الاثنين، 15 ديسمبر 2014

كتاب الدرة الغراء في نصيحة السلاطين والقضاة والأمراء - الباب التاسع في تنبيه المجيب من المسائل الشرعية مما جمعه المحقق أبو الليث السمرقندي رحمه الله

كتاب
الدرة الغراء في نصيحة السلاطين والقضاة والأمراء

العلامة
محمود بن إسماعيل بن إبراهيم الجذبتي


دار النشر / مكتبة نزار مصطفى الباز - الرياض - 1417هـ- 1996م
عدد الأجزاء / 1


الباب التاسع في تنبيه المجيب من المسائل الشرعية مما جمعه المحقق أبو الليث السمرقندي رحمه الله

ينبغي للمفتي أن يمعن النظر في المسائل الشرعية فإن كانت من جنس ما يفصل في جوابها يفصل ولا يجيب على الإطلاق فإنه يكون مخطئا نحو ما إذا سئل عن هرة أخذت فأرة فوقعتا جميعا في البئر فماتتا جميعا أو ماتت إحداهما وخرجت الأخرى حية فإن أجاب بنزح كل البئر أو بنزح عشرين أو ثلاثين أو أربعين أو خمسين فقد أخطأ بل يجب أن يفصل ويبين الشروط التي فيها فيقول لو جرحتها الهرة نزح ماء البئر كله وإن لم تكن جرحتها فإن ماتت الهرة أو الفأرة ن فوظيفة كل واحدة معلومة فإن ماتتا جميعا يدخل أقل المقدارين في أكثرهما فيكتفي بنزح الأكثر ولو قيل خرجتا حيين فالمسئول يخطئ في الجواب إلا أن يقول إن كانت جرحتها الهرة نزح ماء البئر كله وإن لم تكن جرحتها يستحب نزح دلاء قلت ورأيت في بعض الكتب إذا وقعت في البئر من خوف الهرة يجب نزح ماء البئر كله لأنها إذا فرت من خوف الهرة لا تخلو من نجاسة تنفصل منها وإذا استفتى عن إمام صلى بقوم ركعة فأحدث وتأخر وقدم رجلا والقوم قدموا آخر فتقدما ونويا الإمامة فإن أجاب بصحة صلاة كل القوم أو فسادها أو تصح صلاة الأكثر دون الأقل أو على العكس فقد أخطأ لكن ينبغي أن يقول إن كان الإمامان نويا معا أو سبقه نية من قدمه الإمام

أو سبقت نية الآخر لكن لم يعتد به القوم حتى نوى من قدمه الإمام فالخليفة هو من قدمه الإمام فمن اقتدى به منهم صحت صلاتهم وإلا فلا ولو قيل لو لم يقدم الإمام أحدا وتقدم رجلان فإن أجاب بشيء فقد أخطأ إلا أن يقول إن سبق أحدهما إلى مكان الإمام فصلاة الذين اقتدوا به جائزة وصلاة الآخرين فاسدة سواء كانوا أقل أو أكثر فإن قاما في صلاة الإمام معا فحينئذ يعتبر الترجيح بكثرة القوم فإن استوى الفريقان فسدت صلاة الكل وإذا استفتى عن مريض يصلي بالإيماء فلما كان في حال التشهد ظن أن هذا موضع القيام فاشتغل بالقراءة ثم ذكر بعد القراءة فإن أجاب أن بنيته القراءة صار قائما أو قال لم يصر قائما فقد أخطأ وينبغي أن يقول إن كان هذا في التشهد الأول قامت القراءة مقام القيام فلا يعود إلى التشهد وإن كان في التشهد الآخر رجع إلى التشهد وهكذا في التصحيح الذي قام قبل أن يتشهد وإذا استفتى عمن صلى الظهر أربعا وجلس جلسة ثم ظن أنها الثالثة فقام ثم علم أنها رابعة فجلس وقرأ بعض التشهد وتكلم فإن أجاب بصحة صلاة أو فسادها فقد أخطأ فينبغي أن يقول إن كان مجموع الجلوسين قبل القيام مقدار التشهد أو أكثر جازت صلاته وإلا فلا
فصل في النكاح
إذا استفتى عن رجل زوج ابنه الكبير امرأة بغير إذنه فإن أجاب أن النكاح موقوف فقيل له إن لم يجز الابن ولم يرد حتى جن جنونا مطبقا فإن أجاب بجواز النكاح فقد أخطأ وينبغي أن يقول إن أجاز الأب النكاح بعدما جن الابن جاز وإلا فلا لأن الأب صار بحال لو استأنف العقد جاز عقده فيجوز إجارته

رجل تزوج امرأة فجاءت بسقط قد استبان خلقه إن جاءت به لأربعة أشهر جاز النكاح وإن جاءت به لأربعة أشهر إلا يوما لم يجز النكاح لأن في الوجه الثاني الولد من الزوج الأول وفي الوجه الأول الولد من الزوج الثاني لأن خلقه لا يستبين إلا في مائة وعشرين يوما فيكون أربعين يوما نطفة وأربعين يوما علقة وأربعين يوما مضغة وإذا استفتى عمن أقام بينة على امرأة أنه تزوجها فأقامت ابنة المرأة أنه تزوجها فإن أجاب أن البينة أو بينتها فقد أخطأ وينبغي أن يقول إن لم يكن دخل بواحدة منهما أو دخل بالأم فبينته أولى وبطلت بينتها وإن دخل بالبنت فبينتها أولى وبطلت بينته وإن دخل بها ففرق بينه وبينهما بحرمة المصاهرة وإذا استفتى عمن أمر رجلا بأن يزوجه امرأة فزوجه الوكيل كما أمر ثم مات وليها الذي زوجها ولها ولي آخر ينكر النكاح هل يحل للزوج أن يطأها بقول الوكيل فإن قال لا أو نعم فقد أخطأ وينبغي أن يقول إن كانت المرأة صغيرة أو معتوهة لا ينبغي أن يطأها بقول الوكيل ما لم يصدقه الوكيل الثاني ولو كانت عاقلة كبيرة فلا بأس بأن يطأها إذا كانت مقرة بالنكاح وإذا استفتى عن امرأة خرجت من بيت الزوج إلى منزل أبيها أو أمها فمرضت فلم يتهيأ لها الخروج إلى منزل الزوج هل لها النفقة ما دامت هناك فإن أجاب بنعم أو بلا فقد أخطأ وينبغي أن يقول إن كانت بحال يمكن أن تحمل في محفة أو نحو ذلك فلا نفقة لها ما لم ترجع لأنها كالناشزة
لم أمكن عودها ولم تعد وإن كانت لا يتهيأ حملها بوجه من الوجوه يؤخذ الزوج بنفقتها ما دامت كذلك لكن يجب نفقة الصحيحات لا المريضات
فصل في الطلاق

إذا استفتى عمن قال لامرأته أنت طالق كالثلج أيكون بائنا أو رجعيا فإن أجاب أنه رجعي أو بائن فقد أخطأ وينبغي أن يقول إن أراد به كالثلج في البرودة فبائن وإن أراد به كالثلج في البياض فرجعي كما لو قال حسنة رجل قال لامرأته إن لم أطلقك اليوم ثلاثا فأنت طالق ثلاثا فأراد الحيلة كي لا تطلق المرأة فقال لها أنت طالق ثلاثا على كذا - يعني ألف درهم - فلم تقبل المرأة فمضى اليوم وقع عليها الثلاث في قياس الروايات الظاهرة لأنه تحقق شرط الحنث وهو عدم التطليق لأنه أتى بالتعليق والتعليق غير التطليق وروى عن أبي حنيفة - رحمه الله - أنها لا تطلق وعليه الفتوى وهذا حيلة الخروج عن هذا اليمين لأنه أتى بالتعليق ولكن على ألف وأن هذا تطليق مقيد والمقيد يدخل تحت المطلق فينعدم شرط الحنث فلا تطلق
فصل في العتق
إذا استفتى عمن أقر في مرضه بعبد لبعض ورثته ثم أعتق ذلك العبد فإن أجاب أنه جاز عتقه أو لم يجز فقد أخطأ
ينبغي أن يقول إن كذبه سائر الورثة على إقراره جاز عتقه في الحكم وإن صدقوه فعتقه باطل في الحكم وأما فيما بينه وبين الله تعالى - إن لم يكن بينهما سبب التمليك لم يخرج عن ملكه وجاز عتقه من الثلث إذا مات من مرضه وإذا صح جاز عتقه من جميع المال
فصل في مسائل شتى

إذا استفتى عمن ساوم رجلا في ثوب فقال البائع أبيعك بخمسة عشر وقال المشتري لا أخذه إلا بعشرة وذهب المشتري بالثوب على هذا فإن أجاب أن البيع بعشرة أو بخمسة عشر فقد أخطأ وينبغي أن يقول إن كان الثوب في يد المشتري حين ساومه وجب البيع بخمسة عشر إذا ذهب به وإن كان الثوب في يد البائع فدفعه إلى المشتري ولم يقل شيئا فالبيع بعشرة وإذا استفتى عمن باع مال غيره بغير إذنه فبلغه فأجاز فإن أجاب بالجواز أو بعدم الجواز فقد أخطأ وينبغي أن يقول إن كان المبيع قائما والبائع والمشتري قائمين صحت الإجازة فإن مات أحد هذه الأشياء لم يجز وكذا لو مات الوارث فأجاز ورثته لم يجز وإذا استفتى عمن باع عبده وعبد غيره صفقة واحدة بغير أمر ذلك الغير ما حال البيع فيهما وهل للمشتري الخيار فإن أجاب بجوازه أو ببطلانه أو بأن له الخيار فقد أخطأ وينبغي أن يقول إن أجاز ذلك الغير جاز البيع فيهما ولا خيار له فإن لم يجز فإن كان المشتري يعلم وقت الشراء بذلك لزمه في عبد البائع بحصته وإن لم يكن عالما وقت الشراء أو علم بعد ذلك فإن علم قبل القبض فله نقض البيع فيهما لأنه لو نقض في المبيع كان فيه تفريق الصفقة قبل التمام وذلك لا يجوز وإن علم بعد قبضهما لزمه الباقي بحصته لأن الصفقة تمت بالقبض فلو رد أحدهما كان تفريق الصفقة بعد التمام وذلك جائز

وإذا استفتى عن رجل باع عبدا على أنه بالخيار ثلاثة أيام ثم تقاضى على المشتري بالثمن هل يكون ذلك إجازة منه فإن قال لا فقد أخطأ وينبغي أن يقول إن تقاضاه قبل أن يتفرقا فهو على خياره وإن تقاضاه بعدما تفرقا بطل خياره وذكر عن الحسن بن زياد قال أستاذنا رحمه الله ظاهر ما ذكر في الزيادات والقدوري يدل على أنه يبطل خياره مطلقا لكن لم يذكر هناك هذا التفصيل وإضافة أبي الليث رحمه الله هذه الرواية إلى الحسن بن زياد يدل على أن التفصيل ليس في كتب محمد - رحمه الله - وهو أحسن وبه يفتى وإذا استفتى عن رجل اشترى جارية بثمانمائة نسيئة فحدث بها عيب عند المشتري فباعها من البائع بستمائة قبل نقد الثمن ثم ذهب العيب عنها فإن أجاب بجواز البيع أو فساده فقد أخطأ وينبغي أن يقول إن ذهب العيب قبل أن يقبض البائع من المشتري بطل البيع الثاني وإن ذهب العيب بعدما قبضه منه فالبيع جائز لأن للقبض شبها للعقد فصار الذهاب قبل القبض كالذهاب قبل شراء البائع من المشتري وإذا استفتى عمن باع من رجل شيئا وزنيا على أن وزنه كذا فوجده أكثر من ذلك ما حال البيع والزيادة لمن تكون

فإن أجاب أن البيع جائز أو فاسد والزيادة للبائع أو للمشتري فقد أخطأ وينبغي أن يقول إن اشتراه بغير جنسه فالبيع جائز وأما الزيادة فهي على وجهين إن كان المشتري شيئا في تنقيصه ضرر نحو أن يشتري إبريق فضة بعشرة دنانير على أن وزنه مائة درهم أو اشترى قمقمة بعشرة دراهم على أن وزنها ثلاثة أمناء فإذا هي أكثر فالزيادة للمشتري وإن كان شيئا ليس في تنقيصه ضرر نحو أن يشتري نقرة فضة أو صفر أو نحاس غير معمول بدينار على أنه كذا منا فإذا هي أكثر فالزيادة للبائع وإن اشتراه بجنسه فهو أيضا على وجهين إن لم يكن في تمييزه ضرر جاز البيع بحصته نحو أن يشتري نقرة وزنها مائة بمائة درهم فوجدها مائتين جاز البيع في النصف وبطل في النصف الآخر وإن اشترى إبريق فضة وزنه مائة بمائة فوجده مائتين فإن قال البيع فاسد في الكل أو في النصف فهو خطأ وينبغي أن يقول إن علم أن وزنه مائتان قبل أن يتفرقا فالبيع باطل في النصف جائز في النصف وهو بالمختار وإذا استفتى عمن كان له على آخر دين مائة درهم وعنده لمديونه وديعة مائتا درهم فقال جعلتها قصاصا بديني هل يعتبر قصاصا فإن أجاب بلا أو بنعم فقد أخطأ وينبغي أن يقول إن كانت الدراهم في يديه أو قريبة منه يقدر على قبضها جاز قصاصا وإن كانت بحال لا يمكن أخذها ولم تكن قريبة منه لا يصير قصاصا مال لم يدفع إليه قال وهذه الرواية عن محمد رحمه الله وهي معروفة أن قبض الوديعة لا ينوب عن قبض الشراء

وإذا استفتى عن رجل له على رجلين دين فأخذ من كل واحد منهما خمسة وخلط بعضها ببعض ثم وجد بعض الدراهم نبهرجة وكل واحد منهما ينكر أن يكون النبهرجة ملكه هل له أن يرد على أحدهما إن أجاب أن له أن يرد أو ليس له أن يرد فقد أخطأ وينبغي أن يقول إن وجد درهما أو درهمين إلى خمسة نبهرجة لا يرد أصلا لأن كل واحد منهما يقول إن الجياد دراهمي فليس لك علي حق الرد أصلا فإن وجد ستة منها نبهرجة كان له أن يرد على كل واحد منهما درهما لأنا تيقنا أن كل واحد منهما أعطاه درهما نبهرجة فكان له حق الرد على كل واحد منهما قطعا وإن وجد سبعة فعلى كل واحد منهما درهمين وإن وجد ثمانية فعلى كل واحد منهما ثلاثة دراهم وإن وجد تسعة فعلى كل واحد منهما أربعة وإن كان الكل نبهرجة رد كل واحد منهما خمسة قلت لاستاذنا رحمه الله ينبغي ألا يكون الرد في هذه الوجوه كلها أصلا على قول أبي حنيفة - رحمه الله - لأن خلط الدراهم على وجه يتعذر التمييز استهلاك عنده والرواية المحفوظة أن من كان له على آخر دراهم جياد فأخذها منه زيوفا فأنفقها في حاجته أو استهلكها ثم علم ليس على مديونه شيء عند أبي حنيفة وأحد الروايتين عن محمد رحمه الله له أن يرد عليه مثل زيوفه ويرجع عليه بجياده فينبغي ألا يكون له حق الرد إلا على قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - بناء على أن الخلط ليس استهلاكا عندهما أو بناء على أن إنفاق الزيوف واستهلاكها لا يسقط حقه في الجودة أما على قول أبي حنيفة رحمه الله لا يرد أصلا لما ذكرنا من مذهبه في المسألتين

ثم أجاب في مجلس آخر فقد أحسن فيما أجاب - فقال لا بل هناك يرد كما ذكرنا لأن النبهرجة إذا زادت على الخمسة تيقنا أنه استحق كل واحد منهما رد شيء من هذه النبهرجة بقدر ما ذكرنا فلو امتنع الرد إنما يمتنع لكون المردود على كل واحد منهما وذلك مشكوك والثابت بالمتيقن لا يختل بالشك بخلاف ما لو أنفق المأخوذ أو أتلفه لأن هناك تيقنا أن الذي يرد عليه غير المأخوذ منه فجاز أن يمتنع حق الرد وإذا استفتى عمن دفع إلى رجل درهما وضحا وقال اشتر لي بنصف لحما وبنصف درهم قطنا ولم يزد على هذا فكيف يصنع الوكيل حتى لا يضمن فإن أجاب أنه يكسر الدرهم فقد أخطأ لأنه يصير ضامنا فإن أجاب أنه يشتري بالدرهم الوضح مكسرة فقد أخطأ أيضا لأنه غير مأمور بالتصرف فيصير مخالفا ضامنا وينبغي أن يقول لا وجه سوى أن يأمر صاحب القطن ليشتري بنفسه لحما بنصف درهم أو القصاب ليشتري بنفسه قطنا بنصف درهم ثم يشتري الوكيل منه بدرهم وإذا استفتى عمن وكل رجلا بأن يشتري له عبدا بألف درهم فاشتراه الوكيل كما أمره لكن قال عند الشراء اشهدوا أني اشتريته لنفسي فإن أجاب أنه جاز شراؤه لنفسه أو للأمر أو لم يجز شراؤه فقد أخطأ وينبغي أن يقول لو اشتراه بمحضر من موكله كان شراؤه لنفسه وإن اشتراه في حال غيبته فهو للآمر لأن الوكيل لا يملك عزل نفسه بدون علم الموكل كالموكل لا يملك عزله بدون علمه وإذا لم ينعزل بقي وكيلا والوكيل بالشراء محجور عن الشراء لنفسه على الذي وكل به وإذا استفتى عمن وكل رجلا بشراء عبد بألف درهم ولم يدفع إليه الثمن فاشتراه الوكيل وقبض وأدى الثمن ثم لقى الآمر في غير المصر الذي فيه العبد فطلب منه الثمن وأبى الآمر أن يدفع حتى يدفع المثمن فإن قال له

ذلك أو ليس له ذلك فقد أخطأ وينبغي أن يقول إن كان الآمر طلب قبل ذلك قبض العبد من المأمور بمحضر منهما فأبى المأمور أن يدفع إليه حتى يقبض الثمن فللآمر ألا يدفع الثمن ما لم يحضر العبد ثم يدفع الثمن لأن قبض الوكيل كقبض الآمر ما لم يحدث حبسا ولهذا لو هلك عند الوكيل بعدما حبسه بالثمن يهلك بالثمن ويسقط الثمن عن الآمر عندهما وعند أبي يوسف - رحمه الله - يهلك هلاك الرهن حتى لو كان ثمنه أكثر من قيمته يرجع الوكيل على موكله بالفضل وإن لم يكن طلب منه الآمر قبض العبد قبل ذلك فليس للآمر أن يمتنع عن دفع الثمن لأنه لم يعرف حابسا فكان يده يد الموكل فصار كأنه قبض العبد بنفسه ولو قبض بنفسه ليس له أن يمتنع عن دفع الثمن كذا هنا فلو قيل إن الوكيل لو قبض العبد فذهبت عينه عند الوكيل فأبى الآمر أن يأخذه فإن أجاب أن له ذلك أو ليس له ذلك فقد أخطأ وينبغي أن يقول إن كان الوكيل منعه من الآمر ثم ذهبت عينه فإن شاء الآمر أخذه بجميع الثمن وإن شاء تركه وإن كان الآمر لم يطلبه منه حتى ذهبت عينه فعلى الآمر أن يأخذه بكل الثمن من غير خيار له إذا سئل عمن باع شيئا في السوق فاستعان برجل من أهل السوق فأعانه ثم طلب الرجل من البائع الأجر هل له ذلك فإن أجاب بلا أو بنعم فقد أخطأ وينبغي أن يقول ينظر إلى أهل ذلك السوق فإن كانوا لا يعينون إلا بأجر يقضى للمعين بأجر المثل فيما أعان وإن كانوا يعينون بغير أجر فلا شيء له وكذا إذا أعان رجل آخر من أهل السوق رجلا في حانوته فأعانه ساعة على بيعه وشرائه والمعتبر في ذلك عادة كل أهل السوق وإذا استفتى عن أربعة أجروا أنفسهم لحمل الجنازة إلى المقبرة هل تجوز الإجارة وتجب الأجرة أم لا فإن أجاب بلا أو بنعم فقد أخطأ وينبغي أن يقول إن لم يوجد لحمل الجنازة غيرهم لا تجوز الإجارة لأنهم حينئذ تعينوا لوجود إقامة هذه الحسبة فلا يستحقون أجرا بمقابلة عمل مستحق عليهم

وإن وجد غيرهم جازت الإجارة ولهم الأجرة لأن إقامة هذا العمل لم يستحق عليهم حينئذ فجاز أن يستحقوا الأجرة بعمل لم يكن مستحقا عليهم وصار هذا العمل بالنسبة إليهم بعينهم بمنزلة الأعمال المباحة فصحت إجارتهم وإذا استفتى عمن حمل دقيقا إلى منزله فاستأجر امرأته ليخبزه هل يجب الأجر فإن أجاب بلا أو بنعم فقد أخطأ وينبغي أن يقول إن أراد أن تخبز للبيع فلها الأجر لأن ذلك غير مستحق عليها وإن أراد لتخبز ليأكلوا منه لا يجب الأجر لأن ذلك مستحق عليها عادة كذا ذكر هنا قلت لأستاذنا هل يجوز أن يكون هذا بناء على ما اختاره أبو الليث رحمه الله في المنكوحة والمعتدة إذا أبت أن تطبخ وتخبز هل لها ذلك قال إن كانت لا تقدر على ذلك أو كانت من الأشراف فلها ذلك وعلى الزوج مئونة الخبز والطبخ وإذا كانت تقدر وهي ممن تخدم نفسها تجبر على ذلك هذا اختيار الفقيه أبي الليث السمرقندي رحمه الله وذكر الخصاف في النفقات أن على الزوج أن يأتي بمن يطبخ ويخبز لها من غير فصل بين الشريفة والوضيعة وبه أخذ الفقيه أبو بكر البلخي قال أستاذنا رحمه الله لا بل ينبغي أن يكون الجواب عند الكل كما ذكره أبو الليث لأن الخبز بقدر ما يأكلون في البيت مستحق عليها ديانة وإن لم يستحق عليها حكما وذلك يمنع صحة الإجارة كما لو استأجرها لترضع ولدها منه لا يجوز وإن لم يجب عليها الإرضاع حكما وإذا استفتى عمن أعطى إلى الصباغ ثوبا ليصبغه فجحد الصباغ الثوب وحلف ثم جاء به مصبوغا هل له الأجر فإن أجاب بلا أو بنعم فقد أخطأ

وينبغي أن يقول إن كان صبغه قبل الجحود يجب الأجر لأنه صبغها حال قيام الإجارة بينهما وأن كان صبغه بعد الجحود فصاحب الثوب بالخيار إن شاء أخذ الثوب وأعطاه ما زاد الصبغ فيه وإن شاء تركه عليه وضمنه قيمة ثوب أبيض لأن عقد الإجارة بينهما قد انفسخ بالجحود فصار كمن صبغ ثوب غيره بغير إذنه فالحكم فيه معلوم وإذا استفتى عمن استأجر رجلا ليحمل له حملا إلى موضع معلوم فحمل إلى نصف الطريق ثم تركه المقدر كم يجب من الأجر إن قال نصفه أو أقل أو أكثر فقد أخطأ وينبغي أن يقول إن كان الطريق كله مستويا لم يكن في أحد النصفين شيء من ذلك يقسم الأجر على كل واحد من النصفين فيلزمه حصة ما حمل وعن أبي يوسف - رحمه الله - أنه يقسم على صعوبة الطريق وسهولته
فصل في مسائل شتى
أجر دابة إلى موضع معلوم بأربعة دراهم على أن يرجع في يومه ذلك فرجع بعد خمسة أيام قال عليه درهمان لأنه خالف في الرجوع فعليه أجر الذهاب خاصة وإذا استفتى عن امرأة وجب قبلها حق لأحد فطلب إحضارها مجلس الحكم وهي تأبى هل يؤمر بإحضارها فإن قال نعم أو لا فقد أخطأ وينبغي أن يقول إن ثبت خروجها إلى الحمام ولم تكن مريضة ولا نفساء فلا بد وأن تحضر باب الحكم إذا توجهت عليها اليمين وإن كانت عفيفة لا تخرج من بيتها يبعث إليها من يحلفها في مثواها ولا تخرج وذكر أبو يوسف - رحمه الله - أن المرأة تحلف في منزلها من غير
فصل

وإذا استفتى عمن ادعى دارا في يد آخر وأقام البينة أن الدار له وأقام رجل آخر البينة أن البناء له فإن أجاب أن البينة مدعي الدار أو بينة مدعي البناء أو يؤخذ بالبينتين فقد أخطأ وينبغي أن يقول يسأل القاضي شهود الدار كيف يشهدون فإن قالوا نشهد أن الدار والبناء كله لهذا فإن الأرض له والبناء بينهما لأن البينتين تعارضتا في حق البناء دون الدار فعمل بها بقدر الإمكان وإن قالوا الأرض له ولا ندري لمن البناء قضى له بالأرض والبناء لآخر لأنه لا تعارض بين البينتين هنا أصلا فعمل بكل واحد منهما من كل وجه وإذا استفتى عن رجل سرق من رجلين عشرة دراهم أو من عشرة أنفس من كل واحد درهما هل يقطع فإن أجاب بلا أو بنعم ن فقد أخطأ وينبغي أن يقول إن سرق من بيت واحد بدفعة واحدة فجاء واكلهم وادعوا يقطع هذه الرواية عن محمد بن الحسن رحمه الله وإذا استفتى عن نهر غصبه غاصب هل يجوز لمن علم بالغصب أن يتوضأ منه فإن قال نعم أو لا فقد أخطأ وينبغي أن يقول إن كان النهر بعد في موضعه لا يكره أن يتوضأ أو يشرب منه ولم يظهر الغصب في حق المتوضئ والشارب بإجراء الماء قال أبو الليث رحمه الله هذا جواب المشايخ ولم يذكر عن المتقدمين وإذا استفتى عمن أخذ أتان رجل من الجبانة بغير إذن صاحبه فاستعمله ثم رده إلى الجبانة وكان مع الحمار جحش فأكل الذئب الجحش هل يضمن وإنما استعمل الأتان خاصة فالجواب فيه أنه إن لم يتعرض للجحش شيء غير أنه ساق الأم وانساق الجحش معها ذاهبا وجائيا فلا ضمان عليه وإن كان ساق الجحش أيضا فهو ضامن قيمة الجحش هكذا ذكر هاهنا وفيه نظر فإنه لم يفعل في الجحش على سبيل المباشرة لكنه مسبب متعد وهذا لأن سوق الجحش ونحوه لا

يكون إلا على هذا الوجه لأنه لا ينساق سوقه مقصودا وغصب كل شيء وسوقه ما يليق بحاله قال أستاذنا رحمه الله ينبغي أن يضمن قيمة الجحش هنا لأنه صار غاصبا وإن لم يفعل فيه فعلا ألا ترى أنهم قالوا إذا غصب عجولا فاستهلكه حتى يبس لبن أمه يضمن قيمة عجوله وما نقص من البقرة قلت هذا وإن كان فيه نظر لما ذكر إلا أنه ذكر الناطفي - رحمه الله - في واقعاته أن من أراد سقي زرعه فمنع الماء غيره حتى يبس الزرع لا يضمن مانع الماء فينبغي ألا يضمن غاصب العجول نقصان البقرة ها هنا أيضا كيف لو كان ذلك فالفرق بينهما واضح لأن الضمان ضمان الهلاك وهلاك جزء من البقرة مضاف إلى غاصب العجول لأنه لم يوجد فعل آخر يمكن إضافته إليه ولا كذلك في مسألة الجحش لما ذكر أنه لا ينساق إلا بسوق الأم فصار سائق الأم سائق الجحش أيضا فيضمنه وإذا استفتى عمن ضرب بطن شاة أو بقرة لرجل فألقت جنينا ميتا هل يجب الضمان عليه فإن أجاب بنعم أو بلا فقد أخطأ وينبغي أن يقول إن لم تنتقص الشاة والبقرة لا شيء في الجنين وإن انتقصت ضمن النقصان وهي بخلاف الجارية ذكر الطحاوي هذه المسألة في مختلف الحديث فيمن ضرب بطن جارية مملوكة فألقت جنينا ميتا أن عليه نقصان الأمة وقال بعض المتأخرين يلزمه عشر قيمة الأم أما الغرة فوجوبها في جنين الحرة هكذا ذكر الجواب ها هنا في جنين الأمة عن مختلف الحديث وهو رواية عن أبي يوسف - رحمه الله - وظاهر الجواب عشر القيمة وهي معروفة وإذا استفتى عمن أوصى بأن يعطي فلان عشر نعاج من أغنامه وأغنامه حبالى فولدت بعد ذلك أيعطي مع أولادهن فإن قال لا أو نعم فقد أخطأ

ينبغي أن يقول إن كانت النعاج بغير أعيانها كان الاختيار للورثة يختارون ما شاءوا ويعطون إليه بغير أولاد لأن محل حقه إنما يتعين باختيار الورثة فصار كأن الملك ثبت فيه حالة الاختيار وحالة الاختيار الولد منفصلة فلا يستحق استحقاق الأم كما لو باع الأم لا تدخل الأولاد المنفصلة في البيع كذا هذا وإن كانت النعاج بأعيانها فهي مع أولادها إن كانت تخرج من الثلث لأن محل الوصية معين فثبت ملك الموصى له عند الموت من غير توقف على اختيارهم والولد متصل بالأم حينئذ فاستحق باستحقاق الأم كمن باع الأم والجنين في بطنها يدخل تحت البيع هكذا هنا وإذا سئل عمن تزوج أم ولد إنسان بغير إذن مولاها ثم أعتقت أيجوز النكاح أم لا فإن قال نعم أو لا فقد أخطأ ولكن يفصل فيقول إن دخل بها الزوج قبل إعتاق المولى جاز لأنه لم يجب عليها العدة وإن لم يدخل لم يجز لأنه وجبت عليها العدة من المولى حين أعتقها فلا ينفذ النكاح في العدة وإذا سئل عمن باع عبدين أحدهما له والآخر لغيره صفقة واحدة بغير إذن الغير أيجوز البيع أم لا وهل للمشتري الخيار أم لا فإن قال لا أو نعم فقد أخطأ وينبغي أن يقول إن أجاز المولى الآخر جاز البيع فيهما وإن لم يجز فإن كان المشتري علم وقت الشراء بذلك لزمه البيع في الواحد بحصته وإن لم يعلم بذلك إلا بعد البيع إن علم قبل القبض فله أن ينقض البيع وإن علم بعد قبضهما لزمه عبد البائع بحصته وإذا سئل عن رجل تزوج بخالة خالته ينبغي أن يقال إن كانت الخالة لأمه أو لأبيه وأمه لم يجز وإن كانت لأبيه جاز لأنه لا قرابة بينهما.
ولو سئل عمن تزوج بعمة عمته يقال له إن كانت العمة لأبيه أو لأبيه وأمه لم يجز وإن كانت لأمه جاز وإذا سئل عن رجل زوج أمه وأختيه من آخر في عقدة وأفتى الفقهاء بالجواز كيف يكون يقول صورتها جارية بين اثنين جاءت بولد فادعياه فهو ابنهما فإن كبر الغلام وله أخت من هذا الأب وأخت من هذا الأب كلتاهما من غير أمه فزوج الأختين والأم من رجل واحد بعد موت أبيه حكم بالجواز لأنه لا قرابة بينهن وإذا سئل عن رجل خرج تاجرا وترك امرأته في المنزل فورد عليه كتاب امرأته أني قد تزوجت آخر فابعث إلى كل شهر شيئا للنفقة كيف تكون هذه المسألة قل هذا رجل كانت امرأته بنتا لمولاه فمات مولاه فورثته وبطل النكاح فكتبت إليه وهو عبدها أن ابعث إلى النفقة والله أعلم




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق