الأربعاء، 10 يونيو 2015

كتاب الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام – باب الْكِرَاءِ وَمَا يَتَّصِلُ بِه

كتاب
 الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام
المعروف  بشرح ميارة
المؤلف
 أبو عبد الله، محمد بن أحمد بن محمد الفاسي، ميارة
(المتوفى: 1072هـ)

الناشر: دار المعرفة
عدد الأجزاء: 2
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]


[بَابُ الْكِرَاءِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ]

(بَابُ الْكِرَاءِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ)
 قَالَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَقَدَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْبَابَ شَامِلًا بِفُصُولِهِ لِكُلِّ مَا كَانَتْ فِيهِ الْمُعَاوَضَةُ عَنْ الْمَنَافِعِ كَكِرَاءِ الدُّورِ، وَالْأَرَاضِي، وَالرَّوَاحِلِ، وَالسُّفُنِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالْجُعْلِ وَهُمَا فِي الِاصْطِلَاحِ: الْمُعَاوَضَةُ عَنْ مَنَافِعِ خِدْمَةِ الْآدَمِيِّ ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِأَحْكَامِ الْأَبْوَابِ الْمُسْتَثْنَاةِ مِنْ الْأُصُولِ الْمَمْنُوعَةِ
(2/81)

كَالْمُسَاقَاةِ، وَالْمُغَارَسَةِ، وَالْمُزَارَعَةِ، وَالْقِرَاضِ، وَأَدْمَجَ الشَّرِكَةَ بَيْنَهُمَا وَغَرَرُ هَذِهِ الْأَبْوَابِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ نَظِيرَ الثَّمَنِ فِيهَا غَيْرُ مَعْلُومٍ وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ الِانْضِبَاطِ وَلِتَأَكُّدِ حَاجَةِ النَّاسِ فِي تِلْكَ الْأَبْوَابِ أُجِيزَتْ وَاغْتُفِرَ مَا فِيهَا مِنْ الْغَرَرِ وَهِيَ فِي نَظَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الْحَاجِيَاتِ، وَلَيْسَتْ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ. انْتَهَى بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ، وَقَالَ الْغَرْنَاطِيُّ: الْإِجَارَةُ تُطْلَقُ عَلَى مَنَافِعِ مَنْ يَعْقِلُ، وَالْأَكْرِيَةِ عَلَى مَنَافِعِ مَنْ لَا يَعْقِلُ الْبُرْزُلِيُّ يُرِيدُ اصْطِلَاحًا وَقَدْ يُطْلَقُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَحَدَّ ابْنُ عَرَفَةَ الْكِرَاءَ بِقَوْلِهِ: عَقْدٌ عَلَى مَنَافِعِ غَيْرِ آدَمِيٍّ أَوْ مَا يُبَانُ بِهِ وَيُنْقَلُ غَيْرِ سَفِينَةٍ. اهـ فَأَخْرَجَ بِغَيْرِ الْآدَمِيِّ مَنْفَعَةَ الْآدَمِيِّ فَإِنَّهَا فِي الِاصْطِلَاحِ إجَارَةٌ وَقَوْلُهُ: " أَوْ مَا يُبَانُ " عَطْفٌ عَلَى لَفْظَةِ غَيْرِ ذَلِكَ كَالدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ وَالْفَأْسِ وَالْآلَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ " غَيْرِ سَفِينَةٍ " السَّفِينَةَ لِأَنَّ شِرَاءَ مَنْفَعَتِهَا مِنْ بَابِ الْجُعْلِ لَا مِنْ بَابِ الْكِرَاءِ وَلَا مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .
يَجُوزُ فِي الدُّورِ وَشِبْهِهَا الْكِرَا ... لِمُدَّةٍ حُدَّتْ وَشَيْءٍ قُدِّرَا
وَلَا خُرُوجَ عَنْهُ إلَّا بِالرِّضَا ... حَتَّى يُرَى أَمَدُهُ قَدْ انْقَضَى
وَجَائِزٌ أَنْ يُكْتَرَى بِقَدْرِ ... مُعَيَّنٍ فِي الْعَامِ أَوْ فِي الشَّهْرِ
وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَحُلَّ مَا انْعَقَدْ ... كَانَ لَهُ مَا لَمْ يَحُدَّا بِعَدَدْ
وَحَيْثُمَا حَلَّ الْكِرَا يَدْفَعُ مَنْ ... قَدْ اكْتَرَى مِنْهُ بِقَدْرِ مَا سَكَنْ
كَذَاكَ إنْ بَعْضُ الْكِرَاءِ قُدِّمَا ... فَقَدْرُهُ مِنْ الزَّمَانِ لَزِمَا
تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبُيُوعِ أَنَّ الْبَيْعَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ، وَالْكِرَاءَ، وَالْإِجَارَةَ مِلْكُ الْمَنَافِعِ، وَنَقَلَ صَاحِبُ الْمِعْيَارِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الرَّقَبَةَ لَا يَمْلِكُهَا إلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْآدَمِيُّ الْمَنَافِعَ فَقَطْ فَإِنْ مَلَكَهَا عَلَى الدَّوَامِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدِ مُدَّةٍ فَهُوَ الْبَيْعُ، وَإِنْ مَلَكَهَا الْمُدَّةَ فَقَطْ فَالْإِجَارَةُ أَوْ الْكِرَاءُ وَحَاصِلُ الْأَبْيَاتِ أَنَّ كِرَاءَ الدُّورِ، وَنَحْوِهَا كَالْحَوَانِيتِ، وَالْفَنَادِقِ، وَغَيْرِهَا جَائِزٌ وَأَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ عَلَى وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونُ ذَلِكَ لِمُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ كَشَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ عَيَّنَا ذَلِكَ الشَّهْرَ أَوْ السَّنَةَ، فَلَا إشْكَالَ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنَا حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ.
وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَعَدَمُ بَيَانِ الِابْتِدَاءِ فَمِنْ حِينِ الْعَقْدِ وَأَجْرٍ مَعْلُومٍ كَدِينَارٍ أَوْ دِينَارَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِذَا وَقَعَ الْكِرَاءُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَلَازِمٌ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ الْمَضْرُوبَةِ، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الْخُرُوجُ عَنْ ذَلِكَ قَبْلَهُ إلَّا بِرِضَا صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَعْرِضْ فِي ذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ الْإِقَالَةِ كَمَا إذَا قَدَّمَ الْكِرَاءَ، وَسَكَنَ بَعْضَ الْمُدَّةِ لِمَا يَئُولُ إلَيْهِ مِنْ سَلَفٍ وَهُوَ الْمَرْدُودُ مِنْ الْكِرَاءِ وَكِرَاءٍ وَهُوَ الْمُقَابِلُ لِمَا سَكَنَ وَالسَّلَفُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ عَقْدٍ مِنْ الْعُقُودِ وَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَدْخُلَا عَلَى ذَلِكَ ابْتِدَاءً فَيَمْتَنِعُ لِلتُّهْمَةِ وَتَقَدَّمَ هَذَا لِلنَّاظِمِ فِي الْإِقَالَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ قَالَ:
وَسُوِّغَتْ إقَالَةٌ فِيمَا اُكْتُرِيَ
(الْبَيْتَ) إلَى هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِالْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ: أُكْرِيَ مِنْك هَذِهِ الدَّارَ وَهَذَا الْحَانُوتَ بِكَذَا شَهْرَ كَذَا أَوْ سَنَةَ كَذَا أَوْ هَذَا الشَّهْرَ أَوْ هَذِهِ السَّنَةَ الْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يُسَمِّيَا الْكِرَاءَ لِكُلِّ شَهْرٍ أَوْ لِكُلِّ سَنَةٍ مَعَ إبْهَامِ الْمُدَّةِ كَقَوْلِهِ: أُكْرِيَ مِنْك كُلَّ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ بِكَذَا أَوْ الشَّهْرَ أَوْ السَّنَةَ بِكَذَا فَإِذَا وَقَعَ هَذَا الْوَجْهُ ثُمَّ أَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَخْرُجَ عَنْ ذَلِكَ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا لَا فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ وَلَا فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَلَا فِي غَيْرِهَا وَسَوَاءٌ سَكَنَ بَعْضَ الشَّهْرِ أَوْ السَّنَةِ أَوْ لَمْ يَسْكُنْ وَلِلْمُكْتَرِي أَنْ يَخْرُجَ مَتَى شَاءَ وَيُؤَدِّيَ مِنْ الْكِرَاءِ بِحَسَبِ مَا سَكَنَ.
وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَغَيْرِهَا وَهَذَا فِي غَيْرِ الْأَرْضِ وَأَمَّا هِيَ فَتَلْزَمُهَا السَّنَةُ بِحِرَاثَتِهَا انْتَهَى مِنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَدْفَعْ الْمُشْتَرِي
(2/82)

شَيْئًا مِنْ الْكِرَاءِ فَإِنْ دَفَعَ شَيْئًا لَزِمَهُمَا مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْمُدَّةِ، وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِغَيْرِ الْأَرْضِ وَإِلَى جَوَازِ هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:
وَجَائِزٌ أَنْ يُكْتَرَى بِقَدْرِ ... مُعَيَّنٍ فِي الْعَامِ أَوْ فِي الشَّهْرِ
وَإِلَى عَدَمِ اللُّزُومِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَحُلَّ مَا انْعَقَدْ كَانَ لَهُ " وَأَمَّا قَوْلُهُ: " مَا لَمْ يَحُدَّا بِعَدَدْ " فَمُسْتَغْنًى عَنْهُ لِأَنَّهُمَا إذَا حَدَّا الْمُدَّةَ بِعَدَدٍ شُهُورٍ أَوْ سِنِينَ فَهُوَ رَاجِعٌ لِلْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ وَإِلَى لُزُومِ الْكِرَاءِ بِقَدْرِ مَا سَكَنَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:
وَحَيْثُمَا حَلَّ الْكِرَا يَدْفَعُ مَنْ ... قَدْ اكْتَرَى مِنْهُ بِقَدْرِ مَا سَكَنْ
وَإِلَى لُزُومِ مُدَّةِ قَدْرِ مَا نَقَدَ مِنْ الْكِرَاءِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ
كَذَاكَ إنْ بَعْضُ الْكِرَاءِ قُدِّمَا ... فَقَدْرُهُ مِنْ الزَّمَانِ لَزِمَا
(الْقَوْلُ الثَّانِي) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَرَوَى مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَقَلُّ مَا سَمَّيَا فَإِنْ قَالَا كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا لَزِمَ فِي شَهْرٍ وَإِنْ قَالَا لِكُلِّ سَنَةٍ كَذَا لَزِمَ فِي سَنَةٍ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ قَالَ: لِأَنَّهُمَا أَوْجَبَا بَيْنَهُمَا عَقْدًا وَلَمْ يَجْعَلَا فِيهِ خِيَارًا فَوَاجِبٌ أَنْ يَحْمِلَا عَلَى أَقَلِّ مَا تَقْتَضِيهِ تِلْكَ التَّسْمِيَةُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَالْقَوْلِ الْأَوَّلِ حَتَّى يَشْرَعَ فِي السُّكْنَى فَيَلْزَمَهُ أَقَلُّ مَا سَمَّى كَالْقَوْلِ الثَّانِي وَهُوَ مَرْوِيٌّ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ انْتَهَى لَفْظُ التَّوْضِيحِ قَالَ مُقَيِّدُ هَذَا الشَّرْحِ - سَمَحَ اللَّهُ لَهُ بِمَنِّهِ -: وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الثَّالِثِ الْعَمَلُ عِنْدَنَا وَإِنَّ مَنْ اكْتَرَى مُشَاهَرَةً كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا إذَا سَكَنَ بَعْضَ الشَّهْرِ كَأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَنَحْوِهَا لَزِمَ كُلًّا مِنْهُمَا بَقِيَّةُ الشَّهْرِ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا خُرُوجٌ عَنْ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا صَاحِبِهِ وَمَنْ قَامَ مِنْهُمَا عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ.
(قَالَ فِي الْمُفِيدِ مِنْ الْكَافِي) : وَكُلُّ مَا جَازَ فِيهِ جَازَ فِيهِ الْكِرَاءُ مِنْ الدُّورِ، وَالْحَوَانِيتِ، وَسَائِرِ الرِّبَاعِ، وَالْأَرَضِينَ، وَالرَّقِيقِ، وَالدَّوَابِّ، وَسَائِرِ الْعُرُوضِ كُلِّهَا لَا يَجُوزُ اكْتِرَاءُ الدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ فَإِنْ نَزَلَتْ فِيهَا الْإِجَارَةُ إلَى مُدَّةٍ كَانَتْ قَرْضًا إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ وَسَقَطَتْ فِيهَا عَنْ مُسْتَأْجِرِهَا الْأُجْرَةُ وَمَعْنَى الْكِرَاءِ: بَيْعُ الْمَنَافِعِ الطَّارِئَةِ عَنْ الرِّقَابِ مَعَ السَّاعَاتِ، وَالْأَيَّامِ، وَالشُّهُورِ، وَالْأَعْوَامِ دُونَ الرِّقَابِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيمَا كَانَ مَأْمُونًا فِي الْأَغْلَبِ، وَالْكِرَاءُ عِنْدَ مَالِكٍ مِنْ الْعُقُودِ الثَّابِتَةِ لَا يَنْقُضُهَا مَوْتُ أَحَدِ الْمُتَكَارِيَيْنِ وَوَرَثَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَقُومُ مَقَامَهُ، وَكَذَلِكَ لَا يَنْقُضُ عَقْدُ الْبَيْعِ الْكِرَاءَ اهـ.
(وَفِي الْمَقْصِدِ الْمَحْمُودِ) عَقْدُ الْكِرَاءِ فِي الدُّورِ، وَالْحَوَانِيتِ وَالرِّبَاعِ يَقَعُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا تَعْيِينُ الْمُدَّةِ، وَتَسْمِيَةُ الْكِرَاءِ، وَالثَّانِي تَسْمِيَةُ الْكِرَاءِ لِكُلِّ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ، وَإِبْهَامُ الْمُدَّةِ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ.
(تَنْبِيهٌ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْكِرَاءَ عَلَى وَجْهَيْنِ: فَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ يُسَمَّى كِرَاءَ الْوَجِيبَةِ، وَالْوَجِيبَةُ الْمُدَّةُ الْمُعَيَّنَةُ هَذَا اصْطِلَاحُ الْقُدَمَاءِ وَأَهْلُ زَمَانِنَا الْيَوْمَ يُطْلِقُونَ الْوَجِيبَةَ عَلَى الْأُجْرَةِ الْمَدْفُوعَةِ فِي الْمَنَافِعِ فَيَقُولُ الْمُوَثِّقُ اكْتَرَى فُلَانٌ مِنْ فُلَانٍ جَمِيعَ الدَّارِ مَثَلًا بِوَجِيبَةٍ قَدْرُهَا لِكُلِّ شَهْرٍ مِنْ شُهُورِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ كَذَا دَرَاهِمَ تَارِيخَهُ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُسَمَّى كِرَاءَ الْمُشَاهَرَةِ، وَالْمُسَانَهَةِ.
وَشَرْطُ مَا فِي الدَّارِ مِنْ نَوْعِ الثَّمَرْ ... إذَا بَدَا الصَّلَاحُ فِيهِ مُعْتَبَرْ
وَغَيْرُ بَادِي الطِّيبِ إنْ قَلَّ اشْتُرِطْ ... حَيْثُ يَطِيبُ قَبْلَ مَا لَهُ ارْتُبِطْ
وَمَا كَنَحْلٍ أَوْ حَمَامٍ مُطْلَقًا ... دُخُولُهُ فِي الِاكْتِرَاءِ مُتَّقَى
تَكَلَّمَ فِي الْأَبْيَاتِ عَلَى مَنْ اكْتَرَى دَارًا أَوْ أَرْضًا وَفِيهَا أَشْجَارٌ أَوْ فِي كَوَى الدَّارِ نَحْلٌ أَوْ حَمَامٌ هَلْ يَجُوزُ لِلْمُكْتَرِي أَنْ يَشْتَرِطَ ثِمَارَ الْأَشْجَارِ، أَوْ النَّحْلِ، أَوْ الْحَمَامِ لِنَفْسِهِ أَمْ لَا فَأَخْبَرَ أَنَّ فِي اشْتِرَاطِ الثِّمَارِ تَفْصِيلًا وَهُوَ: أَنَّهَا إنْ كَانَتْ فِي وَقْتِ عَقْدِ الْكِرَاءِ قَدْ بَدَا صَلَاحُهَا، وَجَازَ بَيْعُهَا، فَيَجُوزُ لِلْمُكْتَرِي اشْتِرَاطُهَا كَثِيرَةً كَانَتْ أَوْ قَلِيلَةً لِأَنَّ غَايَةَ ذَلِكَ أَنَّهُ بَيْعٌ لِلثِّمَارِ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَهُوَ جَائِزٌ وَاجْتَمَعَ فِي الْعَقْدِ الْوَاحِدِ بَيْعٌ وَكِرَاءٌ وَاجْتِمَاعُهُمَا جَائِزٌ وَإِلَى هَذَا الطَّرَفِ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَأَمَّا إنْ كَانَتْ فِيهَا ثِمَارٌ لَمْ تَطِبْ أَوْ لَيْسَ فِيهَا ثِمَارٌ أَصْلًا فَيَجُوزُ لِلْمُكْتَرِي اشْتِرَاطُهَا لِنَفْسِهِ لَكِنْ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ ذَكَر
(2/83)

النَّاظِمُ مِنْهَا شَرْطَيْنِ.
(أَحَدُهُمَا) أَنْ تَكُونَ قَلِيلَةً بِحَيْثُ كَانَتْ قِيمَةُ الثَّمَرَةِ الثُّلُثَ، فَأَقَلَّ مِنْ مَجْمُوعِ الْكِرَاءِ مَعَ قِيمَةِ الثَّمَرَةِ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِأَنْ يُقَالَ مَا قَدْرُ قِيمَةِ ثَمَرَةِ هَذِهِ الشَّجَرَةِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْهَا فِي كُلِّ عَامٍ بَعْدَ عَمَلِهَا وَمُؤْنَتِهَا إنْ كَانَ فِيهَا عَمَلٌ وَمَا كِرَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِهَذِهِ الْمُدَّةِ بِغَيْرِ اشْتِرَاطِ ثَمَرَةِ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَإِنْ قِيلَ: قِيمَةُ الثَّمَرَةِ ثَلَاثُونَ فَأَقَلُّ، وَكِرَاءُ الْمُدَّةِ سِتُّونَ فَأَكْثَرُ جَازَ اشْتِرَاطُهَا فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الثَّمَرَةِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ امْتَنَعَ الِاشْتِرَاطُ الْمَذْكُورُ.
(فَرْعٌ) فَإِنْ اشْتَرَطَهَا وَكَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وُزِّعَ فَالثَّمَرَةُ لِصَاحِبِهَا، وَيُقَوَّمُ عَلَى الْمُتَكَارِي كِرَاءُ الْأَرْضِ بِغَيْرِ ثَمَرَةٍ، وَيُعْطَى أَجْرَ مَا سَقَى بِهِ الثَّمَرَةَ إنْ كَانَ سَقَاهَا أَوْ كَانَ لَهُ فِيهَا عَمَلٌ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْمُقَرَّبِ فِيمَا يَأْتِي (الشَّرْطُ الثَّانِي) أَنْ تَطِيبَ الثَّمَرَةُ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْكِرَاءِ وَإِلَى هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِالْبَيْتِ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ:
وَغَيْرُ بَادِي الطِّيبِ إنْ قَلَّ اشْتُرِطْ
الْبَيْتَ (الشَّرْطُ الثَّالِثُ) وَلَمْ يَذْكُرْهُ النَّاظِمُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُكْتَرِي جَمِيعَهَا فَلَوْ اشْتَرَطَ بَعْضَهَا وَأَبْقَى الْبَعْضَ الْآخَرَ لِرَبِّهَا لَمْ يَجُزْ وَفِيهِ خِلَافٌ، وَلَعَلَّ النَّاظِمَ لِذَلِكَ تَرَكَهُ.
(قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ اكْتَرَى دَارًا أَوْ أَرْضًا وَفِيهَا سِدْرَةٌ أَوْ دَالِيَةٌ أَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ ثَبْتٌ مِنْ نَخْلٍ أَوْ شَجَرٍ وَلَا ثَمَرَةَ فِيهَا حِينَئِذٍ، أَوْ فِيهَا ثَمَرَةٌ لَمْ تُزْهِ فَالثَّمَرَةُ لِلْمُكْتَرِي إلَّا أَنَّهُ إنْ اشْتَرَطَ الْمُكْتَرِي ثَمَرَةَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ تَبَعًا مِثْلَ الثُّلُثِ فَأَقَلَّ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَمَعْرِفَةُ ذَلِكَ أَنْ يُقَوَّمَ كِرَاءُ الْأَرْضِ، أَوْ الدَّارِ بِغَيْرِ شَرْطِ الثَّمَرَةِ فَإِنْ قِيلَ: عَشَرَةٌ قِيلَ: مَا قِيمَةُ الثَّمَرَةِ فِيمَا عُرِفَ مِمَّا تُطْعِمُ كُلَّ عَامٍ بَعْدَ طَرْحِ قِيمَةِ الْمُؤْنَةِ، وَالْعَمَلِ، فَيُعْمَلُ الْوَسَطُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ قِيلَ: خَمْسَةٌ فَأَقَلُّ جَازَ قَالَ أَصْبَغُ وَهَذَا إذَا عُلِمَ أَنَّ الثَّمَرَةَ تَطِيبُ قَبْلَ مُدَّةِ الْكِرَاءِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْقِدَاهُ. (ابْنُ يُونُسَ) إنَّمَا أُجِيزَ لِلضَّرَرِ الَّذِي يَقَعُ عَلَى الْمُكْتَرِي فِي دُخُولِ رَبِّ الدَّارِ لِإِصْلَاحِ الثَّمَرَةِ، وَجِذَاذِهَا كَمَا أُجِيزَ شِرَاؤُهُ الْعَارِيَّةَ بِخَرْصِهَا ثَمَرًا. اهـ (الْمَوَّاقُ) اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ يُونُسَ لِلضَّرَرِ بِالدُّخُولِ عَلَى الْمُكْتَرِي هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَثْنَى بَعْضُ الشَّجَرِ أَجَازَهُ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَمَنَعَهُ ابْنُ الْعَطَّارِ وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ أَجَازَ ذَلِكَ أَشْهَبُ، وَمَنَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ اهـ.
(قَالَ مُقَيِّدٌ: هَذَا الشَّرْحُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ) : وَقَدْ كُنْت قُلْت فِي مَسْأَلَةِ اشْتِرَاطِ غَلَّةِ الشَّجَرَةِ فِي الدَّارِ الْمُكْتَرَاةِ وَيَجْرِي مَجْرَاهَا الْمُرْتَهَنَةُ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّفْصِيلِ أَبْيَاتًا وَهِيَ هَذِهِ:
وَمَا بِدَارٍ أَوْ بِأَرْضٍ مِنْ شَجَرْ ... فَاكْتُرِيَتْ وَلَيْسَ فِيهَا مِنْ ثَمَرْ
أَوْ ثَمَّ مَا لَمْ يُزْهِ فَالْجَمِيعُ ... لِلْمَالِكِ احْفَظْنَهُ يَا رَفِيعُ
وَشَرْطُهَا لِمُكْتَرٍ يَجُوزُ إنْ ... شَرَطَ كُلَّهَا وَهِيَ ثُلْثٌ قَمِنْ
وَالطِّيبُ قَبْلَ الِانْقِضَاءِ تَحَقَّقَا ... وَشَرْطُ مَا أَزْهَى يَجُوزُ مُطْلَقَا
وَإِنَّمَا جَازَ اشْتِرَاطُ الثَّمَرَةِ مَعَ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَقَدْ تَكُونُ لَمْ تُخْلَقْ رَأْسًا لِأَنَّهُ مَحَلُّ ضَرُورَةٍ فَهُوَ جَارٍ مَجْرَى الرُّخْصَةِ فَاسْتَخَفَّهُ الْفُقَهَاءُ إذَا كَانَ تَافِهًا لِمَا يَلْحَقُ الْمُكْتَرِيَ فِي ذَلِكَ كَمَا مَرَّ عَنْ ابْنِ يُونُسَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) لَا يَجُوزُ لِبَائِعِ السَّيْفِ الْمُحَلَّى اشْتِرَاطُ نِصْفِ مَا فِيهِ مِنْ الْحِلْيَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَأَشْهَبُ يُجِيزُهُ أَيْ اشْتِرَاطَ النِّصْفِ فِي الثَّمَرَةِ وَالسَّيْفِ، وَمَسْأَلَةُ السَّيْفِ مَذْكُورَةٌ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ بِجَمِيعِ وُجُوهِهَا مِنْ الشَّارِحِ وَمَا اشْتَرَطَ الْمُكْتَرِي الْحَمَامَ الَّذِي فِي الدَّارِ الْمُكْتَرَاةِ، أَوْ النَّحْلَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فَلَا يَجُوزُ لِعِظَمِ الْغَرَرِ فِيهِ وَعَدَمِ الضَّرُورَةِ لَهُ.
(قَالَ فِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) : إنْ كَانَ فِي الدَّارِ بُرْجُ حَمَامٍ أَوْ نَحْلٌ فَأَرَادَ الْمُكْتَرِي أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ كَالشَّجَرَةِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَفْسِ الدَّارِ كَالشَّجَرِ وَهُمَا غَيْرُ الدَّارِ، فَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُمَا، وَالْحَاصِلُ مِنْهُمَا غَيْرُ مَعْلُومٍ مِنْ الِاسْتِغْنَاءِ يُرِيدُ: وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِابْتِيَاعِ الدَّارِ لِأَنَّهُ اشْتَرَى هُنَاكَ رِقَابَ الْحَمَامِ وَالنَّحْلِ، وَهُنَا غَلَّتَهُمَا فَانْظُرْ ذَلِكَ اهـ. .
(2/84)

وَجَازَ شَرْطُ النَّقْدِ فِي الْأَرْجَاءِ ... بِحَيْثُ لَا يُخْشَى انْقِطَاعُ الْمَاءِ
وَبِالدَّقِيقِ وَالطَّعَامِ تُكْتَرَى ... وَالْبَدُّ بِالزَّيْتِ وَيُنْقَدُ الْكِرَا
تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجُوزُ كِرَاءُ الدُّورِ، وَغَيْرِهَا مِنْ رَبْعٍ وَعَقَارٍ وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ كِرَاءُ الْأَرْحَى وَمَعْصَرَةِ الزَّيْتِ وَنَحْوِهِمَا الْكَلَامُ الْآنَ إنَّمَا هُوَ هَلْ يَجُوزُ لِمَالِكِ الرَّحَا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى مُكْتَرِيهَا تَقْدِيمَ الْكِرَاءِ أَوْ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ؟ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْقَطِعُ مَاؤُهَا فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ وَهَلْ يَجُوزُ كِرَاءُ الرَّحَا بِطَعَامٍ مِنْ دَقِيقٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ لَا يَجُوزُ؟ وَهَلْ يَجُوزُ كِرَاءُ الْمَعْصَرَةِ بِالزَّيْتِ أَوْ لَا؟ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ مَنْعُ ذَلِكَ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ يَكْتَرِي مِنْ رَبِّهَا بِالطَّعَامِ وَيَأْخُذُ الْمُكْتَرِي مِنْ صَاحِبِ الْقَمْحِ الدَّقِيقَ وَمِنْ صَاحِبِ الزَّيْتُونِ الزَّيْتَ فَهُوَ كَبَيْعِ طَعَامٍ بِطَعَامٍ غَيْرِ مُتَمَاثِلٍ وَلَا يَدًا بِيَدٍ وَكَأَنَّ رَبَّ الرَّحَا أَوْ الْمَعْصَرَةِ بَاعَ لِلْمُكْتَرِي مَا يَقْبِضُ مِنْ النَّاسِ بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُ فَأَجَابَ عَنْ الْمَطْلَبِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الرَّحَا إنْ أُمِنَ انْقِطَاعُ مَائِهَا جَازَ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ فِيهِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُؤْمَنْ لَمْ يَجُزْ أَيْ اشْتِرَاطُ النَّقْدِ.
وَأَمَّا إنْ نَقَدَ تَطَوُّعًا فَجَائِزٌ أُمِنَ انْقِطَاعُ مَائِهَا أَوْ لَمْ يُؤْمَنْ وَعَنْ الْمَطْلَبِ الثَّانِي بِأَنَّ كِرَاءَ الرَّحَا بِالطَّعَامِ جَائِزٌ، وَكِرَاءَ الْبَدِّ أَيْ الْمَعْصَرَةِ بِالزَّيْتِ جَائِزٌ أَيْضًا وَأَنَّهُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ نَقْدِ الْكِرَاءِ فِي الْمَعْصَرَةِ، وَأَحْرَى فِي الْجَوَازِ إذَا نَقَدَ الْمُكْتَرِي تَطَوُّعًا وَإِنَّمَا لَمْ يَجُرْ اشْتِرَاطُ النَّقْدِ فِي كِرَاءِ الرَّحَا إذَا لَمْ يُؤْمَنْ انْقِطَاعُ مَائِهَا لِأَنَّ الْمَنْقُودَ إذْ ذَاكَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ كَوْنِهِ كِرَاءً إنْ لَمْ يَنْقَطِعْ الْمَاءُ وَكَوْنِهِ سَلَفًا إنْ انْقَطَعَ، فَمُنِعَ ذَلِكَ كَمَا مُنِعَ بِشَرْطِ النَّقْدِ فِي الْجَارِيَةِ الَّتِي تَتَوَاضَعُ، وَلِلْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ أَشَارَ لَهَا الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ أَوَّلَ فَصْلِ الْخِيَارِ: وَبِشَرْطِ نَقْدٍ كَغَائِبٍ وَعُهْدَةِ ثَلَاثٍ وَمُوَاضَعَةٍ وَأَرْضٍ لَمْ يُؤْمَنْ رَيُّهَا وَجُعْلٍ، وَإِجَارَةٍ لِحَرْزِ زَرْعٍ، وَأَجِيرٍ تَأَخَّرَ شَهْرًا (قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : وَمِنْ الْأَرْحَاءِ مَا هِيَ مَأْمُونَةٌ لَا يَنْقَطِعُ مَاؤُهَا، وَلَا يَنْخَرِقُ سَدُّهَا فَهَذِهِ يَجُوزُ كِرَاؤُهَا وَتَقْدِيمُ النَّقْدِ فِيهَا قَالَ الشَّارِحُ: كَالْأَرْحَاءِ الْمُتَّخَذَةِ عَلَى الْأَنْهَارِ الْجَارِيَةِ مِنْ الْعُيُونِ الَّتِي لَا يَطْرُقُ مَحَلَّ جَرْيَتِهَا السَّيْلُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ (وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ أَيْضًا) : وَإِنْ كَانَ الْمُكْتَرَى رَحًى جَازَ اكْتِرَاؤُهَا بِالْعَيْنِ وَالطَّعَامِ الْمَوْصُوفِ إلَى أَجَلٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
(وَفِي مُفِيدِ ابْنِ هِشَامٍ) وَمِنْ وَثَائِقِ الْبَاجِيِّ، وَتَجُوزُ قَبَالَةُ مَعْصَرَةِ الزَّيْتِ بِالزَّيْتِ الْمَوْصُوفِ إلَى أَجَلٍ كَمَا تَجُوزُ قَبَالَةُ الْمَلَّاحَةِ بِالْمِلْحِ، وَلَا يَجُوزُ لِصَاحِبِ الْبَدِّ اشْتِرَاطُ النَّوَى لِأَنَّ بَعْضَهُ أَرْطَبُ مِنْ بَعْضٍ وَلَا يُحَاطُ بِصِفَتِهِ. انْتَهَى مِنْ الشَّارِحِ.

[فَصْلٌ فِي كِرَاءِ الْأَرْضِ وَفِي الْجَائِحَةِ فِيهَا]
(فَصْلٌ فِي كِرَاءِ الْأَرْضِ وَفِي الْجَائِحَةِ فِيهَا)
وَالْأَرْضُ لَا تُكْرَى بِجُزْءٍ تُخْرِجُهْ ... وَالْفَسْخُ مَعَ الْكِرَاءِ مِثْلِ مُخْرِجُهْ
وَلَا بِمَا تُنْبِتُهُ غَيْرَ الْخَشَبْ ... مِنْ غَيْرِ مَزْرُوعٍ بِهَا أَوْ الْقَصَبْ
وَلَا بِمَا كَانَ مِنْ الْمَطْعُومِ ... كَالشَّهْدِ وَاللَّبَنِ وَاللُّحُومِ
تَرْجَمَ لِشَيْئَيْنِ: كِرَاءِ الْأَرْضِ، وَالْجَائِحَةِ فِيهِ أَيْ فِي كِرَاءِ الْأَرْضِ، فَأَمَّا كِرَاءُ الْأَرْضِ فَيَجُوزُ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَالْعُرُوضِ وَالثِّيَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَا عَدَا شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا الطَّعَامُ كَانَ مِمَّا تُنْبِتُهُ كَالْحُبُوبِ، أَوْ مِمَّا لَا تُنْبِتُهُ كَالسَّمْنِ، وَاللَّبَنِ، وَالشَّهْدِ، وَاللَّحْمِ وَنَحْوِهَا.
(وَالثَّانِي) مَا تُنْبِتُهُ مِنْ غَيْرِ طَعَامٍ كَالْقُطْنِ، وَالْكَتَّانِ وَاسْتَثْنَوْا مِنْ مَنْعِ كِرَائِهَا بِمَا تُنْبِتُهُ الْخَشَبَ أَوْ الْقَصَبَ بِالْقَصَبِ، فَيَجُوزُ كِرَاؤُهَا بِهِمَا وَإِنْ كَانَ مِمَّا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " غَيْرَ الْخَشَبْ " أَوْ الْقَصَبْ مَعْطُوفٌ عَلَى الْخَشَبِ فَإِذَا وَقَعَ كِرَاؤُهَا بِمَا يَمْتَنِعُ أَنْ تُكْتَرَى بِهِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ وَيُرْجَعُ لِكِرَاءِ الْمِثْلِ فَقَوْلُهُ:
وَالْأَرْضُ لَا تُكْرَى بِجُزْءٍ تُخْرِجُهْ
وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: " وَلَا بِمَا تُنْبِتُهُ " وَصُورَتُهَا أَنْ يُكْرِيَ الْأَرْضَ لِمَنْ يَحْرُثُ فِيهَا زَرْعًا أَوْ غَيْرَهُ وَأَفَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ نِصْفُهُ أَوْ رُبُعُهُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْأَرْضِ إلَّا كِرَاءُ مِثْلِ أَرْضِهِ وَبِذَلِكَ يَكُونُ الْمَخْرَجُ مِنْ هَذِهِ الْوَرْطَةِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ: " وَلَا بِمَا تُنْبِتُهُ " هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى بِجُزْءٍ مِنْ عَطْفِ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ وَمَعْنَى " بِجُزْءٍ تُخْرِجُهْ " أَيْ بِجُزْءٍ مِنْ عَيْنِ مَا تُخْرِجُهُ كَمَا مَثَّلْنَا وَالتَّعْبِيرُ بِالْجُزْءِ يَدُلُّ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ
(2/85)

وَيَكُونُ مَعْنَى إلَّا بِمَا تُنْبِتُهُ أَيْ بِمَا شَأْنُهَا أَنْ تُنْبِتَهُ سَوَاءٌ كَانَ جُزْءًا مِمَّا أَكْرَاهَا بِهِ كَالصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَوْ طَعَامًا مِنْ غَيْرِهِ كَأَنْ يُكْرِيَهَا لِزِرَاعَةِ قَمْحٍ وَيَقْبِضَ فِي كِرَائِهَا فُولًا وَإِنْ كَانَ الْمَأْخُوذُ فِي الْكِرَاءِ غَيْرَ طَعَامٍ مِمَّا تُنْبِتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّا يُزْرَعُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ الْمُعَيَّنَةِ كَالْقُطْنِ فِي الْأَرْضِ الَّتِي لَا تُنْبِتُهُ، وَالْكَتَّانِ فِي الْأَرْضِ الَّتِي لَا يَصْلُحُ فِيهَا وَهَذَا ظَاهِرُ قَوْلِهِ: " مِنْ غَيْرِ مَزْرُوعٍ بِهَا " وَقَوْلُهُ: " وَلَا بِمَا كَانَ " مَعْطُوفٌ عَلَى بِجُزْءٍ أَيْضًا أَيْ وَلَا يَجُوزُ كِرَاؤُهَا بِالْمَطْعُومِ وَلَوْ كَانَ مِمَّا لَا تُنْبِتُهُ كَمَا مَثَّلَ.
(قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ) : الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِشَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ مِمَّا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ أَوْ مِمَّا لَا تُنْبِتُهُ وَلَا بِبَعْضٍ مِمَّا لَا تُنْبِتُهُ مِنْ غَيْرِ الطَّعَامِ كَالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ وَالْعُصْفُرِ وَالزَّعْفَرَانِ وَيَجُوزُ بِالْقَصَبِ وَالْخَشَبِ.
(وَفِي الْجَوَاهِرِ أَيْضًا) عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ: وَأَمَّا مَذْهَبُ اللَّيْثِ فِي تَجْوِيزِهِ كِرَاءَهَا بِالثُّلُثِ أَوْ بِالرُّبُعِ مِمَّا تُنْبِتُهُ فَإِنْ وَقَعَ فَسَخْته، وَإِنْ فَاتَ أَوْجَبْت عَلَيْهِ كِرَاءَ مِثْلِهَا بِالدَّرَاهِمِ. اهـ وَعَلَى مُخَالَفَةِ مَذْهَبِ اللَّيْثِ نَبَّهَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ " بِجُزْءٍ تُخْرِجُهْ " فَنَصَّ عَلَى مَنْعِهِ بِالْخُصُوصِ وَلَمْ يَكْتَفِ بِقَوْلِهِ: " وَلَا بِمَا تُنْبِتُهُ " وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَذْهَبَ الْأَنْدَلُسِيِّ جَوَازُ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا.
وَتُكْتَرَى الْأَرْضُ لِمُدَّةٍ تُحَدْ ... مِنْ سَنَةٍ وَالْعَشْرُ مُنْتَهَى الْأَمَدْ
يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ لِمُدَّةٍ مَحْدُودَةٍ أَقَلُّهَا مَا يَتَأَتَّى فِيهِ الِانْتِفَاعُ بِهَا كَالسَّنَةِ وَنَحْوِهَا، وَيَنْتَهِي الْأَمَدُ فِي ذَلِكَ إلَى عَشْرِ سِنِينَ وَيَشْمَلُ كَلَامُهُ أَرْضَ الْبَعْلِ وَأَرْضَ السَّقْيِ.
(قَالَ الشَّارِحُ) : إلَّا أَنَّهُمْ أَجَازُوا فِي الْأَرْضِ الْبَعْلِ الِاكْتِرَاءَ لِأَكْثَرَ مِنْ عَشْرٍ وَالنَّاظِمُ اقْتَصَرَ عَلَى الْعَشْرِ فَتَرَجَّحَ لِذَلِكَ احْتِمَالُ تَخْصِيصِ كَلَامِهِ بِأَرْضِ السَّقْيِ.
(قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) : قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيَجُوزُ اكْتِرَاءُ أَرْضِ الْمَطَرِ لِعَشْرِ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرَ إذَا لَمْ يَنْقُدْ وَلَا شَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ الْمُكْتَرِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِذَا كَانَتْ غَيْرَ مَأْمُونَةٍ.
(وَقَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ أَيْضًا) : رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ قَالَ: مَا كَانَ مِنْ الْأَرْضِ يُسْقَى بِالْأَنْهَارِ، وَالْآبَارِ فَلَا بَأْسَ بِوَجِيبَةِ الْكِرَاءِ فِيهَا لِعَشْرِ سِنِينَ، وَنَحْوِهَا وَيُكْرَهُ الطُّولُ فِيهَا لِمَا يُخْشَى مِنْ ذَهَابِ الْمَاءِ وَغَوْرِهِ وَإِنْ كَانَ إلَى الْأَمَدِ أَقْرَبُ وَأَمَّا مَا يُسْقَى بِالْعُيُونِ فَلَا تَجُوزُ وَجِيبَةُ الْكِرَاءِ فِيهَا إلَّا الْأَعْوَامَ الْيَسِيرَةَ الثَّلَاثَةَ وَالْأَرْبَعَةَ.
(وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ) وَأَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ كِرَاءَ أَرْضِ الْمَطَرِ لِعَشْرِ سِنِينَ اهـ.
وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ أَرْضَ الْبَعْلِ وَهِيَ أَرْضُ الْمَطَرِ يَجُوزُ كِرَاؤُهَا عَشْرًا وَأَكْثَرَ وَأَنَّ أَرْضَ السَّقْيِ عَلَى وَجْهَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا مِنْهَا مَا يَجُوزُ لِعَشْرٍ وَنَحْوِهَا وَيُكْرَهُ الطُّولُ وَهَذَا مُرَادُ النَّاظِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمِنْهَا مَا يُكْرَى لِلْأَعْوَامِ الْيَسِيرَةِ كَالثَّلَاثَةِ، وَالْأَرْبَعَةِ وَنَقَلَ الْمَوَّاقُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ عَقْدَ الْكِرَاءِ جَائِزٌ فِي الْأَرَضِينَ كُلِّهَا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلِ السِّنِينَ الْكَثِيرَةِ، وَسَوَاءٌ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ كَانَتْ مَأْمُونَةً أَوْ غَيْرَ مَأْمُونَةٍ اهـ.
وَظَاهِرُهُ مُخَالَفَةُ مَا تَقَدَّمَ.
(تَنْبِيهٌ) هَذَا كُلُّهُ بِاعْتِبَارِ مُدَّةِ كِرَائِهَا وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ نَقْدِ الْكِرَاءِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ - إثْرَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ -: وَتَنْقَسِمُ فِي جَوَازِ النَّقْدِ فِيهَا عَلَى قِسْمَيْنِ فَمَا كَانَ مِنْهَا مَأْمُونًا كَأَرْضِ النِّيلِ، وَأَرْضِ الْمَطَرِ الْمَأْمُونَةِ، وَأَرْضِ السَّقْيِ بِالْأَنْهَارِ وَالْعُيُونِ الثَّابِتَةِ وَالْآبَارِ الْمُعَيَّنَةِ فَالنَّقْدُ فِيهَا لِلْأَعْوَامِ الْكَثِيرِ جَائِزٌ أَيْ قَبْلَ أَيِّ تَرَوٍّ قَالَ مَالِكٌ: وَمَا كَانَ مِنْهَا غَيْرَ مَأْمُونٍ فَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ تُرْوَى وَيَتَمَكَّنَ مِنْ الْحَرْثِ كَانَتْ مِنْ أَرْضِ النِّيلِ أَوْ مِنْ أَرْضِ الْمَطَرِ أَوْ السَّقْيِ بِالْعُيُونِ، وَالْآبَارِ اهـ.
وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالرَّيِّ أَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ لِلْمَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ حَصَّلَ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِي لِحَرْثِهَا فِي الْوَقْتِ سَوَاءٌ كَانَتْ تَحْتَاجُ لِلْمَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَا وَهَذَا التَّقْسِيمُ إنَّمَا هُوَ فِي جَوَازِ النَّقْدِ قَبْلَ الرَّيِّ وَمَنْعِهِ فَيَجُوزُ فِي الْمَأْمُونَةِ بِشَرْطٍ، وَغَيْرِهِ، وَيَمْتَنِعُ فِي غَيْرِ الْمَأْمُونَةِ بِشَرْطٍ وَيَجُوزُ تَطَوُّعًا وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى وُجُوبِهِ وَالْحُكْمِ بِهِ عَلَى الْمُكْتَرِي فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا: وَتَنْقَسِمُ فِي وُجُوبِ النَّقْدِ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَرْضِ النِّيلِ وَأَرْضِ السَّقْيِ وَالْمَطَرِ فَأَمَّا أَرْضُ النِّيلِ فَيَجِبُ النَّقْدُ فِيهَا إذَا رُوِيَتْ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى السَّقْيِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ فَبِالرَّيِّ يَكُونُ الْمُكْتَرِي قَابِضًا لِمَا اكْتَرَاهُ وَأَمَّا أَرْضُ السَّقْيِ، وَالْمَطَرِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُكْتَرِي فِيهَا دَفْعُ الْكِرَاءِ حَتَّى يُتِمَّ الزَّرْعَ وَيَسْتَغْنِيَ عَنْ الْمَاءِ وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ كُلًّا مِنْ أَرْضِ النِّيلِ، وَأَرْضِ الْمَطَرِ وَأَرْضِ السَّقْيِ مِنْهَا
(2/86)

مَأْمُونٌ وَغَيْرُ مَأْمُونٍ.
(قُلْت) : وَالْمُرَادُ بِالْأَمَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ غَلَبَةُ الظَّنِّ بِتَكَرُّرِ الْعَادَةِ فَالْمَأْمُونَةُ مِنْ أَرْضِ النِّيلِ الْقَرِيبَةُ لِمَوْضِعِ فَيْضِهِ، وَالْمَأْمُونَةُ مِنْ أَرْضِ الْمَطَرِ الْكَثِيرَةُ الْأَمْطَارِ عَادَةً غَالِبَةً، وَالْمَأْمُونَةُ مِنْ أَرْضِ السَّقْيِ الَّتِي تُسْقَى بِالْأَنْهَارِ، وَالْعُيُونِ الْكَثِيرَةِ الْمَاءِ، وَغَيْرُ الْمَأْمُونَةِ الَّتِي لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَقَدْ اخْتَصَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمَسْأَلَةَ بِرُمَّتِهَا فَقَالَ عَاطِفًا عَلَى مَا هُوَ جَائِزٌ: وَأَرْضُ مَطَرٍ عَشْرٌ إنْ لَمْ يَنْقُدْ وَإِنْ سَنَةً إلَّا الْمَأْمُونَةَ كَالنِّيلِ إلَّا الْمُعَيَّنَةَ، فَيَجُوزُ. وَيَجِبُ فِي مَأْمُونَةِ النِّيلِ إذَا رُوِيَتْ.
وَإِنْ تَكُنْ شَجَرَةٌ بِمَوْضِعِ ... جَازَ اكْتِرَاؤُهَا بِحُكْمِ التَّبَعِ
يَعْنِي أَنَّ مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا فِيهَا شَجَرَةٌ أَوْ أَشْجَارٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُكْتَرِي اشْتِرَاطُ ثَمَرَتِهَا لِنَفْسِهِ بِحُكْمِ التَّبَعِ لِلْأَرْضِ هَذَا مَعْنَى اكْتِرَاءِ الشَّجَرَةِ الَّتِي فِي بَيْتِ النَّاظِمِ وَهُوَ كَمَا تَقَدَّمَ أَيْضًا مِنْ جَوَازِ اشْتِرَاطِ الثَّمَرَةِ إذَا كَانَتْ تَبَعًا لِلدَّارِ حَيْثُ قَالَ:
وَشَرْطُ مَا فِي الدَّارِ مِنْ نَوْعِ الثَّمَرْ
الْبَيْتَيْنِ وَيُشْتَرَطُ فِي الْجَوَازِ مَا ذُكِرَ هُنَالِكَ حَرْفًا بِحَرْفِ، وَلَوْ اسْتَغْنَى بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ هَذَا الْبَيْتِ مَا ضَرَّهُ ذَلِكَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَمَا أَشْبَهَهَا مِمَّا يَدْخُلُ فِي قَوْلِ أَصْحَابِ الْقَوَاعِدِ: اُخْتُلِفَ فِي التَّابِعِ هَلْ يُعْطَى حُكْمَ نَفْسِهِ أَوْ حُكْمَ مَتْبُوعِهِ، فَإِنْ قُلْنَا يُعْطَى حُكْمَ مَتْبُوعِهِ، فَهَلْ لَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ لَا، وَأَمَّا إنْ قُلْنَا يُعْطَى حُكْمَ نَفْسِهِ فَلَا إشْكَالَ أَنَّ لَهُ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ فَجَوَازُ اشْتِرَاطِهِ ثَمَرَةَ الشَّجَرِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ التَّابِعَ يُعْطَى حُكْمَ مَتْبُوعِهِ وَأَنَّهُ لَا قِسْطَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَإِلَّا كَانَ اشْتِرَاءً لِلثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا أَوْ قَبْلَ خَلْقِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمُكْتِرٍ أَرْضًا وَبَعْدَ أَنْ حَصَدْ ... أَصَابَ زَرْعَهُ انْتِثَارٌ بِالْبَرَدْ
فَنَابِتٌ بَعْدُ مِنْ الْمُنْتَثَرِ ... هُوَ لِرَبِّ الْأَرْضِ لَا لِلْمُكْتَرِي
يَعْنِي أَنَّ مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا، فَزَرَعَهَا فَأَصَابَ زَرْعَهُ الْبَرَدُ وَقَدْ اسْتَحْصَدَ، فَانْتَثَرَ فِيهَا فَنَبَتَ إلَى قَابِلٍ فَإِنَّ الزَّرْعَ النَّابِتَ لِرَبِّ الْأَرْضِ لَا لِلْمُكْتَرِي وَكَذَا فِي النَّوَادِرِ وَالْمُتَيْطِيَّةِ وَمُفِيدِ ابْنِ هِشَامٍ وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا الْحُكْمُ بِالْكِرَاءِ بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي كُلّ مَنْ انْتَثَرَ حَبُّهُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ سَوَاءٌ أَعْمَرَهَا بِكِرَاءٍ أَوْ إعْمَارٍ أَوْ شَرِكَةٍ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ.
(فَرْعٌ) مَنْ زَرَعَ زَرْعًا فَحَمَلَ السَّيْلُ زَرْعَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْبُتَ إلَى أَرْضِ غَيْرِهِ فَنَبَتَ فِيهَا فَقَالَ مَالِكٌ: الزَّرْعُ لِمَنْ جَرَّهُ السَّيْلُ إلَى أَرْضِهِ وَلَا شَيْءَ لِلزَّارِعِ اهـ. .
وَأَمَّا الْأَشْجَارُ فَبِخِلَافِ هَذَا وَفِيهَا تَفْصِيلٌ وَبَيْنَ أَنْ تَنْبُتَ إنْ رُدَّتْ لِمَحَلِّهَا أَوْ لَا وَلَوْ نَقَلَ السَّيْلُ تُرَابَ أَرْضٍ إلَى أَرْضٍ أُخْرَى، فَأَرَادَ بِهِ نَقْلَهُ إلَى أَرْضِهِ وَكَانَ مَعْرُوفًا فَلَهُ ذَلِكَ وَإِنْ أَبَى أَنْ يَنْقُلَهُ فَطَلَبَهُ مَنْ صَارَ فِي أَرْضِهِ بِتَنْحِيَتِهِ عَنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجُرَّ شَيْئًا.
وَجَائِزٌ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِالسَّنَهْ ... وَالشَّهْرِ فِي زِرَاعَةٍ مُعَيَّنَهْ
يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ لِمُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ كَشَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ لِيَزْرَعَ فِيهَا شَيْئًا مُعَيَّنًا كَالْمَقَاثِئِ وَالْخُضَرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
(قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) : وَيَجُوزُ أَنْ تُكْرَى الْأَرْضُ مُشَاهَرَةً فِي الَّتِي تُزْرَعُ بُطُونًا، وَمُسَانَاةً أَيَّ أَرْضٍ كَانَتْ كُلَّ شَهْرٍ أَوْ كُلَّ سَنَةٍ بِكَذَا أَوْ لِمُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ.
(قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا فَحَصَدَ زَرْعَهُ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ فَأَمَّا أَرْضُ الْمَطَرِ فَحَدُّ السَّنَةِ فِيهَا الْحَصَادُ، وَيُقْضَى بِذَلِكَ فِيهَا.
(قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) وَأَمَّا ذَاتُ السَّقْيِ الَّتِي تُكْرَى عَلَى أَمَدِ الشُّهُورِ، وَالسِّنِينَ فَلِلْمُكْتَرِي الْعَمَلُ إلَى تَمَامِ سَنَتِهِ فَإِنْ تَمَّتْ، وَلَهُ فِيهَا زَرْعٌ أَخْضَرُ أَوْ بَقْلٌ؛ فَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ قَلْعُهُ، وَعَلَيْهِ تَرْكُهُ إلَى تَمَامِهِ وَلَهُ فِيمَا بَقِيَ كِرَاءُ مِثْلِهَا عَلَى حِسَابِ مَا أَكْرَى مِنْهُ وَصَرَّحَ سَحْنُونٌ عَلَى حِسَابِ مَا أَكْرَى وَأَبْقَى
(2/87)

كِرَاءَ الْمِثْلِ وَنَقَلَهَا أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَهُ فِيمَا بَقِيَ كِرَاءُ مِثْلِهِ لَا عَلَى مَا أَكْرَاهُ (قُلْت:) : وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ وَذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَكْتَرِي دَارًا أَوْ حَانُوتًا أَوْ غَيْرَهُمَا لِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، فَتُقْضَى تِلْكَ الْمُدَّةُ وَيَبْقَى الْمُكْتَرِي سَاكِتًا عَلَى الْمُسَاكَنَةِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ فِيهَا بَعْدَ مُدَّةِ الْكِرَاءِ الْمِثْلُ؟ أَوْ مِنْ حِسَابِ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ يَجْرِي عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ وَعَلَى كِرَاءِ الْمِثْلِ اقْتَصَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ تَمَّتْ وَلَهُ زَرْعٌ أَخْضَرُ فَكِرَاءُ مِثْلِ الزَّائِدِ.
(فَرْعٌ) إذَا كَانَتْ السَّنَةُ أَوْ الشَّهْرُ مُعَيَّنًا فَلَا إشْكَالَ فِي لُزُومِ الْكِرَاءِ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنَا شَهْرًا وَلَا سَنَةً كَكُلِّ شَهْرٍ أَوْ كُلِّ سَنَةٍ بِكَذَا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الِانْحِلَالُ مَتَى شَاءَ مَا لَمْ يَزْرَعْ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي أَكْرِيَةِ الدُّورِ فَإِنْ زَرَعَ لَزِمَهُمَا الْكِرَاءُ لِمَا سَمَّيَاهُ مِنْ الْمُدَّةِ ثُمَّ لَهُمَا الِانْحِلَالُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُكْتَرِي بَعْدَ مَا زَرَعَ أَنْ يَقْلَعَ زَرْعَهُ، وَبَقْلَهُ، وَيُعْطِيَهُ كِرَاءَ الْمُدَّةِ الَّتِي شَغَلَ فِيهَا أَرْضَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَقَدْ لَزِمَهُ كِرَاءُ الْمُدَّةِ.
(فَرْعٌ) إذَا كَانَتْ السَّنَةُ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ مِمَّا يُزْرَعُ الْعَامَ كُلَّهُ، فَأَوَّلُ السَّنَةِ فِيهَا عِنْدَ عَدَمِ التَّعْيِينِ وَقْتُ الْعَقْدِ إنْ كَانَتْ خَالِيَةً مِنْ مَزْرُوعٍ وَإِلَّا فَيَوْمَ تَخْلُو مِنْهُ إلَى تَمَامِ سَنَةٍ قَمَرِيَّةٍ أَوْ شَمْسِيَّةٍ إنْ كَانَ ذَلِكَ عُرْفَ الْبَلَدِ فِي الْكِرَاءِ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُزْرَعُ مَرَّةً فِي الْعَامِ فَأَوَّلُهُ وَقْتُ الزِّرَاعَةِ إنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يُتَقَدَّمُ فِيهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِحَرْثٍ أَوْ وَقَعَتْ الْحَرْثُ لَهَا إنْ كَانَتْ مِمَّا عُهِدَ ذَلِكَ فِيهَا وَآخِرُهُ رَفْعُ الزَّرْعِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُكْتَرِي فِيهَا بَقِيَّةَ السَّنَةِ وَلَا يُحَطُّ لِذَلِكَ شَيْءٌ، وَلِرَبِّهَا أَنْ يَحْرُثَ إنْ شَاءَ وَلَيْسَ لِلْمُكْتَرِي مَنْعُهُ لِأَنَّهُ مُضَارٌّ.
وَبِتَوَالِي الْقَحْطِ، وَالْأَمْطَارِ ... جَائِحَةُ الْكِرَاءِ مِثْلُ الْفَارِ
وَيَسْقُطُ الْكِرَاءُ إمَّا جُمْلَهُ ... أَوْ بِحِسَابِ مَا الْفَسَادُ حَلَّهُ
وَلَيْسَ يَسْقُطُ الْكِرَا فِي مُوجَدٍ ... بِمِثْلِ صِرٍّ أَوْ بِمِثْلِ بَرَدِ
يَعْنِي أَنَّ مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا لِزِرَاعَةٍ، فَتَوَالَى عَلَيْهَا الْقَحْطُ أَوْ الْمَطَرُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ الْمُكْتَرِي مَعَهُ عَلَى الِازْدِرَاعِ فِيهَا، أَوْ هَلَكَ الزَّرْعُ بِفَأْرٍ أَوْ مِثْلِ الْفَأْرِ كَالدُّودِ فَإِنَّ الْكِرَاءَ يَسْقُطُ عَنْ الْمُكْتَرِي عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ وَهُوَ إنْ فَسَدَ الْجَمِيعُ أَوْ بَقِيَ مَا لَا قَدْرَ لَهُ وَلَا بَالَ سَقَطَ عَنْ الْمُكْتَرِي جَمِيعُ الْكِرَاءِ وَإِنْ سَلِمَ مَا لَهُ قَدْرٌ وَبَالٌ لَزِمَ مِنْ الْكِرَاءِ بِحِسَابِ ذَلِكَ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَ " الْقَحْطُ " بِقَافٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ عَدَمُ الْمَطَرِ.
(قَالَ فِي الْمَشَارِقِ) : قَحَطَ الْقَوْمُ الْأَرْضَ إذْ لَمْ يَنْزِلْ مَطَرٌ ثُمَّ أَخْبَرَ فِي الْبَيْتِ الثَّالِثِ أَنَّ الْجَائِحَةَ إذَا لَمْ تَكُنْ بِسَبَبِ الْأَرْضِ وَمَا لَا يَرْجِعُ إلَيْهَا فَإِنَّ الْكِرَاءَ لَازِمٌ لِلْمُكْتَرِي وَذَلِكَ كَمَا إذَا هَلَكَ الزَّرْعُ بِبَرَدٍ بِفَتْحِ الرَّاءِ مَعْرُوفٌ حَجَرٌ صَغِيرٌ يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ يَذُوبُ بِسُرْعَةٍ أَوْ هَلَكَ بِصِرٍّ بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ، وَرَاءٍ مُشَدَّدَةٍ وَهُوَ الْبَرْدُ الشَّدِيدُ أَوْ الْحَرُّ الشَّدِيدُ قَالَ نَاظِمُ غَرِيبِ الْقُرْآنِ:
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ صِرُّ ... حَرٌّ شَدِيدٌ وَكَذَاك الْقُرُّ
وَالْقُرُّ بِالضَّمِّ الْمَاءُ الْبَارِدُ وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ " أَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَكَ " أَيْ أَبْرَدَ اللَّهُ دَمْعَتَك لِأَنَّ دَمْعَةَ السُّرُورِ بَارِدَةٌ وَدَمْعَةَ الْحُزْنِ حَارَّةٌ.
(قَالَ اللَّخْمِيُّ) هَلَاكُ الزَّرْعِ إنْ كَانَ بِقَحْطِ الْمَطَرِ أَوْ تَعَذُّرِ مَاءِ الْبِئْرِ أَوْ الْعَيْنِ أَوْ لِكَثْرَةِ نُبُوعِ مَاءِ الْأَرْضِ أَوْ الدُّودِ أَوْ فَأْرٍ؛ سَقَطَ كِرَاءُ الْأَرْضِ كَانَ هَلَاكُهُ فِي الْإِبَّانِ أَوْ بَعْدَهُ، وَإِنْ هَلَكَ لِطَيْرٍ أَوْ جَرَادٍ أَوْ جَلِيدٍ أَوْ بَرَدٍ أَوْ جَيْشٍ أَوْ لِأَنَّ الزَّرِيعَةَ لَمْ تَنْبُتْ لَزِمَ الْكِرَاءُ هَلَكَ فِي الْإِبَّانِ أَوْ بَعْدَهُ الْمُتَيْطِيُّ. وَمِثْلُ قَحْطِ الْمَطَرِ تَوَالِي الْمَطَرِ، وَكَذَلِكَ إذَا مَنَعَهُ مِنْ الِازْدِرَاعِ فِتْنَةٌ
(2/88)

الْمَوَّاقُ) اُنْظُرْ إذَا أَذْهَبَ السَّيْلُ وَجْهَ الْأَرْضِ، الرَّاوِيَةُ: وَجَبَ الْكِرَاءُ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ لَا كِرَاءَ، وَعُدَّ قَوْلُهُ قَوْلًا اهـ.
وَالضَّابِطُ فِي هَذَا: أَنَّ الْكِرَاءَ يَلْزَمُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ، فَمَنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ لِقَحْطٍ أَوْ غَرَقٍ وَنَحْوِهِمَا حَتَّى فَاتَ الْإِبَّانُ؛ فَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَمَكَّنَ مِنْ الِانْتِفَاعِ ثُمَّ هَلَكَتْ الْغَلَّةُ، فَإِنْ أَتَى مِنْ قِبَلِ الْأَرْضِ شَيْءٌ يُوجِبُ مَنْعَ غَلَّتِهَا كَمَا: إذَا فُقِدَ رَيُّهَا، أَوْ أَعْدَمَ الْغَلَّةَ فَأْرُهَا سَقَطَ الْكِرَاءُ، وَإِنْ أَتَى أَمْرٌ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمُكْتَرِي فَأَهْلَكَ الْغَلَّةَ؛ لَزِمَهُ الْكِرَاءُ.
وَفِي (الْمُدَوَّنَةِ) إنْ جَاءَهُ مِنْ الْمَاءِ مَا كَفَى بَعْضَهُ، وَهَلَكَ بَعْضُهُ فَإِنْ حَصَدَ مَا لَهُ بَالٌ، وَلَهُ فِيهِ نَفْعٌ؛ فَعَلَيْهِ مِنْ الْكِرَاءِ بِقَدْرِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ حَصَدَ مَا لَا بَالَ لَهُ، وَلَا نَفْعَ لَهُ فِيهِ.
(قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ) : مِثْلُ الْخَمْسَةِ فَدَادِينَ أَوْ السِّتَّةِ مِنْ الْمِائَةِ، وَفِي (الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا) مَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا، فَغَرَقَ بَعْضُهَا قَبْلَ الزِّرَاعَةِ، أَوْ عَطِشَ فَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهَا رُدَّ جَمِيعًا وَإِنْ كَانَ تَافِهًا حَطَّ عَنْهُ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ الْكِرَاءِ اهـ وَنَحْوَهُ نَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ (الْمُقَرَّبِ) وَزَادَ: وَيُفَضُّ الْكِرَاءُ عَلَى كَرِيمِهَا، وَغَيْرِ كَرِيمِهَا وَعَلَى قَدْرِ رَغْبَةِ النَّاسِ فِيهَا. بِمَنْزِلَةِ إذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضُهَا وَبَقِيَ بَعْضُهَا وَلَا يُنْظَرُ إلَى مَتْنِ الْأَرْضِ إذَا كَانَتْ مُخْتَلِفَةً.
(وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ) إذَا أَتَى مَطَرٌ؛ فَغَرَقَ زَرْعُهُ فِي إبَّانٍ لَوْ انْكَشَفَ الْمَاءُ عَنْ الْأَرْضِ أَدْرَكَ زَرْعُهَا ثَانِيَةً فَلَمْ يَنْكَشِفْ حَتَّى فَاتَ الْإِبَّانُ؛ فَذَلِكَ كَغَرَقِهَا فِي الْإِبَّانِ قَبْلَ أَنْ تُزْرَعَ حَتَّى فَاتَ الْحَرْثُ فَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ وَلَوْ انْكَشَفَ الْمَاءُ فِي إبَّانٍ يُدْرَكُ فِيهِ لَزِمَهُ الْكِرَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَحْرُثْ.
وَمِنْ (الْمُدَوَّنَةِ) أَيْضًا إذَا أَتَى مَطَرٌ بَعْدَ مَا زَرَعَ، وَفَاتَ إبَّانُ الزَّرْعِ، فَغَرَقَ زَرْعُهُ حَتَّى هَلَكَ بِذَلِكَ؛ فَهِيَ جَائِحَةٌ عَلَى الزَّارِعِ، وَعَلَيْهِ جَمِيعُ الْكِرَاءِ بِخِلَافِ هَلَاكِهِ مِنْ الْقَحْطِ فَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ (وَمِنْ الْمُقَرَّبِ) قُلْت: فَإِنْ زَرَعَهَا فَأَصَابَهَا مَطَرٌ شَدِيدٌ؛ فَاسْتَغْدَرَتْ، وَأَقَامَ الْمَاءُ فِيهَا حَتَّى هَلَكَ الزَّرْعُ كَيْفَ يَعْمَلُ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: " إنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ الْحَرْثِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَرَدِ، وَالْجَرَادِ، وَالْجَلِيدِ مُصِيبَةُ ذَلِكَ مِنْ الزَّارِعِ، وَإِنْ كَانَتْ إنَّمَا اسْتَغْدَرَتْ فِي أَيَّامِ الْحَرْثِ، وَلَوْ انْكَشَفَ عَنْهَا الْغَدِيرُ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا ثَانِيَةً، فَلَمْ يَنْكَشِفْ عَنْهَا الْمَاءُ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ الْحَرْثِ؛ فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهَا إذَا غَرِقَتْ فِي أَيَّامِ الْحَرْثِ، وَجَاءَ مِنْ الْمَاءِ مَا يَمْنَعُ مِنْ زَرْعِهَا فَالْكِرَاءُ عَنْ الْمُتَكَارِي مَوْضُوعٌ.
(قَالَ الشَّارِحُ) : وَسُئِلَ شَيْخُنَا قَاضِي الْجَمَاعَةِ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَمَّنْ اكْتَرَى فَدَّانًا زَرَعَهُ كَتَّانًا، فَأَصَابَهُ الْبَرَدُ حَتَّى عَدِمَ الْكَتَّانُ، وَالْمُكْتَرِي يَطْلُبُ بِالْكِرَاءِ: فَأَجَابَ " يَغْرَمُ الْمُكْتَرِي الْكِرَاءَ كُلَّهُ، وَلَا يُحَطُّ عَنْهُ شَيْءٌ بِسَبَبِ جَائِحَةِ الْبَرَدِ لِأَنَّهُ لَا يُقَامُ فِي الْكِرَاءِ بِالْجَائِحَةِ إلَّا إنْ كَانَتْ مِنْ الْأَرْضِ، أَوْ مَا يَرْجِعُ إلَيْهَا " قَالَهُ ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ. .
[فَصْلٌ فِي أَحْكَامٍ مِنْ الْكِرَاءِ]
ِ
وَالْعَرَضُ إنْ عُرِفَ عَيْنًا فَالْكِرَا ... يَجُوزُ فِيهِ كَالسُّرُوجِ وَالْفِرَا
وَمُكْتَرٍ لِذَاكَ لَا يَضْمَنُ مَا ... يَتْلَفُ عِنْدَهُ سِوَى إنْ ظَلَمَا
وَهُوَ مُصَدَّقٌ مَعَ الْيَمِينِ ... وَإِنْ يَكُنْ مَنْ لَيْسَ بِالْمَأْمُونِ
يَعْنِي: أَنَّهُ يَجُوزُ كِرَاءُ الْعُرُوضِ كَالْأَوَانِي، وَالْقُدُورِ وَالصَّحَائِفِ، وَالسُّرُوجِ، وَاللِّجَامِ وَالْفَرْوَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ إذَا كَانَ مِمَّا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ، وَلَا يَلْتَبِسُ بِغَيْرِهِ، وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَلَا يَجُوزُ كِرَاؤُهَا، وَالْفِرَاءُ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ، وَالْمَدِّ، - وَقَصْرُهُ ضَرُورَةٌ - جَمْعُ فَرْوٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الرَّاءِ قَالَ فِي جَمْعِ التَّكْسِيرِ: فَعْلٌ وَفَعْلَةٌ فِعَالٌ لَهُمَا (قَالَ الْجَوْهَرِيُّ) : " الْفَرْوُ الَّذِي يُلْبَسُ، وَالْجَمْعُ الْفِرَاءُ، وَافْتَرَيْت الْفَرْوَ، وَلَبِسْته " اهـ. .
وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ، " وَعَيْنًا " تَمْيِيزٌ مَنْقُولٌ مِنْ نَائِبِ " عُرِفَ "
(2/89)

وَكَالسُّرُوجِ " جَمْعُ سَرْجٍ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: وَذَلِكَ كَسَرْجِ الدَّابَّةِ وَنَحْوِهِ. ثُمَّ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي، وَالثَّالِثِ إلَى أَنَّ مَنْ اكْتَرَى شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ ثُمَّ ادَّعَى ضَيَاعَهُ؛ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مَأْمُونًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَأْمُونٍ إلَّا إذَا ظَلَمَ وَتَعَدَّى، فَيَضْمَنُ إذَا تَبَيَّنَ تَعَدِّيهِ، وَظُلْمُهُ إمَّا بِاعْتِرَافِهِ، أَوْ بِثُبُوتِ ذَلِكَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَعْتَرِفْ. فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ، وَلَا اعْتَرَفَ بِهِ؛ فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي عَدَمِ تَعَدِّيه، وَظُلْمِهِ. وَهَلَاكُ الشَّيْءِ الْمُكْتَرَى مِنْ غَيْرِ سَبَبِهِ مَعَ يَمِينِهِ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ، فَيَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً لَقَدْ ضَاعَ، وَمَا أَخْفَاهُ وَأَنَّ ضَيَاعَهُ لَيْسَ بِسَبَبِهِ، وَلَا بِتَعَدِّيهِ.
وَقِيلَ: إنَّ غَيْرَ الْمُتَّهَمِ يَحْلِفُ مَا فَرَّطَ فَقَطْ (قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) : وَيَجُوزُ كِرَاءُ الثِّيَابِ وَالْقِبَابِ وَالسُّرُوجِ وَاللَّحْمِ وَكُلِّ شَيْءٍ يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ إذَا غُيِّبَ عَلَيْهِ مِنْ هَذَا وَشِبْهِهِ إذَا حَدَّدَ لِلْكِرَاءِ مُدَّةً، وَلِلْأُجْرَةِ أَمَدًا، وَكَانَتْ حَالَّةً فَإِنْ ادَّعَى مُكْتَرِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَلَفَهَا، أَوْ أَنَّهَا سُرِقَتْ؛ حَلَفَ وَبَرِئَ، وَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِيَمِينِهِ مَأْمُونًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَأْمُونٍ. اهـ (فَرْعٌ) ثُمَّ قَالَ فِي الْوَثَائِقِ: إثْرَ مَا تَقَدَّمَ وَيَغْرَمُ الْكِرَاءَ كُلَّهُ إلَّا أَنْ تَقُومَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةٌ، فَإِنْ ادَّعَى تَلَفَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْكِرَاءِ وَعُرِفَ أَنَّهُ نَشَدَهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ حَلَفَ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَسَقَطَ عَنْهُ الضَّمَانُ، وَيَغْرَمُ مِنْ الْكِرَاءِ مِقْدَارَ مَا انْتَفَعَ إلَى أَنْ تَلِفَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهَا تَلِفَتْ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فِي ذَلِكَ لَزِمَهُ الْكِرَاءُ كُلُّهُ اهـ. وَفِي كِتَابِ ابْنِ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: " وَيَلْزَمُهُ الْكِرَاءُ كُلُّهُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ عَلَى وَقْتِ الضَّيَاعِ " وَقَالَ غَيْرُهُ: " وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي الضَّيَاعِ، وَلَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْأَجْرِ إلَّا مَا قَالَ إنَّهُ انْتَفَعَ بِهِ " وَبِهِ أَخَذَ سَحْنُونٌ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ: " أَنَّ الْأَشْيَاءَ الْمُسْتَأْجَرَةَ يُصَدَّقُ مُكْتَرِيهَا فِي ضَيَاعِهَا، وَلَا يُصَدَّقُ فِي دَفْعِ كِرَائِهَا، وَزَوَالِهِ مِنْ ذِمَّتِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَلَمَّا اجْتَمَعَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَجْرَى كُلَّ أَصْلٍ عَلَى بَابِهِ فَرَفَعَ عَنْهُ الضَّمَانَ، وَأَغْرَمَهُ الْكِرَاءَ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً مِمَّا يُوجِبُ دَفْعَ الْكِرَاءِ عَنْهُ وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَمَّا صَدَّقَهُ فِي الضَّيَاعِ كَانَ ذَلِكَ كَقِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ الْكِرَاءُ لِأَنَّ مَا يَجِبُ لَهُ الْكِرَاءُ قَدْ ذَهَبَ فَبِأَيِّ شَيْءٍ يَكُونُ لَهُ الْكِرَاءُ، وَهُوَ الصَّوَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ. اهـ.
وَالْمُكْتَرِي إنْ مَاتَ لَمْ يَحِنْ كِرَا ... وَاسْتُؤْنِفَ الْكِرَاءُ كَيْفَ قُدِّرَا
حَيْثُ أَبَى الْوُرَّاثُ إتْمَامَ الْأَمَدْ ... وَاسْتَوْجَبُوا أَخْذَ الْمَزِيدِ فِي الْعَدَدْ
وَالنَّقْصُ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ إنْ وُجِدْ ... لَهُ وَفَاءٌ مِنْ تُرَاثِ مَنْ فُقِدْ
يَعْنِي: أَنَّ مَنْ يَكْتَرِي دَارًا أَوْ غَيْرَهَا لِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ بِأُجْرَةٍ مُنَجَّمَةٍ، فَسَكَنَ بَعْضَ الْمُدَّةِ ثُمَّ مَاتَ يَعْنِي أَوْ أَفْلَسَ؛ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ عَلَيْهِ كِرَاءُ مَا لَمْ يَسْكُنْ، وَلَا يَحِلُّ عَلَيْهِ إلَّا كِرَاءُ مَا سَكَنَ، وَمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ إنْ أَرَادَ الْوَرَثَةُ فِي الْمَوْتِ أَنْ يَلْتَزِمُوا كِرَاءً فِي أَمْوَالِهِمْ؛ فَلَهُمْ ذَلِكَ، وَهَذَا يُؤْخَذُ مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِ:
حَيْثُ أَبَى الْوُرَّاثُ إتْمَامَ الْأَمَدْ
إذْ مَفْهُومُهُ أَنَّهُمْ إنْ أَرَادُوا إتْمَامَ الْمُدَّةِ فَلَهُمْ ذَلِكَ، وَيَنْزِلُ الْوَرَثَةُ مَنْزِلَتَهُ لِأَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ حَقٍّ فَلِوَرَثَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُرِيدُوا ذَلِكَ فَلِرَبِّ الدَّارِ كِرَاؤُهَا لِمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ الْمَضْرُوبَةِ مَعَ الْمَيِّتِ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:
وَاسْتُؤْنِفَ الْكِرَاءُ كَيْفَ قُدِّرَا
فَإِنْ كَانَتْ فِيهِ زِيَادَةٌ فَلِلْوَرَثَةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:
وَاسْتَوْجَبُوا أَخْذَ الْمَزِيدِ فِي الْعَدَدْ
وَإِنْ نَقَصَ ذَلِكَ عَنْ الْكِرَاءِ الَّذِي أَكْرَاهَا بِهِ الْمَيِّتُ وُقِفَ مِنْ تَرِكَتِهِ قَدْرُ النُّقْصَانِ، وَدُفِعَ لِلْمُكْرِي الْكِرَاءُ عِنْدَ وُجُوبِهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " وَالنَّقْصُ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ " (الْبَيْتَ) .
وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ " إنْ وُجِدَ لَهُ وَفَاءٌ ": أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوجَدْ
(2/90)

لَهُ فِي التَّرِكَةِ وَفَاءٌ فَإِنَّ مُصِيبَتَهُ مِنْ الْمُكْرِي لِعَدَمِ مَنْ يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ، وَخَرَابِ ذِمَّةِ الْهَالِكِ فَقَوْلُهُ: " لَمْ يَحِنْ " بِالنُّونِ بِمَعْنَى: لَمْ يَحِلَّ بِاللَّامِ، وَعُدِلَ لِلنُّونِ لِلْوَزْنِ لِأَنَّ لَامَ لَمْ يَحِلَّ مُشَدَّدَةٌ فَيَنْكَسِرُ الْوَزْنُ بِشَدِّهَا، وَهُوَ جَوَابُ الشَّرْطِ قَبْلَهُ " وَحَيْثُ " يَتَعَلَّقُ " بِاسْتُؤْنِفَ " " وَوَفَاءٌ " نَائِبُ فَاعِلِ " وُجِدْ " " وَمِنْ تُرَاثِ " أَيْ مَالِ خَبَرُ " النَّقْصُ ".
وَمَعْنَى " فُقِدْ " مَاتَ، وَنَقَلَ الشَّارِحُ الْمَسْأَلَةَ عَنْ نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ وَاخْتَصَرَهَا الْمَوَّاقُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي التَّفْلِيسِ: " وَأَخَذَ الْمُكْرِي دَابَّتَهُ وَأَرْضَهُ " بِلَفْظِ الَّذِي أَفْتَى بِهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ أَنَّ مَنْ اكْتَرَى دَارًا لِسِنِينَ مَعْلُومَةٍ بِنُجُومٍ، فَمَاتَ أَوْ فُلِّسَ فَالْأَصَحُّ فِي النَّظَرِ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ بِمَوْتِهِ وَلَا بِتَفْلِيسِهِ إذْ لَا يَحِلُّ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقْبِضْ بَعْدُ عِوَضَهُ، وَهَذَا أَصْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ لَا يَرَى قَبْضَ الدَّارِ لِلسُّكْنَى قَبْضًا لِلسُّكْنَى فَيَأْتِي عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ الْكِرَاءَ لَا يَحِلُّ بِمَوْتِهِ وَيُتَنَزَّلُ الْوَرَثَةُ مَنْزِلَتَهُ. اهـ وَنَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ أَيْضًا " وَاَلَّذِي يُوجِبُهُ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ إنْ لَمْ يُرِدْ الْوَرَثَةُ أَنْ يَلْتَزِمُوا الْكِرَاءَ فِي أَمْوَالِهِمْ أَنْ يُكْرِيَ ذَلِكَ لِمَا بَقِيَ فِي الْمُدَّةِ فَإِنْ نَقَصَ ذَلِكَ عَنْ الْكِرَاءِ الَّذِي اكْتَرَاهَا بِهِ الْمَيِّتُ وُقِفَ مِنْ تَرِكَتِهِ قَدْرُ النُّقْصَانِ وَأَدَّى إلَى الْمُكْرِي الْكِرَاءَ عِنْدَ وُجُوبِهِ عَامًا بَعْدَ عَامٍ " اهـ.
وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ إذْ لَا يَحِلُّ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقْبِضْ بَعْدُ عِوَضَهُ أَنْ كَيْفِيَّةَ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ مَنْ اكْتَرَى دَارًا مَثَلًا لِعَامٍ فَسَكَنَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ مَثَلًا، ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَحِلُّ عَلَيْهِ كِرَاءُ السِّتَّةِ الْأَشْهُرِ الَّتِي سَكَنَ دُونَ كِرَاءِ مَا لَمْ يَسْكُنْ، وَإِذَا اكْتَرَى وَمَاتَ قَبْلَ السُّكْنَى لَمْ يَحِلَّ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَهَذَا عَلَى أَنَّ قَبْضَ الْأَوَائِلِ لَيْسَ قَبْضًا لِلْأَوَاخِرِ، وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ عَلَى الْمُكْتَرِي دُيُونٌ فَإِنَّ رَبَّ الدَّارِ إنَّمَا يُحَاصِصُ الْغُرَمَاءَ بِكِرَاءِ مَا سَكَنَ الْمُكْتَرِي فَقَطْ وَيَأْخُذُ دَارِهِ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّ قَبْضَ الْأَوَائِلِ قَبْضٌ لِلْأَوَاخِرِ فَإِنَّ رَبَّ الدَّارِ يُحَاصِصُ غُرَمَاءَ الْمُكْتَرِي بِمَا سَكَنَ، وَمَا لَمْ يَسْكُنْ أَيْ بِكِرَاءِ جَمِيعِ السَّنَةِ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ فَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي كِرَاءِ مَا لَمْ يَسْكُنْهُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْمُخْتَصَرِ " بِلَوْ " فِي قَوْلِهِ: " وَحَلَّ بِهِ وَبِالْمَوْتِ مَا أُجِّلَ " وَلَوْ دَيْنَ كِرَاءٍ وَأَمَّا كِرَاءُ مَا سَكَنَهُ فَيَحِلُّ قَوْلًا وَاحِدًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَعَلَى هَذَا فَلَا يَصِلُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُخْتَصَرِ عَلَى مَنْ اكْتَرَى دَارًا شَهْرًا مَثَلًا عَلَى أَنْ يَدْفَعَ كِرَاءَهُ بَعْدَ شَهْرَيْنِ فَمَاتَ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي فَإِنَّ كِرَاءَ الشَّهْرِ الْمَاضِي يَحِلُّ اتِّفَاقًا. وَانْظُرْ لَفْظَ الْمُقَدِّمَاتِ الَّذِي نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَوْ بَابِ التَّفْلِيسِ " وَالْمَوْتُ كَالْفَلَسِ ". (فَرْعٌ) مَنْ أَكْرَى دَارِهِ لِمُدَّةٍ، ثُمَّ بَاعَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْكِرَاءِ بِثَمَنٍ لِأَجَلٍ، وَاشْتَرَطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي ذَلِكَ، أَوْ بَاعَ دَارِهِ، وَاسْتَثْنَى سُكْنَاهَا مُدَّةً يَجُوزُ لَهُ اسْتِثْنَاؤُهَا فَمَاتَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْكِرَاءِ أَوْ الِاسْتِثْنَاءِ (قَالَ الشَّارِحُ) : " فَمُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ السَّابِقِ أَنَّ الْمُفْلِسَ أَوْ الْمَيِّتَ لَا يَحِلُّ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقْبِضْ عِوَضَهُ وَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ هُنَا لَا يَحِلُّ عَلَيْهِ ثَمَنُ الدَّارِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهَا بَعْدُ ".
(فَرْعٌ) اُنْظُرْ إذَا نَقَدَ الْمُكْتَرِي كِرَاءَ الدَّارِ لِلْمُدَّةِ الَّتِي اكْتَرَاهَا لَهَا، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ انْقِضَائِهَا فَهَلْ يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَسْتَرْجِعُوا مَا نَقَدَ وَيُسَلِّمُوا الدَّارَ لِلْكِرَاءِ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ رُشْدٍ لِأَنَّ مُوَرِّثَهُمْ لَمْ يَقْبِضْ بَعْدُ عِوَضَهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْ
(2/91)

فَلَا يَحِلُّ بِمَوْتِهِ مِنْ الْكِرَاءِ إلَّا قَدْرُ مَا سَكَنَ، وَإِذَا لَمْ يَحِلَّ فَلَهُمْ اسْتِرْجَاعُهُ.
وَفِي امْرِئٍ مُمَتَّعٍ فِي الْمَالِ ... يَمُوتُ قَبْلَ وَقْتِ الِاسْتِغْلَالِ
وَقَامَتْ الزَّوْجَةُ تَطْلُبُ الْكِرَا ... قَوْلَانِ وَالْفَرْقُ لِمَنْ تَأَخَّرَا
وَحَالَةُ الْمَنْعِ هِيَ الْمُسْتَوْضَحَهْ ... وَشَيْخُنَا أَبُو سَعِيدٍ رَجَّحَهْ
وَشَيْخُهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ ... إلَى الْوَفَاةِ مَالَ عِنْدَ النَّظَرِ
فَإِنْ تَكُنْ وَالِازْدِرَاعُ قَدْ مَضَى ... إبَّانُهُ فَلَا كِرَاءَ يُقْتَضَى
وَإِنْ تَكُنْ وَوَقْتُ الِازْدِرَاعِ ... بَاقٍ فَمَا الْكِرَاءُ ذُو امْتِنَاعِ
وَفِي الطَّلَاقِ زَرْعُهُ لِلزَّارِعِ ... ثُمَّ الْكِرَاءُ مَا لَهُ مِنْ مَانِعِ
وَخُيِّرَتْ فِي الْحَرْثِ فِي إعْطَاءِ ... قِيمَتِهِ وَالْأَخْذِ لِلْكِرَاءِ
وَحَيْثُمَا الزَّوْجَةُ مَاتَتْ فَالْكِرَا ... عَلَى الْأَصَحِّ لَازِمٌ مَنْ عَمَّرَا
بِقَدْرِ مَا بَقِيَ لِلْحَصَادِ ... مِنْ بَعْدِ رَعْيِ حَظِّهِ الْمُعْتَادِ
وَإِنْ تَقَعْ وَقَدْ تَنَاهَى الْفُرْقَهْ ... فَالزَّوْجُ دُونَ شَيْءٍ اسْتَحَقَّهْ
وَنُزِّلَ الْوَارِثُ فِي التَّأْنِيثِ ... وَعَكْسِهِ مَنْزِلَةَ الْمَوْرُوثِ
الْإِمْتَاعُ هُوَ هِبَةُ الزَّوْجَةِ أَوْ أَبِيهَا لِلزَّوْجِ سُكْنَى دَارِهَا، أَوْ اسْتِغْلَالَ أَرْضِهَا مُدَّةَ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهَا وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا بَعْدَ الْعَقْدِ لَمْ يُمْنَعْ، وَكَأَنَّ الْمَرْأَةَ أَعْطَتْ زَوْجَهَا شَيْئًا مِنْ مَالِهَا وَذَلِكَ جَائِزٌ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَنْعَقِدَ عَلَيْهِ الْقُلُوبُ حِينَ الْعَقْدِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِمْتَاعَ، وَالْعُمْرَى بِالنِّسْبَةِ لِلْمَوْتِ، وَالطَّلَاقِ مُتَسَاوِيَانِ لِأَنَّهُمَا بَابٌ وَاحِدٌ وَهُوَ: هِبَةُ الْمَنْفَعَةِ مُدَّةً مَجْهُولَةً تَنْتَهِي بِوُقُوعِ أَمْرٍ مَجْهُولِ الْوَقْتِ، وَالْأَصْلُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ وَإِلَيْهِ تَرْجِعُ الْمَنْفَعَةُ وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي مُخْتَصَرِ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْعُمْرَى أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَسْكُنَهُ عُمْرَهُ، أَوْ يَسْكُنَهُ حَيَاةَ فُلَانٍ، أَوْ إلَى قُدُومِ فُلَانٍ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَجْهُولٌ فَمَا وَجَبَ فِي أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ وَجَبَ فِي بَقِيَّتِهَا، (وَقَالَ ابْنُ عَتَّابٍ) فِي الْعُمْرَى: " قَدْ تَكُونُ بِغَيْرِ لَفْظِهَا مِنْ الْإِسْكَانِ أَوْ الْإِمْتَاعِ " اهـ.
وَتَكَلَّمَ النَّاظِمُ هُنَا عَلَى مَا إذَا أَمْتَعَتْهُ اسْتِغْلَالَ أَرْضِهَا، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، أَوْ طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ الْحَرْثِ، وَقَبْلَ رَفْعِ الْغَلَّةِ هَلْ يَلْزَمُ كِرَاءُ الْأَيَّامِ الَّتِي بَيْنَ الْمَوْتِ أَوْ الطَّلَاقِ وَنَضُوضِ الْغَلَّةِ؟ لِأَنَّهُ إنْ مَاتَ الزَّوْجُ انْتَقَلَتْ الْغَلَّةُ لِوَرَثَتِهِ، وَهِيَ لَمْ تُمْتِعْهُمْ، وَإِنْ مَاتَتْ هِيَ فَقَدْ انْتَقَلَتْ الْأَرْضُ لِوَرَثَتِهَا، وَهُمْ لَمْ يُمْتِعُوهُ وَإِنْ طَلُقَتْ فَقَدْ زَالَ وَجْهُ الْإِمْتَاعِ الَّذِي هُوَ تَحْسِينُ الْعِشْرَةِ فَإِذَا مَاتَ الزَّوْجُ وَقَدْ كَانَ حَرَثَ الْأَرْضَ فَطَلَبَتْ الزَّوْجَةُ كِرَاءَ أَرْضِهَا مِنْ مَوْتِهِ لِنَضُوضِ الْغَلَّةِ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ.
(أَحَدُهَا) لَا كِرَاءَ لَهَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ فِي الْعُمْرَى وَرَجَّحَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ لُبٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا وَاسْتَظْهَرَهُ النَّاظِمُ وَإِلَى تَرْجِيحِ هَذَا الْقَوْلِ، وَاسْتِظْهَارِهِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ:
وَحَالَةُ الْمَنْعِ هِيَ الْمُسْتَوْضِحَهْ ... وَشَيْخُنَا أَبُو سَعِيدٍ رَجَّحَهْ
(الْقَوْلُ الثَّانِي) : أَنَّ لَهَا كِرَاءَ تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْهُ قَالَ الشَّارِحُ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ، وَإِلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ:
وَفِي امْرِئٍ مُمَتَّعٍ فِي الْمَالِ
إلَى قَوْلِهِ قَوْلَانِ (الْقَوْلُ الثَّالِثُ) لِبَعْضِ مَنْ تَأَخَّرَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ وَقَدْ مَضَى إبَّانُ الزِّرَاعَةِ فَلَا كِرَاءَ لَهَا، وَإِنْ كَانَ بَاقِيًا فَلَهَا الْكِرَاءُ وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَنِسْبَتِهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَالْفَرْقُ لِمَنْ تَأَخَّرَا، ثُمَّ فَسَّرَ هَذَا الْفَرْقَ بِقَوْلِهِ
فَإِنْ تَكُنْ وَالِازْدِرَاعُ قَدْ مَضَى
الْبَيْتَيْنِ، وَذَكَرَ قَبْلَهُمَا: أَنَّ شَيْخَ ابْنَ لُبٍّ مُحَمَّدَ بْنَ بَكْرٍ بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَالْكَافُ مُشَدَّدَةٌ اخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ وَاسْتَمَرَّ عَلَى اخْتِيَارِهِ إلَى الْمَوْتِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ اجْتِهَادُهُ فِيهِ وَأَمَّا إذَا طَلَّقَ الزَّوْجَةَ فَإِنَّ الزَّرْعَ لِزُرَّاعِهِ وَالْكِرَاءَ يَجِبُ عَلَيْهِ إلَى تَمَامِ غَلَّتِهِ الَّتِي تَكُونُ فِي أَرْضِهَا لِأَنَّ الْمُتْعَةَ فِي مُقَابَلَةِ تَحْسِينِ الْعِشْرَةِ، وَلَيْسَ بَعْدَ الطَّلَاقِ
(2/92)

عِشْرَةٌ يُصَانَعُ عَلَى تَحْسِينِهَا، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ:
وَفِي الطَّلَاقِ زَرْعُهُ لِلزَّارِعِ ... ثُمَّ الْكِرَاءُ مَا لَهُ مِنْ مَانِعِ
(قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ) : وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ زَرْعِ أَرْضٍ فَالزَّرْعُ لَهُ وَيَلْزَمُهُ مِنْ كِرَاءِ الْعَامِ بِقَدْرِ مَا بَيْنَ وَقْتِ الطَّلَاقِ وَبَيْنَ وَقْتِ الْحَصَادِ تُنْسَبُ تِلْكَ الْمُدَّةُ مِنْ الْعَامِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْكِرَاءُ عَلَى قَدْرِ تِلْكَ النِّسْبَةِ اهـ.
وَفِيهِ تَحْرِيرٌ لِبَيَانِ الْقَدْرِ اللَّازِمِ لِلزَّوْجِ مِنْ الْكِرَاءِ، وَلَيْسَ هُوَ فِي كَلَامِ النَّاظِمِ وَأَمَّا إذَا حَرَثَ الْأَرْضَ أَيْ قَلَّبَهَا وَلَمْ يَزْرَعْهَا فَالزَّوْجَةُ مُخَيَّرَةٌ فِي إعْطَاءِ قِيمَةِ الْحَرْثِ، وَالِاسْتِمْسَاكِ بِمَنْفَعَةِ أَرْضِهَا، أَوْ تَسْلِيمِهَا بِحَرْثِهَا، وَأَخْذِ الْكِرَاءِ مِنْهُ. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ:
وَخُيِّرَتْ فِي الْحَرْثِ فِي إعْطَاءِ ... قِيمَتِهِ وَالْأَخْذِ لِلْكِرَاءِ
فَهُوَ كَقَوْلِ ابْنِ سَلْمُونٍ: فَإِنْ كَانَ الْإِمْتَاعُ فِي أَرْضٍ فَطَلَّقَ الزَّوْجَةَ بَعْدَ الْحَرْثِ وَقَبْلَ الزِّرَاعَةِ فَالزَّوْجَةُ مُخَيَّرَةٌ بَيْنَ إعْطَائِهِ قِيمَةَ حَرْثِهِ وَأَخْذِ أَرْضِهَا، وَبَيْنَ تَرْكِهَا بِيَدِهِ وَأَخْذِ كِرَائِهَا اهـ.
هَذَا حُكْمُ مَوْتِ الزَّوْجِ أَوْ طَلَاقِهِ، وَأَمَّا إذَا مَاتَتْ الزَّوْجَةُ الَّتِي أَمْتَعَتْ فِي مَالِهَا، وَقَدْ بَقِيَ لِنَضُوضِ الْغَلَّةِ أَمَدٌ فَإِنَّ الْكِرَاءَ يَجِبُ فِي ذَلِكَ الْأَمَدِ الْبَاقِي لِتَنَاهِي غَلَّتِهِ عَلَى الزَّوْجِ الْمُعْمِرِ لِلْأَرْضِ بَعْدَ أَنْ يَقْتَطِعَ لَهُمْ مَا يَنُوبُهُ فِي مِيرَاثِهِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ رُبُعٍ أَوْ نِصْفٍ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:
وَحَيْثُمَا الزَّوْجَةُ مَاتَتْ فَالْكِرَا
الْبَيْتَيْنِ وَإِلَى مُحَاسَبَةِ الزَّوْجِ وَرَثَةَ الْمَرْأَةِ بِمَا يَرِثُ مِنْ الْكِرَاءِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ
مِنْ بَعْدِ رَعْيِ حَظِّهِ الْمُعْتَادِ
(قَالَ الشَّارِحُ) : " وَهَذِهِ عَكْسُ الصُّورَةِ الَّتِي سَبَقَتْ فِي مَوْتِ الزَّوْجِ الْمُمْتَعِ " وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ أَنَّ مَنْ أَوْجَبَ الْكِرَاءَ هُنَالِكَ يُطَّرَدُ قَوْلُهُ هُنَا لِأَنَّ الْمَالَ قَدْ انْتَقَلَ مِلْكُهُ هُنَا لِوَرَثَةِ الْمَرْأَةِ كَمَا انْتَقَلَ هُنَالِكَ لِوَرَثَةِ الرَّجُلِ، وَأَنَّ مَا رَجَّحَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ لُبٍّ هُنَالِكَ لَا يَخْلُو مِنْ بَحْثٍ. اهـ وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ سَلْمُونٍ كَمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ: أَنَّ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ الَّتِي فِي مَوْتِ الزَّوْجِ جَارِيَةٌ فِي مَسْأَلَةِ مَوْتِ الزَّوْجَةِ وَلَفْظُهُ: وَإِنْ كَانَ انْقِضَاءُ الزَّوْجِيَّةِ بِمَوْتِ الزَّوْجَةِ فَيَلْزَمُهُ مِنْ الْكِرَاءِ عَلَى قَدْرِ تِلْكَ النِّسْبَةِ لَكِنْ يَسْقُطُ عَنْهُ مِقْدَارُ حَظِّهِ إذْ هُوَ مِنْ الْوَرَثَةِ، وَيُؤْخَذُ بِالْكِرَاءِ عَلَى النِّسْبَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حُظُوظِ الْوَرَثَةِ لَا غَيْرُ هَذَا الْقَوْلُ الْجَارِي عَلَى الْقِيَاسِ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الزَّرْعَ لِلزَّوْجِ وَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ حَمْلًا عَلَى مَا قِيلَ فِي الْحَبْسِ وَالْعُمْرَى، وَقَدْ قِيلَ: إنْ كَانَ إبَّانُ الزِّرَاعَةِ بَاقِيًا فَعَلَيْهِ كِرَاءُ الْأَرْضِ كَامِلًا، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَاتَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَمْلًا عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ. اهـ وَلَعَلَّ النَّاظِمَ لَمَّا رَأَى الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ فِي مَوْتِ الزَّوْجِ، وَطَلَاقِهِ مَعًا حَكَاهَا فِي مَوْتِ الزَّوْجِ وَأَشَارَ لَهَا فِي مَوْتِ الزَّوْجَةِ بِالْأَصَحِّ، وَمُقَابِلُهُ قَوْلَانِ: عَدَمُ لُزُومِ الْكِرَاءِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَمُرَّ زَمَنُ الْحَدَثِ أَوْ لَا كَمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ فِي الطَّلَاقِ: " ثُمَّ الْكِرَاءُ مَا لَهُ مِنْ مَانِعِ " إذْ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ بَقِيَ لِلْحَصَادِ مُدَّةٌ تَسْتَحِقُّ كِرَاءً بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ فِي مَوْتِ الزَّوْجَةِ: " بِقَدْرِ مَا بَقِيَ لِلْحَصَادِ " أَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا، أَوْ مَاتَتْ بَعْدَ تَنَاهِي الطِّيبِ فَالزَّرْعُ لِلزَّوْجِ، وَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:
وَإِنْ تَقَعْ وَقَدْ تَنَاهَى الْفُرْقَهْ
(الْبَيْتَ) .
وَالْفُرْقَةُ أَيْ بِالطَّلَاقِ أَوْ مَوْتِ الزَّوْجَةِ فَاعِلُ " تَقَعْ "، وَجُمْلَةُ " وَقَدْ تَنَاهَى " حَالِيَّةٌ وَقَوْلُهُ فَالزَّوْجُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ جُمْلَةُ اسْتَحَقَّهُ أَيْ الزَّرْعَ وَدُونَ شَيْءٍ أَيْ مِنْ غَيْرِ كِرَاءٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ قَوْلُهُ: " وَإِنْ تَقَعْ الْفِرْقَة إلَخْ. " حَتَّى لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ فِي مَوْتِ الزَّوْجِ: " يَمُوتُ قَبْلَ وَقْتِ الِاسْتِغْلَالِ " وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ
فَالزَّوْجُ دُونَ شَيْءٍ اسْتَحَقَّهْ
يَعْنِي إنْ كَانَ حَيًّا، وَذَلِكَ حَيْثُ يُطَلِّقُ، أَوْ تَمُوتُ الزَّوْجَةُ. وَلِوَرَثَتِهِ إنْ مَاتَ قَبْلَ وَقْتِ الِاسْتِغْلَالِ. وَهَذَا الِاحْتِمَالُ هُوَ الظَّاهِرُ أَوْ الْمُتَعَيَّنُ فَهُوَ كَقَوْلِ ابْنِ سَلْمُونٍ: " وَإِنْ انْقَضَتْ الزَّوْجِيَّةُ بَعْدَ الْحَصَادِ فَلَا خَفَاءَ أَنَّ ذَلِكَ لِلزَّوْجِ أَوْ لِوَرَثَتِهِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ. اهـ وَالْمُرَادُ بِالتَّنَاهِي الْيُبْسُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَيَكُونُ الْحَصَادُ أَحْرَوِيًّا فِي عَدَمِ لُزُومِ الْكِرَاءِ وَقَوْلُهُ:
وَنُزِّلَ الْوَارِثُ فِي التَّأْنِيثِ ... وَعَكْسِهِ مَنْزِلَةَ الْمَوْرُوثِ
هُوَ كَقَوْلِ ابْنِ سَلْمُونٍ: وَحُكْمُ وَرَثَةِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا حُكْمُ مَوْرُوثِهِ إنْ كَانَ انْقِضَاءُ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا بِالْمَوْتِ. اهـ
يَعْنِي: إذَا مَاتَ الزَّوْجُ فَوَرَثَتُهُ هُمْ الْمُطَالَبُونَ بِدَفْعِ الْكِرَاءِ لِلزَّوْجَةِ، وَإِنْ مَاتَتْ الزَّوْجَةُ فَوَرَثَتُهَا هُمْ الطَّالِبُونَ لِقَبْضِ الْكِرَاءِ مِنْ الزَّوْجِ، وَيَعْنِي بِالتَّأْنِيثِ " مَوْتَ الزَّوْجَةِ وَبِعَكْسِهِ مَوْتَ
(2/93)

الزَّوْجِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ كَانَ هَذَا مُرَادَهُ فَالْبَيْتُ قَلِيلُ الْجَدْوَى لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَخْتَصُّ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ: إذَا مَاتَ الزَّوْجُ، ثُمَّ مَاتَتْ الزَّوْجَةُ، أَوْ مَاتَتْ الزَّوْجَةُ أَوَّلًا ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ فَإِنَّ لِوَرَثَتِهَا فِي الْوَجْهَيْنِ مُطَالَبَةَ وَرَثَةِ الزَّوْجِ بِالْكِرَاءِ، وَكَذَا إنْ طَلَّقَهَا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا؛ فَإِنَّ وَرَثَةَ الْمَيِّتِ مِنْهُمَا يَتَنَزَّلُونَ مَنْزِلَةَ مَوْرُوثِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ كَلَامِ النَّاظِمِ أَنَّهُ اشْتَمَلَ عَلَى خَمْسِ مَسَائِلَ.
(الْأُولَى) : إذَا مَاتَ الزَّوْجُ فَطَلَبَتْ الْمَرْأَةُ كِرَاءَ الْمُدَّةِ الْبَاقِيَةِ لِلْحَصَادِ، وَحَكَى فِيهَا ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ.
(الثَّانِيَةُ:) إذَا طَلَّقَ فَطَالَبَتْهُ الزَّوْجَةُ بِذَلِكَ وَذَكَرَ أَنَّهُ يُقْضَى لَهَا بِهِ.
(الثَّالِثَةُ) : إذَا حَرَثَ الْأَرْضَ أَيْ قَلَّبَهَا، وَلَمْ يَزْرَعْهَا ثُمَّ طَلَّقَ، وَذَكَرَ أَنَّهَا مُخَيَّرَةٌ.
(الرَّابِعَةُ) : إذَا مَاتَتْ الزَّوْجَةُ، فَطَلَبَ وَرَثَتُهَا الْكِرَاءَ وَفِيهَا الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي فِي مَوْتِ الزَّوْجِ حَكَى النَّاظِمُ مِنْهَا قَوْلَيْنِ الْأَصَحَّ وَمُقَابِلَهُ. هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الْفُرْقَةُ قَبْلَ الطَّلَبِ فَإِنْ كَانَتْ بَعْدَهُ فَلَا كِرَاءَ.
(الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) : أَنَّ وَرَثَةَ كُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ يَتَنَزَّلُونَ مَنْزِلَتَهُ.
(تَنْبِيهٌ) تَكَلَّمَ النَّاظِمُ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْإِمْتَاعُ فِي أَرْضٍ، وَقَدْ اسْتَطْرَدَ الشَّارِحُ هُنَا نَاقِلًا مِنْ ابْنِ سَلْمُونٍ الْكَلَامَ عَلَى الْإِمْتَاعِ فِي كَرْمٍ، أَوْ ثَمَرَةٍ، فَانْقَضَتْ الزَّوْجِيَّةُ بِمَوْتٍ، أَوْ طَلَاقٍ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، أَوْ بَعْدَهُ فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت، وَكَذَا اسْتَطْرَدَ الْكَلَامَ عَلَى حُكْمِ الْعُمْرَى فِي الْأَرْضِ إذَا مَاتَ الْمُعْمَرُ بِالْفَتْحِ، وَقَدْ حَرَثَ الْأَرْضَ الَّتِي أُعْمِرَهَا أَوْ زَرَعَهَا، وَعَلَى حُكْمِ الْعُمْرَى فِي الْأَشْجَارِ إذَا مَاتَ الْمُعْمَرُ فَانْظُرْ إنْ شِئْت.

[فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي]
الْقَوْلُ لِلْمُكْرِي مَعَ الْحَلْفِ اُعْتُمِدْ ... فِي مُدَّةِ الْكِرَاءِ حَيْثُ يَنْتَقِدْ
وَمَعَ سُكْنَى مُكْتَرٍ وَمَا نَقَدْ ... تَحَالَفَا، وَالْفَسْخُ فِي بَاقِي الْأَمَدْ
ثُمَّ يُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ حَلَفَا ... فِي أَمَدِ السُّكْنَى الَّذِي قَدْ سَلَفَا
وَإِنْ يَكُونَا قَبْلَ سُكْنَى اخْتَلَفَا ... فَالْفَسْخُ مَهْمَا نَكَلَا أَوْ حَلَفَا
وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْحَالِفِ ... فِي لَاحِقِ الزَّمَانِ أَوْ فِي السَّالِفِ
ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ اخْتِلَافَ الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي فِي أَحَدِ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: إمَّا فِي قَدْرِ الْمُدَّةِ، وَعَلَيْهِ تَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ الْخَمْسَةِ، أَوْ فِي قَبْضِهِ، أَوْ فِي جِنْسِهِ فَأَخْبَرَ هُنَا أَنَّ اخْتِلَافَهُمَا فِي مُدَّةِ الْكِرَاءِ لَا يَخْلُو مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْمُكْرِي انْتَقَدَ الْكِرَاءَ أَيْ قَبَضَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ سَكَنَ الْمُكْتَرِي أَوْ لَمْ يَسْكُنْ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ لَمْ يَنْتَقِدْ الْكِرَاءَ وَفِيهِ وَجْهَانِ: لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَقَعَ اخْتِلَافُهُمَا بَعْدَ السُّكْنَى أَيْ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا وَالْحُكْمُ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، وَيُفْسَخُ الْكِرَاءُ فِي بَاقِي الْمُدَّةِ. وَيُؤَدِّي الْمُكْتَرِي كِرَاءَ مَا سَكَنَ مِنْ حِسَابِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:
وَمَعَ سُكْنَى مُكْتَرٍ وَمَا نَقَدْ
الْبَيْتَيْنِ وَكَذَلِكَ يُفْسَخُ إذَا نَكَلَا مَعًا، وَلَمْ يَذْكُرْهُ النَّاظِمُ فِي الِاخْتِلَافِ بَعْدَ السُّكْنَى بَلْ فِي الِاخْتِلَافِ قَبْلَهَا فَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا، وَنَكَلَ الْآخَرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْحَالِفِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:
وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْحَالِفِ ... فِي لَاحِقِ الزَّمَانِ أَوْ فِي السَّالِفِ
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافُهُمَا قَبْلَ السُّكْنَى. وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا مِنْ كَوْنِ الْمُكْتَرِي لَمْ يَنْقُدْ الْكِرَاءَ، فَإِنَّ
(2/94)

الْكِرَاءَ يُفْسَخُ إذَا نَكَلَا، أَوْ حَلَفَا فَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا، وَنَكَلَ الْآخَرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْحَالِفِ مِنْهُمَا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:
وَإِنْ يَكُونَا قَبْلَ سُكْنَى اخْتَلَفَا ... فَالْفَسْخُ مَهْمَا نَكَلَا أَوْ حَلَفَا
وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْحَالِفِ ...
فَقَوْلُهُ فِي الْبَيْتِ الْأَخِيرِ:
وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْحَالِفِ
يَرْجِعُ لِمَسْأَلَةِ الِاخْتِلَافِ بَعْدَ السُّكْنَى لَا غَيْرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) : وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي مُدَّةِ الْكِرَاءِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُكْرِي قَدْ انْتَقَدَ أَوْ لَمْ يَنْتَقِدْ فَإِنْ كَانَ انْتَقَدَ صُدِّقَ مَعَ يَمِينِهِ سَكَنَ الْمُكْتَرِي أَوْ لَمْ يَسْكُنْ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَقِدَا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِحَضْرَةِ الْكِرَاءِ وَقَبْلَ أَنْ يَسْكُنَ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْكِرَاءِ وَقَبْلَ السُّكْنَى تَحَالَفَا فَإِنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا فُسِخَ الْكِرَاءُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا وَحَلَفَ الْآخَرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ حَلَفَ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ السُّكْنَى نِصْفَ السَّنَةِ تَحَالَفَا، وَفُسِخَ بَاقِي الْمُدَّةِ، وَعَلَيْهِ فِيمَا سَكَنَ بِحِسَابِ مَا أَقَرَّ بِهِ إنْ تَسَاوَتْ الشُّهُورُ فِي الْقِيمَةِ اهـ.
وَفِي النَّوَادِرِ مِنْ الْوَاضِحَةِ وَيُحْمَلَانِ فِي نَقْدِ الْكِرَاءِ عَلَى عُرْفِ النَّاسِ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْمُدَّةِ فَإِنْ انْتَقَدَ الْمُكْرِي فَهُوَ مُصَدَّقٌ مَعَ يَمِينِهِ سَكَنَ الْمُكْتَرِي أَوْ لَمْ يَسْكُنْ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَقِدْ، وَكَانَ بِحَضْرَةِ الْكِرَاءِ، وَقَبْلَ السُّكْنَى تَحَالَفَا، وَفُسِخَ الْكِرَاءُ إذَا حَلَفَا أَوْ نَكَلَا، وَمَنْ نَكَلَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ حَلَفَ وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ أَنْ سَكَنَ سَنَةً أَوْ بَعْضَهَا تَحَالَفَا وَفُسِخَ بَاقِي الْمُدَّةِ فِيمَا سَكَنَ بِحِسَابِ مَا أَقَرَّ بِهِ اهـ مَحَلُّ الْحَاجَةِ الْآنَ مِنْهُ.
(تَنْبِيهٌ) يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِمْ فِيمَا إذَا سَكَنَ بَعْضَ الْمُدَّةِ عَلَيْهِ مِنْ الْكِرَاءِ بِحِسَابِ مَا أَقَرَّ بِهِ الَّذِي أَشَارَ لَهُ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ:
ثُمَّ يُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ حَلَفَا
أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ مَثَلًا أَنَّهُ اكْتَرَى، وَدَفَعَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ، وَالنِّزَاعُ فِي قَدْرِ الْمُدَّةِ فَقَالَ الْمُكْرِي: الْأَرْبَعُونَ لِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ لِكُلِّ شَهْرٍ وَقَالَ الْمُكْتَرِي: الْأَرْبَعُونَ لِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ ثَمَانِيَةُ دَرَاهِمَ لِكُلِّ شَهْرٍ كَذَا هِيَ صُورَةُ مَسْأَلَةِ النَّاظِمِ وَفِيهَا: هُوَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَنْقُدَ الْمُكْتَرِي الْكِرَاءَ أَوْ لَا وَإِذَا تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا فَإِنَّ الْمُكْتَرِيَ يُؤَدِّي لِمَا سَكَنَ بِحِسَابِ ثَمَانِيَةِ دَرَاهِمَ لِكُلِّ شَهْرٍ فَالِاخْتِلَافُ فِي مُدَّةِ الْكِرَاءِ، وَلَكِنْ لَزِمَ مِنْهُ الِاخْتِلَافُ فِي قَدْرِ الْكِرَاءِ فَلِذَلِكَ قَالُوا يَلْزَمُهُ بِحِسَابِ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَحَلَفَ عَلَيْهِ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ لِكُلِّ شَهْرٍ أَيْ لَا بِحَسَبِ دَعْوَى الْمُكْرِي، وَهُوَ عَشَرَةٌ لِكُلِّ شَهْرٍ وَلَوْ كَانَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ لِكُلِّ شَهْرٍ كَذَا، وَاخْتَلَفَا هَلْ اكْتَرَى لِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ أَوْ لِأَرْبَعَةٍ فَسَكَنَ شَهْرَيْنِ مَثَلًا لَقَالُوا: لَزِمَهُ لِلشَّهْرَيْنِ مَا دَخَلَا عَلَيْهِ، وَاتَّفَقَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَقُولُوا بِحِسَابِ مَا أَقَرَّ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .
وَإِنْ يَكُنْ فِي الْقَدْرِ قَبْلَ السُّكْنَى ... تَحَالَفَا وَالْفَسْخُ بَعْدُ سُنَّا
وَإِنْ يَكُنْ مِنْ بَعْدِ سُكْنَى أَقْسَمَا ... وَفَسْخُ بَاقِي مُدَّةٍ قَدْ لَزِمَا
وَحِصَّةَ السُّكْنَى يُؤَدِّي الْمُكْتَرِي ... إنْ كَانَ لَمْ يَنْقُدْ لِمَاضِي الْأَشْهُرِ
وَالْقَوْلُ مِنْ بَعْدِ انْقِضَاءِ الْأَمَدِ ... لِلْمُكْتَرِي وَالْحَلْفُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ
تَكَلَّمَ هُنَا عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي قَدْرِ الْكِرَاءِ كَأَنْ يَقُولَ الْمُكْرِي: بِعَشَرَةٍ وَيَقُولَ الْمُكْتَرِي: بِثَمَانِيَةٍ وَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَخْتَلِفَا قَبْلَ أَنْ يَسْكُنَ الْمُكْتَرِي وَذَكَرَ: أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ فَقَوْلُهُ آخِرَ الْبَيْتِ: " سُنَّا " أَيْ شُرِعَ الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَخْتَلِفَا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي السُّكْنَى وَذَكَرَ: أَنَّهُمَا أَيْضًا يَتَحَالَفَانِ، وَيُفْسَخُ الْكِرَاءُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ، وَيُؤَدِّي الْمُكْتَرِي كِرَاءَ مَا سَكَنَ مِنْ حِسَابِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ لَمْ يَنْقُدْ لِمَاضِي الْمُدَّةِ وَأَمَّا إنْ كَانَ قَدْ نَقَدَ لَهَا قَدْرًا مَعْلُومًا فَالْقَوْلُ: قَوْلُ الْمُكْرِي إذَا ادَّعَاهُ وَإِلَى حُكْمِ هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:
وَإِنْ يَكُنْ مِنْ بَعْدِ سُكْنَى أَقْسَمَا
الْبَيْتَيْنِ، الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يَخْتَلِفَا بَعْدَ انْقِضَاءِ أَمَدِ السُّكْنَى، وَذَكَرَ أَنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْمُكْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ، وَإِلَى حُكْمِ هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " وَالْقَوْلُ مِنْ بَعْدِ انْقِضَاءِ الْأَمَدِ لِلْمُكْتَرِي وَالْحَلْفِ " أَيْ مَعَ الْحَلْفِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ نَقَدَ الْكِرَاءَ فَإِنْ
(2/95)

نَقَدَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكْرِي وَإِلَى هَذَا التَّقَيُّدِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " إنْ لَمْ يَنْقُدْ ".
قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ: " وَلَوْ اتَّفَقَا أَنَّ الْكِرَاءَ بِعَيْنٍ وَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ فَقَالَ السَّاكِنُ خَمْسُونَ وَقَالَ الْآخَرُ مِائَةٌ فَإِنْ اخْتَلَفَا قَبْلَ السُّكْنَى تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ السَّاكِنِ مَعَ يَمِينِهِ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ مُضِيِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ السَّاكِنِ مَعَ يَمِينِهِ فِي الْمَاضِي وَتَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا فِي الْبَاقِي وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ نَقَدَ " وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ سَكَنَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَقَالَ الْمُكْرِي وَقَدْ قَبَضَ خَمْسِينَ بَقِيَ لِي مِنْ كِرَاءِ السَّنَةِ خَمْسُونَ، وَقَالَ الْمُكْتَرِي: الْخَمْسُونَ الَّتِي نَقَدْت هِيَ عَنْ السَّنَةِ كُلِّهَا فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، وَتُقْسَمُ الْخَمْسُونَ الَّتِي نَقَدَ عَلَى السَّنَةِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ فِيمَا سَكَنَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ، ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ احْتَمَلَتْ الدَّارُ الْقَسْمَ، وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْمُكْتَرِي فِي سُكْنَى نِصْفِهَا سَكَنَهُ فِي الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ الْبَاقِيَةِ لِأَنَّ الْمُكْرِيَ مُقِرٌّ أَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ بَقِيَّةَ السُّكْنَى، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ فُسِخَتْ بَقِيَّةُ الْمُدَّةِ اهـ.
(تَنْبِيهٌ) أَطْلَقَ النَّاظِمُ فِي قَوْلِهِ: " وَالْقَوْلُ مِنْ بَعْدِ انْقِضَاءِ الْأَمَدِ لِلْمُكْتَرِي " وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا أَشْبَهَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ.
كَذَاكَ حُكْمُهُ مَعَ ادِّعَائِهِ ... لِقَدْرِ بَاقِي مُدَّةِ اكْتِرَائِهِ
هَذَا الْبَيْتُ مِنْ تَمَامِ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْأَبْيَاتُ قَبْلَ هَذِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي مُدَّةِ الْكِرَاءِ فَحَقُّهُ أَنْ يَتَّصِلَ بِهَا.
(قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) : وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي أَمَدِ الْكِرَاءِ: فَقَالَ صَاحِبُ الدَّارِ: قَدْ انْصَرَمَ وَقَالَ الْمُكْتَرِي: لَمْ يَنْصَرِمْ بَعْدُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّاكِنِ مَعَ يَمِينِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُ، وَلَهُ رَدُّ الْيَمِينِ عَلَى رَبِّ الدَّارِ اهـ فَالتَّشْبِيهُ فِي قَوْلِ كَذَاكَ رَاجِعٌ لِكَوْنِ الْقَوْلِ قَوْلَ الْمُكْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ، وَعَلَيْهِ تَعُودُ الضَّمَائِرُ الثَّلَاثَةُ
وَالْقَوْلُ فِي الْقَبْضِ وَفِي الْجِنْسِ لِمَنْ ... شَاهِدُهُ مَعَ حَلْفِهِ حَالُ الزَّمَنْ
يَعْنِي إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَكَارِيَانِ إمَّا فِي قَبْضِ الْكِرَاءِ أَوْ فِي جِنْسِهِ، فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ شَهِدَ لَهُ حَالُ الزَّمَانِ مَعَ يَمِينِهِ وَيَعْنِي بِحَالِ الزَّمَانِ كُلًّا مِمَّا يَلِيقُ بِهِ فَفِي الِاخْتِلَافِ فِي قَبْضِ الْكِرَاءِ يُعْتَبَرُ الْقُرْبُ وَالْبَعْدُ فِي الزَّمَانِ، وَفِي الِاخْتِلَافِ فِي الْجِنْسِ يُعْتَبَرُ عُرْفُ الْمَكَانِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَيْضًا أَمَّا مَسْأَلَةُ الِاخْتِلَافِ فِي الْقَبْضِ فَقَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ فَإِنْ قَامَ رَبُّ الدَّارِ عَلَى الْمُكْتَرِي يَدَّعِي أَنَّهُ
(2/96)

لَمْ يَقْبِضْ الْكِرَاءَ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَشْهُرِ السَّنَةِ فَإِنْ قَامَ بِقُرْبِ ذَلِكَ كَانَ عَلَى السَّاكِنِ أَنْ يُثْبِتَ دَفْعَ ذَلِكَ وَإِلَّا حَلَفَ رَبُّ الدَّارِ، وَقَبَضَ مِنْهُ أَوْ رَدَّ عَلَيْهِ الْيَمِينَ فَحَلَفَ وَبَرِئَ فَإِنْ قَامَ عَلَى بُعْدٍ حَلَفَ السَّاكِنُ وَبَرِئَ مِنْ الْكِرَاءِ، وَكَذَلِكَ الصُّنَّاعُ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ إذَا قَامُوا يَطْلُبُونَ الْأُجْرَةَ فِيمَا اُسْتُصْنِعَ مِنْهُمْ وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي الْجِنْسِ فَقَالَ فِي الْمُقَرَّبِ: قُلْت: فَمَنْ اكْتَرَى دَارًا بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، وَلَمْ يُسَمِّ أَيَّ الدَّنَانِيرِ، وَلَا أَيَّ الدَّرَاهِمِ قَالَ: يُنْظَرُ إلَى النَّقْدِ فِي الْكِرَاءِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَيُحْمَلَانِ عَلَيْهِ اهـ.
وَشَاهِدُهُ مُبْتَدَأٌ، (وَحَالُ الزَّمَنْ) خَبَرُهُ، وَالْجُمْلَةُ صِلَةُ مَنْ (وَمَعْ حَلْفِهِ) حَالُ الْقَوْلِ

[فَصْلٌ فِي كِرَاءِ الرَّوَاحِلِ وَالسُّفُنِ]
ِ
وَفِي الرَّوَاحِلِ الْكِرَاءُ وَالسُّفُنْ ... عَلَى الضَّمَانِ أَوْ بِتَعْيِينٍ حَسَنْ
وَيُمْنَعُ التَّأْجِيلُ فِي الْمَضْمُونِ ... وَمُطْلَقًا جَازَ بِذِي التَّعْيِينِ
الرَّوَاحِلُ جَمْعُ رَاحِلَةٍ قَالَ فِي الْأَلْفِيَّةِ: فَوَاعِلُ لِفَوْعَلٍ إلَى أَنْ قَالَ: وَفَاعِلَةٌ وَهِيَ النَّاقَةُ النَّجِيبَةُ الْكَامِلَةُ الْخَلْقِ الْحَسَنَةُ الْمَنْظَرِ الْمُدَرَّبَةُ عَلَى الرُّكُوبِ، وَالسَّيْرِ، وَالْحَمْلِ بِهَذَا فُسِّرَ فِي الْمَشَارِقِ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «النَّاسُ كَإِبِلٍ مِائَةٍ لَا تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً» (عِيَاضٌ) الرَّاحِلَةُ هِيَ: النَّاقَةُ الْمُعَدَّةُ لِلرُّكُوبِ، الْمُذَلَّلَةُ، وَتُسْتَعْمَلُ فِي ذُكُورِ الْإِبِلِ، وَإِنَاثِهَا، وَأَصْلُهَا مِنْ الرَّحْلِ الْمَوْضُوعِ عَلَيْهَا اهـ. وَالْمُرَادُ هُنَا الدَّابَّةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ مِنْ فَرَسٍ، وَبَغْلٍ، وَحِمَارٍ، وَجَمَلٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالسُّفُنُ جَمْعُ سَفِينَةٍ قَالَ فِي: الْأَلْفِيَّةِ
وَفُعُلٌ لِاسْمٍ رُبَاعِيٍّ بِمَدِّ
إلَخْ وَقَدْ اشْتَمَلَ الْبَيْتَانِ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ.
(الْأُولَى) : فِي تَقْسِيمِ كِرَاءِ الدَّوَابِّ وَالسُّفُنِ إلَى مُعَيَّنٍ، وَمَضْمُونٍ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " وَفِي الرَّوَاحِلِ " (الْبَيْتَ) يَعْنِي أَنَّ كِرَاءَ الدَّوَابِّ وَالسُّفُنِ عَلَى وَجْهَيْنِ يَكُونُ عَلَى الضَّمَانِ وَعَلَى التَّعْيِينِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: فَالْمُتَكَارَيَانِ كَالْمُتَبَايِعِينَ فِيمَا يَحِلُّ، وَيَحْرُمُ لِأَنَّ الْكِرَاءَ بَيْعُ مَنَافِعَ فَهُوَ كَبَيْعِ الْأَعْيَانِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكِرَاءُ الدَّوَابِّ عَلَى
(2/97)

وَجْهَيْنِ مَضْمُونٍ فِي الذِّمَّةِ، أَوْ دَابَّةٍ بِعَيْنِهَا وَقَدْ قَضَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الدَّابَّةَ الْمُعَيَّنَةَ إذَا هَلَكَتْ انْفَسَخَ الْكِرَاءُ وَلَا يَأْتِي بِغَيْرِهَا إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ الْبَلَاغُ، وَهُوَ الْمَضْمُونُ قَالَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ ابْنُ يُونُسَ: كِرَاءُ الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ كَشِرَاءِ السِّلَعِ الْمُعَيَّنَةِ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لِأَنَّ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُوَفِّيَهُ كَيْلَهُ أَوْ وَزْنَهُ كَمَا عَلَى الْمُكْتَرِي أَنْ يُوَفِّيَهُ رُكُوبَهُ أَوْ حَمْلَهُ، وَكِرَاءُ الْمَضْمُونِ كَشِرَاءِ السِّلَعِ الْمَضْمُونَةِ فَكَمَا كَانَ هَلَاكُ هَذِهِ السِّلْعَةِ الْمُعَيَّنَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُوجِبُ فَسْخَ الشِّرَاءِ، وَلَا يُقَالُ لِلْبَائِعِ ائْتِ بِمِثْلِهَا فَكَذَلِكَ كِرَاءُ الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ إذَا هَلَكَتْ قَبْلَ الرُّكُوبِ، أَوْ قَبْلَ تَمَامِ الْغَايَةِ الْمُكْتَرَاةِ انْفَسَخَ الْكِرَاءُ أَوْ بَقِيَّتُهُ وَكَمَا كَانَ هَلَاكُ السِّلْعَةِ الْمَضْمُونَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ اسْتِحْقَاقُهَا بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يُوجِبُ فَسْخَ الشِّرَاءِ وَيُقَالُ لِلْبَائِعِ ائْتِ بِمِثْلِهَا فَكَذَلِكَ الْكِرَاءُ الْمَضْمُونُ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مُتَّفَقٌ فَاعْلَمْهُ وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ " كِرَاءُ الدَّوَابِّ عَلَى وَجْهَيْنِ: دَابَّةٍ بِعَيْنِهَا أَوْ مَضْمُونَةٍ " وَفِي الْمَعُونَةِ: " الْمَرْكُوبُ الْمُعَيَّنُ لَا بُدَّ أَنْ يُعْرَفَ بِتَعْيِينٍ بِإِشَارَةٍ إلَيْهِ كَهَذِهِ الدَّابَّةِ وَالنَّاقَةِ " ابْنُ عَرَفَةَ لِيُحِيطَ بِهَا الْمُكْتَرِي كَالْمُشْتَرِي قَالَ: " وَالْمَضْمُونَةُ يُذْكَرُ جِنْسُهَا وَالذُّكُورَةُ وَالْأُنُوثَةُ "، وَتَبِعَهُ ابْنُ شَاسٍ وَالْمُتَيْطِيُّ زَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا يَتَعَيَّنُ الرَّاكِبُ، وَإِنْ عُيِّنَ لَمْ يَلْزَمْهُ تَعْيِينُهُ مِنْ الْمَوَّاقِ.
(تَنْبِيهٌ) لَا يَتَعَيَّنُ الْمَرْكُوبُ مِنْ دَابَّةٍ، أَوْ سَفِينَةٍ إلَّا بِتَعْيِينِهِ كَقَوْلِهِ أُكْرِيكَ هَذِهِ الدَّابَّةَ، أَوْ هَذِهِ السَّفِينَةَ مُشِيرًا إلَيْهَا، وَلَا يَتَعَيَّنُ بِحُضُورِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ مَعَ كَوْنِ الْمُكْرِي لَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ بَلْ هُوَ كِرَاءٌ مَضْمُونٌ حَتَّى يُعَيَّنَ قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَوْ يُكْرِي مِنْهُ نِصْفَ الْمَرْكَبِ أَوْ رُبُعَهُ فَيَكُونُ كَشَرِيكِ التَّعْيِينِ نَقَلَهُ الشَّارِحُ فَانْظُرْهُ (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا يَنْفَسِخُ الْكِرَاءُ بِمَوْتِ الدَّابَّةِ فِي الْكِرَاءِ الْمَضْمُونِ إلَّا أَنَّ الْمُكْرِيَ إذَا قَدَّمَ لِلْمُكْتَرِي دَابَّةً فَرَكِبَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزِيلَهَا تَحْتَهُ إلَّا بِرِضَاهُ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْبَيْتَانِ فِي حُكْمِ تَعْجِيلِ الْكِرَاءِ، وَتَأْخِيرِهِ، وَإِلَيْهَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي يَعْنِي أَنَّ الْكِرَاءَ إذَا كَانَ مَضْمُونًا يَجِبُ تَعْجِيلُ الْكِرَاءِ وَيُمْنَعُ تَأْجِيلُهُ لِأَنَّ فِيهِ تَعْمِيرَ الذِّمَّتَيْنِ وَهُوَ مِنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَيُسَمَّى ابْتِدَاءَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَمَنْعَ التَّأْجِيلِ مُقَيَّدًا بِمَا إذَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الرُّكُوبِ فَإِنْ شَرَعَ جَازَ التَّأْخِيرُ وَالنَّقْدُ وَأَمَّا الْكِرَاءُ الْمُعَيَّنُ فَيَجُوزُ بِالنَّقْدِ وَإِلَى أَجَلٍ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْإِطْلَاقِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: كِرَاءُ الرَّوَاحِلِ وَالدَّوَابِّ عَلَى وَجْهَيْنِ: مُعَيَّنٍ، وَمَضْمُونٍ فَأَمَّا الْمُعَيَّنُ فَيَجُوزُ بِالنَّقْدِ، وَإِلَى أَجَلٍ إذَا شَرِكَهُ فِي الرُّكُوبِ، أَوْ كَانَ إنَّمَا يَرْكَبُ إلَى الْأَيَّامِ الْقَلَائِلِ الْعَشَرَةِ وَنَحْوِهَا قَالَهُ مَالِكٌ وَأَمَّا عَلَى أَنْ لَا يَرْكَبَهَا إلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَنَحْوِهَا فَلَا يَجُوزُ الْكِرَاءُ بِالنَّقْدِ، وَيَجُوزُ بِغَيْرِ النَّقْدِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ اهـ.
فَقَوْلُهُ: إذَا شَرَعَ فِي الرُّكُوبِ إلَخْ هُوَ شَرْطٌ فِي جَوَازِ النَّقْدِ لِأَنَّهُ مَعَ الطُّولِ يَكْثُرُ الْغَرَرُ، وَالتَّرَدُّدُ بَيْنَ كَوْنِهِ ثَمَنًا أَوْ سَلَفًا أَمَّا التَّأْخِيرُ فَيَجُوزُ شَرَعَ أَوْ لَا لِأَنَّ الْكِرَاءَ مُعَيَّنٌ فَلَيْسَ مِنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ (ابْنُ رُشْدٍ) ، وَأَمَّا كِرَاءُ الدَّابَّةِ الْمَضْمُونَةِ أَوْ الرَّاحِلَةِ الْمَضْمُونَةِ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ: أُكْرِيَ مِنْك دَابَّةً أَوْ رَاحِلَةً فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَيْضًا بِالنَّقْدِ وَإِلَى أَجَلٍ إذَا شَرَعَ فِي الرُّكُوبِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَشْرَعْ فِي الرُّكُوبِ وَإِنَّمَا تَكَارَى كِرَاءً مَضْمُونًا إلَى أَجَلٍ كَالْمُتَكَارِي إلَى الْحَجِّ فِي غَيْرِ إبَّانِهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِتَعْجِيلِ رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّهُ كَالسَّلَمِ إلَّا أَنَّ مَالِكًا خَفَّفَ أَنْ يُقَدَّمَ الدِّينَارُ لِأَنَّ الْأَكْرِيَاءَ قَطَعُوا بِالنَّاسِ اهـ.
(فَرْعٌ) إذَا مَاتَتْ الرَّاحِلَةُ أَوْ الدَّابَّةُ فِي الْكِرَاءِ الْمُعَيَّنِ فَإِنَّ الْكِرَاءَ يَنْفَسِخُ فَإِنْ مَاتَتْ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ، فَأَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهُ دَابَّةً أُخْرَى بِعَيْنِهَا يَبْلُغُ عَلَيْهَا إلَى مُنْتَهَى غَايَتِهِ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْقُدْ جَازَ لِأَنَّهُ كِرَاءٌ مُبْتَدَأٌ، وَإِنْ كَانَ قَدْ نَقَدَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَفَازَةٍ فَيَجُوزَ مُطْلَقًا لِأَنَّ قَبْضَ الْأَوَائِلِ عِنْدَهُ كَقَبْضِ الْأَوَاخِرِ.
وَحَيْثُ مُكْتَرٍ لِعُذْرٍ يَرْجِعُ ... فَلَازِمٌ لَهُ الْكِرَاءُ أَجْمَعُ
يَعْنِي: أَنَّ مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا أَوْ يَزُفَّ عَلَيْهَا عَرُوسًا أَوْ لِيُشَيِّعَ عَلَيْهَا رَجُلًا إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ أَوْ لِيَرْكَبَهَا إلَى مَوْضِعٍ سَمَّاهُ فَبَدَا لَهُ لِعُذْرٍ حَصَلَ لَهُ مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْذَارِ فَإِنَّ
(2/98)

الْكِرَاءَ لَازِمٌ لَهُ جَمِيعَهُ، وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ شَيْءٌ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ لِعُذْرٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْكِرَاءِ إذَا رَجَعَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مِنْ بَابِ أَوْلَى.
(قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) قَالَ مَالِكٌ إذَا تَكَارَى قَوْمٌ دَابَّةً لِيَزِفُّوا عَلَيْهَا عَرُوسًا لَيْلَتَهُمْ فَلَمْ يَزُفُّوهَا تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَعَلَيْهِمْ الْكِرَاءُ، وَإِنْ أَكْرَى دَابَّةً لِيُشَيِّعَ عَلَيْهَا رَجُلًا إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ، أَوْ لِيَرْكَبَهَا إلَى مَوْضِعٍ سَمَّاهُ فَبَدَا لَهُ أَوْ لِلرَّجُلِ لَزِمَهُ الْكِرَاءُ، وَلْيُكْرِ الدَّابَّةَ إلَى مَوْضِعٍ فِي مِثْلِ مَا اكْتَرَى، وَإِنْ اكْتَرَاهَا لِيَرْكَبَ يَوْمَهُ بِدِرْهَمٍ فَأُمْكِنَ مِنْهَا فَتَرَكَهَا حَتَّى مَضَى الْيَوْمُ لَزِمَهُ الْكِرَاءُ، وَإِنْ اكْتَرَاهَا إلَى الْحَجِّ، أَوْ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، أَوْ إلَى مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَاقَهُ مَرَضٌ أَوْ سَقَطَ أَوْ مَاتَ أَوْ عَرَضَ لَهُ غَرِيمٌ حَبَسَهُ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَالْكِرَاءُ لَهُ لَازِمٌ، وَلَهُ أَوْ لِوَرَثَتِهِ كِرَاءُ الدَّابَّةِ فِي مِثْلِ مَا اكْتَرَى مِثْلَهُ، وَيَكُونُ صَاحِبُ الْإِبِلِ أَوْلَى بِمَا عَلَى إبِلِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ. اهـ نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَهُ الْخَلْفُ عَلَى آجِرِهِ كَرَاكِبٍ وَنَقَلَ قَبْلَ قَوْلِهِ: وَسُنَّ لِقَلْعٍ فَسَكَنَتْ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ مَا نَصُّهُ: إنْ اكْتَرَى دَابَّةً لِيَزُفَّ عَلَيْهَا عَرُوسًا لَيْلَةً مُعَيَّنَةً فَتَأَخَّرَ الزِّفَافُ لِمَرَضٍ، أَوْ عُذْرٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ كِرَاءٌ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ التَّأْخِيرُ اخْتِيَارًا لَزِمَهُ الْكِرَاءُ، وَلَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا فِي مِثْلِهِ اهـ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ النَّاظِمُ، وَلِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ هَذَا كُلُّهُ إنْ كَانَ الْخُلْفُ مِنْ الْمُكْتَرِي، وَأَمَّا إنْ خَالَفَ الْمُكْرِي وَهُوَ رَبُّ الدَّابَّةِ، فَإِنْ كَانَ الْيَوْمُ مُعَيَّنًا انْفَسَخَ الْكِرَاءُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ لَمْ يَنْفَسِخْ (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : " وَإِذَا تَغَيَّبَ الْجَمَّالُ يَوْمَ خُرُوجِك فَلَيْسَ لَك عَلَيْهِ إنْ لَقِيتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا الرُّكُوبُ أَوْ الْحَمْلُ وَلَهُ كِرَاؤُهُ " ابْنُ يُونُسَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْيَوْمَ، وَإِنَّمَا قَصَدَ الرُّكُوبَ اهـ.
وَهَذَا فِي كُلِّ سَفَرٍ فِي كِرَاءٍ مَضْمُونٍ إلَّا الْحَاجَّ فَإِنَّهُ يَفْسَخُ، وَإِنْ قَبَضَ الْكِرَاءَ رَدَّهُ لِزَوَالِ إبَّانِهِ (ابْنُ الْمَوَّازِ) أَيَّامُ الْحَجِّ مُعَيَّنَةٌ فَإِذَا فَاتَتْ انْفَسَخَ الْكِرَاءُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مُكْتَرٍ أَيَّامًا بِأَعْيُنِهَا وَلَا يَتَمَادَى وَإِنْ رَضَا ابْنُ يُونُسَ وَهَذَا إذَا نَقَدَهُ الْكِرَاءَ لِأَنَّ بِذَهَابِ الْأَيَّامِ الْمُعَيَّنَةِ يَجِبُ فَسْخُ الْكِرَاءِ، وَرَدُّ مَا انْتَقَدَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ فِي ذَلِكَ رُكُوبًا لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ.
(تَنْبِيهٌ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ لُزُومِ الْكِرَاءِ إذَا رَجَعَ لِعُذْرٍ، أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ الْعُذْرُ خَاصًّا بِالْمُكْتَرِي أَوْ بِالْمُكْتَرِي وَغَيْرِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَامًّا بِحَيْثُ لَمْ يَتَعَذَّرْ عَلَى الْمُكْتَرِي الِانْتِفَاعُ بِالشَّيْءِ الْمُكْتَرَى لِأَنَّهُ إذْ ذَاكَ إنْ اسْتَغْنَى عَنْ تِلْكَ الدَّابَّةِ أَكْرَاهَا لِغَيْرِهِ، أَوْ عَنْ سُكْنَى الدَّارِ أَكْرَاهَا مِنْ غَيْرِهِ أَمَّا إذَا تَعَذَّرَ الِانْتِفَاعُ بِذَلِكَ بِأَمْرٍ لَا يَسْتَطِيعُ دَفْعَهُ مِنْ غَصْبٍ، أَوْ خَوْفٍ فِي طَرِيقٍ، أَوْ لِمَنْعِ السُّلْطَانِ النَّاسَ مِنْ سَفَرٍ مَثَلًا فَإِنَّ الْكِرَاءَ لَا يَلْزَمُ، وَيَسْقُطُ عَنْ الْمُكْتَرِي (قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ) مَنْ اكْتَرَى دَارًا سَنَةً، أَوْ شَهْرًا فَقَبَضَهَا ثُمَّ غَصَبَهَا إيَّاهُ السُّلْطَانُ فَمُصِيبَةُ ذَلِكَ مِنْ رَبِّهَا، وَلَا كِرَاءَ لَهُ فِيمَا بَقِيَ (ابْنُ حَبِيبٍ) سَوَاءٌ غَصَبُوا الدَّارَ مِنْ أَصْلِهَا، أَوْ أَخْرَجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا، وَسَكَنُوهَا لَا يُرِيدُونَ إلَّا السُّكْنَى حَتَّى يَرْتَحِلُوا (ابْنُ حَبِيبٍ) ، وَكَذَلِكَ الْحَوَانِيتُ يَأْمُرُ السُّلْطَانُ بِغَلْقِهَا لَا كِرَاءَ عَلَى مُكْتَرِيهَا مِنْ رَبِّهَا، وَقَالَ سَحْنُونٌ: " الْجَائِحَةُ مِنْ الْمُكْتَرِي " وَلِابْنِ حَبِيبٍ فِي ذَلِكَ تَفْرِيقٌ (ابْنُ يُونُسَ) لَيْسَ هَذَا كُلُّهُ بِشَيْءٍ لِأَنَّ كُلَّ مَا مَنَعَ الْمُكْتَرِيَ السُّكْنَى مِنْ أَمْرٍ غَالِبٍ لَا يَسْتَطِيعُ دَفْعَهُ مِنْ سُلْطَانٍ، أَوْ غَاصِبٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ مَنَعَهُ أَمْرٌ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ كَانْهِدَامِ الدَّارِ، وَامْتِنَاعِ مَاءِ السَّمَاءِ حَتَّى مَنَعَهُ حَرْثَ الْأَرْضِ فَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى مَا اكْتَرَى نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ.
(تَنْبِيهٌ ثَانٍ) مِنْ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ مَا يَقَعُ كَثِيرًا فِي كِرَاءِ حُلِيِّ الْأَعْرَاسِ عَلَى الْمُتَعَارَفِ عِنْدَ أَهْلِ فَاسَ وَذَلِكَ أَنْ يَكْتَرِيَ الْمُكْتَرِي الْحُلِيَّ لِيَوْمِ الْبِنَاءِ، وَغَدِهِ، وَسَابِعِهِ، وَيُعَيِّنُ عَاشِرَ الشَّهْرِ الْفُلَانِيِّ مَثَلًا ثُمَّ يَنْتَقِلُونَ إلَى الثَّانِيَ عَشَرَ، أَوْ الْخَامِسَ عَشَرَ مَثَلًا، وَالْجَارِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ، وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ إنْ رَجَعُوا لِعُذْرٍ فَلَا يَلْزَمُهُمْ كِرَاءٌ، وَلِغَيْرِ عُذْرٍ فَالْكِرَاءُ لَازِمٌ لَهُمْ وَأَمَّا عُقْدَةُ الْكِرَاءِ فَتَنْفَسِخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ ثُمَّ إنْ اتَّفَقُوا عَلَى الْكِرَاءِ لِلْيَوْمِ الْمُنْتَقَلِ إلَيْهِ، وَكَانَ الْمُكْرِي لَمْ يَقْبِضْ الْكِرَاءَ جَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ رَدَّهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَهُ فِي الْكِرَاءِ الثَّانِي لِأَنَّهُ مِنْ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا وَأَمَّا
(2/99)

إنْ وَقَعَ الْخُلْفُ مِنْ مُكْرِي الْحُلِيِّ فَإِنَّ الْكِرَاءَ يَنْفَسِخُ لِأَنَّ الْيَوْمَ مُعَيَّنٌ، فَإِنْ كَانَ قَدْ قَبَضَ الْكِرَاءَ رَدَّهُ.
(وَاعْلَمْ) أَنَّ كِرَاءَ الْحُلِيِّ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ تَعْرِضُ فِيهِ أُمُورٌ (مِنْهَا) : أَنَّ الْمُكْتَرَى نَوْعَانِ ثِيَابٌ وَغَيْرُهَا وَذَلِكَ الْغَيْرُ عُقُودُ جَوْهَرٍ وَهِيَ أَيْضًا نَوْعَانِ (مِنْهَا) : مَا جَوْهَرُهُ جَيِّدٌ مَفْصُولٌ بَيْنَ جَوَاهِرِهِ بِقِطَعِ الذَّهَبِ، وَحَجَرِ الْيَاقُوتِ، أَوْ مَا يَقْرُبُ مِنْهُ. (وَمِنْهَا) : عُقُودٌ بِكَرَاسِيِّ فِضَّةٍ مُمَوَّهَةٍ، وَجَوْهَرٍ دَقِيقٍ جِدًّا، وَأُمُورٍ أُخْرَى بَعْضُهَا فِضَّةٌ مُمَوَّهَةٌ، وَبَعْضُهَا جَوْهَرٌ خَالِصٌ، وَعَدَدُ الْعُقُودِ بِنَوْعَيْهَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ كَثْرَةِ الْكِرَاءِ، وَقِلَّتِهِ، وَلَا يَنْظُرُ الْمُكْتَرِي مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا الثِّيَابَ، وَالْبَاقِي يَعْتَمِدُ فِيهِ عَلَى الْعُرْفِ الْجَارِي فِي ذَلِكَ فَانْظُرْ هَلْ يَجُوزُ عَقْدُ الْكِرَاءِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَمْ لَا.
(وَمِنْهَا) : أَنَّ الْكِرَاءَ يَقَعُ قَبْلَ وَقْتِ الْبِنَاءِ فَإِنْ كَانَ بِمُدَّةٍ قَرِيبَةٍ فَالْأَمْرُ خَفِيفٌ، وَإِنْ كَانَ بِمُدَّةٍ تَبْلُغُ الشَّهْرَيْنِ، وَمَا يَقْرُبُ مِنْهُمَا فَإِنَّ الثِّيَابَ لَا تَبْقَى عَلَى صِفَتِهَا إنْ كَانَ وَقْتُ كَثْرَةِ خِدْمَتِهَا، (وَمِنْهُمَا) : أَنَّ رَبَّ الْحُلِيِّ قَدْ يُعْطِي خِلَافَ مَا رَأَى الْمُكْتَرِي مِمَّا هُوَ مِثْلُهُ، أَوْ أَفْضَلُ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ ، (وَمِنْهَا) كَوْنُ الْكِرَاءِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً، وَبَعْضُ الْمُكْرَى كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ.
(وَمِنْهَا) كَوْنُ أُجْرَةِ الْمَاشِطَةِ ثَمَنَ الْكِرَاءِ مَثَلًا، وَالْكِرَاءُ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ فَهِيَ إجَارَةٌ مَجْهُولَةٌ وَفِيهَا خِلَافٌ.
(وَمِنْهَا) : أَنَّ يَوْمَ السَّابِعِ كَثِيرًا مَا يُزَادُ عَلَيْهِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ هَلْ يُغْتَفَرُ ذَلِكَ؟ إذْ فِيهِ جَهْلٌ مَا، (وَمِنْهَا) تَضْمِينُ الْمَاشِطَةِ مَا هَلَكَ بِيَدِهَا مِمَّا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ عَلَى هَلَاكِهِ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ أَوْ لَا وَهُوَ الظَّاهِرُ، (وَمِنْهَا) : أَنَّهُ قَدْ يُتَّفَقُ أَنْ يُكْرِيَ وَالِدُ الزَّوْجَةِ الْحُلِيَّ مِنْ رَجُلٍ، وَتُكْرِيَ أُمُّهَا مِنْ رَجُلٍ آخَرَ، وَالْغَالِبُ أَنَّ النِّسَاءَ يَتَوَلَّوْنَ ذَلِكَ دُونَ الرِّجَالِ، كِرَاءُ مَنْ يَثْبُتُ مِنْهُمَا؟ ، (وَمِنْهَا) : إذَا تَرَكَ الْمُكْتَرِي لُبْسَهُ يَوْمَ السَّابِعِ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ هَلْ لَهُ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ الْكِرَاءِ أَوْ لَا لِأَنَّهُ إذَا تَرَكَ لُبْسَهُ رَأْسًا يَلْزَمُهُ الْكِرَاءُ كَامِلًا، وَإِذَا جَاءَ ذَلِكَ مِنْ رَبِّ الْحُلِيِّ كَمْ يَنْقُصُ مِنْ الْأُجْرَةِ؟ وَالْعَمَلُ عَلَى نَقْصِ الثُّلُثِ، (وَمِنْهَا) : أَنَّ بَعْضَ مَنْ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّ الْحُلِيِّ مَحَبَّةٌ وَصَدَاقَةٌ لَا يَنْظُرُ الثِّيَابَ بَلْ يَقُولُ لِرَبِّهِ: أَعْطِنِي بِنَظَرِك، وَمَا تَرَاهُ يَصْلُحُ بِي.
(وَمِنْهَا) : ضَمَانُ مَا يَضِيعُ مِنْ الْجَوْهَرِ أَوْ يَعِيبُ مِنْ الثِّيَابِ عَلَى الْعِمَارِيَّةِ بِسَبَبِ حَكٍّ فِي حَائِطٍ أَوْ تَلَفِ دُخُولِ زَنْقَةٍ ضَيِّقَةٍ هَلْ عَلَى الصَّحَّافِينَ أَوْ مِنْ رَبِّهِ أَنْ يُفْصَلَ بَيْنَ مَا يَلْجَئُونَ إلَيْهِ فَمِنْ رَبِّهِ وَمَا لَا فَمِنْهُمْ.
(وَمِنْهَا) : هَلْ يَجُوزُ الدُّخُولُ عَلَى عَدَمِ الْبَيَانِ فِي الْإِجَارَةِ هَلْ هِيَ نَقْدٌ أَوْ لِأَجَلٍ؟ ، وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ، وَيُحْمَلُ عَلَى النَّقْدِ وَالنَّاسُ يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَنْقُدُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤَخِّرُ عَلَى رَهْنٍ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ أَجَلٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْقَى السِّنِينَ الْكَثِيرَةَ، (وَمِنْهَا) : أَنَّ الْمُكْتَرِيَ إذَا وَضَعَ رَهْنًا فِي الْإِجَارَةِ ثُمَّ يَحْتَاجُ لِذَلِكَ الرَّهْنِ فَيُرِيدُ إبْدَالَهُ بِرَهْنٍ آخَرَ، وَالْغَالِبُ أَنَّهُ لَا يَأْتِي ثَانِيًا إلَّا بِمَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَمَا يَقْرُبُ مِنْهُ فَيَمْتَنِعُ رَبُّ الْحُلِيِّ مِنْ إبْدَالِهِ خَوْفَ الْمَطْلِ بِالْأُجْرَةِ هَلْ لَهُ ذَلِكَ؟ وَهُوَ الظَّاهِرُ إذْ لَهُ قَبْضُ أُجْرَتِهِ الْآنَ، (وَمِنْهَا) : إنْ أَرَادَ الْمُكْتَرِي دَفْعَ الْأُجْرَةِ تَقَاضَيَا شَيْئًا فَشَيْئًا وَامْتَنَعَ رَبُّ الْحُلِيِّ إلَّا مِنْ قَبْضِهِ مُجْمَلًا دَفْعَةً وَاحِدَةً هَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَالْمَسْأَلَةُ مَنْصُوصَةٌ فِي الدَّيْنِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، (وَمِنْهَا) : أَنَّ لَبْسَةَ الْحُلِيِّ قَدْ تَشْتَمِلُ عَلَى بَعْضِ مَا لَيْسَ عِنْدَ مُكْرِيهِ، وَلَكِنَّ وُجُودَهُ بِعَارِيَّةٍ أَوْ كِرَاءٍ هَلْ يَجُوزُ لَهُ كِرَاءُ مَا عِنْدَهُ مَعَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ؟ ، (وَمِنْهَا) : إذَا اتَّفَقَا عَلَى يَوْمٍ مُعَيَّنٍ مِنْ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ فَاتَّفَقَ أَنْ كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَثَلًا فَقَالَ الْمُكْتَرِي: اصْبِرْ لِيَوْمِ السَّبْتِ هَلْ يُقْضَى عَلَى رَبِّ الْحُلِيِّ بِذَلِكَ؟ لِأَنَّ الْعَادَةَ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ إيثَارُ السَّبْتِ عَلَى الْجُمُعَةِ أَوْ يَنْفَسِخُ الْكِرَاءُ؟ .
(وَمِنْهَا) : هَلْ يَجُوزُ لِرَبِّ الْحُلِيِّ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْمَاشِطَةِ أَنْ لَا أُجْرَةَ لَهَا عَلَى حَمْلٍ لِمُكْتَرِيهِ وَرَدِّهِ إلَى رَبِّهِ فَقَدْ تَغْتَفِرُ هِيَ ذَلِكَ لِمَا يَحْصُلُ لَهَا مِنْ النَّفْعِ بِهِ عِنْدَ مُكْتَرِيهِ، وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ إذَا دَخَلَتْ عَلَى ذَلِكَ إذَا كَانَتْ لَهَا أُجْرَةٌ هَلْ يَلْزَمُهَا التَّرَدُّدُ إلَى الْمُكْتَرِي لِقَبْضِ الْكِرَاءِ أَوْ لَا؟ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُجْرَى عَلَى الْعُرْفِ (وَمِنْهَا) عَلَى مَنْ تَكُونُ مُؤْنَةُ حَمْلِهِ لِمُكْتَرِيهِ، وَسَوْقِهِ إلَى رَبِّهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ قِيَمٌ هَلْ عَلَى رَبِّهِ أَوْ عَلَى مُكْتَرِيهِ؟ فَإِنْ كَانَ شَرْطٌ عُمِلَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَعَلَى الْعُرْفِ، (وَمِنْهَا) : لِمَنْ يَكُونُ الْقَوْلُ إذَا تَنَازَعَا فِي الْحُلِيِّ هَلْ هُوَ الْمُكْتَرِي، أَوْ غَيْرُهُ، أَوْ فِي قَدْرِ الْأُجْرَةِ، أَوْ قَبْضِهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَعْرِضُ مِنْ الْأُمُورِ؟ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ الْعُرْفُ، وَالْعَادَةُ مَا لَمْ يُؤَدِّ لِمَمْنُوعٍ شَرْعًا
(2/100)

فَلَا عِبْرَةَ بِالْعُرْفِ حِينَئِذٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَوَاجِبٌ تَعْيِينُ وَقْتِ السَّفَرِ ... فِي السُّفُنِ وَالْمَقَرِّ لِلَّذِي اُكْتُرِيَ
وَهُوَ عَلَى الْبَلَاغِ إنْ شَيْءٌ جَرَى ... فِيهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْكِرَا
يَعْنِي أَنَّهُ يَجِبُ فِي كِرَاءِ السُّفُنِ أَمْرَانِ (أَحَدُهُمَا) : تَعْيِينُ وَقْتِ السَّفَرِ لِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ بِالنِّسْبَةِ لِوَقْتِ السَّفَرِ وَعِظَمِ الْغَرَرِ فِي بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ فَلَا بُدَّ مِنْ تَوْقِيتِهِ حَتَّى يَعْلَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي الْوَقْتَ الَّذِي يُسَافِرُ فِيهِ فَيَأْخُذَ لَهُ أُهْبَتَهُ فَقَدْ يَنْقُصُ الْكِرَاءُ فِي وَقْتٍ لِخَطَرِهِ وَيُزَادُ فِي وَقْتٍ لِغَلَبَةِ الْأَمْنِ فِيهِ فَلَوْ فُرِضَ عَدَمُ تَعْيِينِهِ لَكَانَ الْغَرَرُ يَلْقَى الْمُكْرِي فِي صُورَةٍ، وَالْمُكْتَرِي فِي أُخْرَى، أَوْ كِلَيْهِمَا، وَالْعُدُولُ عَنْ ارْتِكَابِ الْغَرَرِ مَتَى أَمْكَنَ وَاجِبٌ (الثَّانِي) تَعْيِينُ الْمَحَلِّ الَّذِي قُصِدَ السَّفَرُ إلَيْهِ، وَالِاسْتِقْرَارُ فِيهِ، وَهُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ بِالْمَقَرِّ، وَذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ بِالْقُرْبِ، وَالْبُعْدِ، وَالْأَمْنِ، وَالْخَوْفِ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ أَخْبَرَ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي: أَنَّ كِرَاءَ السُّفُنِ عَلَى الْبَلَاغِ كَالْجُعْلِ الَّذِي لَا أُجْرَةَ فِيهِ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ فَإِنْ غَرِقَتْ أَوْ انْكَسَرَتْ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَلَا كِرَاءَ لِصَاحِبِهَا، وَضَمِيرُ فِيهَا لِلسُّفُنِ، وَضَمِيرُ لَهُ لِلْمُكْرِي (ابْنُ عَرَفَةَ) فِي حُكْمِ كِرَاءِ السُّفُنِ اضْطِرَابٌ قَالَ ابْن رُشْدٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ أَنَّهُ عَلَى الْبَلَاغِ كَالْجُعْلِ الَّذِي لَا يَجِبُ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ كَانَ عَلَى قَطْعِ الْمُوَسَّطَةِ أَوْ الرِّيفِ وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اكْتَرَى سَفِينَةً فَغَرِقَتْ فِي ثُلُثَيْ الطَّرِيقِ وَغَرِقَ مَا فِيهَا مِنْ طَعَامٍ وَغَيْرِهِ فَلَا كِرَاءَ لِرَبِّهَا وَأَرَى ذَلِكَ عَلَى الْبَلَاغِ زَادَ فِي الْمُنْتَخَبِ: وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ (فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) كِرَاءُ السُّفُنِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ جَائِزٌ إذَا عَيَّنُوا وَقْتَ الْخُرُوجِ فِيهَا سَوَاءٌ كَانَ جَرْيُهَا مَعَ الرِّيحِ، أَوْ مُلَجِّجَةً فِي الْبَحْرِ، وَلَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى اشْتِرَاطِ مُدَّةٍ لِأَنَّ الرِّيَاحَ تُسْرِعُ وَتُبْطِئُ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ الشَّارِحُ مَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ كِرَاءُ السُّفُنِ عَلَى الْبَلَاغِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ قَبْلَهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا تَكَسَّرَ قَبْلَ الْبَلَاغِ وَبَعْدَ قُرْبِهِ مِنْ مَحَلِّهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ رَبَّ الْمَتَاعِ قَدْ انْتَفَعَ وَلِذَلِكَ رَأَى أَصْبَغُ أَنَّ عَلَيْهِ مِنْ الْكِرَاءِ فِي مِثْلِ هَذِهِ بِقَدْرِ مَا انْتَفَعَ حَسْبَمَا حَكَاهُ عَنْهُ فِي النَّوَادِرِ قَوْلُهُ ظَاهِرٌ جِدًّا وَمِمَّا يَلْحَقُ بِالتَّقْصِيرِ عَنْ الْبَلَاغِ مُجَاوَزَتُهُ إيَّاهُ مَحَلَّ اشْتِرَاطِ النُّزُولِ فَفِي النَّوَادِرِ مِنْ مَسَائِلِ ابْنِ عَبْدُوسٍ فِي قَوْمٍ اكْتَرَوْا مَرْكَبًا مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّة إلَى طَرَابُلُسَ فَزَادَتْ بِهِمْ الرِّيحُ إلَى سُوسَةَ وَمِنْ الْمَتَاعِ رَبُّهُ أَوْ وَكِيلُهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ طَرَابُلُسَ أَوْ غَيْرِهَا فَذَلِكَ سَوَاءٌ فَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ مَتَاعَهُ بِسُوسَةَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِزِيَادَةِ الْمَسَافَةِ وَإِنْ شَاءَ الرُّجُوعَ إلَى طَرَابُلُسَ بِالْمَتَاعِ خَاصَّةً أَوْ بِنَفْسِهِ خَاصَّةً أَوْ بِالْأَمْرَيْنِ فَذَلِكَ لَهُ لِأَنَّهُ شَرَطَهُ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى غَلَاءِ الْمَتَاعِ، وَلَا إلَى رُخْصِهِ بَسُوسَةَ اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ اسْتَطْرَدَ الْكَلَامَ عَلَى اخْتِلَافِ الْمُتَكَارِيَيْنِ فِي الْمَحَلِّ الْمُشْتَرَطِ فَقَالَ الْمُكْرِي: إلَى بَرْقَةَ بِمِائَةٍ وَقَالَ الْمُكْتَرِي: بَلْ لِإِفْرِيقِيَّةَ بِمِائَةٍ، وَعَلَى اخْتِلَافِهِمَا فِي قَبْضِ الْكِرَاءِ فَانْظُرْهُ إنْ شِئْت
[فَصْلٌ فِي الْإِجَارَةِ]
ِ تَقَدَّمَ أَوَّلَ بَابِ الْكِرَاءِ أَنَّ الِاصْطِلَاحَ تَسْمِيَةُ شِرَاءِ مَنْفَعَةِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ كِرَاءً، وَمَنْفَعَةُ الْآدَمِيِّ إجَارَةً، وَقَدْ حَدَّ ابْنُ عَرَفَةَ الْإِجَارَةَ بِقَوْلِهِ: " بَيْعُ مَنْفَعَةِ مَا أَمْكَنَ نَقْلُهُ غَيْرَ سَفِينَةٍ وَلَا حَيَوَانٍ لَا يَعْقِلُ بِعِوَضٍ غَيْرِ نَاشِئٍ عَنْهَا بَعْضُهُ يَتَبَعَّضُ بِتَبْعِيضِهَا " اهـ.
وَكَأَنَّهُ أَطْلَقَ الْبَيْعَ عَلَى الْعَقْدِ وَلَوْ قَالَ: عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ إلَخْ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْإِجَارَةَ خَارِجَةٌ عَنْ الْبَيْعِ الْأَعَمِّ وَالْأَخَصِّ وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ: " مَا أَمْكَنَ نَقْلُهُ " كِرَاءَ الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ وَقَوْلُهُ: " غَيْرَ سَفِينَةٍ " مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ أَخْرَجَ بِهِ كِرَاءَ السُّفُنِ وَقَوْلُهُ
(2/101)

وَلَا حَيَوَانٍ لَا يَعْقِلُ " أَخْرَجَ بِهِ كِرَاءَ الرَّوَاحِلِ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ بَابِ الْكِرَاءِ لَا مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ، وَأَمَّا مَنْفَعَةُ الْحَيَوَانِ الْعَاقِلِ فَهِيَ الْإِجَارَةُ الْمُرَادَةُ هُنَا، وَذَكَرَ الْعِوَضَ لِأَنَّهُ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِجَارَةِ، ثُمَّ وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ غَيْرَ نَاشِئٍ عَنْهَا لِيُخْرِجَ الْقِرَاضَ، وَالْمُسَاقَاةَ وَالْمُغَارَسَةَ، وَأَخْرَجَ الْجُعْلَ بِقَوْلِهِ: " يَتَبَعَّضُ بِتَبْعِيضِهَا ".
وَقَوْلُهُ: " بَعْضُهُ يَتَبَعَّضُ " ضَمِيرُ " بَعْضُهُ " لِلْعِوَضِ، وَضَمِيرُ بِتَبْعِيضِهَا لِلْإِجَارَةِ وَكَأَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ بِتَبْعِيضِ عَمَلِهَا، وَلَوْ قَالَ جُلُّهُ يَتَبَعَّضُ إلَخْ لَكَانَ أَنْسَبَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَالَهُ الْإِمَامُ ابْنُ عَرَفَةَ) إنَّمَا ذَكَرْته خَوْفًا مِنْ نَقْضِ عَكْسِ الْحَدِّ لِأَجْلِ قَوْله تَعَالَى {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] لِأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا إجَارَةٌ عِوَضُهَا الْبُضْعُ وَهُوَ لَا يَتَبَعَّضُ فَلَوْ أَسْقَطْت قَوْلِي بَعْضُهُ وَقُلْت يَتَبَعَّضُ بِتَبْعِيضِهَا لَخَرَجَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ الْحَدِّ فَكَانَ غَيْرَ مُنْعَكِسٍ مِنْ الرَّصَّاعِ
الْعَمَلُ الْمَعْلُومُ مِنْ تَعْيِينِهِ ... يَجُوزُ فِيهِ الْأَجْرُ مَعَ تَبْيِينِهِ
وَلِلْأَجِيرِ أُجْرَةٌ مُكَمِّلَهْ ... إنْ تَمَّ أَوْ بِقَدْرِ مَا قَدْ عَمِلَهْ
يَعْنِي أَنَّ الْعَمَلَ الْمَعْلُومَ أَيْ لِلْعَامِلِ وَالْمَعْمُولِ لَهُ الَّذِي عَمِلَهُ حَاصِلٌ مِنْ تَعْيِينِهِ أَيْ مِنْ تَعْيِينِ قَدْرِهِ وَجِنْسِهِ وَصِفَتِهِ وَالتَّعْيِينُ إمَّا بِالْعَادَةِ أَوْ بِالِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ عَلَيْهِ جَائِزَةٌ إذَا وَقَعَ مَعَ الْبَيَانِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّعْيِينِ الْبَيَانُ فَهُوَ أَيْ قَوْلُهُ مَعَ تَبْيِينِهِ كَالْمُسْتَغْنَى عَنْهُ مِمَّا قَبْلَهُ ثُمَّ إنْ أَكْمَلَ ذَلِكَ الْعَمَلَ فَلِلْأَجِيرِ أُجْرَتُهُ كَامِلَةً، وَإِنْ لَمْ يُكْمِلْ فَلَهُ بِقَدْرِ مَا عَمِلَ مِنْهُ وَهَذَا مَعْنَى الْبَيْتَيْنِ (قَالَ اللَّخْمِيُّ) : " الْإِجَارَةُ مُنْعَقِدَةٌ كَالْبِيَاعَاتِ ".
(وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ) وَالْإِجَارَةُ عَلَى جَمِيعِ الْأَعْمَالِ مِنْ خِيَاطَةٍ، وَصَبْغٍ، وَدَبْغٍ، وَصِيَاغَةٍ، وَقِصَارَةٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ جَائِزَةٌ إذَا سَمَّى الثَّمَنَ، وَوَصَفَ الْعَمَلَ. وَفِي الْمُنْتَخَبِ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى عَمَلٍ يَعْمَلُهُ، فَعَمِلَ بَعْضَهُ ثُمَّ مَاتَ الْعَامِلُ فَقَالَ: " أَمَّا مَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ بِيَدِهِ فَإِنَّهُ يُحْتَسَبُ مَا قَدْ عَمِلَ ثُمَّ يُرَدُّ مَا بَقِيَ، وَأَمَّا مَا كَانَ مَضْمُونًا فَهُوَ فِي مَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ الْعَامِلُ وَفَاءً حَاصَّ الْمُسْتَعْمَلُ الْغُرَمَاءَ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَمَلِ يَوْمَ يُحَاصُّ بِهِ، وَلَيْسَ عَلَى قَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ إجَارَتِهِ اهـ.
وَإِلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا يَعْمَلُهُ بِيَدِهِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: " وَلِلْأَجِيرِ أُجْرَةٌ مُكَمِّلَهْ " (الْبَيْتَ) وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى الْقِسْمِ الثَّانِي، وَهُوَ الْمَضْمُونُ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مِنْ تَبْيِينِ الْأَجْرِ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: " أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِ الْخَيَّاطِ الْمُخَالِطِ الَّذِي لَا يَكَادُ يُخَالِفُ مُسْتَعْمِلَهُ دُونَ تَسْمِيَةِ أَجْرٍ إذَا فَرَغَ أَرْضَاهُ بِشَيْءٍ يُعْطِيهِ، وَمِنْ هَذَا: اعْمَلْ عَلَى دَابَّتِي فَمَا حَصَلَ فَلَكَ نِصْفُهُ وَأَخَذَ عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ فَرَسًا عَلَى النِّصْفِ وَأَجَازَ ذَلِكَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ اهـ.
(الْمَوَّاقُ) وَكَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا هُوَ جَارٍ عَلَى هَذَا لَا يُفْتِي بِفِعْلِهِ ابْتِدَاءً، وَلَا يُشَنِّعُ عَلَى مَنْ ارْتَكَبَهُ قُصَارَى أَمْرِ مُرْتَكِبِهِ أَنَّهُ تَارِكٌ لِلْوَرَعِ، وَمَا الْخِلَافُ فِيهِ شَهِيرٌ لَا حِسْبَةَ فِيهِ وَلَا سِيَّمَا إنْ دَعَتْ لِذَلِكَ حَاجَةٌ وَمِنْ أُصُولِ مَالِكٍ: أَنَّهُ يُرَاعِي الْحَاجَاتِ كَمَا يُرَاعِي الضَّرُورَاتِ.
(وَمِنْ نَوَازِلِ الشَّعْبِيِّ) وَسُئِلَ أَصْبَغُ عَنْ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَعْمَلُ لَهُ فِي كَرْمٍ عَلَى جُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الْكَرْمِ قَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ قِيلَ لَهُ: وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا يُضْطَرُّ إلَيْهِ مِثْلُ مَنْ يَسْتَأْجِرُ الْأَجِيرَ يَحْرُسُ لَهُ الزَّرْعَ، وَلَهُ بَعْضُهُ قَالَ: يُنْظَرُ إلَى أَمْرِ النَّاسِ إذَا اُضْطُرُّوا إلَيْهِ فِيمَا لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ وَلَا يَجِدُونَ الْعَمَلَ إلَّا بِهِ، فَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ إذَا عَمَّ وَمِثْلُ ذَلِكَ كِرَاءُ السُّفُنِ فِي حَمْلِ الطَّعَامِ وَسُئِلَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ عَنْ إعْطَاءِ الْجِبَاحِ لِمَنْ يَخْدُمُهَا بِجُزْءٍ مِنْ غَلَّتِهَا فَقَالَ: " هِيَ إجَارَةٌ مَجْهُولَةٌ "، وَكَذَلِكَ الْأَفْرَانُ، وَالْأَرْحَاءُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَسْتَبِيحُ الْقِيَاسَ عَلَى الْمُسَاقَاةِ، وَالْقِرَاضِ، وَحُكِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَجَمَاعَةٍ، وَعَلَيْهِ يَخْرُجُ الْيَوْمَ عَمَلُ النَّاسِ فِي أُجْرَةِ الدَّلَّالِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا لِقِلَّةِ الْأَمَانَةِ، وَكَثْرَةِ الْخِيَانَةِ كَمَا اعْتَذَرَ مَالِكٌ بِمِثْلِ هَذَا فِي إبَاحَةِ تَأْخِيرِ الْأُجْرَةِ فِي الْكِرَاءِ الْمَضْمُونِ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ لِأَنَّ الْأَكْرِيَاءَ رُبَّمَا لَا يُوفُونَ فَعَدَّ مَالِكٌ هَذَا ضَرُورَةَ إبَاحَةِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ فَالنَّاسُ مُضْطَرُّونَ لِهَذَا وَاَللَّهُ الْمُخَلِّصُ. انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ
(2/102)

وَنُقِلَ عَلَى قَوْلِهِ فِي فَصْلِ الْجُعْلِ: جُعْلًا عُلِمَ أَنَّ الْجَعَالَةَ عَلَى اقْتِضَاءِ الدَّيْنِ بِجُزْءٍ مِمَّا يُقْتَضَى (أَشْهَبُ) لَا يُجِيزُهُ قَالَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ جَائِزٌ، وَنَقَلَ الشَّارِحُ مَسْأَلَةَ إعْطَاءِ السَّفِينَةِ بِجُزْءٍ عَنْ ابْنِ سِرَاجٍ سُؤَالًا وَجَوَابًا، وَقَالَ فِي أَثْنَاءِ جَوَابِهِ بِجَوَازِ ذَلِكَ إذَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ لِأَنَّهُ عُلِمَ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ مُرَاعَاةُ الْمَصْلَحَةِ إذَا كَانَتْ كُلِّيَّةً حَاجِيَّةً، وَهَذَا مِنْهَا، وَأَيْضًا فَإِنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، وَجَمَاعَةً مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ أَجَازُوا الْإِجَارَةَ بِالْجُزْءِ فِي جَمِيعِ الْإِجَارَاتِ قِيَاسًا عَلَى الْقِرَاضِ، وَالْمُسَاقَاةِ، وَالشَّرِكَةِ، وَغَيْرِهَا مِمَّا اُسْتُثْنِيَ جَوَازُهُ فِي الشَّرْعِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي جَوَازِ الِانْتِقَالِ مِنْ مَذْهَبٍ إلَى آخَرَ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ وَالصَّحِيحُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ جَوَازُهُ ثُمَّ قَالَ الشَّارِحُ بَعْدَ جَوَابِ ابْنِ سِرَاجٍ مَا نَصُّهُ " أَقُولُ إنْ عُمِلَ بِمُقْتَضَى هَذِهِ الْفُتْيَا فُتِحَتْ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ ظَاهِرُهَا الْمَنْعُ عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ، وَنَظَرُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذِهِ الْفُتْيَا سَدِيدٌ، وَاحْتِجَاجُهُ فِيهَا ظَاهِرٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ اهـ.
وَالْقَوْلُ لِلْعَامِلِ حَيْثُ يُخْتَلَفْ ... فِي شَأْنِهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ إنْ حَلَفْ
وَإِنْ جَرَى النِّزَاعُ قَبْلَ الْعَمَلِ ... تَحَالَفَا، وَالْفَسْخُ بَيِّنٌ جَلِيِّ
يَعْنِي أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الْعَامِلُ، وَالْمَعْمُولُ لَهُ فِي شَأْنِ الْأُجْرَةِ فَإِنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا بَعْدَ فَرَاغِ الْعَامِلِ مِنْ عَمَلِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ يَعْنِي إذَا ادَّعَى مَا يُشْبِهُ، وَهَذَا الْقَيْدُ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ النَّاظِمُ فَقَدْ اُعْتُمِدَ عَلَى مَا هُوَ عَامٌّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَغَيْرِهَا مِنْ تَقْيِيدِ مَنْ يَجْعَلُ الْقَوْلَ قَوْلَهُ بِذَلِكَ فَإِنْ ادَّعَى مَا لَا يُشْبِهُ رُدَّ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا قَبْلَ الْعَمَلِ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، وَيَتَفَاسَخَانِ عَلَى حُكْمِ الْقَاعِدَةِ الْعَامَّةِ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا، وَعَبَّرَ النَّاظِمُ بِالشَّأْنِ لِيَشْمَلَ الِاخْتِلَافَ فِي وُقُوعِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ، وَعَدَمِ وُقُوعِهِ كَمَا لَوْ قَالَ رَبُّ الشَّيْءِ: لَمْ أَسْتَعْمِلْك فِيهِ وَإِنَّمَا جَعَلْته عِنْدَك وَدِيعَةً، وَيَشْمَلَ أَيْضًا الِاخْتِلَافَ فِي كَوْنِ الْعَمَلِ بِأُجْرَةٍ أَوْ بَاطِلًا بِلَا أَجْرٍ، وَيَشْمَلَ أَيْضًا الِاخْتِلَافَ فِي قَدْرِ الْأُجْرَةِ، وَفِي صِفَةِ الْمَصْنُوعِ، وَنَوْعِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَأْتِي وَكَأَنَّ هَذَا تَرْجَمَةٌ لِمَا بَعْدَهُ.
(قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) قُلْت لَهُ: فَلَوْ أَنَّ صَانِعًا عَمِلَ لِي عَمَلًا فَقُلْت لَهُ إنَّمَا عَمِلْته بَاطِلًا وَقَالَ: إنَّمَا عَمِلْته بِأَجْرٍ كَذَا قَالَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَجْرَ ذَلِكَ الْعَمَلِ وَإِلَّا رُدَّ إلَى إجَارَةِ مِثْلِهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ لِأَنَّ رَبَّ الثَّوْبِ قَدْ أَقَرَّ لَهُ بِالْعَمَلِ، وَادَّعَى: أَنَّهُ وَهَبَهُ إيَّاهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَإِلَّا حَلَفَ الصَّانِعُ كَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَى فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ.
(قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ رَبُّ الْعَمَلِ لَمْ أَسْتَعْمِلْك فِيهِ وَإِنَّمَا جَعَلْتُهُ عِنْدَك وَدِيعَةً فَالْقَوْلُ أَيْضًا قَوْلُ الْعَامِلِ لِأَنَّ الصُّنَّاعَ الْأَمْرُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَبَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ لَا يَشْهَدُونَ وَلَوْ جَازَ قَوْلُ النَّاسِ عَلَيْهِمْ لَذَهَبُوا بِأَعْمَالِهِمْ بَاطِلًا.
(وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ) فَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الْعَمَلِ فَقَالَ رَبُّ الْمُبْتَاعِ: آجَرْتُك بِكَذَا، وَقَالَ الصَّانِعُ: بَلْ بِكَذَا وَكِلَاهُمَا يُشْبِهُ فَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْخَيَّاطِ، وَلَهُ الْمُسَمَّى مِنْ الْأُجْرَةِ يُرِيدُ مَعَ يَمِينِهِ ثُمَّ قَالَ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: الْقَوْلُ قَوْلُ الصَّانِعِ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ وَإِنْ تَخَالَفَا فِي الثَّمَنِ قَبْلَ الْعَمَلِ غَالِبًا.
وَإِنْ يَكُنْ فِي صِفَةِ الْمَصْنُوعِ ... أَوْ نَوْعِهِ النِّزَاعُ ذَا وُقُوعِ
فَالْقَوْلُ لِلصَّانِعِ مِنْ بَعْدِ الْحَلِفْ ... وَذَاكَ فِي مِقْدَارِ أُجْرَةٍ عُرِفْ
فَإِنْ يَكُنْ مِنْهُ نُكُولٌ حَلَفَا ... رَبُّ الْمَتَاعِ وَلَهُ مَا وَصَفَا
يَعْنِي إذَا تَنَازَعَ الصَّانِعُ وَالْمَصْنُوعُ لَهُ إمَّا فِي صِفَةِ الْمَصْنُوعِ، أَوْ فِي نَوْعِهِ، أَوْ فِي مِقْدَارِ الْأُجْرَةِ فَإِنَّ الْقَوْلَ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ قَوْلُ الصَّانِعِ مَعَ يَمِينِهِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَإِنْ نَكَلَ الصَّانِعُ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ رَبُّ الشَّيْءِ الْمَصْنُوعِ وَيَكُونُ لَهُ مَا قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّالِثِ (قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ) فَإِنْ قَالَ الْحَائِكُ: أَمَرْتَنِي أَنْ أَنْسِجَ ثَوْبَك ثَلَاثًا فِي سِتَّةٍ، وَقَالَ رَبُّهُ: بَلْ سَبْعًا
(2/103)

فِي أَرْبَعٍ فَالْحَائِكُ مُصَدَّقٌ مَعَ يَمِينِهِ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى قَالَ مُحَمَّدٌ: " وَإِنْ اخْتَلَفَ الْحَائِكُ، وَصَاحِبُ الثَّوْبِ قَبْلَ الْعَمَلِ تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا "، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الصُّنَّاعِ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ مُحَمَّدٌ: فَإِنْ اخْتَلَفَ الصَّانِعُ وَرَبُّ الثَّوْبِ فَقَالَ الصَّانِعُ عَمِلْته بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ، وَقَالَ رَبُّ الثَّوْبِ بِدِرْهَمَيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الصَّانِعِ " كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي مُخْتَصَرِهِ، (وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) فَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْأُجْرَةِ فِي الْقَلِيلِ مِنْهَا وَالْكَثِيرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الصَّانِعِ مَعَ يَمِينِهِ إذَا فَاتَ الثَّوْبُ وَأَتَى بِمَا يُشْبِهُ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِمَا يُشْبِهُ وَأَشْبَهَ مَا قَالَهُ رَبُّ الْمَتَاعِ حَلَفَ، وَغَرِمَ فِي أُجْرَةِ الصَّانِعِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ اهـ.
(وَفِي تَبْصِرَةِ اللَّخْمِيِّ) إنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِي خِيَاطَةٍ، فَقَالَ: أَحَدُهُمَا عَرَبِيَّةٌ، وَقَالَ الْآخِرُ: رُومِيَّةٌ، وَأَتَيَا جَمِيعًا بِمَا يُشْبِهُ فِي الْخِيَاطَةِ، أَوْ اخْتَلَفَا فِي صُنْعٍ فَقَالَ: أَحَدُهُمَا أَحْمَرُ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَخْضَرُ، وَأَشْبَهَ مَا قَالَا لِكَوْنِ الصَّبَّاغِ يَصْبِغُ الصِّبْغَيْنِ وَالثَّوْبُ مِمَّا يَحْسُنُ أَنْ يُصْبَغَ بِهِمَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ: فَأَصْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الصَّانِعِ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ، وَيَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى مِنْ الْإِجَارَةِ اهـ.
وَالنِّزَاعُ اسْمُ يَكُنْ، وَذَا وُقُوعِ خَبَرُهَا فِي صِفَةٍ يَتَعَلَّقُ بِوُقُوعِ، وَنَوْعُهُ عَطْفٌ عَلَى صِفَةٍ، وَقَوْلُهُ: " فَالْقَوْلُ لِلصَّانِعِ " مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرٌ، وَالْجُمْلَةُ جَوَابُ الشَّرْطِ وَهُوَ " وَإِنْ يَكُنْ " وَالْإِشَارَةُ بِذَاكَ لِلْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الصَّانِعِ وَضَمِيرُ مِنْهُ لِلصَّانِعِ وَضَمِيرُ لَهُ لِرَبِّ الْمَتَاعِ
وَالْقَوْلُ قَوْلُ صَانِعِ الْمَتَاعِ فِي ... تَنَازُعٍ فِي الرَّدِّ مَعَ حَلْفٍ قُفِيّ
يَعْنِي إذَا اخْتَلَفَ الصَّانِعُ، وَرَبُّ الْمَتَاعِ الْمَصْنُوعِ فِي الرَّدِّ فَقَالَ الصَّانِعُ: رَدَدْت إلَيْك شَيْئَك، وَقَالَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ مَازَالَ عِنْدَك، وَلَمْ تَرُدَّهُ إلَيَّ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ صَاحِبِ الْمَتَاعِ مَعَ يَمِينِهِ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ قَبَضَهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ لَا عَمِلَهُ بِأَجْرٍ أَوْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ.
(قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ) : قَالَ سَحْنُونٌ قُلْت لَهُ: فَإِنْ قَالَ الصُّنَّاعُ لِأَرْبَابِ السِّلَعِ قَدْ رَدَدْنَاهَا عَلَيْكُمْ وَكَانُوا قَدْ اُسْتُعْمِلُوا بِأَجْرٍ، أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ، وَقَدْ دُفِعَتْ الْأَعْمَالُ إلَيْهِمْ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ فَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ: " عَلَيْهِمْ أَنْ يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمْ دَفَعُوا السِّلَعَ إلَى أَهْلِهَا وَإِلَّا غُرِّمُوا سَوَاءٌ دَفَعُوا إلَيْهِمْ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، عَمِلُوا بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ، وَمِثْلُهُ فِي النَّوَادِرِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ مِنْ الشَّارِحِ وَجُمْلَةُ قُفِيّ أَيْ تُبِعَ بِالْبِنَاءِ لِلنَّائِبِ صِفَةُ الْحَلِفِ فَالْحَلِفُ مَتْبُوعٌ، وَالتَّابِعُ لَهُ الْحُكْمُ بِكَوْنِ الْقَوْلِ قَوْلَ صَاحِبِ الْمَتَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ قُرِئَ قَفَى بِفَتْحِ الْقَافِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ الَّذِي هُوَ الْحَلِفُ فَيَكُونُ الْحَلِفُ تَبَعًا لِلْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ الَّذِي هُوَ كَوْنُ الْقَوْلِ قَوْلَ صَاحِبِ الْمَتَاعِ لَكَانَ أَظْهَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْقَوْلُ لِلْأَجِيرِ إنْ كَانَ سَأَلْ ... بِالْقُرْبِ مِنْ فَرَاغِهِ أَجْرَ الْعَمَلْ
بَعْدَ يَمِينِهِ لِمَنْ يُنَاكِرُ ... وَبَعْدَ طُولٍ يَحْلِفُ الْمُسْتَأْجِرُ
يَعْنِي إذَا اخْتَلَفَ الصَّانِعُ، وَالْمَصْنُوعُ لَهُ فِي دَفْعِ الْأُجْرَةِ فَقَالَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ: دَفَعَتْ الْأُجْرَةَ وَقَالَ الصَّانِعُ لَمْ تَدْفَعْ إلَيَّ شَيْئًا فَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ فَإِنْ كَانَ قِيَامُ الصَّانِعِ بِالْقُرْبِ مِنْ فَرَاغِهِ مِنْ الْعَمَلِ، فَالْقَوْلُ لِلصَّانِعِ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ الْأُجْرَةَ، وَإِنْ كَانَ قِيَامُهُ بَعْدَ طُولٍ، فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَتَاعِ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ دَفَعَ الْأُجْرَةَ، وَالْقُرْبُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمَانِ، وَنَحْوُهُمَا، وَالطُّولُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ (قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ) : قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قِيلَ لِمَالِكٍ: فَالصُّنَّاعُ إذَا دَفَعُوا مَا اُسْتُعْمِلُوا فِيهِ إلَى مَنْ اسْتَعْمَلَهُمْ، ثُمَّ أَتَوْا يَطْلُبُونَ حُقُوقَهُمْ قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُهُمْ إذَا قَامُوا بِحِدْثَانِ مَا دَفَعُوا الْمَتَاعَ، وَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَتَاعِ اهـ.
وَمَحَلُّ هَذَا التَّفْصِيلِ بَعْدَ دَفْعِ الْمَتَاعِ لِرَبِّهِ، وَأَمَّا قَبْلَهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الصَّانِعِ وَلَوْ بَعْدَ طُولٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .
وَالْوَصْفُ مِنْ مُسْتَهْلِكٍ لِمَا تَلَفْ ... فِي يَدِهِ يُقْضَى بِهِ بَعْدَ الْحَلِفْ
وَشَرْطُهُ إتْيَانُهُ بِمُشْبِهِ ... وَإِنْ لِجَهْلٍ أَوْ نُكُولٍ يَنْتَهِي
فَالْقَوْلُ قَوْلُ خَصْمِهِ فِي وَصْفِهِ ... مُسْتَهْلَكًا بِمُشْبِهٍ مَعَ حَلْفِهِ
يَعْنِي أَنَّ مَنْ اسْتَهْلَكَ شَيْئًا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ الصُّنَّاعِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ، وَلَزِمَهُ غُرْمُهُ، فَإِنَّهُ يُغَرَّمُ قِيمَتَهُ إنْ كَانَ مُقَوَّمًا، أَوْ مِثْلَهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَهَذَا يَأْتِي فِي الْبَيْتَيْنِ بَعْدَ هَذِهِ ثُمَّ اتَّفَقَ الْمَالِكُ
(2/104)

لِذَلِكَ الشَّيْءِ، وَالْمُسْتَهْلِكُ لَهُ عَلَى صِفَةِ ذَلِكَ الْمُسْتَهْلَكِ فَلَا إشْكَالَ أَنَّ الْمُسْتَهْلِكَ يُغَرَّمُ مِثْلَهُ فِي الْوَصْفِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، أَوْ قِيمَتَهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَصْفِ إنْ كَانَ مُقَوَّمًا، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وَصْفِهِ فَوَصَفَهُ مَالِكُهُ بِأَحْسَنَ مِمَّا وَصَفَهُ بِهِ مُسْتَهْلِكُهُ فَإِنَّ الْعَمَلَ عَلَى مَا وَصَفَهُ بِهِ الْمُسْتَهْلِكُ، وَيَحْلِفُ أَنَّهُ كَانَ عَلَى وَصْفِهِ بِهِ، وَهَذَا إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: " وَالْوَصْفُ مِنْ مُسْتَهْلِكٍ " إلَى قَوْلِهِ " إتْيَانُهُ بِمُشْبِهٍ "، وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى فِي صِفَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ مَا لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْوَصْفِ وَالْيَمِينِ وَعَلَيْهِ بَلْ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الشَّيْءِ الْمُسْتَهْلَكِ مَعَ يَمِينِهِ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ أَيْضًا، وَحُكْمُهُ كَمَا يَذْكُرُهُ النَّاظِمُ فِيمَا إذَا جَهِلَ الْمُسْتَهْلِكُ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ.
(قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : مَنْ غَصَبَ أَمَةً، وَادَّعَى هَلَاكَهَا، وَاخْتَلَفَا فِي صِفَتِهَا صُدِّقَ الْغَاصِبُ فِي الصِّفَةِ مَعَ يَمِينِهِ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ وَإِلَّا صُدِّقَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ فِي الصِّفَةِ مَعَ يَمِينِهِ اهـ نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ عَلَى قَوْلِهِ فِي بَابِ الْغَصْبِ، وَالْقَوْلُ لَهُ فِي تَلَفِهِ، وَنَعْتِهِ، وَقَدْرِهِ وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: " صُدِّقَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ " يَعْنِي إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّاظِمُ فِي مَسْأَلَةِ الْجَهْلِ وَالنُّكُولِ قَوْلُهُ: " وَإِنْ لِجَهْلٍ أَوْ نُكُولٍ إلَخْ. . . " لَمَّا ذَكَرَ: أَنَّ الْمُسْتَهْلِكَ هُوَ الَّذِي يَصِفُ الشَّيْءَ الْمُسْتَهْلَكَ مَعَ يَمِينِهِ ذَكَرَ هُنَا: أَنَّهُ إذَا ادَّعَى جَهْلَ صِفَتِهِ، أَوْ عِلْمَهَا، وَوَصَفَهُ وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ الشَّيْءِ الْمُسْتَهْلَكِ مَعَ يَمِينِهِ إذَا أَتَى أَيْضًا بِمَا يُشْبِهُ، فَقَوْلُهُ: " وَالْوَصْفُ " مُبْتَدَأٌ، أَوْ " لِمَا تَلِفْ " يَتَعَلَّقُ بِهِ " فِي يَدِهِ " يَتَعَلَّقُ بِ " تَلِفْ "، وَالضَّمِيرُ لِلْأَجِيرِ لِتَقَدُّمِهِ فِي أَوَّلِ الْبَيْتَيْنِ قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُ الْأَجِيرِ قَدْ يَصِفُ أَيْضًا مَا اسْتَهْلَكَهُ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ أَوَّلَ شَرْحِ الْأَبْيَاتِ فَمَفْهُومُهُ مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ " وَمِنْ مُسْتَهْلِكٍ " خَبَرُ الْوَصْفِ وَكَأَنَّهُ أَوْقَعَ الظَّاهِرَ مَوْقِعَ الضَّمِيرِ لِأَنَّ الْمُسْتَهْلِكَ هُوَ الْأَجِيرُ أَيْ وَالْوَصْفُ لِمَا تَلِفَ فِي يَدِ الْأَجِيرِ يَكُونُ مِنْهُ، وَجُمْلَةُ " يُقْضَى بِهِ " خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ، وَبَعْدَ الْحَلِفِ يَتَعَلَّقُ بِيَقْضِي، وَضَمِيرُ شَرْطِهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِ الْوَصْفِ مِنْ الْمُسْتَهْلِكِ، وَ " لِجَهْلٍ " يَتَعَلَّقُ بِيَنْتَهِي، وَفَاعِلُ يَنْتَهِي يَعُودُ عَلَى الْمُسْتَهْلِكِ بِالْكَسْرِ، وَمَعْنَى " يَنْتَهِي " لِجَهْلٍ أَوْ نُكُولٍ أَيْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا، وَالْمُرَادُ بِخَصْمِهِ رَبُّ الشَّيْءِ الْمُسْتَهْلَكِ وَ " فِي وَصْفِهِ " يَتَعَلَّقُ بِ " قَوْلُ " الثَّانِي وَ " مُسْتَهْلَكًا " بِفَتْحِ اللَّامِ مَفْعُولُ " وَصْفِ " وَ " بِمُشْبِهٍ " يَتَعَلَّقُ بِوَصْفِهِ وَمَعَ حَلِفِهِ حَالُ " قَوْلُ " الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَكُلُّ مَنْ ضُمِّنَ شَيْئًا أَتْلَفَهْ ... فَهْوَ مُطَالَبٌ بِهِ أَنْ يُخْلِفَهْ
وَفِي ذَوَاتِ الْمِثْلِ مِثْلٌ يَجِبُ ... وَقِيمَةٌ فِي غَيْرِهِ تُسْتَوْجَبُ
لَمَّا عَيَّنَ الْوَاصِفَ لِلشَّيْءِ الْمُسْتَهْلَكِ ذَكَرَ هُنَا مَا يَضْمَنُهُ الْمُسْتَهْلِكُ بَعْدَ الْوَصْفِ وَالْيَمِينِ فَأَخْبَرَ هُنَا أَنَّ كُلَّ مَنْ أَتْلَفَ شَيْئًا فَوَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ بِإِتْلَافِهِ فَإِنَّهُ مُطَالَبٌ بِإِخْلَافِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُتْلَفُ بِالْفَتْحِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَيَضْمَنُ مِثْلَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ (فِي الْمَعُونَةِ) إذَا أَتْلَفَ عَلَى غَيْرِهِ شَيْئًا لَزِمَهُ بَدَلُ الْمُتْلَفِ إلَى صَاحِبِهِ وَالْبَدَلُ نَوْعَانِ مِثْلٌ مِنْ طَرِيقِ الْخِلْقَةِ وَالصُّورَةِ، وَمِثْلٌ مِنْ طَرِيقِ الْقِيمَةِ، فَاَلَّذِي مِنْ طَرِيقِ الْخِلْقَةِ وَالصُّورَةِ وَهُوَ كُلُّ مَا يُكَالُ، أَوْ يُوزَنُ لَزِمَهُ رَدُّ مِثْلِهِ لَا قِيمَتِهِ وَذَلِكَ كَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَالْحَدِيدِ، وَالصُّفْرِ، وَالنُّحَاسِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَسَائِرِ الْمَأْكُولَاتِ، وَلَا تَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ لِأَنَّ الْقِيمَةَ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهَا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمِثْلِ مِنْ طَرِيقِ الْخِلْقَةِ لِأَنَّهَا ضَرْبٌ مِنْ الْحُكْمِ وَالِاجْتِهَادُ فِي تَعْدِيلِهَا بِالْمُتْلَفِ وَالْمِثْلُ مِنْ طَرِيقِ الْخِلْقَةِ لَا اجْتِهَادَ فِيهِ فَكَانَ ذَلِكَ كَالِاجْتِهَادِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ فَأَمَّا مَا لَا يُكَالُ، وَلَا يُوزَنُ كَالثِّيَابِ، وَسَائِرِ الْعُرُوضِ، وَالرَّقِيقِ، وَالْحَيَوَانِ فَيَلْزَمُهُ بِإِتْلَافِهِ قِيمَتَهُ دُونَ مِثْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ خِلَافًا لِمَنْ حُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِثْلُهُ مِنْ جِنْسِهِ لِأَنَّ كُلَّ مَا لَا يُكَالُ، وَلَا يُوزَنُ فَالْغَرَضُ مِنْهُ عَيْنُهُ دُونَ مِثْلِهِ، فَوَجَبَ فِيهِ قِيمَةُ الْعَيْنِ، وَمَا يُكَالُ، أَوْ يُوزَنُ الْغَرَضُ مَبْلَغُهُ فِيهِ مِثْلُهُ لَا قِيمَتُهُ
[فَصْلٌ فِي الْجُعْلِ]
(فَصْلٌ فِي الْجُعْلِ) (ابْنُ عَرَفَةَ) الْجُعْلُ: عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عَلَى
(2/105)

عَمَلِ آدَمِيٍّ يَجِبُ عِوَضُهُ بِتَمَامِهِ لَا بَعْضُهُ بِبَعْضِهِ فَقَوْلُهُ عَلَى عَمَلِ آدَمِيٍّ أَخْرَجَ بِهِ كِرَاءَ الرَّوَاحِلِ وَالسُّفُنِ وَكِرَاءَ الْأَرَضِينَ وَقَوْلُهُ يَجِبُ عِوَضُهُ بِتَمَامِهِ أَخْرَجَ بِهِ الْقِرَاضَ لِعَدَمِ وُجُوبِ عِوَضِهِ لِجَوَازِ تَجْرِهِ وَلَا رِبْحَ، وَكَذَلِكَ يَخْرُجُ بِهِ الْمُسَاقَاةُ، وَالشَّرِكَةُ فِي الْحَرْثِ لِجَوَازِ عَدَمِ الْغَلَّةِ، وَعَدَمِ الزَّرْعِ، وَقَوْلُهُ لَا بَعْضُهُ بِبَعْضِهِ أَخْرَجَ بِهِ الْإِجَارَةَ، وَالْمُسَاقَاةَ فَإِنَّهُ إنْ تُرِكَ لَهُ بِحِسَابِ مَا عَمِلَ وَفِي الْجُعْلِ لَا شَيْءَ لَهُ إلَّا بِالتَّمَامِ.
الْجُعْلُ عَقْدٌ جَائِزٌ لَا يَلْزَمُ ... لَكِنْ بِهِ بَعْدَ الشُّرُوعِ يُحْكَمُ
وَلَيْسَ يَسْتَحِقُّ مِمَّا يُجْعَلُ ... شَيْئًا سِوَى إذَا يَتِمُّ الْعَمَلُ
كَالْحَفْرِ لِلْبِئْرِ وَرَدِّ الْآبِقِ ... وَلَا يُحَدُّ بِزَمَانٍ لَاحِقِ
يَعْنِي أَنَّ الْجُعْلَ عَقْدٌ جَائِزٌ، أَيْ غَيْرُ لَازِمٍ، فَمَنْ شَاءَ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الرُّجُوعَ عَنْهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ فَقَوْلُهُ: " لَا يَلْزَمُ " هُوَ تَفْسِيرٌ لِجَائِزٍ قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي لَا تَسْتَلْزِمُ مَصْلَحَةً مَعَ اللُّزُومِ بَلْ مَعَ الْجَوَازِ عَدَمُ اللُّزُومِ وَهِيَ خَمْسَةٌ: الْجِعَالَةُ، وَالْقِرَاضُ، وَالْمُغَارَسَةُ، وَالْوِكَالَةُ، وَتَحْكِيمُ الْحَاكِمِ مَا لَمْ يَشْرَعَا فِي الْخُصُومَةِ فَإِنَّ الْجِعَالَةَ لَوْ شُرِعَتْ لَازِمَةً مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَطَّلِعُ عَلَى فَرْطِ بُعْدِ مَكَانِ الْآبِقِ أَوْ عَدَمِهِ مَعَ دُخُولِهِ عَلَى الْجِعَالَةِ بِمَكَانَةٍ، فَيُؤَدِّي ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ فَجُعِلَتْ جَائِزَةً لِئَلَّا تَجْتَمِعَ الْجَهَالَةُ بِالْمَكَانِ وَاللُّزُومُ وَهُمَا مُتَنَافِيَانِ، ثُمَّ عَلَّلَ عَدَمَ اللُّزُومِ فِي بَقِيَّةِ الْعُقُودِ الْمَذْكُورَةِ بِمَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فِي الْفَرْقِ التَّاسِعِ وَالْمِائَتَيْنِ وَقَسَّمَ هُنَالِكَ الْعُقُودَ إلَى قِسْمَيْنِ: مُسْتَلْزِمٌ لِمَصْلَحَةٍ عِنْدَ الْعَقْدِ فَشَرَعَهُ عَلَى اللُّزُومِ تَحْصِيلًا لِلْمَصْلَحَةِ، وَتَرْتِيبًا لِلْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ، وَهُوَ الْأَصْلُ كَالْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالْهِبَةِ، وَغَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ، فَشَرَعَهُ عَلَى الْجَوَازِ نَفْيًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِأَنَّهُ قَدْ تَظْهَرُ أَمَارَةٌ فَلَا يُكَلَّفُ مَا يَضُرُّهُ، وَلَا يَجْرِي لَهُ. اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ الْمَنْجُورُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ قَوْلِهِ الْمَنْهَجُ كَذَا اللُّزُومُ فِي الْعُقُودِ أَصْلٌ إلَخْ، فَرَاجِعْ أَيَّهُمَا يَتَيَسَّرُ لَك، وَقَدْ قَسَّمَ الشَّيْخُ ابْنُ غَازِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَابِعًا لِغَيْرِهِ الْعُقُودَ إلَى: مَا يَلْزَمُ بِالْعَقْدِ، وَمَا لَا يَلْزَمُ وَمَا فِيهِ خِلَافٌ وَنَظَمَ ذَلِكَ فِي ثَلَاثَةِ أَبْيَاتٍ فَقَالَ:
أَرْبَعَةٌ بِالْقَوْلِ عَقْدُهَا فِرَا ... بَيْعٌ نِكَاحٌ وَسِقَاءٌ وَكِرَا
لَا الْجُعْلُ، وَالْقِرَاضُ، وَالتَّوْكِيلُ ... وَالْحُكْمُ فَالْفِعْلُ بِهَا كَفِيلُ
لَكِنَّ فِي الْغِرَاسِ وَالْمُزَارَعَهْ ... وَالشَّرِكَاتِ بَيْنَهُمْ مُنَازَعَهْ
وَفِرَا آخِرَ الشَّطْرِ الْأَوَّلِ مِنْ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ مَعْنَاهُ: قَطْعٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ اللُّزُومُ، وَانْقِطَاعُ التَّشَوُّفِ لِلْحِلِّ وَمِنْهُ فَرَى الْأَوْدَاجَ أَيْ قَطَعَهَا. وَقَوْلُهُ:
لَكِنْ بِهِ بَعْدَ الشُّرُوعِ يُحْكَمُ
يَعْنِي أَنَّ عَدَمَ لُزُومِهِ إنَّمَا هُوَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ، أَمَّا بَعْدَهُ، فَيُحْكَمُ بِلُزُومِهِ وَلَكِنَّ لُزُومَهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ إنَّمَا هُوَ لِلْجَاعِلِ، أَمَّا الْمَجْعُولُ لَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ وَلَوْ شَرَعَ فَلَهُ التَّرْكُ مَتَى شَاءَ فَإِذَا تَرَكَ، فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْجُعْلِ قَالَ الشَّيْخُ خَلِيلُ: " وَلَزِمَتْ الْجَاعِلَ بِالشُّرُوعِ ".
(قَالَ ابْنُ يُونُسَ) : " لِلْجَاعِلِ أَنْ يَفْسَخَ الْجِعَالَةَ إذَا لَمْ يَشْرَعْ الْمَجْعُولُ لَهُ فِي الْعَمَلِ، وَأَمَّا بَعْدَ الشُّرُوعِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. " وَأَمَّا الْعَامِلُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَهُ أَنْ يَدَعَ الْجِعَالَةَ مَتَى شَاءَ، وَلَا شَيْءَ لَهُ وَقَوْلُهُ:
وَلَيْسَ يَسْتَحِقُّ مِمَّا يُجْعَلُ ... شَيْئًا سِوَى إذَا يَتِمُّ الْعَمَلُ
يَعْنِي أَنَّ الْمَجْعُولَ لَهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْجُعْلِ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ، فَإِنْ لَمْ يُتِمَّهُ، فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَلَيْسَ كَالْإِجَارَةِ الَّتِي لَهُ فِيهَا بِحِسَابِ مَا عَمِلَ وَكَوْنُهُ لَا شَيْءَ لَهُ إلَّا بِالتَّمَامِ هُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ مَا عَمِلَهُ لَا انْتِفَاعَ بِهِ لِلْجَاعِلِ أَمَّا مَا لَهُ بِهِ انْتِفَاعٌ فَلَهُ أُجْرَتُهُ عَلَيْهِ.
(قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : قَالَ مَالِكٌ: " وَالْجُعَلُ يَدَعُهُ الْعَامِلُ مَتَى شَاءَ وَلَا شَيْءَ
(2/106)

لَهُ يُرِيدُ: إلَّا أَنْ يَنْتَفِعَ الْجَاعِلُ بِمَا عَمِلَ مِثْلَ: أَنْ يَحْمِلَ خَشَبَةً إلَى مَوْضِعِ كَذَا، فَتَرَكَهَا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ، فَيَسْتَأْجِرُ رَبُّهَا مَنْ يَأْتِيه بِهَا، أَوْ يَعْجَزُ عَنْ حَفْرِ الْبِئْرِ بَعْدَ أَنْ ابْتَدَأَ فِيهَا، ثُمَّ جَاعَلَ صَاحِبُهُ آخَرَ، فَأَتَمَّهَا فَهَذَا يَكُونُ لِلثَّانِي جَمِيعُ إجَارَتِهِ الَّتِي عَاقَدَهُ عَلَيْهَا، وَيَكُونُ لِلْأَوَّلِ بِقَدْرِ مَا انْتَفَعَ بِهِ الْجَاعِلُ مِمَّا حَطَّ عَنْهُ مِنْ جُعْلِ الثَّانِي اُنْظُرْ الْمَوَّاقَ قَوْلُهُ:
كَالْحَفْرِ لِلْبِئْرِ وَرَدِّ الْآبِقِ
هُوَ تَمْثِيلٌ لِلْجُعْلِ وَقَوْلُهُ:
وَلَا يُحَدُّ بِزَمَانٍ لَاحِقٍ "
يَعْنِي كَمَا قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: " وَلَا يُضْرَبُ فِي الْجُعْلِ أَجَلٌ فِي رَدِّ آبِقٍ أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ " قَالَ مَالِكٌ: " الْجُعْلُ يَدْعُهُ الْعَامِلُ مَتَى شَاءَ، وَلَا يَكُونُ مُؤَجَّلًا " اهـ.
وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِكَوْنِ الْمَجْعُولِ لَهُ لَهُ التَّرْكُ مَتَى شَاءَ، فَلَا وَجْهَ لِتَحْدِيدِهِ بِزَمَنٍ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ شَاسٍ: لَا يُشْتَرَطُ فِي مُتَعَاقِدِي الْجُعْلِ إلَّا أَهْلِيَّةُ الِاسْتِئْجَارِ، وَالْعَمَلِ وَشَرْطُ الْجُعْلِ أَنْ يَكُونَ، مَعْلُومًا، مُقَدَّرًا كَالْأُجْرَةِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْإِجَارَةِ أَوْ جُعْلًا. اهـ فَلِذَلِكَ لَوْ جَعَلَ رَبُّ الْآبِقِ نِصْفَ الْعَبْدِ لِمَنْ جَاءَ بِهِ لَمْ يَجُزْ، وَكَانَ لَهُ إذَا جَاءَ بِهِ جُعْلُ مِثْلِهِ (الْمَوَّاقُ) وَظَاهِرُ سِيَاقِهِ أَنَّهُ لِابْنِ رُشْدٍ، وَالْأَظْهَرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ: أَنْ لَا تَجُوزَ الْمُجَاعَلَةُ عَلَى لَقْطِ الزَّيْتُونِ بِالْجُزْءِ مِنْهُ لِأَنَّ أَوَّلَهُ أَهْوَنُ مِنْ آخِرِهِ، وَالْمُجَاعَلَةُ عَلَى اقْتِضَاءِ الدَّيْنِ بِالْجُزْءِ مِمَّا
(2/107)

يُقْتَضَى فَأَشْهَبُ لَا يُجِيزُهُ، وَإِلَّا ظَهَرَ أَنَّهُ جَائِزٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَوَّلِهِ، وَآخِرِهِ فِي الْعَنَاءِ فِي اقْتِضَائِهِ، وَأَمَّا الْحَصَادُ، وَالْجِذَاذُ فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي جَوَازِ الْمُجَاعَلَةِ فِيهِ عَلَى الْجُزْءِ مِنْهُ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: جُذَّ مِنْ نَخْلِي مَا شِئْت، أَوْ: اُحْصُدْ مِنْ زَرْعِي مَا شِئْت عَلَى أَنَّ لَك مِنْ كُلِّ مَا تَحْصُدُ، أَوْ تَجُذُّ جُزْءًا اهـ.
(قَالَ الشَّارِحُ) : " مُشَارَطَةُ الطَّبِيبِ وَالْمُعَلِّمِ عَلَى وَجْهَيْنِ فَإِنْ ضَرَبَا أَجَلًا، فَهِيَ إجَارَةٌ، وَإِنْ عَلَّقَاهُ بِالْبُرْءِ أَوْ الْحِفْظِ لِلْقُرْآنِ، أَوْ لِبَعْضِهِ، فَهُوَ جُعْلٌ.
وَاسْتَشْكَلَهُ الشَّارِحُ لِأَنَّهُمْ اشْتَرَطُوا أَنْ لَا يَكُونَ لِلْجَاعِلِ فِيمَا لَمْ يَتِمَّ مِنْهُ فَائِدَةٌ حَتَّى مَنَعُوا حَفْرَ الْبِئْرِ فِي الدَّارِ مُجَاعَلَةً لِئَلَّا يَتْرُكَ الْمَجْعُولُ لَهُ الْعَمَلَ، فَيَبْقَى الْبِئْرُ لِصَاحِبِ الدَّارِ مِرْحَاضًا وَالطَّبِيبُ قَدْ يَتْرُكُ فِي نِصْفِ الْبُرْءِ، أَوْ بَعْدَ أَنْ يُشْرِفَ عَلَى الْبُرْءِ، فَيَكُونُ قَدْ انْتَفَعَ الْعَلِيلُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ ذَهَابِ عِلَّتِهِ، وَلَا يَدْفَعُ شَيْئًا، وَالصَّبِيُّ قَدْ يَحْفَظُ بَعْضَ الْقُرْآنِ، فَيَنْتَفِعُ بِذَلِكَ إنْ تَرَكَ الْمَجْعُولُ لَهُ الْعَمَلَ، فَيَذْهَبُ عَمَلُهُ مَجَّانًا، وَيَنْتَفِعُ الْجَاعِلُ وَانْفَصَلَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ فِي اشْتِرَاطِ عَدَمِ الْمَنْفَعَةِ لِلْجَاعِلِ خِلَافًا فَمَنْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ مَنَعَ مُشَارَطَتَهُمَا عَلَى وَجْهِ الْجُعْلِ، وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ أَجَازَهَا هَذَا حَاصِلُ مَا قَالَ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي الْمُسَاقَاةِ]

ِ
 الْمُسَاقَاةُ مُفَاعَلَةٌ مَنْ السَّقْيِ فَتُكْتَبُ بِالْهَاءِ وَمَا قَبْلَهَا مُحَرَّكٌ فِي الْأَصْلِ وَيُنْصَبُ بِالْفَتْحَةِ لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ (نَقَلَ الرَّصَّاعِ) فِي شَرْحِ الْحُدُودِ عَنْ الْجَوْهَرِيِّ أَنَّ الْمُسَاقَاةَ اسْتِعْمَالُ رَجُلٍ رَجُلًا فِي نَحْلٍ أَوْ كَرْمٍ يَقُومُ بِإِصْلَاحِهِمَا لِيَكُونَ لَهُ سَهْمٌ مَعْلُومٌ مَنْ غَلَّتِهِمَا قَالَ وَهَذَا قَرِيبٌ مَنْ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ إلَّا أَنَّ فِيهِ قُصُورًا عَنْهَا فَإِنَّهَا أَعَمُّ أَيْ لِأَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِالنَّخْلِ وَالْكَرْمِ فَيَكُونُ فِي الشَّرْحِ تَعْمِيمٌ لِمَا خَصَّصَهُ فِي اللُّغَةِ قَالَ وَوَقَعَ فِي لَفْظِ عِيَاضٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا مَشَقَّةٌ مَنْ السَّقْيِ لِلثَّمَرَةِ لِأَنَّهُ مُعْظَمُ عَمَلِهَا وَأَصْلُ مَنْفَعَتِهَا.
وَقَالَ الشَّيْخُ عَقْدٌ عَلَى عَمَلِ مُؤْنَةِ النَّبَاتِ بِقَدْرٍ لَا مِنْ غَيْرِ غَلَّتِهِ لَا بِلَفْظِ بَيْعٍ أَوْ أَجَارَةٍ أَوْ جَعْلٍ فَيَدْخُلُ فِيهِ قَوْلُهَا لَا بَأْسَ بِالْمُسَاقَاةِ عَلَى أَنَّ كُلَّ الثَّمَرَةِ لِلْعَامِلِ وَمُسَاقَاةُ الْبَعْلِ قَوْلُهُ عَلَى عَمَلِ مُؤْنَةٍ أَخْرَجَ بِهِ الْعَقْدَ عَلَى حِفْظِ مَالٍ أَوْ التَّجْرِبَةِ وَقَوْلُهُ مُؤْنَةُ النَّبَاتِ أَخْرَجَ بِهِ مُؤْنَةَ الْمَالِ وَعَمَّ النَّبَاتَ لِيَشْمَلَ مَا كَانَ سَقْيًا أَوْ بَعْلًا وَقَوْلُهُ بِقَدْرِ مَعْنَاهُ بِعِوَضٍ وَقَوْلُهُ لَا مَنْ غَيْرِ غَلَّتِهِ عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ رَأْي بِعِوَضٍ مَنْ غَلَّتِهِ لَا مَنْ غَيْرِ غَلَّتِهِ (عِيَاضٌ) لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ الْمُسَاقَاةِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَلَوْ قَالَ اسْتَأْجَرْتُك عَلَى عَمَلِ حَائِطِي أَوْ سَقْيِهِ بِنِصْفِ ثَمَرَتِهِ أَوْ رُبْعِهَا لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُسَمِّيَهَا مُسَاقَاةً (ابْنُ شَاسٍ) الْمُسَاقَاةُ سُنَّةٌ عَلَى حِيَالِهَا مُسْتَثْنَاهُ مَنْ الْمُخَابَرَةِ وَكِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا أَوْ بِالْجُزْءِ وَمِنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ وَالْإِجَارَةِ بِهَا قَبْلَ طِيبِهَا وَقَبْلَ وُجُودِهَا وَمِنْ الْإِجَارَةِ بِالْمَجْهُولِ وَبِالْغَرَرِ
إنَّ الْمُسَاقَاةَ عَلَى الْمُخْتَارِ ... لَازِمَةٌ بِالْعَقْدِ فِي الْأَشْجَارِ
وَالزَّرْعِ لَمْ يَيْبَسْ وَقَدْ تَحَقَّقَا ... قِيلَ مَعَ الْعَجْزِ وَقِيلَ مُطْلَقَا
وَأَلْحَقُوا الْمَقَاثِي بِالزَّرْعِ وَمَا ... كَالْوَرْدِ وَالْقُطْنِ عَلَى مَا قُدِّمَا
أَخْبَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُسَاقَاةَ الَّتِي هِيَ الْعَقْدُ عَلَى عَمَلِ النَّبَاتِ مِنْ سَقْيٍ وَغَيْرِهِ عَقْدٌ لَازِمٌ لِكُلٍّ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَشْرَعْ فِي الْعَمَلِ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ فِي ذَلِكَ وَمُقَابِلُ الْمُخْتَارِ أَنَّهَا مُنْحَلَّةٌ غَيْرُ لَازِمَةٍ إلَّا بِالشُّرُوعِ وَتَقَدَّمَ فِي نَظْمِ ابْنِ غَازِيٍّ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرَ النَّاظِمُ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ مِنْ اللُّزُومُ وَتَجُوزُ فِي الْأَشْجَارِ سَوَاءٌ عَجَزَ رَبُّهَا عَنْ سَقْيِهَا أَوْ عِلَاجِهَا أَوْ لَا فَقَوْلُهُ فِي
(2/108)

الْأَشْجَارِ لَا يَتَعَلَّقُ بِلَازِمَةٍ كَمَا قَدْ يَتَبَادَرُ بَلْ بِتَجَوُّزِ مِقْدَارٍ كَمَا قَرَّرْنَاهُ.
وَإِلَى هَذَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ ثُمَّ أَخْبَرَ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي أَنَّهَا تَجُوزُ فِي الزَّرْعِ قَبْلَ يُبْسِهِ بَعْدَ تَحَقُّقِ كَوْنِهِ زَرْعًا بِشَرْطِ عَجْزِ رَبِّهِ عَنْ عَمَلِهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَمُطْلَقًا عَجَزَ عَنْ عَمَلِهِ أَوْ لَمْ يَعْجِزْ فَيَكُونُ كَالْأَشْجَارِ فِي قَوْلِهِ ابْنُ نَافِعٍ (ابْنُ رُشْدٍ) مَا كَانَ غَيْرَ ثَابِتٍ فِي الْأَصْلِ كَالْقِثَّاءِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالزَّرْعِ وَالْكَمُّونِ وَقَصَبِ السُّكَّرِ لَا تَجُوزُ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ حَتَّى يَعْجِزَ عَنْهُ صَاحِبُهُ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ (ابْنُ يُونُسَ) رَأَى مَالِكٌ أَنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا وَرَدَتْ فِي الثِّمَارِ فَجُعِلَ الزَّرْعُ وَمَا أَشْبَهَهُ أَخْفَضَ رُتْبَةً مِنْ الثِّمَارِ فَلَمْ يُجِزْهَا إلَّا عِنْدَ شِدَّةِ الضَّرُورَةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ إجَازَةِ الْمُسَاقَاةِ وَهُوَ أَنْ يَعْجِزَ عَنْ الْقِيَامِ بِهِ وَبَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْأَرْضِ فَيَصِيرَ نَبْتًا كَالشَّجَرِ اهـ.
فَقَوْلُهُ وَالزَّرْعِ هُوَ بِالْخَفْضِ عَطْفٌ عَلَى الْأَشْجَارِ وَجُمْلَةُ لَمْ يَيْبَسْ صِفَةٌ لِلزَّرْعِ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ مُسَاقَاةِ الزَّرْعِ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَيْبَسْ أَمَّا أَنْ يَبِسَ وَبَدَا صَلَاحُهُ وَحَلَّ بَيْعُهُ فَلَا يَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ وَيَأْتِي لِلنَّاظِمِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ الْمُسَاقَاةِ فِي الزَّرْعِ وَغَيْرِهِ أَنْ لَا يَحِلَّ بَيْعُهُ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَقَدْ تَحَقَّقَا إلَى اشْتِرَاطِ خُرُوجِهِ مِنْ الْأَرْضِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي آخِرِ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ وَبَقِيَ عَلَى النَّاظِمِ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي ذَكَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي قَوْلِهِ كَزَرْعٍ وَقَصَبٍ وَبَصَلٍ وَمَقْثَاةٍ إنْ عَجَزَ رَبُّهُ وَخِيفَ مَوْتُهُ وَبَرَزَ وَلَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ خَوْفُهُ عَلَى مَوْتِهِ وَرُبَّمَا اسْتَرْوَحَ مِنْ شَرْطِ عَجَزَ رَبُّهُ لِأَنَّهُ إذًا لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ الْمَوْتَ فَلَيْسَ بِعَاجِزٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ
قِيلَ مَعَ الْعَجْزِ وَقِيلَ مُطْلَقَا
يَرْجِعُ لِلزَّرْعِ فَقَطْ لَا لَهُ وَلِلْأَشْجَارِ ثُمَّ أَشَارَ النَّاظِمُ بِالْبَيْتِ الثَّالِثِ إلَى أَنَّ الْفُقَهَاءَ أَلْحَقُوا الْمَقَاثِئَ وَمَا أَشْبَهَهُمَا كَالْكَتَّانِ وَالْبَصَلِ بِالزَّرْعِ أَيْ فِي جَوَازِ مُسَاقَاتِهِ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ وَقَالَ الشَّارِحُ فِي اشْتِرَاطِ الْعَجْزِ وَعَدَمِهِ وَقَوْلُهُ وَمَا كَالْوَرْدِ قَالَ الشَّارِحُ لَيْسَ هُوَ مَعْطُوفًا عَلَى الْمَقَاثِئِ الْمُلْحَقَةِ بِالزَّرْعِ لِإِيهَامِهِ كَوْنَ الْوَرْدِ لَا تَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ إلَّا مَعَ الْعَجْزِ وَإِنَّمَا هُوَ الْمَعْطُوفُ عَلَى الْأَشْجَارِ وَيَكُونُ قَدْ ذَهَبَ فِي الْقُطْنِ عَلَى مَا حَكَى ابْنُ الْمَوَّازِ مِنْ جَوَازِ مُسَاقَاتِهِ وَإِنْ يَعْجِزَ عَنْهُ لَا عَلَى مَا حَكَى ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَلَدِهِ وَأَمَّا الْوَرْدُ فَتَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْجِزْ عَنْهُ اتِّفَاقًا (قُلْت) وَالْأَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ مَا مِنْ قَوْلِهِ وَمَا كَالْوَرْدِ مَوْصُولًا مُبْتَدَأٌ وَكَالْوَرْدِ يَتَعَلَّقُ بِفِعْلٍ وَاجِبِ الْإِضْمَارِ صِلَةُ مَا وَالْقُطْنِ مَعْطُوفٌ عَلَى كَالْوَرْدِ عَلَى مَا قَدِّمَا خَبَرٌ مَا وَمَعْنَاهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ عَجْزِ رَبِّهِ عَنْهُ وَعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ يُونُسَ وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ بِمُسَاقَاةِ الْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَالْقُطْنِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَإِنْ لَمْ يَعْجِزْ عَنْ ذَلِكَ رَبُّهُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ لِأَنَّ الْقُطْنَ عِنْدَهُمْ شَجَرٌ يُجْنِي سِنِينَ فَهُوَ كَالْأُصُولِ الثَّابِتَةِ وَأَمَّا بِبَلَدِنَا فَلَا تَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ إلَّا أَنْ يَعْجِزَ عَنْهُ رَبُّهُ لِأَنَّ أَصْلَهُ غَيْرُ ثَابِتٍ اهـ.
وَفِي الْمَوَّاق عَلَى قَوْلِهِ وَهَلْ كَذَلِكَ الْوَرْدُ وَنَحْوَهُ وَالْقُطْنُ مَا نَصُّهُ تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْوَرْدَ وَالْيَاسَمِينَ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِمَا الْعَجْزُ بِاتِّفَاقٍ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقُطْنِ وَالزَّرْعِ أَيْ فَيُشْتَرَطُ الْعَجْزُ فِي الْقُطْنِ خِلَافًا لِمَنْ تَأَوَّلَ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى أَنَّ الْقُطْنَ كَالْوَرْدِ أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَجْزُ وَقَوْلُ ابْنِ يُونُسَ اُخْتُلِفَ فِي الْوَرْدِ وَقَصَبِ الْحُلْوِ اهـ.
فَقَوْلُهُ وَقَوْلُ ابْنِ يُونُسَ هُوَ مَخْفُوضٌ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ لِمَنْ تَأَوَّلَ فَتَحَصَّلَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْوَرْدَ لَا يُشْتَرَطُ عَجْزُ رَبِّهِ اتِّفَاقًا عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ وَهُوَ كَالشَّجَرِ وَإِنَّ الزَّرْعَ يُشْتَرَطُ فِيهِ عَجْزُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالْقُطْنُ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِيهِ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ أَكْثَرُ الشُّيُوخِ وَقَوْلُهُ عَلَى مَا قَدِمَا قَالَ الشَّارِحُ أَيْ عَلَى مَا سَبَقَ لَهُ مَنْ الشَّارِحِ الْعَجْزُ فِي قَوْلِ مِنْ اعْتَبَرَهُ وَعَدَمِهِ فِي قَوْلِ مَنْ لَمْ يَعْتَبِرْهُ وَأَشَارَ الشَّيْخُ بِكَافِ التَّشْبِيهُ إلَى أَمْثَالِ الْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ، وَشِبْهِ ذَلِكَ اهـ.
(2/109)

وَامْتَنَعَتْ فِي مَخْلِفِ الْإِطْعَامِ ... كَشَجَرِ الْمَوْزِ عَلَى الدَّوَامِ
وَمَا يَحِلُّ بَيْعُهُ مَنْ الثَّمَرِ ... وَغَيْرِ مَا يُطْعَمُ مِنْ أَجْلِ الصِّغَرِ
وَفِي مُغَيَّبٍ فِي الْأَرْضِ كَالْجَزَرْ ... وَقَصَبِ السُّكَّرِ خُلْفٌ مُعْتَبَرْ
يَعْنِي أَنَّ الْمُسَاقَاةَ تَمْتَنِعُ فِيمَا يَكُونُ إطْعَامُهُ مُخَلَّفًا عَلَى الدَّوَامِ كَالْمَوْزِ فَعَلَى الدَّوَامِ يَتَعَلَّقُ بِمُخْلِفٍ وَدَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ الدَّاخِلَةِ عَلَى الْمَوْزِ الْقُرْطُ وَالْقَصَبُ وَشِبْهُ ذَلِكَ مِمَّا يُجْنَى وَيُخَلَّفُ مِرَارًا وَتَمْتَنِعُ أَيْضًا فِيمَا حَلَّ بَيْعُهُ مِنْ الثِّمَارِ لِبُدُوِّ صَلَاحِهِ وَفِيمَا لَا يُطْعَمُ مَنْ الشَّجَرِ مِنْ أَجْلِ صِغَرِهِ.
وَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِهَا فِي مُغَيَّبِ الْأَصْل كَالْجَزَرِ وَهُوَ الْإسْفرَايِينيَّة وَاللِّفْتُ وَالْفُجْلُ وَنَحْوُهَا وَكَذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِهَا فِي قَصَبِ السُّكَّرِ أَمَّا مَنْعُهَا فِيمَا يُخَلَّفُ عَلَى الدَّوَامِ فَقَالَ ابْنُ شَاسٍ لِلْأُصُولِ الَّتِي تَجُوزُ مُسَاقَاتُهَا شُرُوطٌ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَجْنِي ثَمَرَتُهُ وَلَا تُخَلَّفُ وَاحْتَرَزْنَا بِقَوْلِنَا وَلَا تُخَلَّفُ مِنْ الْمَوْزِ وَالْقَصَبِ وَالْقُرْطِ وَالْبَقْلِ لِأَنَّهُ بَطْنٌ بَعْدَ بَطْنٍ وَجِزَّةٌ بَعْدَ جِزَّةٍ اهـ.
وَفِي الشَّارِحِ وَظَاهِرُ سِيَاقِهِ أَنَّهُ لِابْنِ يُونُسَ وَلَا تَجُوزُ مُسَاقَاةُ الْمَوْزِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا رَبُّهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا ثَمَرٌ لِأَنَّ الْمَوْزَ يُجَزُّ ثُمَّ يُخَلِّفُ فَهُوَ كَالْقَصَبِ وَالْبَقْلِ وَلَا بَأْسَ بِشِرَاءِ الْمَوْزِ فِي شَجَرَةٍ إذَا حَلَّ بَيْعُهُ وَيُسْتَثْنَى مِنْ بُطُونِهِ عَشَرَةُ أَوْ خَمْسَةُ بُطُونٍ أَوْ مَا تُطْعِمُ هَذِهِ السَّنَةُ أَوْ سَنَةٌ وَنِصْفَانِ وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ وَالْقَضْبُ مِثْلُهُ اهـ.
وَمَعْنَى يُسْتَثْنَى مِنْ بُطُونِهِ أَيْ يُشْتَرَطُ وَأَمَّا مَنْعُهَا فِيمَا يَحِلُّ بَيْعُهُ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ الْمُسَاقَاةُ فِي كُلِّ ذِي أَصْلٍ مِنْ الشَّجَرِ جَائِزٌ مَا لَمْ يَحِلَّ بَيْعُ ثَمَرِهَا عَلَى مَا يُشْتَرَطُ مِنْ ثُلُثٍ أَوْ رُبْعٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَيَجُوزُ عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ جَمِيعَ الثَّمَرَةِ كَالرِّبْحِ فِي الْقِرَاضِ اهـ (الْمَوَّاقُ) .
وَانْظُرْ هَذَا فَإِنَّ مَا حَلَّ بَيْعُهُ يَجُوزُ إعْطَاؤُهُ بِجُزْءٍ لَكِنْ عَلَى وَجْهِ الْإِجَارَةِ (وَفِي الْمُوَطَّأِ) مُسَاقَاةٌ مَا حَلَّ بَيْعُهُ كَالْإِجَارَةِ قَالَ سَحْنُونٌ مُسَاقَاةُ مَا حَلَّ بَيْعُهُ هِيَ إجَارَةٌ جَائِزَةٌ ابْنُ يُونُسَ كَجَوَازِ بَيْعِ نِصْفِهِ وَلِأَنَّ مَا جَازَ بَيْعُهُ حَازَتْ الْإِجَارَةُ بِهِ وَأَمَّا مَنْعُهَا فِيمَا لَا يُطْعَمُ مِنْ الشَّجَرِ لِصِغَرِهِ فَقَالَ عِيَاضٌ مِنْ شُرُوطِ الْمُسَاقَاةِ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا فِي أَصْلٍ بِثَمَرٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَزْهَارِ وَالْأَوْرَاقِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا كَالْوَرْدِ وَالْآسِ وَأَمَّا الْخِلَافُ فِي الْمُغَيَّبِ فِي الْأَرْضِ فَفِي ابْنِ يُونُسَ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ الْمُسَاقَاةُ فِي الزَّرْعِ وَالْجَزِّ وَالْبِطِّيخِ وَالْأُصُولِ الْمُغَيَّبَةِ جَائِزَةٌ عَجَزَ عَنْهُ صَاحِبُهُ أَوْ لَمْ يَعْجِزْ وَفِيهِ أَيْضًا قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ لَا يُسَاقَى شَيْءٌ مِنْ الْبَقْلِ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ رَبُّهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَكَذَلِكَ اللِّفْتُ وَالْأُصُولُ الْمُغْنِيَةُ الَّتِي لَا تُدَّخَرُ فَهِيَ كَالْبَقْلِ اهـ.
وَأَمَّا الْخِلَافُ فِي قَصَبِ السُّكَّرِ فَفِي ابْنِ يُونُسَ أَيْضًا وَاخْتُلِفَ فِي قَصَبِ الْحُلْوَةِ فَقِيلَ تَجُوزُ أَيْ مُسَاقَاتُهُ وَقِيلَ لَا تَجُوزُ اهـ.
قَوْلُهُ وَمَا يَحِلُّ مَعْطُوفٌ عَلَى مُخَلَّفِ وَكَذَا لَفْظُ غَيْرِ وَقَوْلُهُ وَفِي مُغَيَّبٍ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَفِي الْأَرْضِ يَتَعَلَّقُ بِهِ خُلْفٌ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَمُعْتَبَرٌ صِفَةُ خُلْفٌ
(2/110)

وَإِنْ بَيَاضٌ قَلَّ مَا بَيْنَ الشَّجَرْ ... وَرَبُّهُ يُلْغِيه فَهْوَ مُغْتَفَرْ
وَجَازَ أَنْ يَعْمَلَ ذَاكَ الْعَامِلُ ... لَكِنْ بِجُزْءٍ جُزْؤُهَا يُمَاثِلُ
بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَا يُزْدَرَعُ ... مِنْ عِنْدِهِ وَجُزْءُ الْأَرْضِ تَبَعُ
وَحَيْثُمَا اشْتَرَطَ رَبُّ الْأَرْضِ ... فَائِدَةً فَالْفَسْخُ أَمْرٌ مَقْضِيّ
إذَا كَانَ فِي الْحَائِطِ الْمُسَاقَى بَيَاضٌ بَيْنَ أَشْجَارِهِ بِحَيْثُ يَصِلُهُ سَقْيُ الْعَامِلِ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ ثُلُثًا فَأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَيَأْتِي كَيْفِيَّةُ التَّوَصُّلِ إلَى كَوْنِهِ ثُلُثًا أَوْ أَكْثَرَ فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ فَلَا يَجُوزُ إدْخَالُهُ فِي الْمُسَاقَاةِ فَإِنْ عَقَدَ الْمُسَاقَاةَ وَلَمْ يَذْكُرَاهُ كَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا وَكَانَ الْبَيَاضُ بَاقِيًا لِرَبِّهِ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي الْمُسَاقَاةِ وَإِنْ كَانَ الثُّلُثَ فَأَدْنَى جَازَ إدْخَالُهُ فِي الْمُسَاقَاةِ وَجَازَ إلْغَاؤُهُ لِلْعَامِلِ.
(وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَالرِّسَالَةِ) وَهُوَ أَحَلُّهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ رَبُّ الْحَائِطِ لِنَفْسِهِ إنْ كَانَ الْعَامِلُ بِسَقْيِهِ فَإِنْ كَانَ بَعْلًا وَكَانَ لَا يُسْقَى بِمَاءِ الْحَائِطِ فَجَائِزٌ وَاخْتُلِفَ إذَا عَقَدَ الْمُسَاقَاةَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فَقَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ سَحْنُونٍ هُوَ لِرَبِّهِ وَإِنْ زَرَعَهُ الْعَامِلُ بِغَيْرِ عِلْمِ صَاحِبِ الْحَائِطِ كَانَ عَلَيْهِ كِرَاءُ الْمِثْلِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ الْعَامِلُ وَحْدَهُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا أَدْخَلَاهُ فِي الْمُسَاقَاةِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَتَسَاوَى مَا يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ مِنْ جُزْءِ الثَّمَرَةِ مَعَ جُزْءِ الْبَيَاضِ وَأَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ وَالْمُؤْنَةُ عَلَى الْعَامِلِ فَلَوْ سَاقَاهُ الشَّجَرَ عَلَى الثُّلُثِ وَالْأَرْضَ عَلَى النِّصْفِ وَهُوَ أَكْثَرُ عَمَلِ النَّاسِ عِنْدَنَا الْيَوْمَ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ الثَّانِي لِأَصْبَغَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ الثَّالِثُ أَنَّهُ جَائِزٌ رَجَعَ إلَيْهِ أَصْبَغَ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ عِنْدِ صَاحِبِ الْحَائِطِ وَلَا مِنْ عِنْدِهِمَا وَكَيْفِيَّةُ التَّوَصُّلِ إلَى كَوْنِهِ ثُلُثًا أَوْ أَكْثَرَ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ صِفَةُ اعْتِبَارِ التَّبَعِيَّةِ أَنْ يُنْظَرَ إلَى كِرَاءِ الْأَرْضِ كَأَنَّهُ خَمْسَةٌ وَإِلَى غَلَّةِ النَّخْلِ عَلَى الْمُعْتَادِ مِنْهَا بَعْدَ إسْقَاطِ قَدْرِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا فَإِنْ بَقِيَ عَشَرَةٌ كَانَ كِرَاءُ الْأَرْضِ الثُّلُثَ فَجَائِزٌ لِأَنَّهُ تَبَعٌ وَلَوْ بَقِيَ مِنْ قِيمَةِ الثَّمَرِ ثَمَانِيَةٌ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْخَمْسَةَ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ الْجُمْلَةِ مِنْ الْمَوَّاق وَمِثْلُهُ فِي الْقَلْشَانِيِّ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَزَادَ أَنَّ بَعْضَ الشُّيُوخِ أَنْكَرَ طَرْحَ قَدْرِ النَّفَقَةِ مِنْ قِيمَةِ الثَّمَرَةِ قَالَ لِأَنَّ بِالْخِدْمَةِ
(2/111)

وَالنَّفَقَةِ يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ جُزْءَ الثَّمَرَةِ فَكَيْفَ يُطْرَحُ مِنْ قِيمَةِ الثَّمَرَةِ؟ اهـ.
وَالْمُعْتَبَرُ فِي كَوْنِ الْبَيَاضِ ثُلُثًا أَوْ أَكْثَرَ جَمِيعُ الثَّمَرَةِ لَا نَصِيبُ الْعَامِلِ فَقَطْ قَالَ الْبَاجِيُّ ظَاهِرُ أَقْوَالِ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ تَبَعِيَّةُ الْبَيَاضِ لِجَمِيعِ ثَمَرَةِ الْحَائِطِ فِي لَغْوِهِ وَفِي إدْخَالِهِ فِي الْمُسَاقَاةِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي إدْخَالِهِ فِيهَا وَالْمُعْتَبَرُ فِي لَغْوِهِ لِلْعَامِلِ تَبَعِيَّتُهُ لَحْظَةً فَقَطْ اهـ.
مِنْ الْقَلْشَانِيِّ وَبَعْضُهُ مِنْ الْمَوَّاق إذَا فَرَغْنَا مِنْ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ بِتَقْرِيبٍ وَاخْتِصَارٍ فَلْنَرْجِعْ إلَى أَلْفَاظِ النَّظْمِ فَقَوْلُهُ وَإِنْ بَيَاضٌ قَلَّ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْبَيَاضِ الْقَلِيلِ وَهُوَ مَا كَانَ كِرَاؤُهُ ثُلُثًا فَأَقَلَّ مِنْ مَجْمُوعِ قِيمَةِ الثَّمَرَةِ وَكِرَاءِ ذَلِكَ الْبَيَاضِ وَقَوْلُهُ وَرَبُّهُ يُلْغِيه أَيْ لِلْعَامِلِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالرِّسَالَةِ وَهُوَ أَحَلُّهُ قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ أَيْ أَحَلُّ لَهُ فَيُتَحَمَّلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ لِيَخْرُجَ مِنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا تُنْبِتُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى عَقْدِ الْبَيَاضِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى الْعَامِلِ وَلَا بَأْسَ هُنَا لِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِ وَقَالَ الْإِمَامُ الْغُبْرِينِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَلَالَ مُتَفَاوِتٌ فَمَا كَانَ دَلِيلُهُ أَجْلَى أَوْ لَهُ أَدِلَّةٌ كَثِيرَةٌ يُؤْتَى بِهِ بِصِيغَةِ أَفْعَلَ وَمَا كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا فَيُقَالُ حَلَالٌ وَأَحَلُّ وَحَرَامٌ وَأَحْرَمُ قَالَ وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْمَازِرِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ اهـ.
وَقَالَ الْقَلْشَانِيّ فِي شَرْحِهِ رَأَيْت لِلْإِمَامِ الْمَازِرِيِّ فِي تَعْلِيقِهِ الْجَوْرَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ وَهُوَ أَحَلُّهُ وَأَنَّهُ أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ وَكَيْفَ يَكُونُ بَعْضُ الْحَلَالِ أَحَلَّ مِنْ بَعْضٍ وَاَلَّذِي عَلِقَ الْآنَ بِحِفْظِي مِنْهُ إنْ ذَلِكَ يَرْجِعُ لِوُضُوحِ دَلِيلِ أَحَدِهِمَا وَقُوَّتِهِ فَهُمَا وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي الْحِلْيَةِ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا أَبْلَغُ فِيهَا بِقُوَّةِ الدَّلِيلِ اهـ.
وَقَوْلُهُ
وَجَازَ أَنْ يَعْمَلَ ذَاكَ الْعَامِلُ
الْبَيْتَيْنِ يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ إدْخَالُهُ الْبَيَاضَ الْيَسِيرَ فِي الْمُسَاقَاةِ بِشَرْطَيْنِ الْأَوَّلُ أَنْ يَتَسَاوَى الْجُزْءُ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ مِنْ الشَّجَرِ وَالْبَيَاضُ فَلَا يَأْخُذُ أَحَدَهُمَا عَلَى الثُّلُثِ وَالْآخَرَ عَلَى النِّصْفِ مَثَلًا وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ
لَكِنْ بِجُزْءٍ جُزْؤُهَا يُمَاثِلُ
وَتَقَدَّمَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ الزَّرِيعَةُ عَلَى الْعَامِلِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ
بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَا يُزْدَرَعُ
مِنْ عِنْدِهِ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ وَجُزْءُ الْأَرْضِ تَبَعٌ أَيْ لِلْمُسَاقَاةِ لِقِلَّتِهِ وَهُوَ كَالْمُسْتَغْنَى عَنْهُ لِأَنَّ قَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْبَيَاضِ الْقَلِيلِ وَقَوْلُهُ
وَحَيْثُمَا اشْتَرَطَ رَبُّ الْأَرْضِ
الْبَيْتَ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَهُ رَبُّ الْحَائِطِ لِنَفْسِهِ إنْ كَانَ الْعَامِلُ يَسْقِيه وَزَادَ هُنَا أَنَّ الْمُسَاقَاةَ تُفْسَخُ إذَا اشْتَرَطَهُ وَظَاهِرُهُ قَبْلَ الْعَمَلِ وَلَا إشْكَالَ وَكَذَا بَعْدَهُ وَيُرَدُّ الْعَامِلُ إمَّا إلَى مُسَاقَاةِ الْمِثْلِ وَإِمَّا إلَى إجَارَةِ الْمِثْلِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَا فَسَدَ مِنْ الْعُقُودِ الْمُسْتَثْنَاةِ مِنْ أُصُولٍ مَمْنُوعَةٍ هَلْ يُرَدُّ إلَى صَحِيحِ نَفْسِهِ أَوْ إلَى صَحِيحِ أَصْلِهِ
وَلَا تَصِحُّ مَعَ كِرَاءٍ لَا وَلَا ... شَرْطِ الْبَيَاضِ لِسِوَى مَنْ عَمِلَا
وَلَا اشْتِرَاطِ عَمَلٍ كَثِيرِ ... يَبْقَى لَهُ كَمِثْلِ حَفْرِ الْبِئْرِ
وَلَا اخْتِصَاصُهُ بِكَيْلٍ أَوْ عَدَدْ ... أَوْ نِحْلَةٍ مِمَّا عَلَيْهِ قَدْ عَقَدْ
ذَكَرَ هُنَا مَوَانِعَ لِصِحَّةِ الْمُسَاقَاةِ فَذَكَرَ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ مَعَ الْكِرَاءِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي لَا يَجْتَمِعُ اثْنَانِ مِنْهَا فِي عَقْدٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فِي قَوْلِ النَّاظِمِ أَوَّلَ الْبُيُوعِ
وَجَمْعٌ بَيْعٍ مَعَ شِرْكَةٍ وَمَعْ
الْبَيْتَيْنِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْكِرَاءَ لَمْ يُذْكَرْ مَعَ تِلْكَ الْعُقُودِ وَلَكِنَّهُ مُنْدَرِجٌ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَنْفَعَةٍ وَعَلَّلَ الشَّارِحُ ذَلِكَ بِمَا يَحْصُلُ بِاجْتِمَاعِهِمَا مِنْ كَثْرَةِ الْغَرَرِ وَلَا تَصِحُّ أَيْضًا بِشَرْطِ الْبَيَاضِ مِنْ غَيْرِ الْعَامِلِ مِنْ رَبِّ الْحَائِطِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ وَالْمَرَادُ بِالْبَيَاضِ الْبَيَاضُ الْمُتَقَدِّمُ فِي قَوْلِهِ
وَإِنْ بَيَاضٌ قَلَّ مَا بَيْنَ الشَّجَرْ
وَهُوَ الْقَلِيلُ الْكَائِنُ بَيْنَ الشَّجَرِ الَّذِي يَصِلُهُ سَقْيُ الْعَامِلِ فَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ وَلَا تَصِحُّ أَيْضًا مَعَ اشْتِرَاطِ عَمَلٍ كَثِيرٍ يَبْقَى لِرَبِّ الْحَائِطِ كَحَفْرِ بِئْرٍ وَبِنَاءِ حَائِطٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
وَمَفْهُومُهُ أَنَّ الْعَمَلَ الْقَلِيلَ جَائِزٌ وَهُوَ عَلَيْهِ اشْتَرَطَ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ مِثْلُ سَدِّ الْحَظِيرَةِ وَإِصْلَاحِ الضَّفِيرَةِ الْحَظِيرَةُ مَا يُحْظَرُ بِهِ الْحَائِطُ أَيْ يَمْنَعُ الدُّخُولَ إلَيْهِ كَالزَّرْبِ وَالْحَائِطِ وَالْحَفْرِ وَنَحْوِهَا مَأْخُوذٌ مِنْ الْحَظْرِ بِالْمُشَالَةِ الَّذِي هُوَ الْمَنْعُ فَإِذَا انْفَتَحَتْ ثُقْبَةٌ فِي الزَّرْبِ أَوْ فِي الْحَائِطِ فَعَلَى الْعَامِلِ سَدُّهَا وَغَلْقُهَا وَالسَّدُّ قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ رَوَيْنَاهُ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَقَالَ بَعْضُ شَارِحِي الرِّسَالَةِ بِالْمُعْجَمَةِ وَنُقِلَ عَنْ يَحْيَى مَا حُظِرَ بِزَرْبٍ
(2/112)

فَبِالْمُعْجَمَةِ وَمَا كَانَ بِجِدَارٍ فَبِالْمُهْمَلَةِ وَنَحْوَهُ فِي الْقَلْشَانِيّ وَإِصْلَاحُ الضَّفِيرَةِ قَالَ الْقَلْشَانِيّ هُوَ عِيدَانٌ تُنْسَجُ وَتُضَفَّرُ وَتُطَيَّنُ يَجْتَمِعُ فِيهَا الْمَاءُ كَالصِّهْرِيجِ وَكَذَا لَا تَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ أَيْضًا عَلَى اشْتِرَاطِ اخْتِصَاصِ أَحَدِهِمَا بِكَيْلٍ كَوَسْقٍ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا عَلَى الْجُزْءِ الَّذِي اتَّفَقَا عَلَيْهِ أَوْ اخْتِصَاصِهِ بِعَدَدٍ مَنْ الرُّمَّانِ مَثَلًا كَمِائَةٍ أَوْ أَلْفٍ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ أَوْ اخْتِصَاصِهِ بِثَمَرِ نَخْلَةٍ أَوْ أَكْثَرَ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا أَيْضًا إذَا كَانَ ذَلِكَ الْمُخْتَصُّ بِهِ مِنْ الْأَشْجَارِ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ مِمَّا عَلَيْهِ قَدْ عَقَدَ وَأَحْرَى فِي الْمَنْعِ اخْتِصَاصُ الْعَامِلِ بِكَيْلٍ أَوْ عَدَدٍ أَوْ ثَمَرَةِ نَخْلَةٍ مِنْ غَيْرِ مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْمُسَاقَاةُ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ وَمُسَاقَاةٌ. وَتَقَدَّمَ مَنْعُ اجْتِمَاعِهَا
وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ بِكَيْلٍ أَوْ عَدَدٍ أَوْ نَخْلَةٍ أَنَّ اخْتِصَاصَ أَحَدِهِمَا بِجُزْءٍ شَائِعٍ لَا يَمْتَنِعُ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُؤَوَّلُ إلَى الْجُزْءِ فَقَوْلُهُ وَلَا شَرْطٍ وَقَوْلُهُ وَلَا اشْتِرَاطٍ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْخَفْضِ عَطْفٌ عَلَى كِرَاءٍ وَكَذَا لَفْظُ اخْتِصَاصِهِ وَضَمِيرٌ لَهُ لِرَبِّ الْحَائِطِ وَضَمِيرُ اخْتِصَاصُهُ لِمَنْ ذَكَرَ وَهُوَ الْعَامِلُ لِتَقَدُّمِهِ فِي قَوْلِهِ لِسِوَى مَنْ عَمِلَا وَرَبُّ الْحَائِطِ لِتَقَدُّمِهِ فِي قَوْلِهِ يَبْقَى لَهُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ.
وَلَا تَجُوزُ مُسَاقَاةٌ وَبَيْعٌ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ، لَا مُسَاقَاةٌ وَكِرَاءٌ فَإِذَا كَانَ فِي الْحَائِطِ بَيَاضٌ تَبَعٌ لَمْ يَجُزْ كِرَاؤُهُ وَمُسَاقَاةَ الْحَائِطِ وَإِذَا كَانَ فِي الْأَرْضِ الْمُكْتَرَاةِ سَوَادٌ تَبَعٌ لَهَا تَجُزْ مُسَاقَاةٌ مَعَ كِرَاءِ الْأَرْضِ فِي صَفْقَةٍ (وَفِي ابْنِ يُونُسَ أَيْضًا) قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ جُمْلَةُ مَا يُشْتَرَطُ عَلَى الْعَامِلِ عَلَى ضَرْبَيْنِ مِنْهُ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالثَّمَرَةِ وَمِنْهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فَمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالثَّمَرَةِ فَلَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ عَقْدٌ مُسْتَثْنًى مِنْ الْأُصُولِ الْمَمْنُوعَةِ جُوِّزَ لِلضَّرُورَةِ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ إلَّا مَا جَوَّزَهُ الشَّرْعُ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ كَانَ إجَارَةً مَجْهُولَةً وَبَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالثَّمَرَةِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ مِنْهُ مَا يَنْقَطِعُ بِانْقِطَاعِهَا وَيَبْقَى بَعْدَهَا الشَّيْءُ الْيَسِيرُ فَهُوَ جَائِزٌ مَثَلُ التَّذْكِيرِ وَالتَّلْقِيحِ وَالسَّقْيِ وَإِصْلَاحِ مُوَاضَعَةٍ وَجَلْبِ الْمَاءِ وَالْجِذَاذِ وَمَا يَتَّصِلُ بِذَلِكَ.
فَهَذَا وَشَبَهُهُ لَازِمٌ وَعَلَيْهِ أَخْذُ الْعِوَضِ وَمِنْهُ مَا يَبْقَى بَعْدَ انْقِطَاعِهَا وَيَنْتَفِعُ بِهِ رَبُّهَا مِثْلَ حَفْرِ بِئْرٍ لَهَا أَوْ بِنَاءِ بَيْتٍ يُجْنَى فِيهِ كَالْحَزْرِ أَوْ إنْشَاءِ غِرَاسٍ فَهَذَا لَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ يَنْفَرِدُ بِهَا رَبُّ الْحَائِطِ فَهِيَ كَالْوَجْهِ الْأَوَّلِ الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ بِالثَّمَرَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ (وَابْنُ يُونُسَ أَيْضًا) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنْ سَاقَى حَائِطَهُ عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا مِنْ الثَّمَرَةِ مَكِيلَةً مَعْلُومَةً مَا يَبْقَى بَيْنَهُمَا لَمْ يَجُزْ وَيَكُونُ لِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنْ شُرِطَ أَنَّ لِرَبِّ الْحَائِطِ نِصْفَ ثَمَرَةِ الْبَرْنِيِّ الَّذِي فِي الْحَائِطِ وَبَاقِي ثَمَرَةِ الْحَائِطِ لِلْعَامِلِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ خَطَرٌ (وَفِي تَبْصِرَةِ اللَّخْمِيِّ) وَلَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ عَلَى أَنْ يَبْدَأَ أَحَدُهُمَا بِمَكِيلَةِ ثُمَّ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا أَنْصَافًا أَوْ أَثْلَاثًا وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَاقَى عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا جُزْءًا مِنْ عَشَرَةٍ أَوْ مِنْ خَمْسَةٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى جُزْءٍ مَعْلُومٍ لِأَحَدِهِمَا خَمْسَةٌ وَنِصْفٌ وَلِلْآخَرِ أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ.
وَفِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ مَالِكٌ لَا يَنْبَغِي لِلسَّاقِي أَنْ يَشْتَرِطَ ثَمَرَةَ نَخْلَةٍ وَاحِدَةٍ (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ اُسْتُثْنِيَتْ بِالْجَوَازِ لِلضَّرُورَةِ أَيْ فَلَا يُتَجَاوَزُ فِيهَا مَا لَمْ يَرِدْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(2/113)

وَهِيَ بِشَطْرٍ أَوْ بِمَا قَدْ اتُّفِقْ ... بِهِ وَحَدُّ أَمَدٍ لَهَا يَحِقّ
يَعْنِي أَنَّ الْمُسَاقَاةَ تَجُوزُ عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ شَطْرَ الثَّمَرَةِ أَيْ نِصْفَهَا أَوْ غَيْرُ النِّصْفِ مِنْ ثُلُثٍ أَوْ رُبْعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْزَاءِ الشَّائِعَةِ فِي جَمِيعِ ثَمَرَةِ الْحَائِطِ وَخَصَّ الشَّطْرَ بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ الْوَارِدُ فِي الْحَدِيثِ وَيَشْمَلُ قَوْلَهُ أَوْ بِمَا قَدْ اُتُّفِقَ عَلَيْهِ اشْتِرَاطَ كَوْنِ الثَّمَرَةِ كُلِّهَا لِلْعَامِلِ وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ ضَرْبِ الْأَجَلِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَحَدُّ أَمَدٍ لَهَا يَحِقّ (قَالَ اللَّخْمِيُّ) وَالْمُسَاقَاةُ تَجُوزُ عَلَى النِّصْفِ حَسْبَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ وَعَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبْعِ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَأَقَلَّ لِأَنَّهَا مُبَايَعَةٌ فَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ مِنْ الرُّخْصِ وَالْغَلَاءِ عَلَى مَا يَتَرَاضَيَانِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحَوَائِطَ تَخْتَلِفُ فَمِنْهَا مَا يَقِلُّ تَكَلُّفُهُ فِيهِ فَيَقِلُّ جُزْؤُهُ وَمِنْهَا مَا يَكْثُرُ تَبَعُهُ فَيَكْثُرُ جُزْؤُهُ قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ تَكُونَ الْمُسَاقَاةُ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الثَّمَرَةِ لِلْعَامِلِ وَفِي الْمَنْهَجِ السَّالِكِ وَلَا يَجُوزُ فِيهَا الْأَجَلُ الْمَجْهُولُ وَفِي الْجَوَاهِرِ وَالشَّأْنُ فِي الْمُسَاقَاةِ إلَى الْجِذَاذِ لَا تَجُوزُ شَهْرًا وَلَا سَنَةً مَحْدُودَةً وَهِيَ إلَى الْجِذَاذِ إذَا لَمْ يُؤَجَّلَا فَإِنْ أُجِّلَتْ بِسِنِينَ فَيَلْزَمُهُ الْعَمَلُ إلَى آخِرِهَا وَيُعْتَبَرُ فِي السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ إلَى الْجِذَاذِ وَكَذَلِكَ لَوْ سَاقَاهُ سَنَةً وَاحِدَةً لَكَانَ مُنْتَهَاهَا الْجِذَاذَ اهـ.
وَبَاءُ بِهِ فِي الْبَيْتِ بِمَعْنَى عَلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
وَالدَّفْعُ لِلزَّكَاةِ إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ ... بَيْنَهُمَا بِنِسْبَةِ الْجُزْءِ فَقَطْ
يَعْنِي أَنَّ الْمُتَسَاقِيَيْنِ إذَا عَقَدَا الْمُسَاقَاةَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ إخْرَاج الزَّكَاةِ مِنْ نَصِيبِهِ فَإِنَّهَا تُخْرَجُ ابْتِدَاءً ثُمَّ يَكُونُ الْبَاقِي مِنْهُمَا عَلَى مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الزَّكَاةِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْ الثَّمَرَةِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ بِنِسْبَةِ الْجُزْءِ أَيْ جُزْءِ الْغَلَّةِ فَمَنْ لَهُ مِنْهَا رَبْعٌ فَقَدْ أَعْطَى عُشْرَ الرُّبْعِ وَمَنْ لَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا فَقَدْ أَعْطَى عُشْرَ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعٍ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ أَنَّهُ إنْ اشْتَرَطَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَ عَلَيْهِ وَحْدَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) وَلَا بَأْسَ أَنْ تُشْتَرَطَ الزَّكَاةُ فِي حِفْظِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ يَرْجِع إلَى جُزْءٍ مَعْلُومٍ سَاقَى عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ شَيْئًا فَشَأْنُ الزَّكَاةِ أَنْ يُبْدَأَ بِهَا ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ اللَّخْمِيُّ وَقَوْلُ مَالِكٍ إنَّ الْمُسَاقَاةَ مُزَكَّاةٌ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ يَجِبُ ضَمُّهَا لِمَا لَهُ مِنْ ثَمَرٍ غَيْرِهَا وَيُزَكَّى جَمِيعُهَا.
وَلَوْ كَانَ الْعَامِلُ مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَتَسْقُطُ إنْ كَانَ رَبُّ الْحَائِطِ مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَالْعَامِلُ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ اهـ.
(وَقَالَ فِي الْمُقَرِّبِ) قُلْت لَهُ أَيَجُوزُ لِرَبِّ النَّخْلِ أَنْ يَشْتَرِطَ الزَّكَاةَ عَلَى الْعَامِلِ أَوْ يَشْتَرِطَهَا الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ قَالَ إنْ اشْتَرَطَهَا رَبُّ الْحَائِطِ عَلَى الْعَامِلِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَاقَاهُ عَلَى جُزْءٍ مَعْلُومٍ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ لَك أَرْبَعَةُ أَجْزَاءٍ وَلِي سِتَّةٌ وَإِنْ اشْتَرَطَهَا الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ قَالَ إنْ اشْتَرَطَهَا فِي نَصِيبِهِ عَلَى أَنْ تَكُونَ لِلْعَامِلِ خَمْسَةُ أَجْزَاءِ وَلِرَبِّ الْحَائِطِ خَمْسَةُ أَجْزَاءٍ عَلَى أَنْ يُخْرِجَ رَبُّ الْحَائِطِ جُزْءًا مِنْهَا فِي الزَّكَاةِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كَانَ يُخْرِجُهَا مَنْ الثَّمَرَةِ بِعَيْنِهَا وَإِنْ كَانَ اشْتِرَاطُ إخْرَاجِهَا مِنْ عُرُوضٍ أَوْ دَرَاهِمَ فَلَا يَحِلُّ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ قُلْت لَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا فِي الزَّكَاةِ شَرْطٌ كَيْفَ يَصْنَعَانِ فِي الزَّكَاةِ قَالَ يَبْدَأُ بِالزَّكَاةِ فَتُخْرَجُ ثُمَّ يَكُونُ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا عَلَى شَرْطِهِمَا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ اهـ.
وَقَوْلُهُ فِي الْمُقَرَّبِ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ لَك أَرْبَعَةُ أَجْزَاءٍ لِي سِتَّةٌ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَدْخُلَانِ عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَتُقْسَمُ الْغَلَّةُ عَلَى عَشَرَةِ أَجْزَاءَ وَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا ذَكَرَ فِي الْمُقَرَّبِ إمَّا عَلَى التَّفَاضُل كَالرُّبْعِ وَالَثْلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ مَثَلًا فَإِنَّ الثَّمَرَةَ تُقْسَمُ عَلَى أَرْبَعِينَ جُزْءًا لِلِاحْتِيَاجِ إلَى الرُّبْعِ لِمَنْ لَهُ الرُّبْعُ وَالْعُشْرُ الْوَاجِبُ فِي الزَّكَاةِ فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الرُّبْعِ رُبْعُهَا عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ يُعْطَى مِنْهَا إنْ اُشْتُرِطَتْ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ عُشْرُ الْأَرْبَعِينَ وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَتُسْقَى لَهُ سِتَّةُ أَعْشَارِ الرُّبْعِ وَإِنْ اُشْتُرِطَتْ عَلَى صَاحِبِ الثَّلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ كَانَ لَهُ ثَلَاثُونَ جُزْءًا يُعْطَى فِي الزَّكَاةِ أَرْبَعَةٌ تَبْقَى لَهُ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ وَهِيَ رُبْعَانِ وَسِتَّةُ أَعْشَارِ الرَّابِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) وَانْظُرْ إنْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا الزَّكَاةَ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْحَائِطِ نِصَابٌ ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ لَمْ يَعْزُهَا وَلَمْ يَشْتَهِرْ مِنْهَا قَوْلَانِ مَنْ الْمَوَّاق
(2/114)

وَعَاجِزٌ مِنْ حَظِّهِ يُكَمَّلُ ... بِالْبَيْعِ مَعْ بُدُوِّ الصَّلَاحِ الْعَمَلُ
وَحَيْثُ لَمْ يَبْدُ وَلَا يُوجَدُ مَنْ ... يَنُوبُ فِي ذَاكَ مَنَابَ مُؤْتَمَنْ
فَعَامِلٌ يُلْغَى لَهُ مَا أَنْفَقَا ... وَقَوْلُ خُذْ مَا نَابَ وَأَخْرِجْ مُتَّقَى
يَعْنِي أَنَّهُ إذَا عَجَزَ الْعَامِلُ فِي الْمُسَاقَاةِ مِنْ عَمَلِهَا فَلَا يَخْلُو عَجْزُهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِ الثَّمَرَةِ وَجَوَازِ بَيْعِهَا أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ عَجْزُهُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ حَظُّهُ مِنْ الثَّمَرَةِ وَيُسْتَأْجَرُ بِثَمَنِهِ مَنْ يُكْمِلُ الْعَمَلَ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ فَقَوْلُهُ آخِرَهُ الْعَمَلُ هُوَ نَائِبٌ يُكَمَّلُ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُهَا عَاجِزٌ وَالرَّابِطُ ضَمِيرُ حَظِّهِ وَمِنْ حَظِّهِ يَتَعَلَّقُ بِيَكْمُلُ وَأَلْ فِي الْبَيْعِ نَائِبٌ عَنْ الضَّمِيرِ أَيْ بِبَيْعِهِ أَوْ التَّقْدِيرِ لَهُ بِالْبَيْعِ أَيْ لِحَظِّهِ وَمَعَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ حَالَ الْبَيْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنْ كَانَ عَجَزَ الْعَامِلُ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَإِنْ وُجِدَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فَلَا إشْكَالَ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ وَنَفَقَتُهُ وَخِدْمَتُهُ مُلْغَاةٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى لَهُ ثَمَنٌ فِي نَصِيبِهِ مِنْ الثَّمَرَةِ لِأَنَّهُ مِنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَقَوْلُهُ
وَقَوْلُ خُذْ مَا نَابَ وَأَخْرِجْ مُتَّقَى
كَأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ يُلْغِي مَا أَنْفَقَا أَيْ وَلَا يَجُوزُ عَدَمُ الْإِلْغَاءِ بِحَيْثُ يَأْخُذُ لِذَلِكَ ثَمَنًا وَيَنْصَرِفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَسَاقِي يَعْجِزُ بَعْدَ صَلَاحِ الثَّمَرَةِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ نَصِيبُهُ وَيُسْتَأْجَرُ عَلَيْهِ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ فَضْلٌ كَانَ لَهُ وَإِنْ كَانَ نُقْصَانٌ اُتُّبِعَ بِهِ زَادَ ابْنُ يُونُسَ إلَّا أَنْ يَرْضَى رَبُّ الْحَائِطِ أَخْذَهُ وَيُعْفِيه مِنْ الْعَمَلِ فَذَلِكَ لَهُ وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَاقِيَ غَيْرَهُ وَيَسْتَأْجِرَ مَنْ يَعْمَلُ فَإِنَّهُ لَمْ يَجِدْ بَيْعَ نَصِيبِهِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ التَّبْصِرَةِ وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا عَجَزَ قَبْلَ صَلَاحِ الثَّمَرَةِ سَاقَى مَنْ أَحَبَّ أَمِينًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَسْلَمَ الْحَائِطَ إلَى صَاحِبِهِ زَادَ ابْنُ يُونُسَ ثُمَّ لَا شَيْءَ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ (ابْنُ الْمَوَّازِ) وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ تَقُولَ لَهُ خُذْ مَا أَنْفَقْته وَعَلَى كَلَامِ ابْنِ الْمَوَّازِ هَذَا نَبَّهَ النَّاظِمُ
بِقَوْلِهِ وَقَوْلُ خُذْ مَا نَابَ وَاخْرُجْ مُتَّقَى
(فَرْعٌ) :
قَالَ اللَّخْمِيّ لِلْمُسَاقِي أَنْ يُسَاقِيَ غَيْرَهُ عَجَزَ أَوْ لَمْ يَعْجِزْ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي الذِّمَّةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَهُ لِأَمِينٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلَهُ فِي الْأَمَانَةِ فَإِنْ عَجَزَ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَأْخُذُ إلَّا بِمِثْلِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُسَاقَى عَلَى ذَلِكَ أَوْ يَرُدَّ إلَيْهِ وَيَكُونُ أَحَقَّ بِمَا يُسَاقَى غَيْرُهُ انْتَهَى مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ.
(فَرْعٌ) إذَا عَجَزَ الْعَامِلُ قَبْلَ الطِّيبِ وَلَمْ يَجِدْ أَمِينًا فَقَالَ رَبُّ الْحَائِطِ أَنَا أَسْتَأْجِرُهُ مَنْ يَعْمَلُ تَمَامَ الْعَمَلِ وَيَبِيعُ مَا صَارَ لَهُ مِنْ الثَّمَرَةِ وَأَسْتَوْفِي مَا أَدَّيْت فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلَهُ وَإِنْ نَقَصَ اتَّبَعَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ ذَلِكَ كَقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُتَزَارِعِينَ يَعْجِزُ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْعَمَلِ وَقَبْلَ طِيبِ الزَّرْعِ قَالَ يُقَالُ لِصَاحِبِهِ اعْمَلْ فَإِذَا يَبِسَ الزَّرْعُ وَاسْتَوْفَيْت حَقَّك فَمَا فَضَلَ فَلَهُ وَمَا عَجَزَ اتَّبَعْتَهُ بِهِ لِأَنَّ الْعَمَلَ كَانَ لَهُ لَازِمًا فَكَذَلِكَ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) فِي الْمُنْتَخَبِ قُلْت لَهُ فَمَنْ أَخَذَ نَخْلًا مُسَاقَاةً ثَلَاثَ سِنِينَ فَعَمِلَ فِي النَّخْلِ سَنَةً ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتْرُكَ النَّخْلَ وَلَا يَعْمَلُ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِرَبِّ النَّخْلِ أَنْ يُخْرِجَهُ حَتَّى يَنْقَضِيَ أَجَلُ الْمُسَاقَاةِ قُلْت فَإِنْ رَضِيَا أَنْ يَتَتَارَكَا قَبْلَ مُضِيِّ الْأَجَلِ قَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا لَمْ يَأْخُذْ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا عَلَى الْمُتَارَكَةِ
[فَصْلٌ فِي الِاغْتِرَاسِ]
(فَصْلٌ فِي الِاغْتِرَاسِ)
الِاغْتِرَاسُ جَائِزٌ لِمَنْ فَعَلٌ ... مِمَّنْ لَهُ الْبُقْعَةُ أَوْ لَهُ الْعَمَلْ
وَالْحَدُّ فِي خِدْمَتِهِ أَنْ يَطْعَمَا ... وَيَقَعُ الْقَسْمُ بِجُزْءٍ عُلِمَا
وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ مِمَّا عَمِلَا ... شَيْءٌ إلَى مَا جَعَلَاهُ أَجَلَا
(قَالَ الرَّصَّاعُ فِي شَرْحِ الْحُدُودِ) الْمُغَارَسَةُ عَقْدٌ عَلَى تَعْمِيرِ أَرْضٍ بِشَجَرٍ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ كَالْإِجَارَةِ أَوْ كَالْجَعَالَةِ أَوْ بِجُزْءٍ مِنْ الْأَصْلِ وَهَذَا الْحَدُّ يَجْمَعُ أَصْنَافَهَا الصَّحِيحَةَ وَالْفَاسِدَةَ قَالَ وَلَمْ يَحُدَّهَا ابْنُ عَرَفَةَ وَمَا زِلْتُ أَسْتَشْكِلُ عَدَمَ وَسْمِهِ لَهَا وَلَمْ يَظْهَرْ قُوَّةُ جَوَابٍ عَنْهُ انْتَهَى بِالْمَعْنَى وَأَخْبَرَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ
(2/115)

الْمُغَارَسَةَ جَائِزَةٌ لِمَنْ فَعَلَهَا مِنْ مَالِكِ الْبُقْعَةِ مِنْ الْأَرْضِ أَوْ مِنْ الْعَامِلِ وَهُوَ الْغَارِسُ فِيهَا وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ ضَرْبِ الْأَجَلِ كَالْإِطْعَامِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُذْكَرُ بَعْدُ فَإِذَا أَطْعَمَتْ الْأَشْجَارُ وَكَانَ الْجُعْلُ جُزْءًا مِنْ الْأَرْضِ فَلَهُمَا أَنْ يَقْسِمَا الْبُقْعَةَ مِنْ الْأَرْضِ إنْ شَاءَا وَلَهُمَا الْبَقَاءُ عَلَى الشَّرِكَةِ مُشَاعَةً.
وَقَوْلُهُ بِجُزْءٍ عُلِمَا يَتَعَلَّقُ بِجَائِزٍ أَيْ تَجُوزُ الْمُغَارَسَةُ بِجُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ مَعْلُومٍ كَالرُّبْعِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَجْزَاءِ وَإِلَى ذَلِكَ كُلِّهِ أَشَارَ بِالْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ ثُمَّ أَخْبَرَ فِي الثَّالِثِ أَنَّ الْعَامِلَ أَيْ الْغَارِسَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ الْعِوَضِ مِنْ أَجْلِ عَمَلِهِ كَانَ الْعِوَضُ جُزْءًا مِنْ الْأَرْضِ أَوْ نَقْدًا أَوْ عَرْضًا حَتَّى يَنْقَضِيَ الْأَجَلُ الَّذِي ضَرَبَاهُ فَمَا مِنْ قَوْلِهِ مِمَّا عَمِلَ مَصْدَرِيَّةٌ (قَالَ الْمُتَيْطِيّ) اعْلَمْ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَدْفَعَ أَرْضَهُ إلَى مَنْ يَغْرِسُهَا نَخْلًا أَوْ شَجَرًا يُسَمِّي أَصْنَافَهَا لَهُ فَإِذَا بَلَغَتْ النَّخْلَ كَذَا وَكَذَا سَنَةً أَرْبَعًا أَوْ خَمْسَةً أَوْ الشَّجَرَةَ قَدْرَ كَذَا وَارْتِفَاعُهَا وَانْبِسَاطُهَا مِمَّا لَا يُثْمِرُ النَّخْلُ وَلَا الشَّجَرُ قَبْلَ ذَلِكَ.
فَالْأَرْضُ وَالشَّجَرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَوْ عَلَى مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْزَاءِ وَإِنْ جَعَلَا ذَلِكَ إلَى الْأَثْمَارِ كَانَ حَسَنًا لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ وَإِنْ جَعَلَاهُ إلَى قَدْرٍ سَمَّيَاهُ يُثْمِرُ الشَّجَرُ قَبْلَهُ لَمْ يَجُزْ وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ شَيْءٌ مِنْ أَرْضٍ وَلَا شَجَرٍ حَتَّى يَبْلُغَ غَرْسُهُ إلَى مَا اشْتَرَطَاهُ مِمَّا ذَكَرْنَا جَوَازَهُ فَيَكُونُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَلَمْ تَزَلْ الْمُغَارَسَةُ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ قَدِيمًا وَهِيَ مِنْ نَاحِيَةِ الْجُعْلِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَمَذْهَبُهُ اهـ.
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ حَتَّى يَبْلُغَ الْحَدَّ الْمُشْتَرَطَ فَإِنْ أَثْمَرَ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَثْمَرَ أَكْثَرَهَا كَانَ الْغَيْرُ تَبَعًا وَاقْتَسَمَا الْجَمِيعَ وَإِنْ كَانَ الْأَقَلَّ فَإِنْ كَانَ إلَى نَاحِيَةٍ بِعَيْنِهَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا وَسَقَطَ عَنْ الْعَامِلِ الْعَمَلُ فِيهَا وَيَعْمَلُ الْبَاقِي حَتَّى يُثْمِرَ وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَطًا لَزِمَهُ الْعَمَلُ فِي الْجَمِيعِ حَتَّى يَتِمَّ مَطْمَعُهُ وَهَلْ يَكُونُ مَا أَثْمَرَ مِنْ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا أَمْ لَا؟ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ فِيمَا نَبَتَ حَتَّى يَكُونَ الْجُلُّ فَيَسْتَحِقُّ حَظَّهُ مِنْ الْجَمِيعِ وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ أَنَّهُ إذَا مَاتَتْ النَّخْلُ كُلُّهَا إلَّا ثَلَاثَ نَخَلَاتٍ فَهِيَ بَيْنَهُمَا اهـ.
(فَرْعٌ) فَإِنْ كَانَتْ فِي الْأَرْضِ ثَمَرَةٌ فَهِيَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَلَا يَكُونُ لِلْعَامِلِ فِيهَا حَقٌّ وَلَا يَسُوغُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مَعَ الْغَرْسِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ سَقْيِهَا وَعِلَاجُهَا وَمَا نَبَتَ فِيهَا فِي أَثْنَاءِ الْمُغَارَسَةِ مِمَّا لَمْ يَعْلَمَا بِهِ وَإِنْ كَانَ الْعَامِلُ لَمْ يَغْرِسْهَا فَإِنَّهَا تَكُونُ بَيْنَهُمَا مَعَ الْغَرْسِ.
(فَرْعٌ) وَإِنْ كَانَتْ الْمُغَارَسَةُ فِي أَنْوَاعٍ مِنْ الثَّمَرِ فَلَا تَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمَدُ إطْعَامِهَا وَاحِدًا، أَوْ مُتَقَارِبًا، فَإِنْ كَانَتْ بَيْنَ ذَلِكَ بَعْدُ فَالْمُغَارَسَةُ فَاسِدَةٌ وَلَا تَجُوزُ الْمُغَارَسَةُ إلَّا فِي الْأُصُولِ خَاصَّةً.
(فَرْعٌ) وَإِذَا بَلَغَ الْغَرْسُ الْحَدَّ الْمُشْتَرَطَ وَجَبَ لِلْعَامِلِ حَظُّهُ فَإِنْ بَقِيَ لَمْ يَقْتَسِمَاهُ وَاحْتَرَقَ الْغَرْسُ أَوْ طَرَأَتْ عَلَيْهِ آفَةٌ فَإِنَّ الْأَرْضَ تَكُونُ بَيْنَهُمَا إذْ قَدْ اسْتَحَقَّ الْعَامِلُ حَظَّهُ مِنْهَا بِتَمَامِ الْغَرْسِ قَالَ جَمِيعَ ذَلِكَ ابْنُ سَلْمُونٍ
وَشَرْطُ بُقْيَا غَيْرِ مَوْضِعِ الشَّجَرْ ... لِرَبِّ الْأَرْضِ سَائِغٌ إذَا صَدَرْ
وَشَرْطُ مَا يَثْقُلُ كَالْجِدَارِ ... مُمْتَنِعٌ وَالْعَكْسُ أَمْرٌ جَارِ
وَجَازَ أَنْ يُعْطَى بِكُلِّ شَجَرَهْ ... تَنْبُتُ مِنْهُ حِصَّةً مُقَدَّرَهْ
بُقْيَا اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى بَقَاءٌ يَعْنِي أَنَّهُ يَسُوغُ أَنْ يَشْتَرِطَ رَبُّ الْأَرْضِ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ يَبْقَى لِرَبِّ الْأَرْضِ مَا عَدَا مَوَاضِعَ الشَّجَرِ مِنْ الْأَرْضِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ ثُمَّ أَخْبَرَ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي أَنَّ اشْتِرَاط رَبِّ الْأَرْضِ عَلَى الْعَامِلِ مَا يُثْقِلُ عَمَلَهُ وَيَحْتَاجُ إلَى كَثِيرِ الْعَمَلِ لَا يَجُوزُ وَعَكْسُهُ وَهُوَ اشْتِرَاطُ مَا لَا يُثْقِلُ وَلَا كَبِيرُ عَمَلٍ فِيهِ جَائِزٌ (وَقَالَ الْمُتَيْطِيّ) وَإِنْ تَغَارَسَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الشَّجَرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَهُمَا أُصُولُهُمَا مِنْ الْأَرْضِ وَبَقِيَّةُ الْأَرْضِ لِرَبِّهَا جَازَ اهـ وَالشَّاهِدُ لِفِقْهِ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ وَبَقِيَّةُ الْأَرْضِ لِرَبِّهَا جَازَ وَمِثْلُهُ فِي ابْنِ سَلْمُونٍ وَزَادَ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الشَّجَرِ خَاصَّةً دُونَ مَوَاضِعِهَا مِنْ الْأَرْضِ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ دُونَ الشَّجَرِ لَمْ تَجُزْ فَإِنْ نَزَلَ كَانَ لِلْعَامِلِ أَجْرُ عَمَلِهِ اهـ.
(وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ) أَيْضًا وَكَذَلِكَ إنْ شَرَطَ عَلَيْهِ بُنْيَانَ جِدَارِ الْأَرْضِ مِمَّا تَكْثُرُ النَّفَقَةُ فِيهَا لَمْ تَجُزْ وَهُوَ غَرَرٌ لِأَنَّ الْغَرْسَ رُبَّمَا لَمْ يَتِمَّ وَيَهْلِكُ قَبْلَ بُلُوغِ الْحَدِّ الْمُشْتَرَطِ فِيهِ فَتَرْجِعُ الْأَرْضُ إلَى رَبِّهَا وَقَدْ انْتَفَعَ
(2/116)

بِتَنْقِيَتِهَا وَالْبُنْيَانِ حَوْلَهَا وَيَذْهَبُ عَمَلُ الْعَامِلِ بَاطِلًا أَمَّا إنْ كَانَ فِيهَا لُمَعٌ يَسِيرَةٌ مِنْ الشَّعْرَاءِ تَخِفُّ إزَالَتُهَا فَلَا بَأْسَ بِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ عَلَيْهِ كَاشْتِرَاطِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ إقَامَةِ زَرْبٍ أَوْ حَفْرِ شِرْبٍ اهـ.
وَالشَّعْرَاءُ الشَّجَرُ الْكَثِيرُ نَقَلَهُ الْجَوْهَرِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ ثُمَّ أَشَارَ فِي الْبَيْتِ الثَّالِثِ إلَى قَوْلِ الْمُتَيْطِيّ وَابْنِ سَلْمُونٍ وَاللَّفْظُ لِلْأَوَّلِ، الْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ الْمُغَارَسَةُ عَلَى وَجْهِ الْجُعْلِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ اغْرِسْ لِي شَجَرَةً فِي هَذِهِ الْأَرْضِ أُصُولًا تِينًا أَوْ كَرْمًا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَك فِي كُلِّ ثَمَرَةٍ تَنْبُتُ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى حُكْمِ الْجُعْلِ الْمَحْضِ اهـ.
وَنَائِبُ يُعْطَى لِلْعَامِلِ وَضَمِيرُ مِنْهُ لِلْغَرْسِ وَحِصَّةً مَفْعُولٌ ثَانٍ لِيُعْطَى، وَبَاءُ بِكُلٍّ لِلْعِوَضِ كَمَا فِي اشْتَرَيْت الْفَرَسَ بِأَلْفٍ وَفِي {اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى} [البقرة: 16] وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) إذَا أَرَادَ الْعَامِلُ بَيْعَ نَصِيبِهِ قَبْلَ بُلُوغِ الشَّبَابِ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَقُومُ عَلَى الْغَرْسِ إلَى تَمَامِهِ بِذَلِكَ الْجُزْءِ الَّذِي أَخَذَهَا هُوَ بِهِ فَنَقَلَ ابْنُ سَلْمُونٍ عَنْ مَسَائِلِ ابْنِ الْحَاجِّ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لَهُ نَصِيبٌ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ الشَّبَابَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ قَالَ وَلَوْ مَاتَ عَنْ وَرَثَةٍ كَانُوا أَحَقَّ بِعَمَلِهِ أَوْ يَتْرُكُهُ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ مَسَائِلِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَلَا كَلَامَ لِرَبِّ الْأَرْضِ فِي ذَلِكَ إنْ أَدْخَلَ فِي الْمُغَارَسَةِ غَيْرَهُ عَلَى شَيْءٍ يَأْخُذُ مِنْهُ اهـ بِاخْتِصَارٍ فَرَاجِعْ ذَلِكَ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ الْخِلَافُ.
(فَرْعٌ) إذَا ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَغَارِسَيْنِ الصِّحَّةَ وَادَّعَى الْآخَرُ الْفَسَادَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ وَقِيلَ لِمُدَّعِي الْفَسَادِ لِغَلَبَتِهِ فِي الْمُغَارَسَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[فَصْلٌ فِي الْمُزَارَعَةِ]
(فَصْلٌ فِي الْمُزَارَعَةِ)
إنْ عَمِلَ الْعَامِلُ فِي الْمُزَارَعَهْ ... وَالْأَرْضُ مِنْ ثَانٍ فَلَا مُمَانَعَهْ
إنْ أَخْرَجَا الْبَذْرَ عَلَى نِسْبَةِ مَا ... قَدْ جَعَلَاهُ جُزْءًا بَيْنَهُمَا
كَالنِّصْفِ أَوْ كَنِصْفِهِ أَوْ السُّدُسْ ... وَالْعَمَلُ الْيَوْمَ بِهِ فِي الْأَنْدَلُسْ
وَالْتَزَمْت بِالْعَقْدِ كَالْإِجَارَةِ ... وَقِيلَ بَلْ بِالْبَدْءِ لِلْعِمَارَةِ
تَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ وَمَا بَعْدَهَا عَلَى الْمُزَارَعَةِ وَهِيَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّرِكَةُ فِي الْحَرْثِ.
وَأَفَادَ النَّاظِمُ فِي الْأَبْيَاتِ مَسْأَلَتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) أَحَدُ صُوَرِ الْمُزَارَعَةِ الْجَائِزَةِ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مِنْ وَاحِدٍ وَالْعَمَلُ عَلَى الْآخَرِ وَالزَّرِيعَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ فِي الزَّرْعِ الَّذِي يَطْلُعُ فِي الصَّيْفِ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ بَيْنَهُمَا أَنْصَافًا فَالزَّرِيعَةُ كَذَلِكَ أَوْ عَلَى أَنَّ الثُّلُثَ لِوَاحِدٍ وَالثُّلُثَانِ لِآخَرَ فَعَلَى صَاحِبِ الثُّلُثِ الزَّرِيعَةُ وَعَلَى صَاحِب الثُّلُثَيْنِ ثُلُثَاهَا.
وَهَكَذَا عَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ ثُمَّ مَثَّلَ الْجُزْءَ الَّذِي اتَّفَقَا عَلَيْهِ بِالنِّصْفِ وَنِصْفِهِ وَهُوَ الرُّبْعُ وَبِالسُّدُسِ وَنَحْوِهَا وَقَالَ النَّاظِمُ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْعَمَلُ فِي زَمَانِهِ وَالْأَنْدَلُسُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ اللَّامِ وَآخِرُهُ سِينٌ مُهْمَلَةٌ وَهِيَ جَزِيرَةٌ مُتَّصِلَةٌ بِالْبَرِّ الطَّوِيلِ وَالْبَرُّ الطَّوِيلِ مُتَّصِلٌ بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ الْعُظْمَى وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْأَنْدَلُسِ جَزِيرَةٌ لِأَنَّ الْبَحْرَ مُحِيطٌ بِهَا مِنْ جِهَاتِهَا إلَّا الْجِهَةَ الشَّمَالِيَّةَ وَهِيَ مُثَلَّثَةُ الشَّكْلِ وَالرُّكْنُ الشَّرْقِيُّ مِنْهَا مُتَّصِلُ بِجَبَلٍ يَسْلُكُ مِنْهُ إفْرِنْجَةُ وَلَوْلَاهُ لَاخْتَلَطَ الْبَحْرَانِ. وَحُكِيَ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ عَمَرَهَا بَعْدَ الطُّوفَانِ أَنْدَلُسُ بْنُ يَافِثَ بْنِ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَسُمِّيَتْ بِاسْمِهِ اهـ.
مِنْ مُخْتَصَرِ ابْنِ خِلِّكَانَ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْمِعْيَارِ بَعْدَ نَحْوِ سِتَّةَ عَشَرَ وَرَقَةً مِنْ نَوَازِلِ الْأَحْبَاسِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الْفَضْلِ عِيَاضٍ فِي بَعْضِ أَجْوِبَتِهِ أَنَّ الْأَنْدَلُسَ كَانَتْ لِلنَّصَارَى دَمَّرَهُمْ اللَّهُ ثُمَّ أَخَذَهَا الْمُسْلِمُونَ فَمِنْهَا مَا أُخِذَ عَنْوَةً وَمِنْهَا مَا أُخِذَ صُلْحًا ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْضُ أُولَئِكَ النَّصَارَى وَسَكَنُوهَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ اهـ.
وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ إنْ أَخْرَجَا الْبَذْرَ عَلَى نِسْبَةِ إلَخْ مِمَّا لَمْ يَكُنْ عَلَى تِلْكَ النِّسْبَةِ، وَفِي ذَلِكَ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا جَائِزٌ أَيْضًا كَمَا إذَا أَعْطَى وَاحِدٌ ثُلُثَ الزَّرِيعَةِ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّ لَهُ فِي الزَّرْعِ النِّصْفَ وَأَعْطَى الْآخَرَ ثُلُثَيْ الزَّرِيعَةِ مَعَ الْأَرْضِ وَلَهُ فِي الزَّرْعِ النِّصْفُ أَيْضًا فَالسُّدُسُ مِنْ الزَّرِيعَةِ الَّذِي فَضَلَ بِهِ هَذَا شَرِيكَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ فَلَا مَحْذُورَ فِيهِ فَمَفْهُومُ الشَّرْطِ
(2/117)

بِالنِّسْبَةِ لِهَذَا الْوَجْهِ مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ الْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَزْرَعَ الْعَامِلُ ثُلُثَيْ الزَّرِيعَةِ وَعَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ الثُّلُثُ وَالزَّرْعُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَهَذَا الْوَجْهُ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ السُّدُسَ مِنْ الزَّرِيعَةِ الَّذِي فَضَلَ بِهِ صَاحِبُ الْعَمَلِ صَاحِبَ الْأَرْضِ هُوَ فِي مُقَابَلَةِ الْأَرْضِ فَيُمْنَعُ لِمَنْعِ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا تُنْبِتُ وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ بِالنِّسْبَةِ لِهَذَا الْوَجْهِ مَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ، وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ أَعْنِي الْوَجْهَ الْمَنْطُوقَ وَوَجْهَيْ الْمَفْهُومِ يَشْمَلُهُمَا قَوْلُ الشَّيْخِ خَلِيلٍ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا إنْ لَمْ يَنْقُصْ مَا لِلْعَامِلِ عَنْ نِسْبَةِ بَذْرِهِ لِأَنَّهُ صَادِقٌ بِالْمُسَاوَاةِ بَيْنَ مَا بَذَرَ وَبَيْنَ مَا يَأْخُذُ وَهَذِهِ صُورَةُ الْمَنْطُوقِ فِي النَّظْمِ وَبِمَا إذَا زَادَ مَا يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ مِنْ الزَّرْعِ عَلَى نِسْبَةِ بَذْرِهِ وَهُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ مِنْ وَجْهَيْ الْمَفْهُومِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ نَقْصَ مَا لِلْعَامِلِ مِنْ الزَّرْعِ كَالنِّصْفِ وَقَدْ أَعْطَى ثُلُثَيْ الزَّرِيعَةِ لَمْ يَجُزْ وَهَذِهِ صُورَةُ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) مِمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْأَبْيَاتُ الْخِلَافُ فِي لُزُومِ الْمُزَارَعَةِ بِالْعَقْدِ كَالْإِجَارَةِ أَوْ بِالشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَقَالَ فِي الرِّسَالَةِ وَالشَّرِكَةُ فِي الزَّرْعِ جَائِزَةٌ إذَا كَانَتْ الزَّرِيعَةُ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا كَانَتْ الْأَرْضُ لِأَحَدِهِمَا وَالْعَمَلُ عَلَى الْآخَرِ أَوْ الْعَمَلُ بَيْنَهُمَا وَاكْتَرَيَا الْأَرْضَ أَوْ كَانَتْ بَيْنهمَا اهـ.
فَقَوْلُهُ كَانَتْ الْأَرْضُ لِأَحَدِهِمَا وَالْعَمَلُ عَلَى الْآخَرِ هَذِهِ مَسْأَلَةُ الْمُؤَلِّفِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ جَوَازَهَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَنْقُصْ مَا لِلْعَامِلِ مِنْ الزَّرْعِ عَنْ نِسْبَةِ بَذْرِهِ وَالثَّانِيَةُ فِي الرِّسَالَةِ هِيَ الِاشْتِرَاكُ فِي الزَّرِيعَةِ وَفِي الْأَرْضِ وَفِي الْعَمَلِ وَهِيَ جَائِزَةٌ أَيْضًا اتِّفَاقًا نَقَلَهُ الْقَلْشَانِيّ عَنْ عِيَاضٍ وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فَقَالَ الْمُتَيْطِيّ الشَّرِكَةُ فِي الزَّرْعِ جَائِزَةٌ وَهِيَ لَازِمَةٌ بِالْعَقْدِ كَالْكِرَاءِ وَالْبَيْعِ بِخِلَافِ الْقِرَاضِ وَالْجَعْلِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٍ وَابْنِ كِنَانَةَ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَقِيلَ إنَّ الْمُزَارَعَةَ لَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَصِلَ
(2/118)

عَنْ صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَبْذُرْ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَرِوَايَةُ أَصْبَغَ عَنْهُ وَقِيلَ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْعَمَلِ كَالشَّرِكَةِ وَبِهِ جَرَتْ الْفُتْيَا بِالْأَنْدَلُسِ اهـ.
وَعَلَى لُزُومِهَا بِالْبَذْرِ ذَهَبَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ لِكُلٍّ فَسْخُ الْمُزَارَعَةِ إنْ لَمْ يَبْذُرْ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ فَصْلِ الْجَعْلِ الْخِلَافُ فِي لُزُومِهَا بِالْعَقْدِ وَقَوْلُ الشَّيْخِ ابْنِ غَازِيٍّ
لَكِنْ فِي الْغِرَاسِ وَالْمُزَارَعَهْ ... وَالشَّرِكَاتِ بَيْنَهُمْ مُنَازَعَهْ
وَقَوْلُ النَّاظِمِ
وَقِيلَ بَلْ بِالْبَدْءِ لِلْعِمَارَةِ
يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الْقَوْلَ الثَّانِي فِي نَقْلِهِ الْمُتَيْطِيّ وَهُوَ لُزُومُهَا بِالْبَذْرِ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الْقَوْلَ الثَّالِثَ عِنْدَهُ وَهُوَ الْعَمَلُ وَكَأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الْبَذْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
وَالدَّرْسُ وَالنُّقْلَةُ مَهْمَا اُشْتُرِطَا ... مَعْ عَمَلٍ كَانَا عَلَى مَا شُرِطَا
يَعْنِي أَنَّ الْعَمَلَ الْمَذْكُورَ فِي الْمُزَارَعَةِ هُوَ الْحَرْثُ فَقَطْ وَأَمَّا الْحَصَادُ وَالنَّقْلَةُ وَالدَّرْسُ وَالتَّصْفِيَةُ فَلَا تَنْدَرِجُ فِي الْعَمَلِ عِنْدَ السُّكُوتِ عَنْهَا بَلْ إنْ اُشْتُرِطَتْ عَلَى الْعَامِلِ كَانَتْ عَلَيْهِ وَإِلَّا كَانَتْ عَلَيْهِمَا عَلَى أَنَّ فِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ عَلَى الْعَامِلِ خِلَافًا أَجَازَهُ فِي رِوَايَةِ حُسَيْنِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَمْ يُجِزْهُ سَحْنُونٌ قَالَ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ يَتِمُّ وَلَا كَيْفَ يَكُونُ قَالَ وَالْعَمَلُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْمُزَارَعَةِ إنَّمَا هُوَ الْحَرْثُ فَقَطْ نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْمُتَيْطِيّ وَعَلَى الْجَوَازِ ذَهَبَ النَّاظِمُ وَقَوْلُهُ مَهْمَا اشْتَرَطَا يَعْنِي أَوْ كَانَ ذَلِكَ الْعُرْفَ بَيْنَ النَّاسِ. فَإِنَّهُ كَالشَّرْطِ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ مَهْمَا اشْتَرِطَا أَنَّهُمَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطَا كَانَ عَلَيْهِمَا مَعَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
وَالشَّرْطُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ مَعْمُورِ ... مِثْلِ الَّذِي أَلْفَى مِنْ الْمَحْظُورِ
وَلَيْسَ لِلشِّرْكَةِ مَعَهُ مِنْ بَقَا ... وَبَيْعُهُ مِنْهُ يَسُوغُ مُطْلَقَا
وَحَيْثُ لَا بَيْعَ وَعَامِلٌ زَرَعْ ... فَغُرْمُهُ الْقِيمَةَ فِيهِ مَا امْتَنَعْ
الْمُرَاد بِالْعِمَارَةِ قَلْبُ الْأَرْضِ وَحَرْثُهَا يَعْنِي إذَا قَلَّبَ رَبُّ الْأَرْضِ أَرْضَهُ ثُمَّ عَقَدَ الْمُزَارَعَةَ فِيهَا وَاشْتَرَطَ عَلَى الشَّرِيكِ أَنْ يُقَلِّبَ الْأَرْضَ عِنْدَ خُرُوجِهِ وَبِتَرْكِهَا مَقْلُوبَةً كَمَا وَجَدَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ مَحْظُورٌ أَيْ مَمْنُوعٌ شَرْعًا وَتُفْسَخُ الشَّرِكَةُ بِسَبَبِهِ.
وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَشَطْرِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ الشَّرْطُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مِنْ الْمَحْظُورِ بِالطَّاءِ الْمُشَالَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء: 20] وَمِثْلِ بِالْخَفْضِ صِفَةٌ لِمَعْمُورٍ وَضَمِيرُ مَعَهُ بِسُكُونِ الْعَيْنِ لِلشَّرْطِ وَكَنَّى عَنْ فَسْخِ الشَّرِكَةِ بِنَفْيِ بَقَائِهَا مَعَ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَبَيْعُهُ مِنْهُ يَسُوغُ مُطْلَقَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَبِيعَ الْمَعْمُورَ أَيْ الْعِمَارَةَ مِنْ الشَّرِيكِ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ بِثَمَنٍ مُعَجَّلٍ أَوْ مُؤَجَّلٍ وَهُوَ مُرَادُهُ بِالْإِطْلَاقِ فَإِذَا لَمْ يَبِعْهُ مِنْهُ وَزَرَعَ الْعَامِلِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا مِنْ كَوْنِ الْأَرْضِ مَقْلُوبَةً فَلَا يَمْنَعُ أَنْ يُغَرَّمَ الْعَامِلُ قِيمَةَ الْعِمَارَةِ فَمَا مِنْ قَوْلِهِ مَا امْتَنَعَ نَافِيَةٌ وَأَشَارَ بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ إلَى قَوْلِ ابْنِ سَلْمُونٍ فَإِنْ كَانَتْ فِي الْأَرْضِ عِمَارَةٌ لِصَاحِبِهَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ مِثْلِهَا فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فُسِخَتْ الشَّرِكَةُ.
وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْهُ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ بِثَمَنٍ مُعَجَّلٍ أَوْ مُؤَخَّرٍ فَإِنْ لَمْ يَبِعْهَا وَزَرَعَهَا الْعَامِلُ عَلَى أَنْ يُخْرِجَ عَنْ مِثْلِهَا حِينَ انْفِصَالِ الشَّرِكَةِ فَإِنَّهُ تُقَوَّمُ الْأَرْضُ بِتِلْكَ الْعِمَارَةِ وَعَمَلِ الْعَامِلِ
(2/119)

فَمَا فَضَلَ مِنْ قِيمَةِ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِتِلْكَ الْعِمَارَةِ عَلَى قِيمَةِ عَمَلِ الْعَامِلِ أَوْ مِنْ قِيمَةِ عَمَلِ الْعَامِلِ عَلَى كِرَاءِ الْأَرْضِ أَخَذَهُ مِنْهُ صَاحِبُ الزِّيَادَةِ اهـ. وَنَحْوَهُ نَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ وَزَادَ أَنَّهُمَا إذَا جَهِلَا ذَلِكَ وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَى قِيمَةٍ وَذَهَبَ الْعَامِلُ إلَى أَنْ يَخْرُجَ بِلَا عِمَارَةٍ يَعْمُرُهَا كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَكَانَ لِصَاحِبِ الْعِمَارَةِ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْعِمَارَةِ الَّتِي دَخَلَ عَلَيْهَا يَصِفُهَا الْعَامِلُ لِأَهْلِ الْبَصَرِ بِعِمَارَةِ الْأَرْضَيْنِ وَيَحْلِفُ عَلَى مَا يَصِفُ مِنْهَا إنْ لَمْ يُوَافِقْهُ رَبُّ الْأَرْضِ عَلَى مَا يَصِفُ ثُمَّ يُغَرَّمُ مَا يُقَوِّمُهَا بِهِ أَهْلُ الْبَصَرِ.
وَإِنْ ذَهَبَ الْعَامِلُ إلَى أَنْ يَصِفَهَا رَبُّ الْأَرْضِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ فَإِنْ وَصَفَ صَاحِبُ الْأَرْضِ مَا يُوَافِقهُ عَلَيْهِ الْعَامِلُ كَانَ عَلَى الْعَامِلِ قِيمَةُ ذَلِكَ فَإِنْ خَالَفَهُ حَلَفَ رَبُّ الْأَرْضِ عَلَى مَا يَصِفُهُ ثُمَّ يُغَرَّمُ الْعَامِلُ قِيمَةَ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْمَبْدَأَ بِالصِّفَةِ وَالْيَمِينِ لِلْعَامِلِ فَإِنْ تَجَاهَلَا مَعًا الصِّفَةَ قِيلَ لَهُمَا اصْطَلِحَا بَيْنَكُمَا فَإِنْ دَخَلَ عَلَى عِمَارَةٍ بِغَيْرِ قِيمَةٍ ثُمَّ عَمَرَ الْعَامِلُ الْأَرْضَ كَانَ عَلَيْهِ قِيمَةُ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ اهـ وَفِي هَذَا الْكَلَامِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ.
(فَائِدَتَانِ) : (الْأُولَى) إنْ وَصَفَ التَّالِفَ عَلَى الَّذِي يُغَرَّمُ قِيمَتُهُ وَإِنْ شَاءَ الْغَارِمُ رُدَّ ذَلِكَ إلَى رَبِّ الشَّيْءِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.
(الثَّانِيَةُ) إنَّ مَا جَهِلَهُ الْخَصْمَانِ يُؤْمَرَانِ فِيهِ بِالصُّلْحِ وَرَاجِعْ الشَّارِحَ عَلَى أَنَّ فِي بَيْعِ الْعِمَارَةِ مِنْ الْعَامِلِ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ اجْتِمَاعَ الْبَيْعِ وَالشَّرِكَةِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ
وَحَقُّ رَبِّ الْأَرْضِ فِيمَا قَدْ عَمَرْ ... بَاقٍ إذَا لَمْ يَنْبُتْ الَّذِي بَذَرْ
بِعَكْسِ مَا كَانَ لَهُ نَبَاتُ ... وَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ لَهُ ثَبَاتُ
تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِمَارَةِ قَلْبُ الْأَرْضِ يَعْنِي أَنَّ الْعَامِلَ إذَا قَلَّبَ الْأَرْضَ وَزَرَعَهَا فَلَمْ يَنْبُتْ زَرْعُهُ فَحَقُّهُ بَاقٍ فِي الْعِمَارَةِ وَلَهُ أَنْ يَزْرَعَهَا مَرَّةً أُخْرَى أَوْ يَبِيعَهَا مِمَّنْ شَاءَ وَإِذَا نَبَتَ زَرْعُهَا ثُمَّ أَصَابَهُ آفَةٌ وَهَلَكَ فَلَا يَبْقَى لَهُ حَقٌّ فِي الْعِمَارَةِ، وَأَشَارَ بِذَلِكَ لِقَوْلِ ابْنِ فَتْحُونٍ فِي تَمْهِيدِهِ: إذَا كَانَتْ لِلْعَامِلِ عِمَارَةٌ فِي الْأَرْضِ فَزَرَعَهَا وَنَبَتَ زَرْعُهَا ثُمَّ بَطَلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَبْقَى لَهُ حَقٌّ فِي الْعِمَارَةِ وَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ فَحَقُّهُ بَاقٍ فِي الْعِمَارَةِ وَلَهُ أَنْ يَزْرَعَهَا مَرَّةً أُخْرَى أَوْ يَبِيعَهَا مِمَّنْ شَاءَ اهـ. وَنَقَلَهُ ابْن سَلْمُونٍ.
وَنَحْوُهُ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ مِنْ حَقِّ النَّاظِمِ أَنْ يَقُولَ: وَحَقُّ ذَا الْعَامِلِ فِيمَا قَدْ عَمَرْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي النَّقْلِ لِإِرْثِ الْأَرْضِ، كَمَا قَالَ: وَقَدْ جَوَّزَ الشَّارِحُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ النَّاظِمِ سَبْقُ قَلَمٍ أَوْ مَقْصُودًا يَعْنِي أَنَّهُ قَصَدَ أَنْ يَنُصَّ عَلَى ثُبُوتِ حَقِّ رَبِّ الْأَرْضِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا أَدْخَلَ مُزَارِعًا آخَرَ وَكَانَ زَرْعُ الْأَوَّلِ لَمْ يَنْبُتْ فَيَكُونُ لَهُ مِنْ الْبَيْعِ وَأَخْذِ الْقِيمَةِ مِثْلُ مَا مَضَى فِي الْأَبْيَاتِ قَبْلَ هَذِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
وَجَازَ فِي الْبَذْرِ اشْتِرَاكٌ وَالْبَقَرْ ... إنْ كَانَ مِنْ نَاحِيَةِ مَا يُعْتَمَرْ
يَعْنِي أَنَّ مِنْ أَوْجُهِ الْمُزَارَعَةِ الْجَائِزَةِ أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مِنْ وَاحِدٍ وَالزَّرِيعَةُ وَالْبَقَرُ عَلَيْهِمَا مَعًا فَقَوْلُهُ اشْتِرَاكٌ هُوَ فَاعِلُ جَازَ وَالْبَقَرُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْبَذْرِ أَيْ جَازَ الِاشْتِرَاكُ فِي الْبَذْرِ وَفِي الْبَقَرِ إنْ كَانَ مَا يُعْتَمَرُ وَهُوَ الْأَرْضُ مِنْ عِنْدِ أَحَدِهِمَا وَلَعَلَّ هَذَا فِي الْأَرْضِ الَّتِي لَا خَطْبَ لِكِرَائِهَا قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ إنَّمَا أَجَازَ مَالِكٌ أَنْ تُلْغَى الْأَرْضُ الَّتِي لَا خَطْبَ لَهَا إذَا تَسَاوَيَا فِي إخْرَاجِ الزَّرِيعَةِ وَالْعَمَلُ اهـ.
عَلَى نَقْلِ الْمَوَّاق
وَالزَّرْعُ لِلزَّارِعِ فِي أَشْيَاءَ ... وَرَبُّ الْأَرْضِ يَأْخُذُ الْكِرَاءَ
كَمِثْلِ مَا فِي الْغَصْبِ وَالطَّلَاقِ ... وَمَوْتِ زَوْجَيْنِ وَالِاسْتِحْقَاقِ
يَعْنِي أَنَّ مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ فَإِنَّ الزَّرْعَ الَّذِي يَحْصُلُ يَكُونُ لِلْمَزَارِعِ وَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ إلَّا كِرَاء أَرْضِهِ وَذَلِكَ فِي أَشْيَاءَ مِنْهَا مَنْ غَصَبَ أَرْضًا وَزَرَعَهَا وَلَمْ يَقُمْ رَبُّهَا حَتَّى فَاتَ وَقْتُ الزِّرَاعَةِ وَكَمَنْ أَمْتَعَتْهُ زَوْجَتُهُ أَرْضًا فَزَرَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَكَمَنْ اشْتَرَى أَرْضًا أَوْ وَرِثَهَا فَزَرَعَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِهِ فَالزَّرْعُ الَّذِي يَحْصُلُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ هُوَ لِلزَّارِعِ وَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ إلَّا كِرَاؤُهَا.
(قَالَ ابْنُ يُونُسَ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ تَعَدَّى عَلَى أَرْضِ رَجُلٍ فَزَرَعَهَا فَقَامَ رَبُّهَا
(2/120)

وَقَدْ نَبَتَ الزَّرْعُ فَإِنْ قَامَ فِي إبَّانٍ يُدْرَكُ فِيهِ الْحَرْثُ فَلَهُ قَلْعُهُ يُرِيدُ يَلِي قَلْعَهُ الْمُتَعَدِّي وَإِنْ فَاتَ الْإِبَّانُ فَلَهُ كِرَاءُ أَرْضِهِ.
(وَقَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) فَإِنْ غَفَلَ رَبُّ الْأَرْضِ وَلَمْ يَأْمُرْ الْغَاصِبَ بِتَحْوِيلِ الْأَرْضِ حَتَّى خَرَجَ أَوَانُ الزِّرَاعَةِ كَانَ الزَّرْعُ لِلْغَاصِبِ وَكَانَ عَلَيْهِ كِرَاءُ الْأَرْضِ اهـ.
وَتَقَدَّمَ فَصْلٌ فِي أَحْكَامٍ مِنْ الْكِرَاءِ وَالِاسْتِظْهَارِ بِالنُّقُولِ عَلَى حُكْمِ الزَّوْجِ الْمُمْتَنِعِ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ الطَّارِئِ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ بَعْدَ أَنْ حَرَثَ أَرْضَ الزَّوْجَةِ وَإِنَّ الزَّرْعَ لَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَيَلْزَمُهُ كِرَاءُ الْأَرْضِ عَلَى تَفَصُّلٍ فِيهِ فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت (وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ أَيْضًا) وَإِنْ اسْتَحَقَّ الْأَرْضَ فِي إبَّانِ الزِّرَاعَةِ وَقَدْ زَرَعَهَا الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَحِقِّ قَلْعُ زَرْعِهِ وَكَانَ عَلَى الزَّارِعِ كِرَاءُ الْأَرْضِ لِذَلِكَ الْعَامِ خَاصَّةً
وَالْخُلْفُ فِيهِ هَهُنَا إنْ وَقَعَا ... مَا الشَّرْعُ مُقْتَضٍ لَهُ أَنْ يُمْنَعَا
قِيلَ لِذَا الْبَذْرِ أَوْ الْحِرَاثَةِ ... أَوْ مُحْرِزٍ لِاثْنَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةِ
الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ وَالِاعْتِمَارِ ... وَفِيهِ أَيْضًا غَيْرُ ذَاكَ جَارِ
يَعْنِي أَنَّهُ اخْتَلَفَ فِي الزَّرْعِ فِي بَابِ الْمُزَارَعَةِ لِمَنْ يَكُونُ إذَا وَقَعَ عَقْدُ الْمُزَارَعَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي مُقْتَضَى الشَّرْعِ مَنَعَهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ قِيلَ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ أَيْ الزَّرِيعَةِ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ يَعْنِي وَيُؤَدَّى لِأَصْحَابِهِ كِرَاءُ مَا أَخْرَجُوهُ قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَقِيلَ لِلَّذِي حَرَثَ الْأَرْضَ وَقَلَّبَهَا أَيْ لِصَاحِبِ الْعَمَلِ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعَمَلَ الْمَذْكُورَ فِي بَابِ الْمُزَارَعَةِ إنَّمَا هُوَ الْحَرْثُ فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَب.
وَقِيلَ لِمَنْ لَهُ اثْنَانِ مَنْ ثَلَاثَةٍ وَهِيَ الْأَرْضُ وَالْبُذُورُ وَالِاعْتِمَارُ وَهُوَ الْحَرْثُ وَالْقَلْبُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ فَيَكُونُ لِمَنْ لَهُ الْأَرْضُ مَعَ الْبَذْرِ أَوْ الْأَرْضُ مَعَ الِاعْتِمَارِ أَوْ الْبَذْرُ مَعَ الِاعْتِمَارِ زَادَ فِي الْجَوَاهِرِ مَا نَصُّهُ فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً وَاجْتَمَعَ لِكُلِّ وَاحِدٍ شَيْئَانِ مِنْهَا وَانْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِشَيْءٍ كَانَ الزَّرْعُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا وَإِنَّ اجْتَمَعَ لِأَحَدِهِمْ شَيْئَانِ مِنْهَا دُونَ صَاحِبَيْهِ كَانَ لَهُ الزَّرْعُ دُونَهُمَا وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَى مَا تَأَوَّلَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ اهـ.
وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ الَّتِي فِي الْمُزَارَعَةِ بَيْنَ اثْنَيْنِ هِيَ الَّتِي حَكَى النَّاظِمُ.
ثُمَّ قَالَ وَفِيهِ أَيْضًا غَيْرُ ذَلِكَ جَارٍ أَيْ وَفِيمَنْ يَكُونُ لَهُ الزَّرْعُ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أُخَرُ عَلَى مَا حَكَى فِي الْجَوَاهِرِ أَحَدُهَا أَنَّ الزَّرْعَ لَمَّا اجْتَمَعَ لَهُ شَيْئَانِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وَهِيَ الْأَرْضُ وَالْبَقَرُ وَالْعَمَلُ، الثَّانِي أَنَّهُ لِمَنْ اجْتَمَعَ لَهُ شَيْئَانِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ أَيْضًا وَهِيَ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ وَالْبَقَرُ.
وَالْعَمَلُ، الثَّالِثُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَإِنْ سَلِمَتْ الْمُزَارَعَةُ مِنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا كَانَ الزَّرْعُ بَيْنَهُمْ عَلَى مَا اشْتَرَطُوهُ وَتَعَادَلُوا فِيمَا أَخْرَجُوهُ فَإِنْ دَخَلَهُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا كَانَ الزَّرْعُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ انْتَهَى عَلَى نَقْلِ الشَّارِحِ، وَمِمَّا يُنْسَبُ لِلشَّيْخِ ابْنِ غَازِيٍّ فِي نَظْمُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ السِّتِّ
الزَّرْعُ لِلْعَامِلِ أَوْ لِلْبَاذِرِ ... فِي فَاسِدٍ أَوْ لِسِوَى الْمُخَابِرِ
أَوْ مَنْ لَهُ حَرْفَانِ مِنْ إحْدَى الْكَلِم ... (عَابَ) وَ (عَاثَ ثَاعِبٌ) لِمَنْ فَهِمْ
فَقَوْلُهُ الزَّرْعُ لِلْعَامِلِ هُوَ الْقَوْلِ الثَّانِي مِمَّا تَقَدَّمَ وَقَوْلُهُ أَوْ لِلْبَاذِرِ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَقَوْلُهُ فِي فَاسِدِ أَيْ مَوْضُوعُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مَا فَسَدَ مِنْ الْمُزَارَعَةِ وَقَوْلُهُ أَوْ لِسِوَى الْمُخَابِرِ وَهُوَ الْقَوْلُ السَّادِسُ وَالْمُخَابِرُ هُوَ مُكْرِي الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا.
وَقَوْلُهُ أَوْ مَنْ لَهُ حَرْفَانِ مِنْ إحْدَى الْكَلِمِ عَابَ؛ الْعَيْنُ رَمْزٌ لِلْعَمَلِ وَالْأَلِفُ لِلْأَرْضِ وَالْبَاءُ لِلْبَذْرِ وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ وَعَاثَ هُوَ إشَارَةٌ لِلْقَوْلِ الرَّابِعِ فَالْعَيْنُ لِلْعَمَلِ وَالْأَلِفُ لِلْأَرْضِ وَالثَّاءُ لِلثَّوْرِ رَمَزَ لَهُ بِالثَّاءِ دُونَ الْبَاءِ الَّتِي فِي أَوَّلِ الْبَقَرِ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ بِالْبَذْرِ وَثَاعِبٌ الثَّاءُ لِلثَّوْرِ وَالْأَلِفُ لِلْأَرْضِ وَالْعَيْنُ لِلْعَمَلِ وَالْبَاءُ لِلْبَذْرِ وَهُوَ الْقَوْلُ الْخَامِسُ
وَقَوْلُ مُدَّعٍ لِعَقْدِ الِاكْتِرَا ... لَا الِازْدِرَاعِ مَعَ يَمِينٍ أُوثِرَا
وَحَيْثُ زَارِعٌ وَرَبُّ الْأَرْضِ قَدْ ... تَدَاعَيَا فِي وَصْفِ حَرْثٍ يُعْتَمَد
(2/121)

فَالْقَوْلُ لِلْعَامِلِ وَالْيَمِينُ ... وَقَلْبُهَا إنْ شَاءَ مُسْتَبِينُ
اشْتَمَلَتْ الْأَبْيَاتُ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ (الْأُولَى) إذَا اخْتَلَفَ الزَّارِعُ وَرَبُّ الْأَرْضِ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا الِاكْتِرَاءَ وَادَّعَى الْآخَرُ الِازْدِرَاعَ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الِاكْتِرَاء مِنْهُمَا مَعَ يَمِينِهِ.
(قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) وَإِنْ ادَّعَى رَبُّ الْأَرْضِ الْمُزَارَعَةَ وَالْعَامِلُ الْكِرَاءَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فَالْعَامِلُ مُصَدَّقٌ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إنْ قَالَ دَفَعْت الْكِرَاءَ وَلَوْ ادَّعَى الْعَامِلُ الْمُزَارَعَةَ وَرَبُّ الْأَرْضِ الْكِرَاءَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبُّ الْأَرْضِ مَعَ يَمِينِهِ وَرَوَى حُسَيْنُ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلَهُ اهـ.
وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ فِيهِ
وَقَوْلُ مُدَّعٍ لِعَقْدِ الِاكْتِرَاءِ
يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ مُدَّعِي الِاكْتِرَاءِ هُوَ رَبُّ الْأَرْضِ أَوْ الزَّارِعِ وَقَوْلُهُ لَا الِازْدِرَاعِ بِالْخَفْضِ عَطْفٌ عَلَى الِاكْتِرَاءِ وَقَوْلُهُ مَعَ يَمِينٍ أَيْ عَلَى مُدَّعِي الِاكْتِرَاءِ أُوثِرَا أَيْ فَضُلَ خَبَرُ قَوْلٍ إلَّا أَنَّهُ يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّ ثَمَّ قَوْلًا آخَرَ مَفْضُولًا فَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا اخْتَلَفَ الزَّارِعُ وَرَبُّ الْأَرْضِ فِي صِفَةِ الْحَرْثِ الَّذِي دَخَلَ عَلَيْهِ الْعَامِلُ فَقَالَ رَبُّ الْأَرْضِ دَخَلْت عَلَى أَنْ تَحْرُثَ الْأَرْضَ مَرَّتَيْنِ مَثَلًا وَقَالَ الزَّارِعُ إنَّمَا دَخَلْت عَلَى حَرْثِهَا مَرَّةً وَاحِدَةً أَوْ قَالَ رَبُّ الْأَرْضِ ثَلَاثَةَ مَرَّاتٍ وَقَالَ الزَّارِعُ مَرَّتَيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ وَهُوَ الزَّارِعُ مَعَ يَمِينِهِ وَلَهُ أَنْ يَقْلِبَ هَذِهِ الْيَمِينَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْهِ (قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) .
وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْعِمَارَةِ فَقَالَ رَبُّ الْأَرْضِ دَخَلْت عَلَى عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ فَيَحْلِفُهَا وَيَكُونُ مُقْتَضَى دَعْوَاهُ بِيَمِينِهِ وَنُكُولُ الزَّارِعِ عَنْ الْيَمِينِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ عِمَارَةٌ صِفَتُهَا كَذَا وَقَالَ الْعَامِلُ بَلْ عَلَى أَرْضٍ مُبَوَّرَةٍ أَوْ عَلَى عِمَارَةٍ صِفَتُهَا دُونَ تِلْكَ الصِّفَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مَعَ يَمِينِهِ وَلْيَصْرِفْهَا إنْ شَاءَ اهـ.
وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَقَوْلُهُ وَالْيَمِينُ أَيْ عَلَيْهِ وَضَمِيرُ قَلْبِهَا لِلْيَمِينِ أَيْ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ وَفَاعِلُ شَاءَ الْعَامِلُ

[فَصْلٌ فِي الشَّرِكَةِ]
(فَصْلٌ فِي الشَّرِكَةِ)
اقْتَصَرَ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ فِي ضَبْطِ لَفْظِهَا عَلَى أَنَّهُ بِكَسْرِ الشِّينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَحَكَى غَيْرُهُ فَتْحِ الشِّينِ وَكَسْرِ الرَّاءِ كَمَا لَفَظَ بِهِ النَّاظِمُ أَوَّلَ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَالشَّرِكَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَعَمِّيَّةٌ وَأَخَصِّيَّةٌ (قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) الْأَعَمِّيَّةُ تَقَرُّرُ مُتَمَوَّلٍ بَيْنَ مَالِكَيْنِ فَأَكْثَرُ مِلْكًا فَقَطْ وَالْأَخَصِّيَّةُ بَيْعُ مَالِكٍ كُلَّ بَعْضِهِ بِبَعْضِ كُلِّ الْآخَرِ مُوجِبٌ صِحَّةَ تَصَرُّفِهِمَا فِي الْجَمِيعِ فَيَدْخُلُ فِي الْأَوَّلِ شَرِكَةُ الْإِرْثِ وَالْغَنِيمَةِ لَا شَرِكَةُ التَّجْرِ وَهُمَا فِي الثَّانِيَةِ عَلَى الْعَكْسِ وَشَرِكَةُ الْأَبْدَانِ وَالْحَرْثِ بِاعْتِبَارِ الْعَمَلِ فِي الثَّانِيَةِ، وَفِي عِوَضِهِ فِي الْأُولَى يَتَبَايَنَانِ فِي الْحُكْمِ شَرِكَةُ الشَّرِيكِ بِالْأُولَى جَائِزَةٌ وَبِالثَّانِيَةِ مَمْنُوعَةٌ (قَالَ الرَّصَّاع) ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الشَّرِكَةَ تَصْدُقُ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ وَبِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ وَحَدَّ كُلًّا مِنْهُمَا بِمَا يَخُصُّهُ فَقَالَ فِي الْأَعَمِّيَّةِ تَقَرُّرُ مُتَمَوَّلٍ إلَخْ فَذَكَرَ جِنْسًا لِلشَّرِكَةِ وَهُوَ التَّقَرُّرُ وَهُوَ الثُّبُوتُ.
وَقَوْلُهُ مُتَمَوَّلٍ أَخْرَجَ بِهِ مَا لَيْسَ بِمُتَمَوِّلٍ كَثُبُوتِ النَّسَبِ بَيْنَ إخْوَةٍ وَغَيْرِهِمْ وَقَوْلُهُ بَيْنَ مَالِكَيْنِ مَعْمُولٌ لِتَقَرُّرِ وَأَخْرَجَ بِهِ غَيْرَ الْمَالِكَيْنِ وَقَوْلُهُ فَأَكْثَرُ أَدْخَلَ بِهِ مَا إذَا كَانَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَ جَمَاعَةٍ وَقَوْلُهُ مِلْكًا أَخْرَجَ بِهِ مِلْكَ الِانْتِفَاعِ كَمَا إذَا كَانَا يَنْتَفِعَانِ مِنْ حَبْسِ الْمَدَارِسِ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ تَقَرُّرُ مُتَمَوَّلٍ إلَخْ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمِلْكٍ عَلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ مِلْكَ الِانْتِفَاعِ حَتَّى يُحْتَاجَ إلَى إخْرَاجِهِ لِأَنَّ ذِكْرَ الْمَالِكَيْنِ يُخْرِجُهُ وَقَوْلُهُ فَقَطْ مَعْنَاهُ انْتَهِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا ذَكَرَ وَاحْتَرَزَ بِهِ مِنْ الشَّرِكَةِ الْأَخَصِّيَّةِ فَإِنَّ فِيهَا زِيَادَةَ التَّصَرُّفِ وَهَذِهِ لَا تَصَرُّفَ فِيهَا لِلشَّرِيكَيْنِ.
وَأَمَّا الْأَخَصِّيَّةُ فَقَالَ بَيْعُ مَالِكٍ جَعَلَ الْجِنْسَ بَيْعًا وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّرِكَةَ الْأَخَصِّيَّةَ مِنْ الْبَيْعِ وَإِنَّ فِيهَا مُعَاوَضَةً وَالْحَدُّ يَشْمَلُ الشَّرِكَةَ الصَّحِيحَةَ وَالْفَاسِدَةَ وَقَوْلُ مَالِكٍ كُلْ بَعْضَهُ أَخْرَجَ بِهِ مَا إذَا بَاعَ الْكُلَّ بِالْكُلِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَرِكَةٍ وَيَدْخُلُ فِيهِ الشَّرِكَةَ بِالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَجْزَاءِ وَقَوْلُهُ بِبَعْضِ كُلّ الْآخَرِ، الْآخَرِ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مُقَدَّرٍ أَيْ الْبَعْضُ الْآخَرُ أَخْرَجَ بِهِ مَا إذَا بَاعَ بَعْضًا بِكُلٍّ وَقَوْلُهُ مُوجِبٌ صِفَةٌ لِبَيْعٍ وَقَوْلُهُ صِحَّةُ
(2/122)

تَصَرُّفِهِمَا فِي الْجَمِيعِ مَفْعُولٌ بِاسْمِ الْفَاعِلِ وَذَلِكَ خَاصٌّ بِشَرِكَةِ التَّجْرِ وَأَخْرَجَ بِذَلِكَ شَرِكَةَ غَيْرِ التَّجْرِ كَمَا إذَا خَلَطَا طَعَامًا لِلْأَكْلِ فِي الرُّفْقَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ التَّصَرُّفَ الْمُطْلَقَ لِلْجَمِيعِ وَضَمِيرُ تَصَرُّفِهِمَا يَعُودُ عَلَى الْمَالِكَيْنِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ وَكِيلٌ لِصَاحِبِهِ فِي تَصَرُّفِهِ فِي مِلْكِهِ فَشَرِكَةُ الْإِرْثِ تَدْخُلُ فِي الْحَدِّ الْأَوَّلِ كَمَا ذَكَرَ وَكَذَلِكَ الْغَنِيمَةُ وَأَمَّا شَرِكَةُ التَّجْرِ فَتَدْخُلُ فِي الثَّانِي لِصِدْقِ الْحَدِّ الثَّانِي عَلَيْهَا.
وَشَرِكَةُ الْإِرْثِ وَالْغَنِيمَةِ لَا يَدْخُلَانِ فِي الْحَدِّ الثَّانِي هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى الْعَكْسِ وَفِي عَدَمِ دُخُولِ شَرِكَةِ التَّجْرِ فِي الْحَدِّ الْأَوَّلِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إذَا سَلِمَ أَنَّهُ أَعَمُّ فَيَصْدُقُ عَلَى مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْأَخَصُّ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا شَرِكَةُ الْأَبْدَانِ وَالْحَرْثِ فَبِاعْتِبَارِ الْعَمَلِ يَدْخُلَانِ وَالْأَخَصِّيَّةُ وَفِي عِوَضِهِ يَدْخُلَانِ فِي الْأَعَمِّيَّةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ شَرِكَةَ الْأَبْدَانِ وَمَا شَابَهَهَا يَصْدُقُ فِيهَا بَيْعُ مَالِكٍ إلَخْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ قَدْ بَاعَ بَعْضَ مَنَافِعِهِ بِبَعْضِ مَنَافِعِ غَيْرِهِ مَعَ كَمَالِ التَّصَرُّفِ وَأَمَّا عِوَضُ ذَلِكَ فَيَدْخُلُ تَحْتَ أَعَمِّهَا وَلَيْسَ فِيهِ تَصَرُّفٌ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ يَتَبَايَنَانِ فِي الْحُكْمِ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْأَعَمِّيَّةَ وَالْأَخَصِّيَّةَ وَإِنْ صَدَقَ فِيهِمَا الْأَعَمُّ عَلَى أَخَصِّهِ فَإِنَّ الْحُكْمَ يَخْتَلِفُ فِيهِمَا شَرْعًا كَمَا ذَكَرَ
شَرِكَةٌ فِي مَالٍ أَوْ فِي عَمَلِ ... أَوْ فِيهِمَا تَجُوزُ لَا لِأَجَلِ
وَفَسْخُهَا إنْ وَقَعَتْ عَلَى الذِّمَمْ ... وَيَقْسِمَانِ الرِّبْحَ حُكْمٌ مُلْتَزَمْ
يَعْنِي أَنَّ الشَّرِكَةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ إمَّا فِي الْمَالِ أَوْ فِي الْعَمَلِ أَوْ فِي الْمَالِ وَالْعَمَلِ مَعًا وَالثَّلَاثَةُ الْأَوْجُهِ جَائِزَةٌ وَلَا تُحَدُّ بِأَجَلٍ بَلْ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَنْحَلَّ عَنْ صَاحِبِهِ مَتَى شَاءَ وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ مَمْنُوعٌ وَهِيَ شَرِكَةُ الذِّمَمِ أَنْ يَشْتَرِيَا بِلَا مَالٍ وَالْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا فَإِنْ وَقَعَ فُسِخَتْ وَكَانَ مَا اشْتَرَوْهُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ حَصَلَ فِيهِ رِبْحٌ كَانَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا تَعَاقَدَا عَلَيْهِ.
(قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) الشَّرِكَةُ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ شَرِكَةُ أَمْوَالٍ وَشَرِكَةُ أَبْدَانٍ وَشَرِكَةُ أَوْجُهٍ وَشَرِكَةُ الْأَمْوَالِ تَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ الْأَوَّلُ شَرِكَةُ مُضَارَبَةٍ وَهِيَ الْقِرَاضُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ وَالثَّانِيَةُ شَرِكَةُ مُفَاوَضَةٍ وَهِيَ أَنْ يَجُوزَ فِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى صَاحِبِهِ وَيَشْتَرِكَانِ فِي جَمِيعِ مَا يَسْتَفِيدَانِ وَاتُّفِقَ عَلَى جَوَازِهَا. سُمِّيَتْ مُفَاوَضَةً لِتَفْوِيضِ كُلٍّ مِنْهُمَا الْمَالَ لِصَاحِبِهِ وَقِيلَ مِنْ الْمُفَاوَضَةِ وَالْمُشَاوَرَةُ كَأَنَّهُمَا يَتَشَاوَرَانِ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِمَا الثَّالِثَةُ شَرِكَةُ الْعَنَانِ.
وَفَسَّرَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ شَاسٍ بِأَنْ يَشْتَرِطَ كُلٌّ مِنْهُمَا نَفْيَ الِاسْتِبْدَادِ أَنْ لَا يَفْعَلَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا حَتَّى يُشَارِكَهُ فِيهَا الْآخَرُ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ وَشَرِكَةُ الْأَبْدَانِ هِيَ الشَّرِكَةُ فِي الْعَمَلِ وَيَأْتِي لِلنَّاظِمِ الْكَلَامُ عَلَيْهَا وَشَرِكَةُ الْوُجُوهِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا تَصِحُّ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ وَفُسِّرَتْ بِأَنْ يَبِيعَ الْوَجِيهُ مَالَ الْخَامِلِ بِبَعْضِ رِبْحِهِ وَقِيلَ هِيَ شَرِكَةُ الذِّمَمِ يَشْتَرِيَانِ وَيَبِيعَانِ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ مَالٍ وَكِلْتَاهُمَا فَاسِدَةٌ وَتُفْسَخُ وَمَا اشْتَرَيَاهُ بَيْنَهُمَا عَلَى الْأَشْهَرِ اهـ.
وَكَذَا قَسَمَ الْمُتَيْطِيّ الشَّرِكَةَ إلَى شَرِكَةِ أَمْوَالٍ وَشَرِكَةِ أَبْدَانٍ وَشَرِكَةِ وُجُوهٍ وَهِيَ شَرِكَةُ الذِّمَمِ وَزَادَ النَّاظِمُ قِسْمًا رَابِعًا وَهِيَ الشَّرِكَةُ بِالْمَالِ وَالْعَمَلِ مَعًا فُتِيَا وَذَلِكَ كَأَنْ يَشْتَرِيَا جُلُودًا فَيُفَصِّلَانِهَا نِعَالًا وَيَخِيطَانِهَا وَيَبِيعَانِهَا مَخِيطَةً وَمِثْلُ ذَلِكَ كَثِيرٌ (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) فِي تَوْجِيهِ فَسَادِ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ وَفَسَدَتْ عَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِجَارَةِ الْمَجْهُولَةِ وَالتَّدْلِيسِ عَلَى الْغَيْرِ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ مَنْ يَرْغَبُ فِي الشِّرَاءِ مَنْ أَمْلِيَاءِ السُّوقِ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُمْ إنَّمَا يَتَّجِرُونَ فِي جَيِّدِ السِّلَعِ وَأَنَّ فُقَرَاءَهُمْ عَلَى الْعَكْسِ ثُمَّ قَالَ وَفَسَدَتْ عَلَى التَّفْسِيرِ الثَّانِي لِأَنَّ مِنْ بَابِ: تَحَمَّلْ عَنَى وَأَتَحَمَّلُ عَنْك وَأَسْلِفْنِي وَأُسْلِفُك فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الضَّمَانِ بِجُعْلٍ وَالسَّلَفِ بِزِيَادَةٍ اهـ.
وَيَعْنِي بِالتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَكَمَا تَفْسُدُ وَتُفْسَخُ عَلَى التَّفْسِيرِ الثَّانِي إذَا اشْتَرَيَا بِلَا مَالٍ رَأْسًا كَذَلِكَ تَفْسُدُ وَتُفْسَخُ أَيْضًا إذَا كَانَتْ بِمَالٍ قَلِيلٍ (قَالَ الْمُتَيْطِيّ) بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ فِيهَا الْمَنْعَ وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَكَا بِمَالٍ قَلِيلٍ عَلَى أَنْ يَتَدَايَنَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ تَحَمَّلْ عَنَى نِصْفَ مَا اشْتَرَيْت عَلَى أَنْ أَتَحَمَّلَ عَنْك نِصْفَ مَا اشْتَرَيْت (وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ أَيْضًا) وَالشَّرِكَةُ لَا تَكُونُ إلَى أَجَلٍ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ
(2/123)

مِنْهُمَا أَنْ يَنْحَلَّ عَنْ صَاحِبِهِ وَيُقَاسِمَهُ فِيمَا بَيْنَ أَيْدِيهِمَا مِنْ نَاضٍّ وَعُرُوضٍ مَتَى شَاءَ اهـ.
فَقَوْلُهُ شَرِكَةُ مُبْتَدَأٌ سَوَّغَ الِابْتِدَاءَ بِهِ التَّقْسِيمُ وَتَجُوزُ خَبَرُهُ وَلَا لِأَجَلٍ مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ تَجُوزُ لِغَيْرِ أَجَلٍ لَا لِأَجَلٍ وَفَسْخُهَا مُبْتَدَأٌ وَالضَّمِيرُ لِلشَّرِكَةِ وَخَبَرُهُ وَمُلْتَزَمٌ صِفَةُ حُكْمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
وَإِنْ يَكُنْ فِي الْعَيْنِ ذَاكَ اُعْتُمِدَا ... تَجُزْ إنْ الْجِنْسُ هُنَاكَ اتَّحَدَا
وَبِالطَّعَامِ جَازَ حَيْثُ اتَّفَقَا ... وَهُوَ لِمَالِكٍ بِذَاكَ مُتَّقِي
وَجَازَ بِالْعَرْضِ إذَا مَا قُوِّمَا ... مِنْ جِهَةٍ أَوْ جِهَتَيْنِ فَاعْلَمَا
كَذَا طَعَامُ جِهَةٍ لَا يَمْتَنِعْ ... وَعَيْنٌ أَوْ عَرْضٌ لَدَى الْأُخْرَى وُضِعْ
تَكَلَّمَ فِي الْأَبْيَاتِ عَلَى مَا تَجُوزُ بِهِ الشَّرِكَةُ أَوْ تَمْتَنِعُ فَأَخْبَرَ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا تَجُوزُ بِالْعَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ إنْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ وَذَلِكَ كَأَنْ يُخْرِجَ هَذَا ذَهَبًا وَالْآخَرَ ذَهَبًا أَوْ هَذَا فِضَّةً وَهَذَا فِضَّةً وَفُهِمَ مِنْ اشْتِرَاطِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ هَذَا ذَهَبًا وَالْآخَرُ فِضَّةً (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَالْإِجْمَاعُ عَلَى إجَازَتِهَا بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ عَلَى كِلَا الْجَانِبَيْنِ.
(قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) كِلَا الْجَانِبَيْنِ أَنْ يُخْرِجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذَهَبًا أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ وَرِقًا وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا ذَهَبًا وَالْآخَرُ وَرِقًا فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ كَمَا سَيَأْتِي ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَتَمْتَنِعُ بِالدَّرَاهِمِ مَعَ الدَّنَانِيرِ عَلَى الْمَشْهُورِ
(2/124)

وَعَلَّلَ ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِأَنَّهُ صَرْفٌ وَشَرِكَةٌ وَالصَّرْفُ لَا يَجُوزُ مَعَ الشَّرِكَةِ وَإِذَا لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ مَعَ الشَّرِكَةِ فَالصَّرْفُ أَوْلَى وَأَجَازَ ذَلِكَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ وَقَالَا إنَّمَا يُمْنَعُ الصَّرْفُ وَالشَّرِكَةُ إذَا كَانَ الصَّرْفُ خَارِجًا عَنْ الشَّرِكَةِ وَأَمَّا الدَّاخِلُ فِيهَا فَيَجُوزُ ثُمَّ قَالَ.
(فَرْعٌ) وَأَمَّا لَوْ أَخْرَجَ هَذَا ذَهَبًا وَوَرِقًا وَالْآخَرَ مِثْلَهُ ذَهَبًا وَوَرِقًا فَإِنَّهُ جَائِزٌ (ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ) وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَلِهَذَا رَجَّحَ جَمَاعَةٌ قَوْل سَحْنُونٍ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ جَارٍ فِي هَذِهِ وَهِيَ جَائِزَةٌ اهـ.
وَيُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ هَذَا الْوَجْهِ اتِّفَاقُ عَوْدِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِلَّا كَانَ صَرْفًا وَشَرِكَةً كَمَا تَقَدَّمَ، وَاسْمُ تَكُنْ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ لِلشَّرِكَةِ وَبِالتَّحْتَانِيَّةِ لِلِاشْتِرَاكِ وَلَعَلَّ هَذَا أَوْلَى لِكَوْنِهِ أَتَى بِالْإِشَارَةِ بِصِيغَةِ الْمُذَكَّرِ، وَ " فِي " مِنْ قَوْلِهِ " فِي الْعَيْنِ " بِمَعْنَى الْبَاءِ أَنْشَدَ عَلَيْهِ فِي الْمُغْنِي
وَيَرْكَبُ يَوْمَ الرَّوْعِ مِنَّا فَوَارِسُ ... يَصِيرُونَ فِي طَعْنِ الْأَبَاهِرِ وَالْكُلَى
أَيْ يَصِيرُونَ بِطَعْنِ الْأَبَاهِرِ جَمْعُ أَبْهَرَ وَهُوَ عِرْقٌ فِي الظَّهْرِ وَقِيلَ فِي مُسْتَبْطَنِ الْقَلْب إذَا انْقَطَعَ مَاتَ صَاحِبُهُ وَالْكُلَى مَعْرُوفٌ ثُمَّ أَخْبَرَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْبَيْتِ الثَّانِي أَنَّ الشَّرِكَةَ تَجُوزُ عِنْدَ غَيْرِ مَالِكٍ بِالطَّعَامِ الْمُتَّفِقِ أَيْ فِي النَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَمَنَعَ ذَلِكَ مَالِكٌ (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) قَاسَ ابْنُ الْقَاسِمِ الطَّعَامَيْنِ الْمُتَّفِقَيْنِ فِي الصِّفَةِ عَلَى الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَالْجَامِعُ حُصُولُ الْمُنَاجَزَةِ حُكْمًا لَا حِسًّا فَكَمَا اُغْتُفِرَ فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فَكَذَلِكَ يُغْتَفَرُ فِي الطَّعَامَيْنِ وَمَنَعَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَلِلْأَصْحَابِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَوْجُهٌ أَوَّلُهَا مَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ شُيُوخِهِ أَنَّ الطَّعَامَيْنِ يَدْخُلُهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ بَاعَ نِصْفَ طَعَامِهِ بِنِصْفِ طَعَامِ صَاحِبِهِ وَلَمْ يَحْصُلْ قَبْضٌ لِبَقَاءِ يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى مَا بَاعَ فَإِذَا بَاعَا يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ بَائِعًا لِلطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ اهـ.
مَفْهُومٌ قَوْلُهُ حَيْثُ اتَّفَقَا أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الطَّعَامَانِ لَمْ تَجُزْ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) وَأَمَّا الشَّرِكَةُ بِالطَّعَامَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ فَالْمَشْهُورُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ الشَّرِكَةُ فِيهِمَا مَمْنُوعَةٌ فَفِيهَا وَإِنْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا مَحْمُولَةً وَالْآخَرُ سَمْرَاءَ أَوْ أَخْرَجَ هَذَا قَمْحًا وَالْآخَرُ شَعِيرًا وَقِيمَةُ ذَلِكَ مُتَّفِقَةٌ وَبَاعَ هَذَا نِصْفَ طَعَامِهِ بِنِصْفِ طَعَامِ الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ عَلَى حَالٍ كَمَا لَا أُجِيزَ الشَّرِكَةَ بِدَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ اتَّفَقَتْ قِيمَتُهَا أَوْ اخْتَلَفَ وَالْقَوْلُ بِالْجَوَازِ لِسَحْنُونٍ بِشَرْطِ أَنْ تَتَّفِقَ الْقِيمَةُ اللَّخْمِيّ يُرِيدُ وَالْكَيْلُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَالْبَيَانِ عَنْ مَالِكٍ قَوْلٌ بِالْجَوَازِ فِي الْمَسْأَلَةِ الطَّعَامَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ كَقَوْلِ سَحْنُونٍ اهـ.
وَفَاعِلُ جَازَ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي لِلِاشْتِرَاكِ وَبِالطَّعَامِ يَتَعَلَّقُ بِجَازٍ وَأَلِفُ اتَّفَقَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلْإِطْلَاقِ أَوْ لِلتَّثْنِيَةِ وَضَمِيرُ هُوَ لِلِاشْتِرَاكِ وَالْإِشَارَةِ مِنْ قَوْلِهِ بِذَاكَ تَعُودُ إلَى الطَّعَامِ الْمُتَّفِقِ ثُمَّ أَخْبَرَ فِي الْبَيْتِ الثَّالِثِ أَنَّ الِاشْتِرَاكَ جَائِزٌ بِالْعَرْضِ مِنْ جِهَةٍ يَعْنِي وَيُقَابِلُهُ مَنْ الْجِهَةِ الْأُخْرَى عَيْنٌ أَوْ طَعَامٌ وَيَجُوزُ أَيْضًا بِالْعَرْضِ مَنْ جِهَتَيْنِ سَوَاءٌ كَانَا مُتَّفِقَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ مِنْ جِنْسٍ أَوْ جِنْسَيْنِ إذَا قُوِّمَ الْعَرْضُ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَقَوْلُهُ مِنْ جِهَةٍ صِفَةٌ لِلْعَرْضِ أَوْ جِهَتَيْنِ عَطْفٌ عَلَى جِهَةٍ (قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ) وَتَجُوزُ الْعَرْضَيْنِ مُطْلَقًا وَرَأْسُ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مَا قُوِّمَ بِهِ عَرْضُهُ (التَّوْضِيحُ) تَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِالْعَرْضَيْنِ مُطْلَقًا وَسَوَاءٌ كَانَا مِنْ جِنْسٍ أَوْ جِنْسَيْنِ (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِكَا بِعَرْضَيْنِ مُتَّفِقَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ أَوْ طَعَامٍ وَعَرْضٍ عَلَى قِيمَةِ مَا أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ اهـ.
ثُمَّ أَخْبَرَ فِي الْبَيْتِ الرَّابِعِ أَنَّ الِاشْتِرَاكَ يَجُوزُ بِالطَّعَامِ مِنْ جِهَةٍ وَبِالْعَيْنِ أَوْ الْعَرْضِ مِنْ الْجِهَةِ الْأُخْرَى (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَتَصِحُّ بِالْعَرْضِ مِنْ جَانِبٍ وَالنَّقْدِ مِنْ جَانِبٍ عَلَى الْمَشْهُورِ (التَّوْضِيحُ) الْمَشْهُورُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَلَمْ أَقِف عَلَى الشَّاذِّ وَلَعَلَّهُ مُنِعَ لِاجْتِمَاعِ الْبَيْعِ وَالشَّرِكَةِ وَإِنَّمَا جَازَ فِي الْمَشْهُورِ هُنَا وَمُنِعَ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْعَيْنِ وَالْعَرْضِ إلَّا مَانِعٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْبَيْعُ وَالشَّرِكَةُ وَهُوَ مُغْتَفَرٌ فِي أَصْلِ الشَّرِكَةِ بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ مَعَ الدَّنَانِيرِ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ عِلَّتَيْنِ الْبَيْعُ وَالشَّرِكَةُ وَالصَّرْفُ مِنْ غَيْرِ مُنَاجَزَةٍ اهـ.
وَنَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ الْمُقَرَّبِ مَا نَصُّهُ قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ بِالشَّرِكَةِ عَلَى أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حِنْطَةً وَيُخْرِجَ صَاحِبُهُ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْحِنْطَةِ وَالدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ سَوَاءً وَيَكُونُ الْعَمَلُ بَيْنَهُمَا
(2/125)

بِالسَّوَاءِ وَالرِّبْحُ وَالْوَضِيعَةُ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ الثُّلُثَيْنِ وَكَانَتْ الْحِنْطَةُ الثُّلُثُ فَاشْتَرَكَا عَلَى أَنَّ عَلَى صَاحِبِ الدَّرَاهِمِ ثُلُثَيْ الْعَمَلِ وَعَلَى صَاحِبِ الْحِنْطَةِ ثُلُثَ الْعَمَلِ وَالرِّبْحِ عَلَى قَدْرِ رُءُوسِ أَمْوَالِهِمَا كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا أَيْضًا وَكَذَلِكَ إنْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ وَأَخْرَجَ صَاحِبُهُ عُرُوضًا قِيمَتُهَا سَوَاءٌ أَوْ مُخْتَلِفَةٌ فَهُوَ عَلَى مَا وَصَفْت لَك إذَا اشْتَرَكَا بِالْعَيْنِ وَالْحِنْطَةِ اهـ.
وَالْمَالُ خِلْطَةٌ وَوَضْعُهُ بِيَدِ ... وَاحِدٍ أَوْ فِي الِاشْتِرَاكِ مُعْتَمَد
يَعْنِي أَنَّ الْمَالَ الَّذِي أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ يُطْلَبُ خَلْطُهُ ثُمَّ يُوضَعُ كُلُّهُ بِيَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ بِأَيْدِيهِمَا مَعًا وَهُوَ الَّذِي عَنَى بِقَوْلِهِ أَوْ فِي الِاشْتِرَاكِ مُعْتَمَدٌ وَلَا يَبْقَى مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ بِيَدِ صَاحِبِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْخَلْطُ حِسًّا كَخَلْطِ دَنَانِيرَ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ حَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ أَوْ حُكْمًا وَهُوَ كَوْنُ الْمَالِ فِي حَوْزِ وَاحِدٍ (ابْنُ عَرَفَةَ) الْخَلْطُ الْحُكْمِيُّ كَوْنُ الْمَالِ فِي حَوْزِ وَاحِدٍ وَلَوْ عِنْدَ أَحَدِهِمَا (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) إنْ اشْتَرَكَا بِمَالَيْنِ سَوَاءٌ فَأَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ ذَهَبَهُ فَصَرَّهُ عَلَى حِدَةٍ وَجَعَلَا الصُّرَّتَيْنِ بِيَدِ أَحَدِهِمَا أَوْ فِي تَابُوتِهِ أَوْ خُرْجِهِ فَضَاعَتْ وَاحِدَةٌ فَالذَّاهِبَةُ بَيْنَهُمَا (الْمُدَوَّنَةُ) .
وَإِنْ بَقِيَتْ صُرَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ بِيَدِهِ فَضَيَاعُهَا مِنْهُ حَتَّى يُخْلَطَ أَوْ يَجْعَلَا الصُّرَّتَيْنِ عِنْدَ أَحَدِهِمَا اهـ وَعَطْفُ النَّاظِمِ الْوَضْعَ عَلَى الْخَلْطِ هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْخَلْطِ هُوَ الْحِسِّيِّ بَيَانٌ لِمَحَلِّ وَضْعِ الْمَالَيْنِ بَعْدَ حُصُولِ خَلْطِهِمَا وَبِالنِّسْبَةِ لِلْخَلْطِ الْحُكْمِيِّ بَيَانٌ وَتَفْسِيرٌ لَهُ، وَقَوْلُ النَّاظِمِ إنَّ الْخَلْطَ مُعْتَمَدٌ أَيْ فِي الشَّرِكَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا قَالَ الشَّارِحُ.
وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ أَوْ شَرْطٌ فِي لُزُومِهَا فَتَنْعَقِدُ بِالْقَوْلِ وَلَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْفِعْلِ وَهُوَ الْخَلْطُ كَالْبَيْعِ مِنْ السَّفِيه قَبْلَ إجَازَةِ وَلِيِّهِ فِي كَوْنِهِ مُنْعَقِدًا غَيْرَ لَازِمٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الشَّرِكَةَ مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي اُخْتُلِفَ فِيهَا هَلْ تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْفِعْلِ أَوْ شَرْطٍ فِي انْعِقَادِهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَلَا بُدَّ مِنْ خَلْطِ الْمَالِ تَحْتَ أَيْدِيهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ يَشْتَرِيَا بِهِمَا (ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا بُدَّ مِنْ خَلْطِ الْمَالَيْنِ حَقِيقَةً أَوْ كَوْنِهِمَا فِي حُكْمِ الْمَخْلُوطَيْنِ بِأَنْ يَكُونَا تَحْتَ أَيْدِيهِمَا كَجَعْلِهِمَا مَجْمُوعَ الْمَالَيْنِ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ وَيَجْعَلَا عَلَيْهِ قُفْلَيْنِ بِيَدِ أَحَدِهِمَا مِفْتَاحُ أَحَدِهِمَا وَبِيَدِ الْآخَرِ مِفْتَاحُ الْآخَرِ وَيَكُون الْمَالَانِ تَحْت يَد أَحَدهمَا بِرِضَا الْآخَر مِنْ غَيْرِ
(2/126)

شَرْطٍ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ أَيَشْتَرِيَا بِمَجْمُوعِ الْمَالَيْنِ سِلَعًا أَوْ سِلْعَةٍ، وَلِغَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا تَنْعَقِدُ بَيْنَهُمَا شَرِكَةٌ حَتَّى يُخْلَطَا اهـ.
فَأَوَّلُ هَذَا النَّقْلِ يُسْتَرْوَحُ مِنْهُ أَنَّ الْخَلْطَ شَرْطُ صِحَّةٍ وَآخِرُهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ شَرْطٌ فِي انْعِقَادِهَا وَأَمَّا كَوْنُهُ شَرْطًا فِي اللُّزُومِ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي لُزُومِهَا بِالْعَقْدِ أَوْ بِالْفِعْلِ وَهُوَ هُنَا الْخَلْطُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَقَوْلُ النَّاظِمِ خَلْطٌ مُبْتَدَأٌ ثَانٍ خَبَرُهُ مُعْتَمَدٌ وَالْمَبْدَأُ الثَّانِي وَخَبَرُهُ خَبَرُ الْمَالِ وَالرَّابِطُ ضَمِيرُ خَلْطِهِ
وَحَيْثُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي الْعَمَلْ ... فَشَرْطُهُ اتِّحَادُ شُغْلٍ وَمَحَلْ
يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ شَرِكَةِ الْعَمَلِ أَنْ تَتَحَدَّ الصَّنْعَةُ وَهُوَ مُرَادُهُ بِالشَّغْلِ وَأَنْ يَتَّحِدَ مَحَلُّ الشَّرِيكَيْنِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَشَرْطُ شَرِكَةِ الْعَمَلِ الِاتِّحَادُ فِيهِ وَفِي الْمَكَانِ (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) لِجَوَازِهَا شُرُوطٌ.
(أَوَّلُهَا) أَنْ يَتَّحِدَ الْعَمَلُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ مُخْتَلِفًا الصَّنْعَةَ كَصَبَّاغٍ وَنَجَّارٍ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْغَرَرِ إذْ قَدْ تَنْفُقُ صَنْعَةُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَيَأْخُذُ مَنْ لَمْ تَنْفَقْ صَنْعَتُهُ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ (أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّكِيُّ) وَلَوْ كَانَ الْمُعَلِّمَانِ أَحَدُهُمَا قَارِئٌ وَالْآخَرُ حَاسِبٌ وَاشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَقْتَسِمَا عَلَى قَدْرِ عَمَلِهِمَا فَيَجْرِي ذَلِكَ مَجْرَى جَمْعِ الرَّجُلَيْنِ سِلْعَتَيْهِمَا فِي الْبَيْعِ، وَعَلَى هَذَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ بَيْنَ مُخْتَلَفَيْ الصَّنْعَةِ إذَا كَانَتْ الصَّنْعَتَانِ مُتَلَازِمَتَيْنِ وَنَصَّ اللَّخْمِيّ عَلَى الْجَوَازِ فِيمَا إذَا تَشَارَكَا وَأَحَدُهُمَا يَحِيكُ وَالْآخَرُ يَخْدُمُ وَيَتَوَلَّى مَا سِوَى النَّسْجِ إذَا تَقَارَبَتْ قِيمَةُ ذَلِكَ قَالَ وَلَيْسَ كَالسِّلْعَتَيْنِ وَالْمُخْتَلِفَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا هُنَا إمَّا أَنْ يَعْمَلَا جَمِيعًا أَوْ يَتَعَطَّلَا جَمِيعًا فَلَمْ يَكُنْ هَذَا غَرَرًا وَعَلَى مِثْلِ هَذَا أُجِيزَتْ الشَّرِكَةُ فِي طَلَبِ اللُّؤْلُؤِ أَحَدُهُمَا يَتَكَلَّفُ الْغَوْصَ وَالْآخَرُ يَقْذِفُ أَوْ يُمْسِكُ عَلَيْهِ إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ سَوَاءً.
(ثَانِيهِمَا) أَنْ يَتَّحِدَ الْمَكَانُ وَالْعِلَّةُ فِيهِ كَالْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَنْفُذَ أَحَدُ الْمَكَانَيْنِ دُونَ الْآخَرِ وَأَجَازَ فِي الْعُتْبِيَّةِ كَوْنَهُمَا فِي مَكَانَيْنِ إذَا اتَّحَدَتْ الصَّنْعَةُ.
(ثَالِثُهَا) أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الصَّنْعَةِ أَوْ يَتَقَارَبَا وَإِلَّا فَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ إلَّا عَلَى قَدْرِ الْعَمَلِ كَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَعْمَلُ قَدْرَ الْآخَرِ مَرَّتَيْنِ وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى الثُّلُثَيْنِ وَالثُّلُثِ (رَابِعُهَا) أَنْ يَكُونَ فِي اشْتِرَاكِهِمَا تَعَاوُنٌ فَإِنْ اشْتَرَكُوا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى حِدَةٍ فَهُوَ مَنْ الْغَرَرِ الْبَيِّنِ (خَامِسُهَا) أَنْ تَكُونَ قِسْمَتُهَا عَلَى قَدْرِ عَمَلِهِمَا انْتَهَى بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ وَلَمْ يَذْكُرْ النَّاظِمُ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ إلَّا اتِّحَادَ الصَّنْعَةِ وَالْمَحَلِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ سُئِلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ حَمَّالَيْنِ اشْتَرَكَا فِي أُجْرَةِ مَا يَحْمِلَانِهِ فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا لَا يَحْمِلُ لِفُلَانٍ شَيْئًا فَحَمَلَ لَهُ صَاحِبُهُ وَحَمَلَ هُوَ لِغَيْرِهِ وَاقْتَسَمَا الْأُجْرَةَ (فَأَجَابَ) الشَّرِكَةُ فَاسِدَةٌ وَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ اهـ.
(تَنْبِيهٌ) تَقَدَّمَ فِي الشَّرْطِ الْأَوَّلِ مِنْ كَلَامِ التَّوْضِيحِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الذَّكِيِّ أَنَّ اشْتِرَاكَ قَارِئٍ وَحَاسِبٍ مِنْ الِاشْتِرَاكِ فِي الصَّنْعَتَيْنِ الْمُتَلَازِمَتَيْنِ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ لَهُ إذَا عَنَى اشْتِرَاكَ فَقِيهٍ وَفَرْضِيٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَالَ مُقَيِّدٌ هَذَا الشَّرْحُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَأَعَانَهُ عَلَى تَمَامِهِ وَتَلْخِيصِهِ) وَجَدْت بِخَطِّ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ فِي الطُّرَّةِ مَا نَصُّهُ وَجَدْت بِخَطِّ الْإِمَامِ الْقَوِيِّ مَنْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّكِيُّ؟ اهـ ثُمَّ وَجَدْت لِبَعْضِهِمْ مَا نَصُّهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّكِيُّ هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ فَرَجٍ الْمُشَاوِرُ عُرِفَ بِالذَّكِيِّ؛ صَقَلِّيُّ الْأَصْلِ وَسَكَنَ قَلْعَةَ بَنِي حَمَّادٍ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْمَشْرِقِ فَدَخَلَ الْعِرَاقَ وَسَكَنَ أَصْبَهَانَ إلَى أَنْ مَاتَ بِهَا وَعَدُّوهُ فِيهِمْ وَكَانَ فَقِيهًا مُتَقَدِّمًا فِي عِلْمِ الْمَذْهَبِ وَاللِّسَانِ مُفْتِيًا فِي عُلُومِ الْقُرْآنِ حَافِظًا مُدْرِكًا نَبِيلًا وَسَائِرِ الْمَعَارِفِ
(2/127)

أَخَذَ عَنْ شُيُوخِ بَلَدِهِ وَصَحِبَ السُّيُورِيَّ وَغَيْرَهُ وَكَانَ الْبِيرِيُّ يَقُولُ هُوَ أَحْفَظُ مَنْ لَقِيتُ قِيلَ لَهُ تَقُولُ هَذَا وَقَدْ لَقِيتَ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبَا عِمْرَانَ الْفَاسِيَّ فَقَالَ هُوَ أَحْفَظُ مَنْ رَأَيْت اهـ.
وَحَاضِرٌ يَأْخُذُ فَائِدًا عَرَضْ ... فِي غَيْبَةٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ أَوْ مَرَضْ
يَعْنِي أَنَّهُ إذَا غَابَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي شَرِكَةِ الْعَمَلِ أَوْ مَرِضَ فَإِنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ أَوْ مَرَضُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَمَا دُونَ فَإِنَّ ذَلِكَ الَّذِي يَحْصُلُ لِلْحَاضِرِ الصَّحِيحِ فِي غَيْبَةِ شَرِيكِهِ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ لِخِفَّةِ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ اخْتَصَّ بِهِ عَامِلُهُ الْحَاضِرُ الصَّحِيحُ (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) إذَا مَرِضَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الصَّنْعَةِ أَوْ غَابَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَعَمِلَ صَاحِبُهُ فَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ جَائِزٌ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ إلَّا مَا تَفَاحَشَ مِنْ ذَلِكَ وَطَالَ فَإِنَّ الْعَامِلَ إنْ أَحَبَّ أَنْ يُعْطِيَ لِصَاحِبِهِ نِصْفَ مَا عَمِلَ جَازَ إذَا لَمْ يَعْقِدَا فِي أَصْلِ الشَّرِكَةِ أَنَّ مَنْ مَرِضَ مِنْهُمَا أَوْ غَابَ غَيْبَةً بَعِيدَةً فَمَا عَمَلُ الْآخَرِ بَيْنَهُمَا فَإِنْ عَقَدَا عَلَى هَذَا لَمْ تَجُزْ الشَّرِكَةُ فَإِنْ يَزُلْ كَانَ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ مَنْ الْعَمَلِ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ عَمَلِهِمَا وَمَا انْفَرَدَ بِهِ أَحَدُهُمَا لَهُ خَاصَّةً ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ اهـ.
(فَرْعٌ) وَأَمَّا شَرِيكُ الْمَالِ إذَا غَابَ فَلِشَرِيكِهِ الْحَاضِرِ نِصْفُ أَجْرِهِ عَلَى صَاحِبِهِ الَّذِي غَابَ لِأَنَّ الرِّبْحَ إنَّمَا جَرَّهُ الْمَالُ
وَمَنْ لَهُ تَحَرُّفٌ إنْ عَمِلَهُ ... فِي غَيْرِ وَقْتِ تَجْرِهِ الْفَائِدُ لَهْ
يَعْنِي أَنَّ أَحَد الشَّرِيكَيْنِ إذَا كَانَتْ لَهُ حِرْفَةٌ وَصَنْعَةٌ فَعَمِلَهَا فِي غَيْرِ وَقْتِ التِّجَارَةِ فَإِنَّ مَا يَسْتَفِيدُ مِنْ ذَلِكَ لَهُ وَحْدَهُ دُونَ شَرِيكِهِ فَفِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الشَّرِيكَيْنِ فِي التِّجَارَةِ إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَصْنَعَ لِنَفْسِهِ صَنْعَةً أُخْرَى فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي لَا يَعْمَلُ فِيهَا شَيْئًا فَأَجَابَ بِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَعْمَلَ لِنَفْسِهِ مَا شَاءَ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي لَا يَشْتَغِلُ فِيهَا بِالتِّجَارَةِ وَلَا كَلَامَ لِشَرِيكِهِ فِي ذَلِكَ اهـ

[فَصْلٌ فِي الْقِرَاضِ]
ِ
 (ابْنُ الْحَاجِبِ)
الْقِرَاضُ إجَارَةٌ عَلَى التَّجْرِ فِي مَالٍ بِجُزْءٍ مَنْ رِبْحِهِ (التَّوْضِيحُ) الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي جَوَازِهِ وَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْإِجَارَةِ الْمَجْهُولَةِ وَمِنْ سَلَفٍ جَرَّ مَنْفَعَةً وَلَهُ اسْمَانِ الْقِرَاضُ وَالْمُضَارَبَةُ فَالْإِجَارَةُ جِنْسٌ وَأَخْرَجَ بِالتَّجْرِ الْإِجَارَةَ عَلَى غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ بِجُزْءٍ أَيْ مُشَاعٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لَك مِنْ الرِّبْحِ دِرْهَمٌ أَوْ نَحْوَهُ (وَأَوْرَدَ) عَلَيْهِ أَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ وَغَيْرُ جَامِعٍ أَمَّا عَدَمُ مَنْعِهِ فَإِنَّ الْقِرَاضَ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ فَلَوْ قَالَ آجَرْتُك عَلَى التَّجْرِ فِي هَذَا الْمَالِ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ صَدَقَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَيْسَ
(2/128)

بِقِرَاضٍ وَأَيْضًا لَوْ آجَرَهُ عَلَى التَّجْرِ إلَى أَجَلٍ أَوْ قَارَضَهُ بِعُرُوضٍ لَمْ يَكُنْ قِرَاضًا صَحِيحًا وَأَمَّا عَدَمُ جَمْعِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْقِرَاضُ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ كُلُّهُ لِغَيْرِهِمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا وَهُوَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي تَعْرِيفِهِ. (وَأُجِيبَ) عَنْ عَدَمِهِ مَنْعِهِ بِأَنَّ حَقِيقَةَ الْقِرَاضِ مَا ذَكَرَهُ وَكَوْنُهُ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ شَرْطٌ فِي الصِّيغَةِ وَكَذَا كَوْنُهُ لَا يَكُونُ إلَى أَجَلٍ شَرْطٌ فِي الْعَمَلِ وَكَذَا كَوْنُهُ لَا يَكُونُ بِعَرْضِ شَرْطٍ فِي الْمَالِ وَالشَّرْطُ لَا يَتَوَقَّفُ تَصَوُّرُ الْمَاهِيَّةِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْهَا وَعَنْ عَدَمِ جَمْعِهِ بِأَنَّ الصُّورَةَ الْمُعْتَرَضَ بِهَا إنَّمَا هِيَ مِنْ بَابِ التَّبَرُّعَاتِ وَإِطْلَاقُ الْقِرَاضِ عَلَيْهَا مَجَازٌ اهـ. وَعَرَّفَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ تَمْكِينُ مَالٍ لِمَنْ يَتَّجِرُ بِهِ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ لَا بِلَفْظِ إجَارَةٍ
إعْطَاءُ مَالٍ مَنْ بِهِ يُتَاجِرُ ... لِيَسْتَفِيدَ دَافِعٌ وَتَاجِرُ
مِمَّا يُفَادُ فِيهِ جُزْءًا يُعْلَمُ ... هُوَ الْقِرَاضُ وَبِفِعْلٍ يَلْزَمُ
يَعْنِي أَنَّ
الْقِرَاضَ هُوَ إعْطَاءُ مَالٍ لِمَنْ يَتَّجِرُ بِهِ لِيَسْتَفِيدَ كُلٌّ مِنْ دَافِعِهِ وَهُوَ رَبُّهُ وَالْعَامِلُ الَّذِي يَتَّجِرُ بِهِ مِمَّا يُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ وَيَرْبَحُ فِيهِ جُزْءًا مَعْلُومًا كَنِصْفِ الرِّبْحِ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَوْ الثُّلُثَانِ لِرَبِّ الْمَالِ وَالثُّلُثُ لِلْعَامِلِ أَوْ بِالْعَكْسِ فَإِعْطَاءُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ جُمْلَةُ هُوَ الْقِرَاضُ وَإِعْطَاءُ مَصْدَرٌ أُضِيفَ إلَى الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَالُ وَكَمُلَ بِالثَّانِي وَهُوَ مَنْ، وَمِمَّا يُفَادُ يَتَعَلَّقُ بِيَسْتَفِيدُ وَيُفَادُ بِمَعْنَى يَرْبَحُ أَوْ فِي بِمَعْنَى مِنْ أَيْ يُفَادَ مِنْهُ وَجُزْءًا مَفْعُولٌ بِيَسْتَفِيدُ وَجُمْلَةُ يُعْلَمُ صِفَةٌ لِجُزْءًا. (قَالَ فِي الْمَعُونَةِ) وَصِفَةُ الْقِرَاضِ أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ مَالًا إلَى غَيْرِهِ لِيَتَّجِرَ فِيهِ وَيُشْتَرَى وَيَبِيعُ وَيُسْتَغْنَى مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى جُزْءٍ يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ (قَالَ اللَّخْمِيّ) الْقِرَاضُ جَعَالَةٌ فَلَا يَلْزَمُ بِالْقَبْضِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَبِلَ الْعَمَلَ بِالْخِيَارِ فَإِذَا عَمِلَ وَشَغَلَ الْمَالَ ارْتَفَعَ الْخِيَارُ وَلَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَهُ وَلَا لِلْعَامِلِ أَنْ يَرُدَّهُ حَتَّى يَنِضّ.
(وَفِي الْمُقَرِّبِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَأَلْت مَالِكًا عَنْ رَبِّ الْمَالِ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَرْجِعَهُ مِنْ الْعَامِلِ فَقَالَ إنْ كَانَ الْمَالُ عَلَى حَالِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ قَدْ اشْتَرَى بِهِ أَوْ خَرَجَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ (قَالَ الشَّارِحُ) وَقَوْلُ النَّاظِمِ وَبِفِعْلٍ يَلْزَمُ يَشْمَلُ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ الِاشْتِرَاءِ بِمَالِ الْقِرَاضِ وَالْخُرُوجِ بِهِ لِأَنَّ الِاشْتِرَاءَ وَالْخُرُوجَ كِلَيْهِمَا فِعْلٌ اهـ.
وَفِي ابْنِ سَلْمُونٍ وَلَا يَلْزَمُ الْقِرَاضُ إلَّا بِالْعَمَلِ اهـ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْجَعْلِ أَنَّ الْقِرَاضَ مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي لَا تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ بَلْ بِالْفِعْلِ
وَالنَّقْدُ وَالْحُضُورُ وَالتَّعْيِينُ ... مِنْ شَرْطِهِ وَيُمْنَعُ التَّضْمِينُ
وَلَا يَسُوغُ جَعْلُهُ إلَى أَجَلْ ... وَفَسْخُهُ مُسْتَوْجِبٌ إذَا نَزَلْ
وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ شَيْءٍ يَنْفَرِدْ ... بِهِ مِنْ الرِّبْحِ وَإِنْ يَقَعْ يُرَدُّ
(قَالَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) تَضَمَّنَتْ الْأَبْيَاتُ شُرُوطَ الْقِرَاضِ وَمَوَانِعِهِ فَمِنْ شُرُوطِهِ النَّقْدُ الَّذِي هُوَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَيُتَحَرَّزُ بِالنَّقْدِ مِنْ الْقِرَاضِ بِالْعُرُوضِ وَالطَّعَامِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
(التَّوْضِيحُ) وَانْظُرْ هَلْ أَرَادَ بِالنَّقْدِ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ أَوْ مُطْلَقَ الْعَيْنِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ اهـ.
وَعَلَى الْمُرَادِ الدَّنَانِيرَ
(2/129)

وَالدَّرَاهِمَ اُقْتُصِرَ فِي الْمُخْتَصَرِ لِقَوْلِهِ فِي نَقْدٍ مَضْرُوبٍ أَيْ مَسْكُوكٍ وَمِنْ شَرْطِهِ الْحُضُورُ وَيُتَحَرَّزُ بِهِ مِنْ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّ الْقِرَاضَ بِهِ لَا يَجُوزُ وَمِنْ شَرْطِهِ التَّعْيِينُ وَيُتَحَرَّزُ بِهِ مِنْ مِثْلِ الْجُزَافِ فِي صُرَّةٍ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ لَا يُعْلَمُ قَدْرُهَا لِأَنَّ جَهْلَ رَأْسِ الْمَالِ يُؤَدِّي إلَى جَهْلِ الرِّبْحِ وَمِنْ مَوَانِعِهِ التَّضْمِينُ لِأَنَّهُ عَلَى الْأَمَانَةِ وَأَنْ يُضْرَبَ فِيهِ أَجَلٌ لِمُنَافَاةِ الْأَجَلِ لِوَصْفِهِ فَإِنْ ضُرِبَ فِيهِ أَجَلٌ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ وَأَنْ يُشْتَرَطَ فِيهِ شَيْءٌ يَنْفَرِدُ بِهِ الْعَامِلُ أَوْ رَبُّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُرَدُّ.
وَقَدْ سَبَقَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْمُسَاقَاةِ فَفِي النَّوَادِرِ مِنْ كِتَابِ مُحَمَّد قَالَ مَالِكٌ لَا يَصْلُحُ الْقِرَاضُ بِغَيْرِ الْعَيْنِ وَإِنْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا لِمَا يُخَافُ مَنْ تَغَيُّرِ سِعْرِهِ عِنْدَ الْمُفَاصَلَةِ وَفِيهَا أَيْضًا مِنْ كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ وَمُحَمَّدٍ
(2/130)

وَإِذَا قَالَ فِي الْعُرُوضِ خُذْهُ قِرَاضًا أَوْ بِعْهُ وَاعْمَلْ بِهِ قِرَاضًا فَهُوَ سَوَاءٌ وَلَهُ أَجْرُهُ فِي الْبَيْعِ وَالتَّقَاضِي وَعَلَى قِرَاضٍ مِثْلِهِ فِي الثَّمَنِ وَفِيهَا مِنْ كِتَابِ مُحَمَّد قَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ دَيْنًا لَهُ فِي ذِمَّتِهِ قِرَاضًا وَكَذَلِكَ لَوْ أَحْضَرَهُ فَقَالَ خُذْهُ قِرَاضًا لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَقْبِضَهُ فَإِنْ نَزَلَ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا رَأْسُ مَالِهِ.
وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّة مِنْ رِوَايَةِ سَحْنُونٍ وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ وَلَا يَجُوزُ الْقِرَاضُ الْمُبْهَمُ إذَا لَمْ يُسَمِّ حِصَّةَ الْعَامِلِ مِنْ الرِّبْحِ وَلَا يَجُوزُ الْقِرَاضُ إلَى أَجَلٍ.
وَلَا يَجُوزُ الْقِرَاضُ بِالضَّمَانِ (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) وَمَنْ أَخَذَ مَالًا قِرَاضًا عَلَى أَنَّ لِرَبِّ الْمَالِ دِرْهَمًا مِنْ الرِّبْحِ وَمَا بَقِيَ بَعْدَهُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا وَعَمِلَ عَلَى ذَلِكَ فَرَبِحَ أَوْ وَضَعَ فَإِنَّ الرِّبْحَ لِرَبِّ الْمَالِ وَالنُّقْصَانَ عَلَيْهِ وَيَكُونُ لِعَامِلٍ أَجْرٌ مِثْلُهُ اهـ كَلَامُ الشَّارِحِ.
وَإِنَّمَا مُنِعَ اشْتِرَاطُ دِرْهَمٍ مَثَلًا مِنْ الرِّبْحِ لِرَبِّ الْمَالِ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ أَنَّ الْجُزْءَ مِنْ الرِّبْحِ الَّذِي يَكُونُ لِلْعَامِلِ يَكُونُ مَعْلُومَ النِّسْبَةِ مَنْ الرِّبْحِ كَنِصْفِهِ أَوْ ثُمُنِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَإِذَا عُيِّنَ كَدِرْهَمٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَقَدْ لَا يَحْصُلُ مِنْ الرِّبْحِ إلَّا قَدْرُ ذَلِكَ فَيَذْهَبُ عَمَلُ الْعَامِلِ مَجَّانًا وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ الْأَبْيَاتِ أَنَّ الشُّرُوطَ ثَلَاثَةٌ النَّقْدُ وَالْحُضُورُ وَالتَّعْيِينُ وَأَنَّ الْمَوَانِعَ ثَلَاثَةٌ الضَّمَانُ وَالْأَجَلُ وَاشْتِرَاطُ شَيْءٍ يَنْفَرِدُ بِهِ الْعَامِلُ مِنْ الرِّبْحِ وَالضَّابِطُ فِي مِثْلِ هَذَا أَنَّ مَا يُطْلَبُ وُجُودُهُ هُوَ شُرُوطٌ وَمَا يُطْلَبُ نَفْيُهُ وَعَدَمُهُ هُوَ مَانِعٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقِرَاضُ بِالضَّمَانِ أَيْ بِاشْتِرَاطِهِ عَلَى الْعَامِلِ وَأَمَّا إنْ تَطَوَّعَ بِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَفِي لُزُومِهِ رَأْيَانِ لِلشُّيُوخِ بِاللُّزُومِ وَعَدَمِهِ اُنْظُرْ إيضَاحَ الْمَسَالِكِ لِسَيِّدِي أَحْمَدَ الْوَنْشَرِيسِيِّ فِي التَّنْبِيهِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي قَاعِدَةِ اشْتِرَاطِ مَا يُوجِبُ الْحُكْمَ خِلَافُهُ مِمَّا لَا يَقْتَضِي فَسَادًا هَلْ يُعْتَبَرُ أَوْ لَا يُعْتَبَرُ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ صَاحِبُ الْمَنْهَجِ الْمُنْتَخَبِ بِقَوْلِهِ فِي الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ
خَلَا تَبَرُّعٍ بُعَيْدَ الْعَقْدِ ... وَأُلْزِمَ الْقِرَاضَ بَعْدَ الْقَيْدِ.
وَالْقَوْلُ قَوْلُ عَامِلٍ أَنْ يُخْتَلَف ... فِي جُزْءِ الْقِرَاضِ أَوْ حَالِ التَّلَف
كَذَاك فِي ادِّعَائِهِ الْخَسَارَهْ ... وَكَوْنِهِ قِرَاضًا أَوْ إجَارَهْ
اشْتَمَلَ الْبَيْتَانِ عَلَى ثَلَاثِ مَسَائِلَ الْقَوْلُ فِيهَا قَوْلُ الْعَامِلِ عَلَى خِلَافٍ فِي يَمِينِهِ.
(الْأُولَى) إذَا اخْتَلَفَ رَبُّ الْمَالِ وَالْعَامِلِ فِي قِسْمَةِ جُزْءِ الرِّبْحِ فَقَالَ الْعَامِلُ أَنْصَافًا بَيْنَهُمَا وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ لِلْعَامِلِ الثُّلُثُ وَلَهُ الثُّلُثَانِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.
(الثَّانِيَةُ) إذَا اخْتَلَفَا فِي التَّلَفِ وَالْخَسَارَةِ فَادَّعَاهُ الْعَامِلُ وَنَفَاهُ رَبُّ الْمَالِ.
(الثَّالِثَةُ) إذَا قَالَ أَحَدُهُمَا قِرَاضٌ وَقَالَ الْآخَرُ بِضَاعَةٌ بِأَجْرٍ وَتُتَصَوَّرُ دَعْوَى الْقِرَاضِ وَالْإِجَارَةِ مِنْ كُلٍّ مِنْ رَبِّ الْمَالِ وَالْعَامِلِ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (أَمَّا الْأُولَى) فَقَالَ اللَّخْمِيّ إنْ اخْتَلَفَا فِي الْجُزْءِ أَيْ قَبْلَ الْعَمَلِ فَقَالَ الْعَامِلُ أَخَذْته عَلَى النِّصْفِ وَقَالَ الْآخَرُ عَلَى الثُّلُثِ فَإِمَّا عَمِلَ أَوْ رَدَّهُ
(2/131)

فَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الْعَمَلِ وَفِي الْمَالِ رِبْحٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْعَامِلِ إذَا كَانَ الْمَالُ فِي يَدِهِ أَوْ سَلَّمَهُ عَلَى وَجْهِ الْإِيدَاعِ حَتَّى يَتَفَاصَلَا فِيهِ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ لَيْسَ بِتَسْلِيمٍ وَإِنْ سَلَّمَهُ لِيَتَصَرَّفَ فِيهِ رَبُّ الْمَالِ وَيَكُونُ جُزْءُ الْعَامِلِ سَلَفًا عِنْدَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ الْمَالِ أَنَّهُ عَلَى الثُّلُثِ هُوَ عَلَى هَذَا فَيُقَيَّدُ كَلَامُ النَّاظِمِ بِمَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ الْعَمَلِ وَالْمَالِ بِيَدِ الْعَامِل أَوْ عِنْدَ أَمِينٍ وَزَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ كَوْنَ الْعَامِلِ ادَّعَى مَا يُشْبِهُ.
وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ عَاطِفًا وَالْقَوْلُ لِلْعَامِلِ فِي تَلَفِهِ وَفِي جُزْء الرِّبْح إنْ ادَّعَى مُشَبِّهًا وَالْمَالُ بِيَدِهِ أَوْ وَدِيعَة وَإِنْ لِرَبِّهِ.
(وَأَمَّا الثَّانِيَةُ) فَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ فِي الْمُفِيدِ وَالْعَامِلُ مَقْبُولُ الْقَوْلِ فِيمَا يَدَّعِيه مِنْ ضَيَاعِ الْمَالِ وَذَهَابِهِ وَالْخَسَارَةِ فِيهِ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ كَذِبُهُ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْعَامِلُ أَمِينٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ضَيَاعِهِ وَخُسْرَانِهِ (التَّوْضِيحُ) قَوْلُهُ فِي ضَيَاعِهِ أَيْ بِسَرِقَةٍ وَنَحْوِهَا وَالضَّيَاعُ بِفَتْحِ الضَّادِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ قَوْلُهُ وَخَسَارَتُهُ قَيَّدَهُ اللَّخْمِيُّ بِأَنْ يَأْتِيَ بِمَا يُشْبِهُ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِسُؤَالِ التُّجَّارِ فِي بَلَدِ السِّلَعِ هَلْ يَخْسَرُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَالِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ مَا ذَكَرَ اهـ.
(اللَّخْمِيّ) إنْ اخْتَلَفَا فِي تَلَفِهِ فَقَالَ الْعَامِلُ ضَاعَ أَوْ سَقَطَ مِنِّي أَوْ سُرِقَ أَوْ غَرِقَ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَالْأَمِينُ مُصَدَّقٌ فِي أَمَانَتِهِ مَأْمُونًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَأْمُونٍ لِأَنَّ رَبّ الْمَالِ رَضِيَهُ أَمِينًا وَاخْتُلِفَ فِي يَمِينِهِ اهـ.
(ابْنُ الْحَاجِبِ) اسْتِحْلَافُهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَيْمَانِ التُّهَمِ (وَأَمَّا الثَّانِيَةُ) فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَوْ قَالَ الْعَامِلُ قِرَاضٌ وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ بِضَاعَةٌ بِأَجْرٍ أَوْ بِالْعَكْسِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ فَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ وَتَقْيِيدٌ يَنْبَغِي الْوُقُوفُ عَلَيْهِ (الْمَوَّاق) وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ إنْ قَالَ الْعَامِلُ قِرَاضٌ وَقَالَ رَبُّهُ بَلْ أَبْضَعْتُكَ لِتَعْمَلَ بِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ مَعَ يَمِينِهِ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْقَرَوِيِّينَ إنْ كَانَ أَمْرُهُمْ أَنَّ لِلْبِضَاعَةِ أَجْرًا فَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْعَامِلِ مَعَ يَمِينِهِ اهـ.
قَوْلُهُ فِي جُزْءِ الْقِرَاضِ يُقْرَأُ بِضَمِّ الزَّايِ لِلْوَزْنِ وَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ فِي جُزْءِ رِبْحِ الْقِرَاضِ.
(تَنْبِيهٌ) لَمْ يَذْكُرْ النَّاظِمُ حُكْمَ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الرَّدِّ فَقَالَ الْعَامِلُ رَدَدْته لِرَبِّهِ وَقَالَ رَبُّهُ لَمْ يَرُدَّهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي رَدِّهِ إنْ كَانَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَقِيلَ مُطْلَقًا (التَّوْضِيحُ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ اُتُّفِقَ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ إذَا قَبَضَهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَاخْتُلِفَ إذْ قَبَضَهُ بِهَا عَلَى قَوْلَيْنِ الْمَشْهُورُ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَقِيلَ يُقْبَلُ اهـ.
وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَالْقَوْلُ لِلْعَامِلِ فِي تَلَفِهِ وَخُسْرِهِ وَرَدِّهِ إنْ قَبَضَ بِلَا بَيِّنَةٍ أَوْ قَالَ قِرَاضٌ وَرَبُّهُ بِضَاعَةٌ بِأَجْرٍ وَعَكْسُهُ
وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ فِي غَيْرِ السَّفَرْ ... نَفَقَةٌ وَالتَّرْكُ شَرْطٌ لَا يُقَرْ
يَعْنِي أَنَّ عَامِلَ الْقِرَاضِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْهُ مَا دَامَ مُقِيمًا فِي أَهْلِهِ غَيْرَ مُسَافِرٍ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ سَافَرَ فَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْهُ فِي طَعَامِهِ وَكِسْوَتِهِ لَكِنْ بِالْمَعْرُوفِ مَعَ كَوْنِ الْمَالِ يَحْمِلُ ذَلِكَ فَإِنْ شَرَطَ رَبُّ الْمَالِ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ لَا يُنْفِقَ مِنْهُ فِي حَالِ السَّفَرِ فَإِنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يَجُوزُ وَلَا يُقَرُّ الْقِرَاضَ عَلَيْهِ فَقَوْلُهُ وَالتَّرْكُ شَرْطٌ هُوَ رَاجِعٌ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ فِي غَيْرِ السَّفَرِ أَيْ وَأَمَّا السَّفَرُ فَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْهُ فَإِنْ
(2/132)

شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُنْفِقَ لَمْ يُقَرَّ.
(قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) وَنَفَقَتُهُ فِي سَفَرِهِ فِي طَعَامِهِ وَكِسْوَتِهِ فِي الْمَالِ بِالْمَعْرُوفِ إذَا كَانَ الْمَالُ يَحْمِلُ ذَلِكَ وَلَا نَفَقَةَ مَا دَامَ مُقِيمًا فِي أَهْلِهِ (وَفِي النَّوَادِرِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ) قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ شَرَطَ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ لَا يُنْفِقَ فِي سَفَرِهِ لَمْ يَجُزْ (قَالَ الشَّارِحُ) لَمْ يَفْتَقِرْ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى تَقْيِيدِ كَوْنِ الْمَالِ مِمَّا يَحْمِلُ النَّفَقَةَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِجَرَيَانِ عَادَةِ الْعُقَلَاءِ أَنَّ الْمَالَ الْقَلِيلَ لَا يُسَافَرُ بِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْقِرَاضُ عَلَى هَذَا إمَّا كَثِيرًا يَتَأَتَّى بِهِ السَّفَرُ وَإِمَّا قَلِيلًا وَمَعَهُ غَيْرُهُ وَحَتَّى يَتَأَتَّى السَّفَرُ بِالْمَالَيْنِ وَفِي كِلْتَا الصُّورَتَيْنِ يَجِبُ النَّفَقَةُ لِلْعَامِلِ فِي مَالِ الْقِرَاضِ إمَّا خَالِصَةً مِنْ الْكَثِيرِ وَإِمَّا مَفْضُوضَةً عَلَى الْقَلِيلِ مَعَ غَيْرِهِ اهـ.
(ابْنُ الْحَاجِبِ) وَلِلْعَامِلِ نَفَقَتُهُ فِي السَّفَرِ وَفِي إقَامَتِهِ بِغَيْرِ وَطَنِهِ لِلْمَالِ فِي الْمَالِ بِالْمَعْرُوفِ.
(التَّوْضِيحُ) وَاحْتُرِزَ بِغَيْرِ وَطَنِهِ مِمَّا لَوْ أَقَامَ بِوَطَنِهِ فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهُ وَهَكَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا قَوْلُهُ فِي الْمَالِ أَيْ لَا فِي ذِمَّةِ رَبِّ الْمَالِ فَلِهَذَا لَوْ أَنْفَقَ الْعَامِلُ فِي سَفَرِهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ثُمَّ هَلَكَ مَالُ الْقِرَاضِ لَمْ يَلْزَمْ رَبَّ الْمَالِ شَيْءٌ وَكَذَا إذَا زَادَ مَا أَنْفَقَهُ عَلَى مَجْمُوعِ الْمَالِ لَمْ يَرْجِعْ بِالزَّائِدِ وَهَكَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَوْلُهُ بِالْمَعْرُوفِ أَيْ مِنْ غَيْرِ سَرَفٍ فِي طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَرُكُوبِهِ وَمَسْكَنِهِ أَشْهَب عَنْ مَالِكٍ وَحِجَامَتِهِ وَحَمَّامِهِ قَالُوا وَلَيْسَ لَهُ دَوَاءٌ وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ لِلْمَالِ يَتَعَلَّقُ بِإِقَامَتِهِ أَيْ إنَّمَا لَهُ النَّفَقَةُ فِي إقَامَتِهِ بِغَيْرِ وَطَنِهِ إنْ كَانَتْ إقَامَتُهُ لِأَجْلِ الْمَالِ إمَّا لِحَاجَةٍ لَهُ فَلَا نَفَقَةَ لَهُ وَقَوْلُهُ فِي الْمَالِ يَتَعَلَّقُ بِنَفَقَتِهِ.
ثُمَّ قَالَ مِقْدَارُ النَّفَقَةِ إذَا أَشْبَهَ ذَلِكَ نَفَقَةً مِثْلَهُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَهُ الْكِسْوَةُ فِي بَعِيدِهِ لَا فِي قَرِيبٍ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَّا أَنْ يَطُولَ وَأَمَّا الْمَالُ الْقَلِيلُ فَلَا نَفَقَةَ فِيهِ وَلَا كِسْوَةَ اهـ.
وَعِنْدَمَا مَاتَ وَلَا أَمِينَ فِي ... وُرَّاثِهِ وَلَا أَتَوْا بِالْخَلَفِ
رُدَّ إلَى صَاحِبِهِ الْمَالُ وَلَا ... شَيْءَ مِنْ الرِّبْحِ لِمَنْ قَدْ عَمِلَا
وَهُوَ إذَا أَوْصَى بِهِ مُصَدَّقُ ... فِي صِحَّةٍ أَوْ مَرَضٍ يُسْتَوْثَقُ
يَعْنِي إذَا مَاتَ عَامِلُ الْقِرَاضِ وَلَيْسَ فِي وَرَثَتِهِ أَمِينٌ يُكْمِلُ عَمَلَهُ وَلَا أَتَى وَرَثَتُهُ بِخُلْفٍ مِنْهُ لِذَلِكَ أَمِينٍ فَإِنَّ الْمَالَ يُرَدُّ إلَى رَبِّهِ وَلَا شَيْءَ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الرِّبْحِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ ثُمَّ أَخْبَرَ فِي الثَّالِثِ أَنَّ الْعَامِلَ إذَا أَوْصَى أَنَّ بِيَدِهِ قِرَاضًا لِفُلَانٍ ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ وَيُخْرَجُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ سَوَاءٌ أَوْصَى بِهِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ.
(قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) قُلْت فَإِنْ دَفَعْت إلَى رَجُلَيْنِ مَالًا قِرَاضًا فَهَلَكَ الرَّجُلَانِ وَقَدْ عَمِلَا فَقَالَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَامِلِ يَمُوتُ أَنَّ وَرَثَتَهُ إنْ كَانُوا مَأْمُونِينَ قِيلَ لَهُمْ تَقَاضَوْا هَذَا الْمَالَ وَبِيعُوا مَا تَرَكَ صَاحِبُكُمْ وَأَنْتُمْ عَلَى الرِّبْحِ الَّذِي كَانَ لَهُ فَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مَأْمُونِينَ فَأَتَوْا بِأَمِينٍ ثِقَةٍ كَانَ لَهُمْ ذَلِكَ.
وَإِنْ لَمْ يَأْتُوا بِأَمِينٍ ثِقَةٍ أُسْلِمَ الْمَالُ دَيْنُهُ وَعَرْضُهُ إلَى رَبِّ الْمَالِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْوَرَثَةِ مِنْ الرِّبْحِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ فَاَلَّذِي سَأَلْت عَنْهُ يُقَالُ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ مِنْهُمَا مَا قِيلَ لِوَرَثَةِ هَذَا وَزَادَ اللَّخْمِيّ بَعْدَ قَوْلِهِ إنَّ وَرَثَتَهُ إنْ كَانُوا مَأْمُونِينَ وَمِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ وَلَمْ يُلْزِمْ الْوَرَثَةَ أَنْ يَسْتَأْجِرُوا مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ مَنْ يُتِمُّ الْعَمَلَ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي الْقِرَاضِ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنِ الْعَامِلِ وَلَيْسَ فِي الذِّمَّةِ.
وَإِنْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ حِينَ سُلِّمَ جَرَى عَلَى قَوْلَيْنِ فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ لَا شَيْءَ لِوَرَثَتِهِ فِيهِ وَقَالَ فِي الْجُعْلِ عَلَى حَفْرِ بِئْرٍ يَكُونُ لِلْأَوَّلِ بِقَدْرِ مَا انْتَفَعَ بِهِ مِنْ عَمَلِهِ وَهَذَا اخْتِلَافُ قَوْلٍ انْتَهَى بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ.
وَقَدْ اسْتَطْرَدَ الشَّارِحُ هُنَا حُكْم مَا إذَا ادَّعَى الْوَرَثَةُ أَنَّهُمْ أُمَنَاءُ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ رَبُّ الْمَالِ أَوْ جَهِلَهُ وَهَلْ يُحْمَلُ النَّاسُ عَلَى الْأَمَانَةِ حَتَّى تَثْبُتَ الْخِيَانَةُ أَوْ عَلَى عَدَمِهَا حَتَّى تَثْبُتَ الْأَمَانَةُ فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت.
(فَرْعٌ) ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَوْ مَاتَ رَبُّ الْمَالِ وَهُوَ عَيْنٌ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُحَرِّكَهُ فَإِنْ حَرَّكَهُ فَعَلَى قِرَاضِهِ التَّوْضِيحُ اُحْتُرِزَ بِالْعَيْنِ مِمَّا لَوْ شَغَلَهُ فَإِنَّهُ يَتَمَادَى عَلَى الْعَمَلِ وَقَيَّدَ ابْنُ يُونُسَ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا كَانَ الْمَوْتُ وَالْعَامِلُ بِبَلَدِ رَبِّ الْمَالِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ بِغَيْرِهِ أَوْ ظَعَنَ مِنْهُ فَلَهُ الْعَمَلُ كَمَا لَوْ شَغَلَهُ فَقَوْلُهُ فَالْأَوْلَى نَحْوَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَإِنَّمَا فِي
(2/133)

الْمُدَوَّنَةِ فَلَا يُعْمَلُ بِصِيغَةِ النَّهْيِ.
وَظَاهِرُهُ الْمَنْعُ وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَهَا اللَّخْمِيّ وَغَيْرُهُ (اللَّخْمِيّ) فَإِنْ فَعَلَ بَعْدَ عِلْمِهِ ضُمِنَ تَجْرٌ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْقِرَاضِ وَالرِّبْحُ لَهُ إنْ تَجَرَ لِنَفْسِهِ وَإِلَّا فَلَهُمْ وَيَخْتَلِفُ إذَا تَجَرَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْعِلْمِ فَخَسِرَ فَهَلْ يُضْمَنُ لِخَطَئِهِ عَلَى مَالِ الْوَارِثِ أَمْ لَا لِأَنَّ لَهُ شُبْهَةَ الْأُذُن اهـ.
وَقَوْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَيَّدَ ابْنُ يُونُسَ الْمَسْأَلَةَ يَعْنِي مَسْأَلَةَ مَوْتِ رَبِّ الْمَالِ وَالْمَالُ عَيْنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا قَوْلُ النَّاظِمِ
وَهُوَ إذَا أَوْصَى بِهِ مُصَدَّقٌ
فَقَالَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ الْوَاضِحَةِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الرَّجُلِ إذَا أَقَرَّ عِنْدَ الْمَوْتِ بِقِرَاضٍ أَوْ وَدِيعَةٍ فَهُوَ مُصَدَّقٌ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أَصْلَهَا فِي حَيَاتِهِ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ عَيَّنَهَا فَرَبُّهَا أَحَقُّ بِهَا وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهَا فَإِنَّهُ يُحَاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءُ وَأَمَّا إنْ عَيَّنَهَا فِي التَّفْلِيس فَرَبُّهَا أَوْلَى بِهَا أَيْضًا.
وَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ قَبْلَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ فِي قِرَاضٍ أَوْ وَدِيعَةٍ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهَا فِي التَّفْلِيسِ فَلَا يُحَاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءُ فِي قِرَاضٍ وَلَا وَدِيعَةٍ اهـ.
عَلَى نَقْلِ الشَّارِحِ وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ هَلَكَ وَقِبَلُهُ وَدَائِعُ وَقِرَاضٌ لَمْ تُوجَدْ وَلَمْ يُوصِ بِشَيْءٍ فَذَلِكَ فِي مَالِهِ وَيُحَاصُّ بِهِ غُرَمَاؤُهُ الْمَوَّاق وَانْظُرْ حَكَمُوا فِي مَالِ الْمَيِّتِ بِرَأْسِ مَالِ الْقِرَاضِ مَعَ احْتِمَالِ الضَّيَاعِ أَوْ الْخَسَارَةِ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَلَا يَقْضِي عَلَى التَّرِكَةِ بِالرِّبْحِ إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ
وَأَجْرُ مِثْلٍ أَوْ قِرَاضُ مِثْلِ ... لِعَامِلٍ عِنْدَ فَسَادِ الْأَصْلِ
يَعْنِي أَنَّ الْقِرَاضَ إذَا وَقَعَ فَاسِدًا يُرِيدُ وَفَاتَ بِالْعَمَلِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ حِينَئِذٍ الرُّجُوعُ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ أَوْ قِرَاضِ الْمِثْلِ وَإِتْيَانِ النَّاظِمِ بِأَوْ الَّتِي لِلتَّخْيِيرِ مِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّهُ قَصَدَ قَوْلَ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَنَصُّهُ النَّظَرُ يَقْتَضِي أَنْ يُرَدَّ الْقِرَاضُ الْفَاسِدُ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ أَوْ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَالتَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ اسْتِحْسَانٌ وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ إجَارَةِ الْمِثْلِ وَقِرَاضِ الْمِثْلِ أَنَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ تَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ رَبِّ الْمَالِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَوْ لَا.
وَقِرَاضُ الْمِثْلِ يَتَعَلَّقُ بِالرِّبْحِ إنْ كَانَ فِي الْمَالِ فَيُنْظَرُ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَظُّ هَذَا الْعَامِلِ مِنْهُ إذَا نَزَعَ هَذَا الشَّرْطُ فَمَا قِيلَ دُفِعَ إلَيْهِ مِنْ الرِّبْحِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَوْ كَانَ وَضِيعَةً فَلَا شَيْءَ لَهُ اهـ عَلَى نَقْلِ الْمَوَّاق وَاَلَّذِي فِي ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الرُّجُوعَ لِأُجْرَةِ الْمِثْلِ قَوْلٌ وَلِقِرَاضِ الْمِثْلِ قَوْلٌ آخَرُ وَكَانَ النَّاظِمُ عَلَى هَذَا اسْتَعْمَلَ أَوْ مَكَان قِيلَ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ سِيَّمَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الرِّسَالَةِ حَتَّى عُدَّتْ مَوَاضِعُهُ وَنُظِمَتْ وَجُعِلَتْ إحْدَى تَرَاجِمِ نَظَائِرِ الرِّسَالَةِ وَكَذَا وَقَعَ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ إلَّا أَنَّهُ قَلِيلٌ فِي كَلَامِهِ كَقَوْلِهِ وَلِمَنْ كَمُلَ عِتْقُهَا فِرَاقُ الْعَبْدِ فَقَطْ بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ أَوْ اثْنَتَيْنِ.
وَفِي مَوَاضِعَ أُخَرَ (قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ) وَإِذَا فَاتَ الْقِرَاضُ الْفَاسِدَ فَثَلَاثُ رِوَايَاتٍ قِرَاضُ الْمِثْلِ وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ ابْنُ الْقَاسِمِ مَا فَسَدَ لِزِيَادَةِ أَحَدِهِمَا أَوْ لِشَرْطِ رَبِّ الْمَالِ مَا يُحْوِجُ إلَى نَظَرِهِ فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ وَمَا عَدَاهُ كَضَمَانِ الْمَالِ وَتَأْجِيلِهِ فَقِرَاضٍ الْمِثْلِ وَرَوَى فِي الْفَاسِدِ بِالضَّمَانِ لَهُ الْأَقَلُّ مِنْ قِرَاضِ الْمِثْلِ أَوْ الْمُسَمَّى (التَّوْضِيحُ) قَوْلُهُ قِرَاضُ الْمِثْلِ هُوَ تَفْسِيرٌ لِلرِّوَايَةِ الْأُولَى وَهِيَ رِوَايَةُ أَشْهَب وَبِهِ أُخِذَ هُوَ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ.
وَقَوْلُهُ وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ تَفْسِيرٌ لِلرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ فِيمَا فَسَدَ مِنْ الْعُقُودِ الْمُسْتَثْنَاةِ هَلْ تُرَدُّ إلَى صَحِيحِهَا فَيَجِبُ قِرَاضُ الْمِثْلِ أَوْ صَحِيحٌ أَصْلُهَا فَتَجِبُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِأَنَّ الْقِرَاضَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْإِجَارَة اهـ.
وَفِي قَوْلِهِمْ هَلْ تُرَدُّ إلَى صَحِيحِهَا إلَخْ بَحْثٌ وَجَوَابٌ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ فِي بَابِ الْقِرَاضِ قَالَ وَالصَّوَابُ لَوْ قَالَ إلَى فَاسِدٍ أَصْلُهُ أَوْ إلَى صَحِيحِ نَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَقَدِّمِ قَرِيبًا ابْنُ الْقَاسِمِ مَا فَسَدَ لِزِيَادَةِ أَحَدِهِمَا إلَخْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَرَوَى إلَخْ رِوَايَةً رَابِعَةً وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مُعْتَرِضًا وَقَوْلُهُ وَرَوَى هُوَ الرِّوَايَةَ الثَّالِثَةَ ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ مَا مَعْنَاهُ أَنَّ عِبَارَةَ ابْنِ شَاسٍ فِي الْقَوْلِ الثَّالِثِ أَنَّ مِنْهُ مَا يُرَدُّ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ وَمِنْهُ مَا يُرَدُّ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي تَفْصِيلِ ذَلِكَ وَتَعْيِينِهِ عَلَى طُرُقٍ الطَّرِيقَةِ الْأُولَى اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ.
وَنَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ الْمُقَرَّبِ أَنَّ الضَّابِطَ فِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ زِيَادَةٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ اشْتَرَطَهَا أَحَدُ الْمُتَقَارِضَيْنِ هِيَ لِلْمَالِ أَوْ دَاخِلَةٌ فِيهِ لَيْسَتْ خَارِجَةً عَنْهُ وَلَا خَالِصَةً لِمُشْتَرِطِهَا فَيُرَدُّ فِيهِ إلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ وَكُلُّ زِيَادَةٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ اشْتَرَطَهَا أَحَدُهُمَا لِنَفْسِهِ خَارِجَةٌ عَنْ الْمَالِ أَوْ خَالِصَةٌ اشْتَرَطَهَا فَيُرَدُّ فِيهِ إلَى أَجْرِ مِثْلِهِ وَكُلُّ
(2/134)

خَطَرٍ أَوْ غَرَرٍ وَتَعَامَلَا عَلَيْهِ خَرَجَا بِهِ عَنْ سُنَّةِ الْقِرَاضِ الْجَائِزِ فَيُرَدُّ فِيهِ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ فَعَلَى هَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ يُجْرَى الْقِرَاضُ الْفَاسِدُ كُلُّهُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ وَفِي هَذَا الْأَصْلِ تَنَازُعٌ اهـ.
وَحَاصِلُ هَذَا الْقَوْلِ الثَّالِثِ أَنَّ مَا يَرْجِعُ فِيهِ لِأُجْرَةِ الْمِثْلِ أَوْ قِرَاضِ الْمِثْلِ مَحْصُورٌ بِالْحَدِّ وَمِنْ الشُّيُوخِ مَنْ حَصَرَ ذَلِكَ بِالْعَدِّ.
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ ضَبَطَ عِيَاضٌ الصُّوَرَ الَّتِي فِيهَا قِرَاضُ الْمِثْلِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَعَدَّهَا تِسْعَةً وَمَا سِوَاهَا فَفِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَالتِّسْعَةُ الْقِرَاضُ بِالْعِوَضِ وَالْقَرْضِ إلَى أَجَلٍ وَالْقِرَاضُ عَلَى الضَّمَانِ وَالْقِرَاضُ بِجُزْءٍ مُبْهَمٍ وَالْقِرَاضُ بِدَيْنٍ يَقْبِضُهُ الْمُقَارَضُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَالْقِرَاضُ عَلَى شِرْكٍ فِي الْمَالِ وَالْقِرَاض عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَى إلَّا سِلْعَةُ كَذَا لِمَا لَا يَكْثُرُ وُجُودُهُ فَاشْتَرَى غَيْرَ مَا أَمَرَ بِهِ وَالْقِرَاضُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَشْتَرِي إلَّا بِدَيْنٍ فَيُشْتَرَى بِنَقْدٍ وَالْقِرَاضُ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدَ فُلَانٍ ثُمَّ يَبِيعَهُ وَيَتَّجِرَ بِثَمَنِهِ قَالَ وَمِمَّا جُعِلَ فِيهِ قِرَاضُ الْمِثْلِ فِي الْكِتَابِ مَسْأَلَةٌ عَاشِرَةٌ لَيْسَتْ مِنْ الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ وَهِيَ إذَا اخْتَلَفَا وَأَتَيَا بِمَا لَا يُشْبِهُ وَحَلَفَا وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ فِيهَا هَذِهِ الْأَبْيَاتِ فَقَالَ
لِكُلِّ قِرَاضٍ فَاسِدٍ أَجْرُ مِثْلِهِ ... سِوَى تِسْعَةٍ قَدْ فُصِّلَتْ بِبَيَانِ
قِرَاضٌ بِدَيْنٍ أَوْ بِعَرْضٍ وَمُبْهَمٍ ... وَبِالشِّرْكِ وَالتَّأْجِيلِ أَوْ بِضَمَانِ
وَلَا تَشْتَرِي إلَّا بِدَيْنٍ فَيَشْتَرِي ... بِنَقْدٍ وَأَنْ يَبْتَاعَ عَبْدَ فُلَانِ
وَيَتَّجِرْ فِي أَثْمَانِهِ بَعْدَ بَيْعِهِ ... فَهَذِي إذَا عُدَّتْ تَمَامُ ثَمَانِ
وَلَا تَشْتَرِي مَا لَا يَقِلُّ وُجُودُهُ ... فَيَشْرِي سِوَاهُ اسْمَعْ بِحُسْنِ بَيَانِ
كَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَإِنَّهُ ... خَبِيرٌ بِمَا يُرْوَى فَصِيحُ لِسَانِ
وَزَادَ ابْنُ رُشْدٍ حَادِيَةَ عَشْرَةَ وَهِيَ أَنْ يُعْطِيَهُ دَنَانِيرَ يَصْرِفُهَا ثُمَّ يَتَّجِرُ بِثَمَنِهَا اهـ.
وَإِلَى هَذِهِ النَّظَائِرِ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ وَعُرُوض إنْ تُوَلِّي بَيْعَهُ كَأَنْ وَكَّلَهُ عَلَى دَيْنٍ أَوْ لِيَصْرِفَ ثُمَّ يَعْمَلَ فَأَجْر مِثْله فِي تَوَلِّيه ثُمَّ قِرَاض مِثْله فِي رِبْحِهِ كَلَكَ شِرْكٌ وَلَا عَادَةٌ أَوْ مُبْهَمٌ، أَوْ أَجَلٌ، أَوْ ضِمْنٌ، أَوْ اشْتَرِ سِلْعَةَ فُلَانٍ ثُمَّ اتَّجِرْ فِي ثَمَنِهَا أَوْ بِدَيْنٍ أَوْ مَا يَقِلُّ وُجُودُهُ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي الرِّبْحِ وَادَّعَيَا مَا لَا يُشْبِهُ وَفِيمَا فَسَدَ غَيْرُهُ أُجْرَةَ مِثْلِهِ فِي الذِّمَّةِ اهـ. إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ كَلَكَ شِرْكٌ وَلَا عَادَةٌ مَعَ قَوْلِهِ أَوْ مُبْهَمٍ تَكْرَارٌ عَلَى مَا عِنْدَ الْمَوَّاق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق