السبت، 26 سبتمبر 2015

مواعظ القلوب : الموعظة الأولى : آثار الذنوب والمعاصي

الموعظة الأولى

آثار الذنوب والمعاصي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين  أما بعد
فإنَّ الله سبحانه وتعالى غني عنَّا وعن عبادتنا ووجودنا أصلاً ولكن خلقنا لعبادته جل وعلا قال تعالى: [وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ] [الذاريات: 56] فالله سبحانه وتعالى يختبرنا ويمتحننا على هذه الأرض فوجود المعاصي كالزنا والخمر والدخان والأغاني وغيرها للاختبار والامتحان فعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قلنا: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى»([1]) فالإنسان في هذه الدنيا على طريقين قال تعالى: [وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ] [البلد: 10]. وقال تعالى: [إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا] [الإنسان: 3]. وقال رسول الله ﷺ: «حفَّت الجنة بالمكاره وحفَّت النار بالشهوات».([2])
ولذا فإن فعل الطاعات والنوافل حتى ترك الذنوب والمعاصي تحتاج إلى مجاهدة للنفس قال تعالى: [أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى] [الحجرات: 3] فكل ما يمر على الإنسان هو ابتلاء واختبار وبعدها تكون لذة العبادة لله بفعل أوامره واجتناب نواهيه فقال تعالى: [وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكُفْرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ] [الحجرات: 7].
قال الإمام ابن القيم رحمه الله وللصبر أنواع ثلاثة هي:
1-  الصبر على طاعة الله تعالى.
2-  الصبر عن معصية الله تعالى.
3-  الصبر على أقدار الله تعالى.
إذاً فعل الطاعات وترك الذنوب والمعاصي لابد له من الصبر على ذلك فقد قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ] [البقرة: 153]. وقال رسول الله ﷺ: «الصبر ضياء»([3])  وقال تعالى: [وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ] [العنكبوت: 69].
 إذاً هذه الدنيا الفانية فيها من الذنوب والمعاصي والإنسان محاسب عليها قال تعالى: [وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ] [الانفطار: 10-11] وقال تعالى: [مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ] {ق:18}.
فإن للذنوب والمعاصي آثاراً على الفرد والمجتمع فنذكر بعضاً منها:
1- تضعف تعظيمه للرب جل وعلا: قال سبحانه وتعالى: [ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ] {الحج:32}.
2- تضييق الرزق والمعيشة على الفرد: قال رسول الله ﷺ: «إن الرجل ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه»([4]). وقال وهيب بن الورد رحمه الله: (لا يجد طعم العبادة من عصى الله ولا من همّ بمعصيته). وقال أبو سليمان الدارني رحمه الله: (أني أعصي الله فأعرف ذلك في خُلق دابتي وزوجتي).
3- حرمان العلم الشرعي: قال تعالى: [وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ] [البقرة: 282] كان الإمام الشافعي رحمه الله يحفظ جيداً فقل حفظه عن ما كان عليه فذهب إلى شيخه وكيع ابن الجراح رحمه الله يشتكيه فقال الشافعي:
شكـوت إلى وكـيع سوء حفظـي
وقــال اعلــم إن العلـم نـــور


فأرشــدني إلى تــرك المعاصــي
ونـــور الله لا يؤتـــى لعاصـي

4- تورث الوحشة في القلب وتضيّق الصدر: قال تعالى: [وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى] [طه: 124]، وقال الإمام ابن القيم رحمه الله قوله (ضنكا) إنها تدل على أن: (حرف (ض) الضيق وحرف (ن) النكد وحرف (ك) الكدر).
5- قسوة القلب وجفاء العين: قال تعالى: [كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ] {المطَّففين:14}  الران هو الذنوب والمعاصي.
6- الذل والمهانة في الدنيا: قال رسول الله ﷺ: «جُعل الذِّل والصغـار على من خالف أمري»([5]).
7- سبب في عذاب القبر وفي عذاب الآخرة: عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ مرَّ على قبرين فقال: «إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما لا يستبرئ من البول وأما الآخر يمشي بالنميمة ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين فغرز على كل قبر واحدة قالوا يا رسول الله لمَ فعلت هذا؟ قال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا».([6])
8- سبب في زوال النعمة والأمن والأمان: قال تعالى: [الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ] {الأنعام:82}. فقال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: (الظلم هنا الشرك)([7]) ويدخل في ظلم النفس ارتكاب الذنوب والمعاصي.
9- سبب في الخسف والمسخ والقذف: عن عائشة رضي الله عنها قالت قال النبي ﷺ: «يكون في آخر الأمة خسف ومسخ وقذف» فقلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال: «نعم إذا كثر الخبث».([8])
الخبث: الذنوب والمعاصي.     المسخ: قلب الخلقة إلى خلقة أخرى.
10- تسليط الأعداء: عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر ورضيتم بالحياة الدنيا وتركتم الجهاد في سبيل الله سلَّط الله عليكم ذُلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم».([9])
أذناب البقر: انشغال بالحرث والزرع.     العينة: نوع من أنواع الربا.
11- سبب في قتال المسلمين فيما بينهم: قال النبي ﷺ: «سألت ربي ثلاثاً فأعطاني اثنتين سألت ربي ألا يهلك أمتي بالسَّنة فأعطانيها وسألته ألا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها» ([10]).   السَّنة: جذب أو قحط الأرض.
12- سبب في نزول العقوبات على الفرد والمجتمع: قال علي بن أبي طالب t: (ما نزلت عقوبة إلا بذنب وما رُفعت إلا بتوبة).
نسأل الله العلي القدير أن يغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا ويتقبَّل منَّا توبتنا ويرحمنا برحمته وأن يجعل مصيرنا دار كرامته وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

õ  õ  õ



(1) رواه البخاري في كتاب الاعتصام باب الاقتداء بسنن النبي ﷺ.
(2) رواه البخاري في كتاب الرقاق باب حفت النار بالشهوات ورواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها باب صفة الجنة.
(1) رواه مسلم في كتاب الطهارة باب فضل الوضوء.
(2) رواه الإمام أحمد في مسنده.                                              
(1) رواه الإمام أحمد في مسنده.
(2) رواه البخاري في كتاب الجنائز.
(3) رواه البخاري في كتاب الظلم.
(4) رواه الترمذي في كتاب الفتن باب ما جاء في الخسف وصححه الألباني.
(1) رواه الإمام أحمد وأبو داوود والبزار وأبو يعلى وصححه الألباني.
(2) رواه مسلم في كتاب الفتن باب ما جاء في سؤال النبي ﷺ ثلاثاً في أمتي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق