السبت، 26 سبتمبر 2015

مواعظ القلوب : الموعظة السادسة " الموت القيامة الصغرى

الموعظة السادسة

الموت القيامة الصغرى

الحمد لله الذي خلق الجنة والنار والظلمات والنور والظِّل والحرور والأيام والشهور والساعات والدهور و يعلم ما في الصدور وما في القبور والصلاة والسلام على البشير النذير السراج المنير وعلى آله وأصحابه إلى يوم يبعثر ما في القبور. أما بعد
فقد قال الله جل وعلا [كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الغُرُورِ] {آل عمران:185} الموت هادم اللذات ومفرّق الجماعات وقاطع الأمنيات وميتم البنين والبنات الواعظ الصامت يأخذ كل أحدٍ بدون استئذان يأخذ الغني والفقير والملك والحقير والأمير والصغير والسقيم والكبير...!!
أين الذين كانت لهم الأرض فرحاً ومرحاً؟
أين الذين كانت لهم الأرض هيبة وعزاً ؟
أين الأصدقاء والأحبة؟
أين الأقارب والأخوة؟
أفناهم الله مفني الأمم وأبادهم مبيد الرمم وأخرجهم من سعة القصور إلى ضيق القبور تحت الجنادل والصخور فأصبحوا لا تُرى إلا منازلهم لم تنفعهم أموالهم ولا أزواجهم ولا أبناؤهم الذي ينفعهم أعمالهم وأقوالهم الصالحة.
أخي الحبيب أنت في رحلة غريب تخيل نفسك طريحاً بين أهلك وقد وقعت الحسرة وجفت العبرة وثقل منك اللسان واشتدت بك الأحزان وعلا صُراخ الأهل والأخوان ونادوا الأطباء بالداوء فزادهم الدواء بلاء قال الله تعالى: [فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ(83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ(84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ][الواقعة: 83-85] تلك اللحظات تنظر آخر النظرات إلى الأبناء والبنات والإخوان والأخوات ويسبقها الآهات والزفرات فتكون شدة السكرات والحسرات فتخرج الروح وتبقى السيئات والحسنات.
رحماك يا الله تخيل بأنك تُقلَّب على المُغتسَل بين يدي المُغسِّل ثم تُلبس الكفن وتنتقل إلى دار العفن.
قال التيمي رحمه الله: (شيئان قطعا لذة الدنيا ذكر الموت وذكر الوقوف بين يدي الله عز وجل). وقال الدقاق رحمه الله: (من أكثر من ذكر الموت أكرمه الله بثلاث بتعجيل التوبة وقناعة في القلب ونشاط في العبادة ومن نسي الموت عاقبه الله بثلاث تسويف التوبة وترك الرضا بالقليل وتكاسل في العبادة). وقال الحسن البصري رحمه الله: (إن هذا الموت أفسد على أهل النعيم نعيمهم فالتمسوا عيشاً لا موت فيه).
يا من بدنياه اشتـغل        وغــره طــول الأمـ‍‍ل
المــوت يأتـي بغـتةً         والقبر صندوق العمـل
القلوب تعلقت بحطام الدنيا الفانية ونسيت الموت وقسا القلب من كثرة الذنوب والمعاصي فأنت يا عبدالله موقوف وعن كل شيء مسؤول يقول جل وعلا: [وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ] {الصَّفات:24}.
فلو إنا إذا متنا تركنـا        لكان الموت راحة كل حي
ولكنا إذا مـتنا بعـثنا         ونُسـأل عـن كـل شــيء
يقول جل وعلا: [مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ] {ق:18}. ويقول جل وعلا: [وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ] [الانفطار: 10-11] من يجادل عنك الموت وسكرته والقبر وضمته قال تعالى: [فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ] {الأعراف:34}.
فيا جامع الدنيا لغير بلاغةٍ       ستتركها فانظر ما أنت جامعُ
عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارق، وأعمل ما شئت فإنك مجازٍ به والجزاء من جنس العمل.
يا زارع الخـير تحصــده بعـده ثمــراً
يا نفس كُفي عن العصيان واكتسبي



يا زارع الشر موقوف على الوهنِ
فعــلاً جمــيلاً لعـل الله يرحمـني

زر القبور إذا ضاقت الصدور، وقف وقفة تأمل ومحاسبة، فإن من في القبور كانوا يمشون على الأرض، واليوم هم في بطن الأرض وبعدها في يوم العرض ويكشف المستور وتقول نفسي نفسي قال النبي ﷺ: «إني نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها ترق القلب وتدمع العين ولا تقولوا هجراً».([1]) وقال رسول الله ﷺ: «أكثروا من ذكر هادم اللذات».([2]) قال أهل العلم: (هادم اللذات هو الموت).
أنت يا عبدالله لا تدري هل ستكون أنت غداً من عِداد الأحياء أو الأموات، ثم تترك الدنيا إلى ظلمة القبر وضيق اللحد بعد ما كُنت في سعة الدور والقصور فسعادة الدنيا كلها في طاعة الله وطاعة رسوله ﷺ.
ولست أرى السعادة جمع مالٍ       ولكـن التقي هـو السعـيدُ
وتقـوى الله خـير زادٍ وذخــرٍ       وعـند الله للأتقــى المزيـدُ
أخي في الله ارجع إلى قلبك فتجد أن حلاوة الدنيا لا تكون إلا بحلاوة الإيمان وطاعة الرحمن عز وجل.
يا نفس توبى فإن الموت قد حان
أما ترينا المنايا كيف تلقطنا لقطاً
في كل يوم لنا ميت نشيعه
يا نفس مالي وللأموال أتركها


واعصِ الهوى فالهوى مازال فتانا
وتلحق آخرانا بأولانا
ونرى بمصرعه آثار موتانا
خلفي وأخرج من الدنيا عريانا

نسأل الله العلي القدير لنا ولكم حسن الخاتمة وأن يعفو عنَّا ويتقبَّل منَّا ويرحمنا برحمته وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
õ  õ  õ



(1) رواه الترمذي وصححه الألباني.
(2) رواه البخاري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق