى وعند محمد - رحمه الله - لا يجوز ولو وهب العشر منه لا يجوز بالإجماع والفرق لأبي يوسف رحمه الله أن للسلطان في الخراج حقا فإذا تركه صح وهو بمنزلة صلة منه ولا حق له في العشر بل هو حق الفقراء على الخلوص فلا يملك صلته ولو عجل الخراج ثم عجز عن الزراعة يرد إليه إن كان قائما وإن كان دفعه إلى المقاتلة فلا شيء عليه كما في الزكاة وذكر محمد - رحمه الله - في نوادر الزكاة إن زرعها السنة الثانية يحسب ذلك بما عليه يجوز النقصان عن وظيفة عمر - رضي الله عنه - عند قلة الريع وعدم الطاقة
ولا يجوز الزيادة على وظيفة عمر رضي الله عنه وعلى ما وظفه إمام آخر في أرض مثل ما وظفه عمر رضي الله عنه لما فيه من مخالفة إجماع الصحابة أو فيه مخالفة حكم أمضاه الأول باجتهاده وذلك لا يجوز ولو وظفه على أرض ابتداء تجوز الزيادة على وظيفة عمر - رضي الله عنه - بقدر ما يطيق - عند محمد رحمه الله ولا يجوز عند أبي يوسف رحمه الله وظيفة عمر رضي الله عنه في كل جريب يصلح للزراعة درهم وقفيز مما يزرع منها فالفقير هو الصاع - ثمانية أرطال - و الدرهم هو الفضة الخالصة وزنه سبعة وعلى كل جريب رطبة خمسة دراهم وعلى كل جريب كرم عشرة دراهم والجريب ستون ذراعا في ستين ذراعا بذراع الملك أنو شروان وذراع أنو شروان سبع قبضات وفي الجريب الذي فيه أشجار مثمرة ملتفة لا يمكن زرعها قال محمد رحمه الله يوظف عليها بقدر ما يطيق وقال أبو يوسف رحمه الله يوظف بقدر ما يطيق ولا يزاد على جريب الكرم
مسألة
قرية فيها أرضون خراجها متفاوتة إذا لم يعرف ابتداء وضع الخراج يترك كما كان لا يزاد ولا ينقص ولو أخذ السلطان الخراج من المشتري ولم يبق من السنة ما يمكن استغلالها فيه لا يرجع المشتري بما أدى على البائع ولو أخذ الخراج من الأكار له أن يرجع إلى الدهاقين استحسانا
مسألة
الخراج في الأرض المغصوبة على رب الأرض ونقصان الأرض على الغاصب ونصيب الأكرة طيب لهم من الأراضي المغصوبة إذا أخذوا الأرض مزارعة أو استأجروها وإن كان الحوز كروما وأشجارا يعرف أربابها لا يطيب للأكرة ولا يجوز لأحد أن يأكل منها وإن لم يعرف أربابها فهو بمنزلة أرض بيت المال يتصدق السلطان بما يحصل له منها فإن لم يفعل فلا إثم عليه ونصيب الأكرة طيب لهم في عرف أهل بلخ فإن صالح الإمام مع أهل الحرب بمال للحاجة كان كالجزية قبل حصارهم - يعني يصرف ذلك المال مصرف الجزية - وكالغنيمة بعده - يعني يصرف مصرف الغنيمة بعد حصارهم - ولا يجوز دفع المال إليهم ليوادعهم إلا لخوف الهلاك
مسألة
من ذبح وجه إنسان شيئا وقت الخلعة وما أشبه ذلك قيل يكفر الذابح والمذبوح ميتة وقال إسماعيل الزاهد يكره أشد الكراهة ولا يكفر لأنا لا نسئ الظن بالمؤمن أنه يتقرب إلى الآدمي بهذا النحر
مسألة
رجل مات وعليه دين قد نسيه أيؤخذ به يوم القيامة فهذا على وجهين إما إن كان الدين من جهة التجارة أو من جهة الغصب
ففي الوجه الأول يرجى ألا يؤخذ لأنه ناس وقد رفع عن الأمة النسيان بالحديث وفي الوجه الثاني يؤخذ لأنه في أوله جائر
مسألة
حفر بئرا في مفازة بغير إذن الإمام - وليس بممر ولا طريق لإنسان - فجاء إنسان فوقع فيها لا يضمن الحافر وكذا لو قعد في المفازة أو نصب خيمة فعثر به إنسان بخلاف طريق الناس قعد في الطريق يبيع بإذن السلطان فتعثر به إنسان فتلف لم يضمن حريق وقع في محلة فهدم رجل دار غيره بغير أمره وبغير أمر السلطان حتى ينقطع عن داره ضمن ولم يأثم
مسألة
أتى بالآبق فالقاضي أو السلطان يحبسه والضال لا يحبسه رد عبدابنه أو أمه أو امرأته أو زوجها لم يستحق الجعل وكذا لو كان سلطانا أو وصيا وكذا شحنة كاروان ورهبان إذا رد المال من أيدي قطاع الطريق وللوالي أن يقطع من طريق الجادة إن لم يضر بالمسلمين وإن كان يضر لا يقطعهم وليس له أن يقطع الطريق - وإن كان له طريق آخر - وإن فعل ذلك فهو آثم وإن رفع إلى قاض رده
مسألة
من تقبل بعض القانص من السلطان فاصطاد فيه غيره كان الصيد لمن أخذه
مسألة
كرى الفرات ونحوه على السطان
مسألة
مواضع موات على شط جيحون عمرها أقوام واستنزلوا كان للسلطان أن يأخذ العشر من غلاتها وهذا يستقيم على قول محمد رحمه الله لأن ماء الجيحون ماء عشرى والمؤنة تدور مع الماء ولا يجوز دفع المال إلى الكفار للصلح إلا لخوف الهلاك
وإذا فتح الإمام بلدة عنوة - أي قهرا - قسمها إن شاء وإلا وضع الخراج على أراضيهم وعلى أنفسهم ويقسم المنقول ويقتل الأسارى أو يسترقهم أو يتركهم أهل ذمة ولا يردهم إلى دار الحرب والإمام لا يفادى بهم عند أبي حنيفة - رحمه الله - أي لا يعطي الإمام الكفار أساراهم ليأخذ بدلهم مالا منهم أو أسارى المسلمين وأجاز أبو يوسف - رحمه الله - أن يفدي الإمام أساراهم باسارى المسلمين ولا يجوز الفداء بالمال في المشهور من الروايات ولا يجوز المن عليهم أيضا وعند الشافعي - رحمه الله - يجوز المن والفداء بالمال ولا بأس للإمام أن يحرض الغزاة حال القتال فيقول الإمام من قتل قتيلا فله سلبه فحينئذ يأخذ القاتل ما على المقتول من ثيابه وسلاحه ومركبه وسرجه وآلته وما مع المقتول من درهم أو دينار وما يكون محمولا على دابته من مال أو يجعل الإمام لسرية الربع بعد الخمس أي بعد إخراج الخمس
ولو قال الأمير للعسكر من جاء بالدابة فهي له يقع على الخيل والبغال إلا إذا كانوا يسمون غيرها دابة
مسأئل
اشترى جارية مأسورة لم يؤد منها الخمس من الأمير ينفذ ويحل وطؤها وإن اشتراها ممن وقعت في سهمه نفذ البيع في أربعة أخماسها ولا يحل له وطؤها ولو أن امرأة سبيت بالمشرق وجب على أهل المغرب أن يستخلصوها ما لم تدخل في دار الحرب عن أبي مطيع رضي الله عنه الرباط الذي جاء الأثر في فضله أن يكون الرباط في موضع لا يكون وراءه إسلام وعن سفيان بن عيينة رضي الله عنه إذا أغار العدو على موضع مرة فذلك الموضع رباط أربعين سنة وإن أغار مرتين يكون رباطا إلى مائة وعشرين سنة وإذا أغار ثلاث مرات فهو رباط إلى يوم القيامة ولو وجد العبد الآبق أو المدبر أو المكاتب أخذه صاحبه مجانا وعوضه الإمام من بيت المال
ولو أخذ غريما لإنسان فانتزعه من يده لا ضمان عليه ولكن يعززه الإمام عن محمد - رحمه الله - فيمن خدع ابنة رجل أو امرأته وأخرجها من منزله - قال أحبسه أبدا حتى تأتي أو أعلم أنها قد ماتت شابة تخرج متزينة إلى الولائم والمآتم لا يحل للابن منعها ما لم يثبت فسادها فإن صح ذلك رفع إلى الحاكم حتى يمنعها
مسألة
إذا شق زق الخمر لمسلم حسبة ضمن الزق لا الخمر وإن فعلها بإذن الإمام لا يضمن ولو حلف لا يكتب فأمر غيره فكتب - والحالف سلطان لا يكتب بنفسه - يحنث وإن كان يكتب بنفسه لا يحنث
مسأئل
وقف أرضا ثم إن القيم يخاف عليها من سلطان أو وارث يبيعها ويتصدق بثمنها وكذا كل قيم خاف شيئا من ذلك فله أن يبيع ويتصدق بثمنها والفتوى على أنه لا يبيع لأن الوقف إذا صحت شرائطه لا يحتمل البيع إذا غرم السلطان القرية فأرادوا القسمة قال بعضهم يقسم على قدر الأملاك وقال بعضهم يقسم على قدر الرؤوس وقال بعضهم ينظر إن كانت الغرامة لتحصين الأملاك قسمت على قدر الأملاك وإن كانت لتحصين الرءوس قسمت على عدد الرءوس التي يتعرض لهم لأنها مؤنة الرءوس ولا شيء على النساء والصبيان لأنه لا يتعرض لهم
الأمانات تنقلب مضمونة بالموت عن تجهيل إلا في ثلاث مسائل إحداها متولي الأوقاف إذا مات ولا يعرف حال غلتها التي أخذها ولم يبين لا ضمان عليه الثانية خرج السلطان إلى الغزو وغنموا فأودع بعض الغانمين ثم مات ولم يبين عند من أودع الثالثة أحد المتفاوضين مات وفي يده مال الشركة ولم يبين لا ضمان ولو أن رجلا أتى القاضي فقال إن لي على فلان حقا وهو في منزله وقد توارى عني وليس يحضر معي فإن القاضي يكتب إلى الوالي في إحضاره لأن الوالي إنما نصب لإحياء حقوق الناس فكان للقاضي أن يعين في إحضار الخصم والصحيح أن مؤنة المحضر على المتمرد لأنه لما تمرد فقد تحقق منه سبب وجوب ذلك مات وترك ابنتين وعصبة فطلب السلطان التركة ولم يقر العصبة فغرم الوصي للسلطان الدراهم من التركة بأمر الابنتين حتى ترك السلطان التعرض إن لم يقدر الوصي على تحصين التركة إلا بما غرم للسلطان فذلك محسوب من جملة الميراث ولهما أن يحسبا ذلك من نصيب العصبة
مات وترك ورثة ومالا فأخذ السلطان شيئا من المال فالمأخوذ يحمل على الجملة كسارق يسرق ويبقى الباقي بين الورثة على فرائض الله كذا قال بعض أصحابنا وقيل يفصل تفصيلا وقال بعضهم هذا إذا كان كل الورثة بحيث يرثون على الاختلاف كمسألة ذوي الأرحام جعل المأخوذ من نصيب المختلف فيه خاصة لأن السلطان أخذ باجتهاد نفسه أو بتقليد غيره وذلك منه ضرب من الاجتهاد في موضع الاجتهاد فنفذ والفتوى على الأول هذا إذا لم يعين السلطان جهة الأخذ أما إذا عين كمن مات وترك ابنة وابن عم فأنكر السلطان ابن العم وأخذ نصف المال فإن أقرت البنت أنه ابن العم فالباقي بينهما نصفان فالسلطان أخذ ظلما من النصيبين ولو ماتت وتركت زوجا وعمة أو خالة - والزوج مقر لذلك - فجاء السلطان وأخذ نصيب العمة أو الخالة فلا شيء للعمة والخالة والنصف الباقي للزوج لأن للزوج أن يقول السلطان أخذ بحق على قول زيد أرأيت لو كان زيد في الأحياء أخذ بذلك كنت ترجع على ما في يدي بشيء لا يرجع فكذا هاهنا قال أستاذنا - رحمه الله - في فصل ابن العم يجب أن يكون الجواب كذلك كغاصب الشرب المشاع إذا زعم أني غصبت نوبة فلان كان كما قال كذا هنا
مسأئل
من لا وارث له وله عند رجل وديعة أو على رجل دين فللإمام أن يأخذه ويضعه في بيت مال المسلمين ليصرف إلى مصالحهم ولو أن رجلا لا وارث له أقر أن هذا ابن عمه من أب وأم ثم مات يجعل كأنه أوصى له بجميع ماله ولا يجوز إقرار الرجل بوارث مع ذوي قرابة معروفة إلا بأربعة الأب والابن والزوج والمولى
مسأئل
رجل باع أقواما فمات وله عليهم ديون وليس له وارث معروف فأخذ السلطان ديونه ثم ظهر له وارث لا يبرأ الغرماء وعليهم أن يؤدوا إلى الوارث ثانيا لأنه تبين أنه لم يكن للسلطان ولاية الأخذ اعلم أن مصارف بيت المال أربعة أحدها مصرف زكاة السوائم والعشر وما أخذ العاشر من تجار المسلمين إذا مر عليهم وذلك ثمانية أصناف كما ذكر في الآية لكن سقطت مؤلفة قلوبهم لأن الله - تعالى - أعز الإسلام وأغنى عنهم الثاني مصرف خمس الغنائم والمعادن والركاز وهو اليتامى
والمساكين وأبناء السبيل ويدخل فقراء ذوي القربى دون أغنيائهم عندنا وقال الشافعي رحمه الله يدخل الأغنياء أيضا وسهم النبي - {صلى الله عليه وسلم} - سقط عندنا بموته وعند الشافعي - رحمه الله انتقل إلى الخليفة كما قال الله تعالى ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) ( التوبة 60 ) الآية
الثالث مصرف الخراج والجزية ومال بني نجران ومال بني تغلب - مضاعفة - وما أخذه العاشر من تجار أهل الذمة والحربي والمال الذي يصالح عليه الكفار يصرف إلى عطايا المقاتلة وذراريهم وسلاحهم وكراعهم ليقاتلوا أعداء الله تعالى ويفتحوا البلاد وإلى أرزاق القضاة والولاة وأعوانهم والفقهاء والمفسرين والحفاظ والمعلمين والمتعلمين والمفتين والمحتسبين وكل من تقلد شيئا من أمور المسلمين وسد الطريق في دار الإسلام عن اللصوص وقطاع الطريق وإلى إصلاح القناطر والجسور وبناء الرباطات والمساجد وسد البثق وتحصين ما يخاف عليه البثق وكرى الأنهار العظام التي فيها مصالح المسلمين وإلى ما فيه صلاح المسلمين
والرابع مصرف اللقطات والتركات التي لا وارث لها ومصرف نفقة اللقيط والمرضى وأدويتهم - إذا كانوا فقراء - وتكفين الموتى الذي لا وارث لهم ولا مال لهم وعقل جناية اللقيط ونفقة من هو عاجز عن التكسب وليس له من يقضي نفقته ولا يحل لكل مصرف إلا ما يكفيهم ويكفي أعوانهم بالمعروف فإن فضل شيء من هذه الأموال بعد إيصال الحقوق إلى أربابها قسموه بين المسلمين وليس لأهل الذمة نصيب في بيت المال إلا أن يرى الإمام ذميا يهلك جوعا فعليه أن يعطيه من بيت المال وليس للأغنياء في بيت المال نصيب إلا إذا كان عالما فرغ نفسه لتعليم الناس من الفقه والقرآن أو قاضيا ولا تصرف الزكاة إلى ذمي وبناء مسجد وتكفين ميت وإعتاق وأصول
المزكي وفروعه وزوجته وعبده ومكاتبه ومدبره وأم ولده - ومعتق البعض كالمكاتب عند أبي حنيفة رحمه الله - وإلى من يملك قدر نصاب وإنما قلنا قدر نصاب لأن من ملك نفس النصاب فعليه الزكاة لأنه يكون ناميا وينبغي أن يكون قدر النصاب فاضلا عن الحاجة الأصلية من أي مال كان بلا اشتراط نماء فيه حتى لو كان له كتاب مكرر يحسب أحدهما من النصاب وهذا النصاب تتعلق به الأحكام الأربعة من حرمان الصدقة ووجوب الأضحية وصدقة الفطر ونفقة الأقارب
ومن عال يتيما فيكسوه ويطعمه وينوي به عن زكاة ماله يجوز في الكسوة وفي الطعام لا يجوز إلا إذا دفع إليه بيده فيجوز أيضا وقال العلماء الأفضل في صرف الصدقة أن يصرفها إلى إخوته ثم أعمامه ثم أخواله ثم ذوي الأرحام ثم جيرانه ثم أهل سكته ثم أهل مصره روي عن علي - كرم الله وجهه - أنه قال يعطي الإمام حملة القرآن لكل قارئ في كل سنة مائتي دينار أو ألف درهم إن أخذها في الدنيا وإلا يأخذ في الآخرة وعن الشيخ أبي منصور رحمه الله كل من خرج طالبا للعلم فقد لزم المسلمين كفايته وبالله التوفيق


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق