الأحد، 14 يونيو 2015

كتاب الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام- بَابٌ فِي الْبُيُوعِ وَمَا شَاكَلَهَا - فصل في بيع الأصول

[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْأُصُولِ]
ِ
الْبَيْعُ فِي الْأُصُولِ جَازَ مُطْلَقَا ... إلَّا بِشَرْطٍ فِي الْبُيُوعِ مُتَّقَى
بِأَضْرُبِ الْأَثْمَانِ وَالْآجَالِ ... مِمَّنْ لَهُ تَصَرُّفٌ فِي الْمَالِ
أَخْبَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْأُصُولِ، كَالدُّورِ، وَالْحَوَائِطِ، وَالْحَوَانِيتَ، وَالْأَرَاضِي، وَغَيْرِهَا، إلَّا أَنْ يَصْحَبَ بَيْعَهَا شَرْطٌ يُتَّقَى فِي الْبُيُوعِ لِكَوْنِهِ يُنَاقِضُ مَقْصُودَ الْمُشْتَرِي، أَوْ يُخِلُّ بِالثَّمَنِ فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ إذْ ذَاكَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ، وَاسْتِثْنَاؤُهُ الشَّرْطَ الْمُتَّقَى فِي الْبَيْعِ يُغْنِي عَنْهُ مَا سَبَقَ وَلَعَلَّهُ خَافَ تَوَهُّمَ جَوَازِهِ بِالِانْدِرَاجِ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ " جَازَ مُطْلَقًا " فَاسْتَثْنَاهُ لِذَلِكَ فَإِذَا خَلَا بَيْعُهَا عَنْ الشَّرْطِ الْمَمْنُوعِ فَهُوَ جَائِزٌ بِالْعَيْنِ، وَالْعَرْضِ، وَالطَّعَامِ، وَالرَّقِيقِ، وَالدَّوَابِّ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَثْمَانِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الثَّمَنُ نَقْدًا وَإِلَى أَجَلٍ، أَيْ مَعْلُومٌ غَيْرُ بَعِيدٍ جِدًّا، وَإِلَى هَذَا التَّعْمِيمِ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي فَهُوَ تَفْسِيرٌ لِلْإِطْلَاقِ الَّذِي فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ " مِمَّنْ لَهُ تَصَرُّفٌ " يَتَعَلَّقُ بِالْبَيْعِ، أَيْ بَيْعُ الْأُصُولِ جَائِزٌ إذَا وَقَعَ وَصَدَرَ مِمَّنْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي الْمَالِ وَهُوَ الرَّشِيدُ، وَهُوَ تَصْرِيحٌ بِاشْتِرَاطِ الرُّشْدِ فِي الْبَائِعِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ قَوْلِهِ " مِمَّنْ لَهُ تَصَرُّفٌ " بِمَعْنَى اللَّازِمِ، أَيْ يَجُوزُ بَيْعُ الْأُصُولِ لِمَنْ لَهُ التَّصَرُّفُ فَيَكُونُ نَصًّا فِي اشْتِرَاطِ الرُّشْدِ فِي الْمُشْتَرِي أَيْضًا.
وَكُلٌّ مِنْ الِاحْتِمَالَيْنِ صَحِيحٌ، إذْ الرُّشْدُ شَرْطٌ فِي كُلٍّ مِنْ الْمُتَعَاوِضَيْنِ إلَّا أَنَّهُ شَرْطٌ فِي اللُّزُومِ لَا فِي الِانْعِقَادِ؛ لِأَنَّ الِانْعِقَادَ يَجُوزُ مِنْ الْمُمَيِّزِ وَلَوْ مَحْجُورًا، وَلَا يَلْزَمُ إلَّا مِنْ الرَّشِيدِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَذَلِكَ الشَّرْطُ لَا يَخْتَصُّ بِبَيْعِ الْأُصُولِ، بَلْ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْمَبِيعَاتِ.
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي آخِرِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ: الْبَلَدُ الَّذِي تَجُوزُ فِيهِ جَمِيعُ السِّكَكِ جَوَازًا وَاحِدًا لَا فَضْلَ لِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ لَيْسَ عَلَى مَنْ ابْتَاعَ فِيهِ شَيْئًا أَنْ يُبَيِّنَ بِأَيِّ سِكَّةٍ يَبْتَاعُ، وَيُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلَّ سِكَّةٍ أَعْطَاهُ كَمَا أَنَّ الْبَلَدَ إذَا كَانَتْ تَجْرِي فِيهِ سِكَّةٌ وَاحِدَةٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ بِأَيِّ سِكَّةٍ يَبْتَاعُ، وَيُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَقْبِضَ السِّكَّةَ الْجَارِيَةَ، وَأَمَّا الْبَلَدُ الَّذِي تَجْرِي فِيهِ جَمِيعُ السِّكَكِ، وَلَا تَجُوزُ فِيهِ بِجَوَازِ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فِيهِ حَتَّى يُبَيِّنَ بِأَيِّ سِكَّةٍ يَبْتَاعُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا. اهـ.
(فَرْعٌ) سُئِلَ الْأُسْتَاذُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ لُبٍّ عَمَّا يَكْثُرُ وُقُوعُهُ، وَهُوَ أَنْ يَتَسَامَحَ النَّاسُ فِي اقْتِضَاءِ الدَّرَاهِمِ النَّاقِصَةِ عَنْ الْوَازِنَةِ إلَى أَنْ تَصِيرَ الدَّرَاهِمُ كُلُّهَا نَقْصًا وَيَقَعُ التَّشَاحُّ بَعْدَ انْعِقَادِ الْبَيْعِ فِي زَمَنِ التَّسَامُحِ، وَوُقُوعُ الْقَبْضِ فِي وَقْتٍ آخَرَ يَكُونُ أُولُو الْأَمْرِ قَدْ أَلْزَمُوا النَّاسَ التَّعَامُلَ بِالْوَزْنِ.
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْعُقُودَ مَحْمَلُهَا عَلَى السِّكَّةِ الْوَازِنَةِ عَلَى أَصْلِهَا، وَعَلَى هَذَا جَرَى الْعُرْفُ فِي الْعُقُودِ، وَمَا يَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ مِنْ الْمُسَامَحَةِ، كَالتَّعَامُلِ النَّاجِزِ عِنْدَ الِاقْتِضَاءِ لَا تَعْمُرُ بِهِ الذِّمَمُ، وَلَا يَجُوزُ الدُّخُولُ فِي الْعُقُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِي يُوجِبُهُ النَّظَرُ الْفِقْهِيُّ فِي النَّازِلَةِ أَنْ يُنْظَرَ إلَى تَوَارِيخِ الْعُقُودِ فَمَا انْعَقَدَ مِنْهَا عَلَى الْمُسَامَحَةِ فِي وَقْتِ اخْتِلَاطِ الدَّرَاهِمِ فِي التَّعَامُلِ وَجَوَازِ النَّاقِصِ مَعَ الْوَازِنِ عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ فِي الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الْأَغْرَاضِ بِالْوَازِنَةِ دُونَ النَّاقِصَةِ فَالْحُكْمُ فِيهَا بِالْوَازِنَةِ.
وَإِنْ جَرَتْ النَّاقِصَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى التَّجَاوُزِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى الطَّوْعِ، فَأَمَّا مَا يُحْكَمُ بِهِ، وَمَا يُبْدِي الْحَالِفُ عَلَى الْقَضَاءِ فَبِالْوَازِنَةِ الَّتِي ضُرِبَتْ عَلَيْهَا سِكَّةُ ذَلِكَ الْبَلَدِ، قَالَهُ فِي الْوَاضِحَةِ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ السِّكَّةَ الْمَوْجُودَةَ الْبَاقِيَةَ عَلَى ضَرْبِهَا هِيَ الْأَصْلُ فِي تَعَلُّقِ الْحُقُوقِ بِهَا دُونَ مَا دَخَلَهُ الْفَسَادُ مِنْهَا، إذْ التَّسَامُحُ فِي قَبْضِهِ مَعْرُوفٌ يَصْنَعُهُ الْقَابِضُ، وَلَا يَدْخُلُ بِالْحُقُوقِ فِي بَابِ التَّسَامُحِ وَالْمَعْرُوفِ مَعَ السُّكُوتِ عَنْهُ، وَمَا انْعَقَدَ عَلَى الْمُسَاكَنَةِ فِي آخِرِ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَقْتَ أَنْ خَلَتْ وُجُوهُ التَّعَامُلِ مِنْ الدَّرَاهِمِ الْوَازِنَةِ كَمَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ، فَالْوَاجِبُ فِيهِ الْآنَ الْحُكْمُ بِالدَّرَاهِمِ الْجَارِيَةِ فِي وَقْتِ التَّعَاقُدِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي كَانَتْ حِينَئِذٍ مُتَعَلَّقُ الْأَغْرَاضِ وَمَنَاطُ الْأَحْكَامِ فَيَبْقَى الْأَمْرُ بَعْد ذَلِكَ كَمَا كَانَ قَائِمًا؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَقْصِدُونَ إلَى مَا يَجِدُونَ وَيَعْقِدُونَ عَلَى مَا يَعْتَادُونَ، وَالْعَادَةُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ كَالشَّرْطِ.
وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ النَّصُّ الْمُتَقَدِّمُ؛ لِأَنَّهُ عِنْد وُجُودِ الْوَازِن مُخْتَلَطًا
(1/284)

بِالنَّاقِصِ فَلَمْ يُعَيِّنْ عُرْفُ التَّعَامُلِ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ بِخِلَافِ هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي خَصَّ الْوُجُودُ فِيهِ الْوَصْفَ وَعَيَّنَ الْمَقْصُودَ اهـ. بِاخْتِصَارٍ
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ، وَإِنْ كَانَ فِي الْعَقْدِ أَنَّهُ قَبَضَهَا مُقَلَّبَةً، ثُمَّ أَتَى الْبَائِعُ بِدَرَاهِمَ رَدِيئَةٍ يَزْعُمُ أَنَّهَا مِنْ دَرَاهِمِ الْمُبْتَاعِ وَأَنْكَرَهَا فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ.
فَإِنْ سَقَطَ هَذَا الْفَصْلُ مِنْ الْعَقْدِ وَجَبَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُبْتَاعِ أَنَّهُ مَا يَعْرِفُهَا مِنْ دَرَاهِمِهِ، وَلَهُ رَدُّ الْيَمِينِ، فَإِنْ رَدَّهَا حَلَفَ الْبَائِعُ عَلَى الْبَتِّ أَنَّهَا مِنْ دَرَاهِمِ الْمُبْتَاعِ، وَوَجَبَ لَهُ الْبَدَلُ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمَوَّاقِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْبُيُوعِ، وَعَدَمِ دَفْعِ رَدِيءٍ، أَوْ نَاقِصٍ " مَنْ صَرَفَ دِينَارًا بِدَرَاهِمَ فَغَابَ عَلَيْهَا ثُمَّ رَدَّ مِنْهَا رَدِيئًا فَأَنْكَرَهُ الصَّرَّافُ فَمَا عَلَيْهِ إلَّا الْيَمِينُ أَنَّهُ لَمْ يُعْطِهِ إلَّا جِيَادًا فِي عِلْمِهِ، وَمَا يَعْلَمُهَا مِنْ دَرَاهِمِهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ قَبَضَ طَعَامًا عَلَى تَصْدِيقِ الْكَيْلِ، ثُمَّ ادَّعَى نَقْصًا، أَوْ اقْتَضَى دَيْنًا، ثُمَّ أَخَذَ صُرَّةً صَدَّقَ الدَّافِعُ أَنَّ فِيهَا كَذَا، ثُمَّ وَجَدَهَا تَنْقُصُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الدَّافِعِ.
(فَرْعٌ) يَجُوزُ تَأْخِيرُ الثَّمَنِ إلَى مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَطَاوَلَ جِدًّا (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) قِيلَ لِمَالِكٍ: أَتَكْرَهُ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ إلَى عِشْرِينَ سَنَةً، قَالَ نَعَمْ، قِيلَ لَهُ: أَنَفْسَخُهُ؟ قَالَ لَا قَالَ، وَلَوْ كَانَ سَبْعِينَ أَوْ ثَمَانِينَ لَفَسَخْتُهُ، وَقَدْ قَالَ لِي مَالِكٌ فِي النِّكَاحِ إذَا وَقَعَ إلَى ثَلَاثِينَ سَنَةً جَازَ وَكَذَلِكَ الْبَيْعُ عِنْدِي، فَإِنْ أَقَامَ بَعْدَ الْبَيْعِ مُدَّةً طَوِيلَةً، ثُمَّ قَامَ يَطْلُبُهُ فَلَهُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمَا إشْهَادٌ فَلَا تَبْطُلُ إلَّا بِتَطَاوُلِ الزَّمَانِ كَالثَّلَاثِينَ سَنَةً وَالْأَرْبَعِينَ، وَكَذَلِكَ الدُّيُونُ إنْ كَانَتْ مَعْرُوفَةَ الْأَصْلِ إذَا تَطَاوَلَ زَمَانُهَا هَكَذَا، وَمَنْ هِيَ عَلَيْهِ حَاضِرٌ فَلَا يَقُومُ بِدَيْنِهِ إلَّا بَعْدَ هَذَا مِنْ الزَّمَانِ فَيَقُولُ " قَضَيْتُكَ وَبَادَ شُهُودِي " مِنْ ابْنِ سَلْمُونٍ وَانْظُرْ الْحَطَّابَ فِي آخِرِ بَابِ الشَّهَادَاتِ قَبْلَ قَوْلِهِ " بَابُ إنْ أَتْلَفَ مُكَلَّفٌ. . . إلَخْ "
وَجَائِزٌ أَنْ يُشْتَرَى الْهَوَاءُ ... لَأَنْ يُقَامَ مَعَهُ الْبِنَاءُ
هُنَا مَسْأَلَتَانِ: إحْدَاهُمَا شِرَاءُ عَشْرَةِ أَذْرُعٍ مَثَلًا مِنْ هَوَاءٍ فَوْقَ سَقْفِ بَيْتٍ لَأَنْ يُقِيمَ مُشْتَرِيهِ فِي ذَلِكَ الْهَوَاءِ مَا أَحَبَّ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْهَوَاءُ مُقَدَّرًا بِأَذْرُعٍ مَعْلُومَةٍ، وَوَصَفَ الْبِنَاءَ الَّذِي يَبْنِي عَلَيْهِ بِصِفَةٍ مَضْبُوطَةٍ. (الثَّانِيَةُ) شِرَاءُ عَشْرَةِ أَذْرُعٍ مَثَلًا مِنْ هَوَاءٍ فَوْقَ عَشْرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ هَوَاءٍ إذَا وَصَفَ الْبِنَاءَ الْأَسْفَلَ وَالْأَعْلَى؛ لِأَنَّ مَتَانَةَ الْأَسْفَلِ مِمَّا يَرْغَبُ فِيهِ صَاحِبُ الْأَعْلَى، وَخِفَّةَ الْأَعْلَى مِمَّا يَرْغَبُ فِيهِ صَاحِبُ الْأَسْفَلِ. (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) يَجُوزُ بَيْعُ عَشْرَةِ أَذْرُعٍ فَصَاعِدًا مِنْ هَوَاءِ بَيْتٍ إنْ وَصَفَ مَا يَبْنِي فَوْقَ جِدَارِهِ، وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ هَوَاءٍ فَوْقَ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ هَوَاءٍ إذَا شَرَطَ بِنَاءً يَبْنِيهِ وَيَصِفُهُ لِيَبْنِيَ الْمُبْتَاعُ فَوْقَهُ. اهـ. مِنْ الْمَوَّاقِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ كَلَامَ النَّاظِمِ يَشْمَلُ الصُّورَتَيْنِ، فَإِنْ شَمِلَهُمَا فَالْأَوْلَى مِنْ زِيَادَةِ هَذَا النَّظْمِ عَلَى الْمُخْتَصَرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا أَنْ يُقَالَ تُؤْخَذُ مِنْ بَابٍ أَحْرَى مِمَّا ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ فَلَا زِيَادَةَ.
وَمَا عَلَى الْجُزَافِ وَالتَّكْسِيرِ ... يُبَاعُ مَفْسُوخٌ لَدَى الْجُمْهُورِ
التَّكْسِيرُ: الْكَيْلُ وَالْكَلَامُ فِي الْأُصُولِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُبَاعَ أَرْضٌ بَعْضُهَا بِالْكَيْلِ وَبَعْضُهَا جُزَافًا، كَأَنْ يَشْتَرِيَ أَرْضًا مِائَةَ ذِرَاعٍ مِنْهَا بِكَذَا وَبَاقِيَهَا بِكَذَا، أَوْ اشْتَرَى أَرْضًا عَلَى كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَاشْتَرَى مَعَهَا شَجَرًا، أَوْ كَرْمًا، أَوْ دُورًا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فُسِخَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَفُهِمَ مِنْ نِسْبَةِ الْفَسْخِ لِلْجُمْهُورِ أَنَّ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ لَا يَفْسَخُهُ.
(وَاعْلَمْ) أَنَّ مِنْ الْأَشْيَاءِ مَا الْأَصْلُ فِيهِ أَنْ يُبَاعَ كَيْلًا، كَالْحُبُوبِ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا وَأَنَّ مِنْهَا مَا الْأَصْلُ فِيهِ أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا، كَالْأَرْضِ، وَالثِّيَابِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ كَيْلًا، وَالضَّابِطُ لِمَا يَجُوزُ فِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْجُزَافِ وَالْمَكِيلِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَمَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ
(1/285)

إذَا جَاءَ كُلٌّ مِنْ الْمَبِيعِينَ عَلَى أَصْلِهِ جَازَ كَبَيْعِ جُزَافِ أَرْضٍ مَعَ مَكِيلِ حَبٍّ لِمَجِيءِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى أَصْلِهِ، وَإِنْ خَرَجَا مَعًا عَنْ أَصْلِهِمَا، كَجُزَافِ حَبٍّ مَعَ مَكِيلِ أَرْضٍ، أَوْ خَرَجَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ كَجُزَافِ أَرْضٍ مَعَ مَكِيلِ أَرْضٍ، أَوْ جُزَافِ حَبٍّ مَعَ مَكِيلِ حَبٍّ امْتَنَعَ لِمَجِيءِ مَكِيلِ الْأَرْضِ فِي الْأُولَى، وَجُزَافِ الْحَبِّ فِي الثَّانِيَةِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، وَإِلَى هَذِهِ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ عَاطِفًا عَلَى مَا يَجُوزُ " وَجُزَافُ حَبٍّ مَعَ مَكِيلٍ مِنْهُ، أَوْ أَرْضٌ، وَجُزَافُ أَرْضٍ مَعَ مَكِيلٍ لَا مَعَ حَبٍّ ".
(قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ غَازِيٍّ) فِي شِفَاءِ الْعَلِيلِ بَعْدَ تَقْدِيرِ كَلَامِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ، وَقَدْ ظَهَرَ لَكَ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ اشْتَمَلَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: ثَلَاثَةٍ مَمْنُوعَةٍ، وَوَاحِدٍ جَائِزٍ، وَأَصْلُ هَذَا كُلِّهِ لِابْنِ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْغَرَرِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ وَفِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ. (تَنْبِيهٌ) مِنْ الْبَيِّنِ أَنَّ الْمَوْزُونَ، وَالْمَزْرُوعَ فِي هَذَا الْبَابِ فِي مَعْنَى الْكَيْلِ، وَقَدْ تَنَازَلَ لِذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقَبَّابُ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ جَمَاعَةَ " لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ قِرْبَةَ لَبَنٍ عَلَى أَنْ يَزِنَ زُبْدَهَا، وَإِنَّمَا يَشْتَرِي ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ غَيْرِ وَزْنٍ. اهـ.
كَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ (تَنْبِيهَانِ. الْأَوَّل) قَالَ الْمَوَّاقُ: وَانْظُرْ مَسْأَلَةً تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى وَهِيَ أَنَّ الْمَرْءَ يَشْتَرِي مِنْ الْعَطَّارِ وَزْنًا مَعْلُومًا مِنْ شَيْءٍ وَيَفْضُلُ لَهُ دِرْهَمٌ فَيَقُولُ لَهُ: أَعْطِنِي بِهِ أَبْزَارًا، وَالْأَبْزَارُ بِالدِّرْهَمِ يَكُونُ جُزَافًا فَهَذَا جَائِزٌ إذَا لَمْ يَدْخُلَا عَلَى ذَلِكَ فِي أَصْلِ الْعُقْدَةِ اهـ.
(الثَّانِي) إنْ جَعَلْنَا مَا مِنْ قَوْلِ النَّاظِمِ " وَمَا عَلَى الْجُزَافِ " وَاقِعَةً عَلَى كُلِّ مَبِيعٍ أَصْلًا كَانَ، أَوْ غَيْرَهُ فَيُقَيَّدُ الْمَنْعُ بِمَا إذَا خَرَجَ الْمَبِيعَانِ مَعًا، أَوْ أَحَدُهُمَا عَنْ أَصْلِهِ، أَمَّا إنْ جَاءَ عَلَى أَصْلِهِ فَالْجَوَازُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ جَعَلْنَاهَا وَاقِعَةً عَلَى الْأُصُولِ فَقَطْ وَهُوَ ظَاهِرُ السِّيَاقِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَقْيِيدٍ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْأُصُولِ بَعْضَهُ جُزَافًا وَبَعْضَهُ مَكِيلًا مَمْنُوعٌ مُطْلَقًا لِخُرُوجِ الْمَكِيلِ عَنْ أَصْلِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَآبِرٌ مِنْ زَرْعٍ أَوْ مِنْ شَجَرِ ... لِبَائِعٍ إلَّا بِشَرْطِ الْمُشْتَرِي
وَلَا يَسُوغُ بِاشْتِرَاطِ بَعْضِهِ ... وَإِنْ جَرَى فَلَا غِنًى عَنْ نَقْضِهِ
وَغَيْرُ مَا أُبِرَ لِلْمُبْتَاعِ ... بِنَفْسِ عَقْدِهِ بِلَا نِزَاعِ
وَلَا يَجُوزُ شَرْطُهُ لِلْبَائِعِ ... وَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ بِهِ فِي الْوَاقِعِ
وَفِي الثِّمَارِ عَقْدُهَا الْإِبَارُ ... وَالزَّرْعِ أَنْ تُدْرِكَهُ الْأَبْصَارُ
كَذَا قَلِيبُ الْأَرْضِ لِلْمُبْتَاعِ ... دُونَ اشْتِرَاطِهِ فِي الِابْتِيَاعِ
(1/286)

الْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ» فَمَنْ بَاعَ شَجَرًا فِيهَا ثِمَارٌ، أَوْ أَرْضًا فِيهَا زَرْعٌ، وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى الثِّمَارِ وَلَا عَلَى الزَّرْعِ فَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ مَأْبُورًا فَهُوَ لِلْبَائِعِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ كُلَّهُ.
وَلَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي اشْتِرَاطُ بَعْضِ مَا أُبِرَ وَتَرْكِ مَا سِوَاهُ وَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فَالْحُكْمُ فِيهِ أَنْ يُنْقَضَ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ.
(قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ نِصْفَ الزَّرْعِ، أَوْ نِصْفَ الثَّمَرَةِ إذَا كَانَ الْجَمِيعُ لِلْبَائِعٍ، فَإِنْ فَعَلَ فَسَدَتْ الصَّفْقَةُ، وَفُسِخَ الْبَيْعُ.
(قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ فِي اشْتِرَاطِ بَعْضِهِ قَاصِدٌ لِابْتِيَاعِ الزَّرْعِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْجَمِيعِ. اهـ.
وَمَا لَمْ يُؤْبَرْ مِنْهَا فَإِنَّهُ لِلْمُبْتَاعِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ حَسْبَمَا أَحْكَمَتْهُ السُّنَّةُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ فِي الْحَدِيثِ «إنَّهَا تَكُونُ لِلْبَائِعِ إذَا أُبِرَتْ» ذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا تَكُونُ لِلْمُبْتَاعِ إذَا لَمْ تُؤْبَرْ، وَلَا يَجُوزُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَشْتَرِطَهَا لِنَفْسِهِ، فَإِنْ وَقَعَ فَالْحُكْمُ فِيهِ أَنْ يُفْسَخَ الْبَيْعُ، كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ جَنِينَ الْأَمَةِ الْحَامِلِ فِي الْبَيْعِ عِنْدَ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ، وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ بِقَوْلِهِ
وَغَيْرُ مَا أُبِرَ لِلْمُبْتَاعِ
الْبَيْتَيْنِ (قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) وَالثَّمَرَةُ غَيْرُ الْمُؤَبَّرَةِ دَاخِلَةٌ فِي مِلْكِ الْمُبْتَاعِ بِوُقُوعِ الْبَيْعِ عَلَى الْأَصْلِ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ اسْتِثْنَاءِ الْبَائِعِ لَهَا قَبْلَ الْإِبَارِ بَيْعُ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ.
(قَالَ الشَّارِحُ) وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي كَوْنِ الْمُسْتَثْنَى مُشْتَرًى، وَهُوَ أَشْكَلُهُمَا لَا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي مِنْ كَوْنِهِ مُبْقًى وَهُوَ الْأَظْهَرُ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ " قَالَ مَالِكٌ: مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِرَ بَعْضُهَا، وَلَمْ يُؤَبَّرْ الْآخَرُ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إلَى الَّذِي هُوَ أَكْثَرُ وَيَجْعَلُ الْقَلِيلَ تَابِعًا لَهُ، إنْ كَانَ أَكْثَرَهَا فَالثَّمَرُ لِلْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي لَمْ يُؤْبَرْ أَكْثَرَهَا فَالثَّمَرُ لِلْمُبْتَاعِ.
(قَالَ مَالِكٌ) : كُلُّ ثَمَرَةٍ لَمْ تُؤْبَرْ فَهِيَ كَذَلِكَ، وَحَدُّ الْإِبَارِ فِي الثِّمَارِ: عَقْدُهَا، وَفِي الزَّرْعِ: إدْرَاكُ الْأَبْصَارِ إيَّاهُ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ:
وَفِي الثِّمَارِ عَقْدُهَا الْإِبَارُ
الْبَيْتُ (الْمُتَيْطِيُّ) شَرْحُ
الْإِبَارِ هُوَ فِي النَّخْلِ: تَذْكِيرُهُ بَعْدَ تَلْقِيحِهِ، وَفِي سَائِرِ الشَّجَرِ الْعَقْدُ، وَثُبُوتُ مَا يَثْبُتُ مِنْهُ بَعْدَ سُقُوطِ مَا يَسْقُطُ، وَنَبَاتُ الزَّرْعِ هُوَ كَإِبَارِ النَّخْلِ فِي الْحُكْمِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَبِهِ الْقَضَاءُ. (وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ فِي مُفِيدِهِ) : وَإِبَارُ الزَّرْعِ هُوَ: خُرُوجُهُ مِنْ الْأَرْضِ، وَإِبَارِ النَّخْلِ: التَّذْكِيرُ، وَإِبَارِ الْعِنَبِ وَالثَّمَرِ: الْعَقْدُ
قَوْلُهُ
كَذَا قَلِيبُ الْأَرْضِ لِلْمُبْتَاعِ
لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الثِّمَارَ غَيْرَ الْمَأْبُورَةِ يَتَنَاوَلُهَا عَقْدُ الْبَيْعِ اسْتَطْرَدَ قَلِيبَ الْأَرْضِ وَذَكَرَ أَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ يَتَنَاوَلُهُ أَيْضًا. (قَالَ الشَّارِحُ فِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) " وَإِنْ كَانَ فِي الْمَبِيعِ أَرْضٌ مَقْلُوبَةٌ فَالْقَلِيبُ لِلْمُبْتَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْمُبْتَاعُ " قَالَهُ حُدَيْسٌ وَغَيْرُهُ وَبِهِ الْفَتْوَى صَحَّ مِنْ وَثَائِقِ ابْنِ مُغِيثٍ (قَالَ الشَّارِحُ) أَلَمَّ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ بِمَا يَتَنَاوَلُهُ مُسَمَّى الشَّيْءِ الْمَبِيعِ، وَمَا يَنْدَرِجُ فِي مُسَمَّاهُ، وَلَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّيْءُ مُنْدَرِجًا فِي الْمَبِيعِ انْدِرَاجًا حِسِّيًّا، أَوْ مَعْنَوِيًّا بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ انْفِصَالُهُ مِنْهُ، أَوْ يَبْعُدُ كَالزَّرْعِ غَيْرِ الْمَأْبُورِ مَعَ الْأَرْضِ وَقَلِيبِهَا، وَكَالشَّجَرِ مَعًا وَالثِّمَارِ غَيْرِ الْمَأْبُورَةِ مَعَ الشَّجَرِ.
ثُمَّ قَالَ فَهَذَا الْقِسْمُ مِمَّا يَدْخُلُ بِنَفْسِ الْبَيْعِ فَيَكُونُ لِلْمُبْتَاعِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، انْتَهَى مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ فَانْظُرْ كَيْفَ جُعِلَ الْقَلِيبُ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ عَقْدُ الْبَيْعِ، وَالْمَسَائِلُ الَّتِي يُنْظَرُ فِيهَا هَلْ يَتَنَاوَلُهَا عَقْدُ الْبَيْعِ، أَوْ لَا؟ هِيَ مَا يُمْكِنُ انْفِكَاكُهُ وَانْفِصَالُهُ عَنْ الْبَيْعِ؛ إمَّا فِي الْحَالِ، كَالسَّلَمِ الْمُسَمَّى، أَوْ فِي الْمَآلِ كَالزَّرْعِ، وَالثِّمَارِ غَيْرِ الْمَأْبُورَيْنِ فَإِنَّهُمَا بَعْدَ الْإِبَارِ يُرِيدُ الْبَائِعُ أَنْ يَكُونَا لَهُ، وَأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ لَا يَتَنَاوَلُهُمَا مَعًا، وَيُرِيدُ الْمُشْتَرِي أَخْذَهُمَا لِنَفْسِهِ لِدُخُولِهِمَا فِي مُسَمَّى الْبَيْعِ فَيَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ مَا يَتَنَاوَلُهُ عَقْدُ الْبَيْعِ وَمَا لَا.
أَمَّا قَلِيبُ الْأَرْضِ إنْ عَنَوْا بِهِ حَرْثَهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ انْفِصَالُهُ حَالًا وَمَآلًا، حَتَّى يُمْكِنَ أَنْ يَدَّعِيَ الْبَائِعُ أَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْبَيْعُ فَبَقِيَ وَإِنَّمَا هُوَ بِمَثَابَةِ مَنْ بَنَى فِي دَارِهِ، أَوْ صَلَّحَ فِيهَا، ثُمَّ بَاعَهَا أَيُقْبَلُ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ الْإِصْلَاحَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْبَيْعُ عَلَى أَنَّ الْبِنَاءَ يُمْكِنُ قَلْعُهُ وَأَخْذُ أَنْقَاضِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْقَلِيبُ؟ هَذَا مِمَّا أَشْكَلَ عَلَيَّ وَلَمْ أَفْهَمْ عَدَّهُ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ يَتَنَاوَلَهَا عَقْدُ الْبَيْعِ، وَأَنْ لَا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرِيدُوا بِالْقَلِيبِ الْبِئْرَ، فَلَا شَكَّ أَنَّ مِنْ اشْتَرَى أَرْضًا وَفِيهَا بِئْرٌ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقُولَ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا عَقْدُ الْبَيْعِ فَأَخْبَرَ أَنَّهَا لِلْمُشْتَرِي، وَأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ يَتَنَاوَلُهَا كَتَنَاوُلِ الْأَرْضِ لِلْأَشْجَارِ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَرُبَّمَا رَشَّحَهُ التَّعْبِيرُ بِالْقَلِيبِ دُونَ الْقَلْبِ
(1/287)

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) جَمِيعُ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْأَبْيَاتُ السِّتُّ هُوَ مِنْ زِيَادَةِ هَذَا النَّظْمِ عَلَى الْمُخْتَصَرِ مَا عَدَا كَوْنِ الثِّمَارِ الْمَأْبُورَةِ لِلْبَائِعِ، وَغَيْرِ الْمَأْبُورَةِ لِلْمُشْتَرِي
وَالْمَاءُ إنْ كَانَ يَزِيدُ وَيَقِلْ ... فَبَيْعُهُ لِجَهْلِهِ لَيْسَ يَحِلْ
(قَالَ الشَّارِحُ) إنْ كَانَ الْمَاءُ يَزِيدُ أَحْيَانًا وَيَنْقُصُ أَحْيَانًا بِحَيْثُ لَا يَأْخُذُهُ الضَّبْطُ فَلَا يَحِلُّ بَيْعُهُ لِلْجَهْلِ بِهِ (فَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ) ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الشِّرْبُ يَقِلُّ مَاؤُهُ مَرَّةً وَيَكْثُرُ أُخْرَى وَلَا يُوقَفُ عَلَى الْحَقِيقَةِ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَبَيْعُ الْمَجْهُولِ غَرَرٌ، وَلَا يَجُوزُ. قَالَ وَأَخْذُ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى إطْلَاقِهِ مِمَّا يُشْكِلُ مَعَهُ بَيْعُ شُرُوبِ مَوَاضِعَ سَمَّاهَا قَالَ؛ لِأَنَّهَا تَقِلُّ فِي السِّنِينَ الْجَدْبَةِ، وَتَكْثُرُ فِي السِّنِينَ الْمَطِرَةِ، وَالظَّاهِرُ جَوَازُ الْمُعَاوَضَةِ فِيهَا لِارْتِبَاطِهَا بِمَا أَجْرَى اللَّهُ مِنْ الْعَادَةِ فِيهَا، فَالْمُتَعَاقِدَانِ يَعْلَمَانِ ذَلِكَ وَيَدْخُلَانِ عَلَيْهِ فَهُوَ كَالْغَرَرِ الْمُغْتَفَرِ فِي بَيْعِ الْأُصُولِ، وَقَدْ لَا تَكُونُ لَهَا غَلَّةٌ فِي بَعْضِ السِّنِينَ وَالْأَوْلَى حَمْلُ الْبَيْتِ وَمَا اُسْتُظْهِرَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ النَّقْلِ عَلَى مَا جَهِلَ الْمُتَعَاقِدَانِ مُعَاقَلَتَهُ وَكَثْرَتَهُ، وَتَكُونُ مِنْ التَّلَوُّنِ بِحَيْثُ لَا يَأْخُذُهَا الضَّبْطُ، ثُمَّ اسْتَطْرَدَ الْكَلَامَ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمَاءِ لِمَنْ يَمْلِكُهُ قَالَ: وَأَمَّا مَنْ يَمْلِكُ مَنْفَعَتَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ، بَلْ يَسْقِي بِهِ، فَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ تَرَكَهُ لِغَيْرِهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا يَنْدَرِجُ فِي قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ " وَجَهْلٌ بِمَثْمُونٍ "، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَشَرْطُ إبْقَاءِ الْمَبِيعِ فِي الثَّمَنْ ... رَهْنًا سِوَى الْأُصُولِ بِالْمَنْعِ اقْتَرَنْ
وَقِيلَ بِالْجَوَازِ مَهْمَا اتَّفَقَا ... فِي وَضْعِهِ عِنْدَ أَمِينٍ مُطْلَقَا
يَعْنِي أَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَبْقَى الْمَبِيعُ تَحْتَ يَدِ الْبَائِعِ، أَوْ تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ رَهْنًا فِي الثَّمَنِ إلَّا فِي الْأُصُولِ، فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِيهَا، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَقِيلَ إنَّمَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ إذَا كَانَ عَلَى أَنْ يَبْقَى ذَلِكَ الْمَبِيعُ تَحْتَ يَدِ الْبَائِعِ، وَأَمَّا إنْ وَضَعَاهُ تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ مُطْلَقًا، أَيْ فِي الْأُصُولِ وَغَيْرِهَا، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَى هَذَا الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي غَيْرِ الْأُصُولِ وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ الْبَيْتَيْنِ أَنَّ اشْتِرَاطَ بَقَاءِ الْمَبِيعِ تَحْتَ يَدِ بَائِعِهِ رَهْنًا فِي الثَّمَنِ، إنْ كَانَ فِي الْأُصُولِ فَهُوَ جَائِزٌ.
وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا فَقَوْلَانِ: الْمَنْعُ وَظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ كَانَ تَحْتَ يَدِ الْبَائِعِ، أَوْ الْأَمِينِ، وَالْجَوَازُ عِنْدَ أَمِينٍ، وَظَاهِرُ النُّقُولِ الْآتِيَةِ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْمَنْعِ مَحَلُّهُ إذَا بَقِيَ الْمَبِيعُ تَحْتَ يَدِ بَائِعِهِ، وَأَمَّا إنْ وَضَعَاهُ عِنْدَ أَمِينٍ فَلَيْسَ إلَّا الْجَوَازُ، فَلَيْسَ إذَنْ إلَّا قَوْلٌ وَاحِدٌ بِالتَّفْصِيلِ: الْجَوَازُ إنْ وُضِعَ بِيَدِ أَمِينٍ، وَالْمَنْعُ إنْ وُضِعَ عِنْدَ الْبَائِعِ (قَالَ ابْنُ حَارِثٍ) فِي أُصُولِ الْفُتْيَا وَإِذَا اشْتَرَيْتَ شَيْئًا مِنْ الْأَشْيَاءِ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ حَبْسَهُ إلَى أَجَلٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَى عَلَى أَلَّا يُقْبَضَ إلَّا إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ، مِثْلُ الدَّارِ وَالْأَرْضِ يَشْتَرِطُ الْبَائِعُ سُكْنَاهَا إلَى أَجَلٍ، فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهَا مَأْمُونَةٌ.
وَإِنْ اشْتَرَطَ الْبَائِعُ أَنْ يَكُونَ عَلَى يَدِ عَدْلٍ جَازَ ذَلِكَ وَفِي ابْنِ سَلْمُونٍ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ تَبْقَى الدَّابَّةُ بِيَدِهِ رَهْنًا فِي الثَّمَنِ إلَى أَجَلِهِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ، وَالْبَيْعُ عَلَى ذَلِكَ مَفْسُوخٌ، وَرَوَى ذَلِكَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْحَيَوَانِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُرُوضِ.
(قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) : وَذَلِكَ جَائِزٌ فِي الْأُصُولِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تُبَاعَ عَلَى أَنْ تُقْبَضَ إلَى أَجَلٍ، فَإِنْ وُضِعَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي لَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهَا عِنْدَ بَائِعِهَا عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا اهـ. عَنْ نَقْلِ الشَّارِحِ، وَانْظُرْ
(1/288)

مَا ذُكِرَ هُنَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ فِي آخِرِ الْكَلَامِ عَلَى الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ مِنْ جَوَازِ مِثْلِ هَذَا
وَجَائِزٌ فِي الدَّارِ أَنْ يُسْتَثْنَى ... سُكْنَى بِهَا كَسَنَةٍ أَوْ أَدْنَى
يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِبَائِعِ الدَّارِ أَنْ يَسْتَثْنِيَ سُكْنَاهَا سَنَةً فَمَا دُونَهَا (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) : قَالَ: مَالِكٌ وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا عَلَى أَنَّ لِلْبَائِعِ سُكْنَاهَا الْأَشْهُرَ وَالسَّنَةَ، فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكُرِهَ مَا تَبَاعَدَ مِنْ ذَلِكَ، وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ، وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ الْعَامِ لِمَا يُخَافُ مِنْ تَغَيُّرِهَا فَيَدْخُلُ الْغَرَرُ عَلَى الْمُبْتَاعِ إذْ لَا يَدْرِي حَالَهَا عِنْدَ رُجُوعِهَا إلَيْهِ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ اهـ. وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ عَاطِفًا عَلَى الْحَائِزَاتِ وَبَيْعِ دَارٍ لِتُقْبَضَ بَعْدَ عَامٍ، وَفِي الْمَوَّاقِ وَفِي تَحْدِيدِ الْمُدَّةِ بِسَنَةٍ، أَوْ لَا سِتَّةُ أَقْوَالٍ. (فَرْعٌ) يَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ السَّنَةِ فَمَا دُون، وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ عَنْ سَمَاعِ يَحْيَى بْنِ الْقَاسِمِ، أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مُعَيَّنٌ لَا تَحْمِلُهُ الذِّمَّةُ، فَلَيْسَ فِيهِ تَعْمِيرُ الذِّمَّتَيْنِ
وَمُشْتَرِي الْأَصْلِ شِرَاؤُهُ الثَّمَرَ ... قَبْلَ الصَّلَاحِ جَائِزٌ فِيمَا اشْتَهَرَ
وَالزَّرْعُ فِي ذَلِكَ مِثْلُ الشَّجَرِ ... وَلَا رُجُوعَ إنْ تُصَبْ لِلْمُشْتَرِي
تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ:
وَآبِرٌ مِنْ زَرْعٍ أَوْ مِنْ شَجَرِ
لِبَائِعٍ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى أَشْجَارًا فِيهَا ثِمَارٌ مَأْبُورَةٌ، أَوْ اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا زَرْعٌ قَدْ نَبَتَ فَإِنَّ الثَّمَرَةَ وَالزَّرْعَ لِلْبَائِعِ، وَذَكَرَ هُنَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِمُشْتَرِي الشَّجَرِ وَالْأَرْضِ أَنْ يَشْتَرِيَ تِلْكَ الثِّمَارَ، وَذَلِكَ الزَّرْعَ وَإِنْ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُمَا، سَوَاءٌ اشْتَرَى الشَّجَرَ أَوْ الثَّمَرَ، أَوْ الْأَرْضَ وَالزَّرْعَ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي صَفْقَتَيْنِ الْأَشْجَارَ، ثُمَّ الثِّمَارَ وَالصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: هِيَ ظَاهِرُ قَصْدِ النَّاظِمِ، وَالْأُولَى أَوْلَى بِالْجَوَازِ (قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) : لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الْأَرْضَ فِي صَفْقَةٍ، ثُمَّ يَشْتَرِيَ الزَّرْعَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي صَفْقَةٍ أُخْرَى (وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) ، وَحُكْمُ شِرَاءِ الزَّرْعِ بَعْدَ الْأَرْضِ حُكْمُ شِرَاءِ الثَّمَرَةِ بَعْدَ الْأَصْلِ تَدْخُلُ فِيهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ اهـ. مِنْ الشَّارِحِ وَالْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الْجَوَازُ وَالْمَنْعُ وَالْجَوَازُ إذَا كَانَ الشِّرَاءُ بِحَدَثَانِ الْعَقْدِ (وَفِي التَّوْضِيحِ) ، وَحَدُّ الْقُرْبِ فِي ذَلِكَ عِشْرُونَ يَوْمًا ا. هـ. وَاقْتَصَرَ النَّاظِمُ عَلَى الْجَوَازِ مُطْلَقًا بَعُدَ الشِّرَاءُ مِنْ الْعَقْدِ أَوْ قَرُبَ؛ لِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: فِيمَا اشْتَهَرَ أَنَّ ثَمَّ مُقَابِلًا لِلْمَشْهُورِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ:
وَلَا رُجُوعَ إنْ تُصَبْ لِلْمُشْتَرِي
لِقَوْلِ الْمُتَيْطِيِّ فَإِنْ أُجِيحَتْ الثَّمَرَةُ الْمُشْتَرَطَةُ فِي أَصْلِ الْبَيْعِ، أَوْ الْمُلْحَقَةِ بِذَلِكَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، أَوْ بَعْدَهُ، فَلَا قِيَامَ لِلْمُبْتَاعِ بِهَا كَانَتْ الْجَائِحَةُ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِهَا، أَوْ أَتَتْ عَلَى جَمِيعِهَا اهـ. وَتُصَبْ مَعْنَاهُ تُجَاحُ وَلِلْمُشْتَرِي: خَبَرُ لَا وَنَائِبُ تُصَبْ يَعُودُ عَلَى الثَّمَرَةِ، وَفِي مَعْنَاهَا الزَّرْعُ وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ؛ لِدَلَالَةِ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ
وَبَيْعُ مِلْكٍ غَابَ جَازَ بِالصِّفَهْ ... أَوْ رُؤْيَةٍ تَقَدَّمَتْ أَوْ مَعْرِفَهْ
وَجَازَ شَرْطُ النَّقْدِ فِي الْمَشْهُورِ ... وَمُشْتَرٍ يَضْمَنُ لِلْجُمْهُورِ
(1/289)

الْمُلْكُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا الشَّيْءُ الْمَمْلُوكُ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ بِالضَّمِّ إلَّا فِي مَوَاضِعِ الْكَثْرَةِ وَسَعَةِ السُّلْطَانِ، يُقَال: لِفُلَانٍ مُلْكٌ عَظِيمٌ، أَيْ مَمْلُوكٌ كَثِيرٌ قَالَهُ أَبُو الْبَقَاءِ فِي الْمُعَرَّبِ، وَيُقْرَأُ فِي الْبَيْتِ بِالْكَسْرِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْأَصْلُ كَالدَّارِ وَغَيْرِهَا.
وَغَيْبَةُ الْمَبِيعِ، إمَّا أَنْ تَكُونَ عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ، وَهُوَ حَاضِرٌ بِالْبَلَدِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ غَائِبًا عَنْ الْبَلَدِ، وَهَذَا إمَّا أَنْ تَكُونَ غَيْبَتُهُ بَعِيدَةً، أَوْ قَرِيبَةً، أَوْ مُتَوَسِّطَةً فَغَائِبُ الْمَجْلِسِ حَاضِرُ الْبَلَدِ فِيهِ قَوْلَانِ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ: جَوَازُ بَيْعِهِ عَلَى الصِّفَةِ ذَكَرَ ذَلِكَ فِيهَا فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَدَمُ جَوَازِهِ؛ لِأَنَّهُ عُدُولٌ عَنْ الْمُعَايَنَةِ إلَى خَبَرٍ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَقَصَرَ بَعْضُهُمْ الْأَوَّلَ فَقَالَ: إنَّ الضَّرُورَةَ قَدْ تَدْعُو إلَى مُبَادَرَةِ الْعَقْدِ خَوْفَ أَنْ يَبْدُوَ لَلْآخَرِ شَيْءٌ وَالْغَائِبُ الْبَعِيدُ جِدًّا، كَإِفْرِيقِيَّةَ مِنْ خُرَاسَانَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ.
وَيَجُوزُ بَيْعُ الْقَرِيبِ عَلَى الْمَشْهُورِ، كَاَلَّذِي عَلَى مَسَافَةِ يَوْمٍ خِلَافًا لِرِوَايَةِ ابْنِ شَعْبَانَ، وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمُتَوَسِّطِ اتِّفَاقًا اهـ. مِنْ شَرْحِ الْقَلْشَانِيِّ عَلَى الرِّسَالَةِ وَمَعْنَى الْبَيْتَيْنِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْأَصْلِ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ، أَوْ بِرُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ، أَوْ مَعْرِفَةٍ، وَيَجُوزُ فِيهِ اشْتِرَاطُ النَّقْدِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَضَمَانُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِنَفْسِ الْعَقْدِ.
(تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ قَوْلَ النَّاظِمِ غَابَ شَامِلٌ لِلْغَائِبِ عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَلِلْغَائِبِ بِغَيْرِ الْبَلَدِ غَيْبَةً قَرِيبَةً، أَوْ مُتَوَسِّطَةً، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ بِالصِّفَهْ أَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ بَيْعُ الْغَائِبِ إذَا ضُبِطَ بِالصِّفَةِ الْحَاضِرَةِ، وَيُوصَفُ بِمَا تَخْتَلِفُ الْأَغْرَاضُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ فِي السَّلَمِ الْمَقِيسِ هَذَا عَلَيْهِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَصِفَهُ بَائِعُهُ، أَوْ غَيْرُهُ (الْمَوَّاقُ) عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ وَقَوْلُ ابْنِ الْعَطَّارِ قِيلَ: إنَّ بَيْعَ الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ بِصِفَةِ الْبَائِعِ غَيْرُ صَحِيحٍ إنَّمَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ بِصِفَةِ الْبَائِعِ رَبْعًا كَانَ، أَوْ غَيْرَهُ اهـ.
وَإِنَّمَا يُفْتَقَرُ لِلصِّفَةِ إذَا كَانَ الْبَيْعُ عَلَى الْبَتِّ، وَيَجُوزُ بَيْعُ الْغَائِبِ دُونَ تَقَدُّمِ رُؤْيَةٍ، وَلَا ذِكْرِ صِفَةٍ إذَا كَانَ عَلَى خِيَارِ الْمُشْتَرِي عِنْدَ رُؤْيَتِهِ هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ بَيْعَ الْغَائِبِ إنْ كَانَ عَلَى الْبَتِّ وَاللُّزُومِ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْوَصْفِ، أَوْ تَقَدُّمِ مَعْرِفَةٍ، أَوْ رُؤْيَةٍ، وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ تَكَلَّمَ النَّاظِمُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى خِيَارِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الرُّؤْيَةِ، فَلَا يُشْتَرَطُ وَصْفٌ وَلَا رُؤْيَةٌ، فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، وَهَكَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ اُنْظُرْ الْقَلْشَانِيَّ، وَقَدْ أَصْلَحَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ الشَّيْخِ خَلِيلٍ وَغَائِبٌ وَلَوْ بِلَا وَصْفٍ. . . إلَخْ بِقَوْلِهِ: وَغَائِبٌ عَلَى خِيَارِ رُؤْيَةٍ، وَلَوْ بِلَا وَصْفٍ وَرُؤْيَةٍ كَعَلَى اللُّزُومِ بِرُؤْيَةٍ لَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَهَا غَالِبًا، أَوْ وَصْفٍ، وَلَوْ مِنْ بَائِعِهِ، وَلَمْ يَبْعُدْ كَخُرَاسَانَ مِنْ إفْرِيقِيَّةَ وَلَمْ تُمْكِنْ رُؤْيَتُهُ بِلَا مَشَقَّةٍ، وَلَوْ عَلَى يَوْمٍ، وَعَطْفُ الْمَعْرِفَةِ عَلَى الرُّؤْيَةِ فِي الْبَيْتِ مِنْ عَطْفِ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ.
وَكَأَنَّهُ عَنَى بِالرُّؤْيَةِ مَرَّةً، أَوْ مَرَّتَيْنِ مَثَلًا وَبِالْمَعْرِفَةِ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا جَازَ اشْتِرَاطُ النَّقْدِ فِي بَيْعِ الْعَقَارِ الْغَائِبِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِغَلَبَةِ السَّلَامَةِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) ، وَالنَّقْدُ
(1/290)


فِي الْغَائِبِ بِغَيْرِ شَرْطٍ جَائِزٌ، فَإِنْ شُرِطَ فِي الْعَقَارِ وَشِبْهِهِ جَازَ، وَإِنْ بَعُدَ خِلَافًا لِأَشْهَبَ (التَّوْضِيحُ) ، وَنَقَلَ الْبَاجِيُّ عَنْ أَشَهَبَ مَنْعَ اشْتِرَاطِ النَّقْدِ مَعَ الْبُعْدِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ النَّقْدِ عَلَى الْمَذْهَبِ إذَا لَمْ يَشْتَرِهَا عَلَى صِفَةِ صَاحِبِهَا، كَذَا رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا بِيعَ الْعَقَارُ جُزَافًا، وَأَمَّا إذَا بِيعَ مُذَارَعَةً، فَلَا يَصِحُّ النَّقْدُ فِيهِ، وَضَمَانُهُ مِنْ بَائِعِهِ اهـ. فَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ فِي اشْتِرَاطِ النَّقْدِ هُوَ لِأَشْهَبَ فِي الْبَعِيدِ، وَأَمَّا كَوْنُ ضَمَانِ الْعَقَارِ مِنْ الْمُشْتَرِي، فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الَّذِي حَكَاهُ النَّاسُ أَنَّ مَالِكًا إنَّمَا قَالَ: أَوَّلًا الضَّمَانُ مِنْ الْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ عَلَى الْبَائِعِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْعَكْسِ أَنَّهُ مِنْ الْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ، ثُمَّ هَلْ الْقَوْلَانِ فِي الرِّبَاعِ، أَوْ الرِّبَاعُ مِنْ الْمُشْتَرِي اتِّفَاقًا طَرِيقَانِ اهـ. (وَفِي الْمَوَّاقِ) عَنْ الْمُدَوَّنَةِ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الرَّبْعِ وَالدُّورِ وَالْأَرَضِينَ وَالْعَقَارِ أَنَّ ضَمَانَهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ، وَإِنَّ بَعُدَتْ اهـ.
وَالْأَجْنَبِيُّ جَائِزٌ مِنْهُ الشِّرَا ... مُلْتَزِمَ الْعُهْدَةِ فِيمَا يُشْتَرَى
مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا، فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا، أَوْ اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الَّذِي بَاعَ لَهُ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْبَائِعُ هُوَ الْمَالِكُ لِلشَّيْءِ الْمَبِيعِ، وَلَا إشْكَالَ، أَوْ كَانَ نَائِبًا وَوَكِيلًا عَنْ مَالِكِهِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ عُهْدَتُهُ عَلَى الْوَكِيلِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الشِّرَاءِ أَنَّ مُتَوَلِّيَ الْبَيْعِ نَائِبٌ عَنْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ إمْضَاءِ الْبَيْعِ.
وَتَكُونُ عُهْدَتُهُ عَلَى الْمَالِكِ وَرَدِّهِ؛ لِأَنَّ مِنْ حُجَّتِهِ أَنْ يَقُولَ إنَّمَا رَضِيتُ أَنْ تَكُونَ عُهْدَتِي عَلَيْك يَا مُتَوَلِّيَ الْبَيْعِ لِمُلَائِكَ وَلَا أَرْضَى أَنْ تَكُونَ عَلَى الْمَنُوبِ عَنْهُ لِعُسْرِهِ وَقِلَّةِ ذَاتِ يَدِهِ وَمَحَلُّ هَذَا التَّخْيِيرِ إذَا لَمْ يَرْضَ هَذَا الْوَكِيلُ بِكَوْنِ الْعُهْدَةِ عَلَيْهِ فَإِنْ الْتَزَمَ كَوْنَهَا عَلَيْهِ فَلَا حُجَّةَ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ، وَهَذَا مَقْصُودُ النَّاظِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَالْمُرَادُ بِالْأَجْنَبِيِّ فِي الْبَيْتِ وَكِيلُ الْمَالِكِ لِلشَّيْءِ الْمَبِيعِ النَّائِبُ هُوَ عَنْهُ فَهُوَ بَائِعٌ وَسَمَّاهُ أَجْنَبِيًّا لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَالِكٍ لِلشَّيْءِ الْمَبِيعِ، يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَشْتَرِيَ الشَّيْءَ مِنْ النَّائِبِ عَنْ مَالِكِ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَعَنْهُ عَبَّرَ بِالْأَجْنَبِيِّ، يَعْنِي وَتَكُونُ عُهْدَةُ الْعَيْبِ وَالِاسْتِحْقَاقُ عَلَى ذَلِكَ الْأَجْنَبِيِّ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِكَوْنِهِ وَكِيلًا وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ الْمَالِكُ لِلشَّيْءِ الْمَبِيعِ، فَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ بَعْدَ انْعِقَادِ الْبَيْعِ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي رَدِّ الْبَيْعِ وَلَا إشْكَالَ وَفِي إمْضَائِهِ وَتَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَى الْمَالِكِ لَا عَلَى الْأَجْنَبِيِّ.
وَمَحَلُّ هَذَا التَّخْيِيرِ إذَا لَمْ يَلْتَزِمْ الْوَكِيلُ الْعُهْدَةَ فَإِنْ الْتَزَمَهَا فَيَلْزَمُ الْبَيْعُ وَلَا كَلَامَ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا مُرَادُ النَّاظِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ " فَالْأَجْنَبِيُّ " فِي الْبَيْتِ مُبْتَدَأٌ " وَجَائِزٌ " خَبَرُهُ وَلَوْ قَالَ لَازِمٌ لَكَانَ أَبَيْنَ " وَالشِّرَا " فَاعِلٌ لِجَائِزٍ وَمِنْهُ يَتَعَلَّقُ بِالشِّرَاءِ وَضَمِيرُهُ لِلْأَجْنَبِيِّ " وَمُلْتَزِمَ " حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ بِمِنْ.
(قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) آخِرَ الْكَلَامِ عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَإِذَا صَرَّحَ الْوَكِيلُ، أَوْ عَلِمَ فَالْعُهْدَةُ عَلَى الْمُوَكِّلِ مَا نَصُّهُ. فَرْعٌ، فَإِنْ عَلِمَ الْمُبْتَاعُ بَعْدَ الْبَيْعِ أَنَّ الْمَبِيعَ لِغَيْرِ الْمُتَوَلِّي فَخَيَّرَهُ مَالِكٌ، فِي الرَّدِّ، أَوْ التَّمَاسُكِ عَلَى أَنَّ عُهْدَتَهُ عَلَى الْآمِرِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الرَّسُولُ أَنْ يَكْتُبَهَا عَلَى نَفْسِهِ، فَلَا حُجَّةَ لِلْمُشْتَرِي (ابْنُ الْمَوَّازِ) ، وَكَذَلِكَ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لِغَيْرِهِ اهـ.
وَإِنَّمَا قَيَّدَ ابْنُ الْمَوَّازِ الْمَسْأَلَةَ بِثُبُوتِ كَوْنِ الْمَبِيعِ لِغَيْرِ الْبَائِعِ؛ لِكَوْنِهِ إذَا لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ، يُتَّهَمُ الْبَائِعُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَالِكَ لِلْمَبِيعِ لَكِنْ حَصَلَ لَهُ نَدَمٌ، فَادَّعَى أَنَّ الشَّيْءَ لِغَيْرِهِ لَعَلَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَرْضَى، وَيَفْسَخُ الْبَيْعَ وَوَجَدَ الشَّارِحُ فِي مَعْنَى الْبَيْتِ وَجْهَيْنِ بِسَبَبِ احْتِمَالِ لَفْظِ الشِّرَاءِ لِمَعْنَاهُ الْمُتَبَادِرِ عُرْفًا، وَلِكَوْنِهِ بِمَعْنَى بَاعَ عَلَى حَدِّ {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: 20] ، أَيْ بَاعُوهُ وَالْأَجْنَبِيُّ مُشْتَرٍ عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ عِنْدَهُ لَا بَائِعٌ، كَمَا قَرَّرْنَا، وَالْمَعْنَى عَلَى مَا قَالَ إنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَنُوبَ عَنْ غَيْرِهِ فِي الشِّرَاءِ، وَيَلْتَزِمَ لَهُ عُهْدَةَ الْعَيْبِ وَالِاسْتِحْقَاقِ، وَإِنَّهُ إنْ حَصَلَ أَحَدُهُمَا غَرِمَ لِلْمُشْتَرِي الثَّمَنَ، وَلَمْ يَدْعَمْ ذَلِكَ بِنَقْلٍ فَتَطْلُبَ نَصَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق