الأحد، 14 يونيو 2015

كتاب الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام- بَابٌ فِي الْبُيُوعِ وَمَا شَاكَلَهَا- فصل في الجائحة في الثمار

[فَصْلٌ فِي الْجَائِحَةِ فِي الثِّمَارِ]
فَصْلٌ فِي الْجَائِحَةِ فِي ذَلِكَ
وَكُلُّ مَا لَا يُسْتَطَاعُ الدَّفْعُ لَهْ ... جَائِحَةٌ مِثْلُ الرِّيَاحِ الْمُرْسَلَةِ
وَالْجَيْشُ مَعْدُودٌ مِنْ الْجَوَائِح ... كَفِتْنَةٍ وَكَالْعَدُوِّ الْكَاشِح
تَعَرَّضَ فِي الْبَيْتَيْنِ لِتَعْرِيفِ الْجَائِحَةِ، فَأَخْبَرَ أَنَّهَا كُلُّ مَا لَا يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ كَالرِّيحِ الْعَاصِفَةِ وَالْجَرَادِ الْمُنْتَشِرِ، وَالْجَيْشِ يَمُرُّ بِالنَّخِيلِ، وَالْفِتْنَةِ، وَالْعَدُوِّ، وَالْمَطَرِ وَالْبَرْدِ، وَالطَّيْرِ، وَالنَّارِ، وَنَحْوِهِمَا. وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ مَا يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ كَسَارِقٍ لَيْسَ بِجَائِحَةٍ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ
(قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كُلُّ مَا أَصَابَ الثَّمَرَةَ مِنْ الْجَرَادِ، وَالرِّيحِ، وَالنَّارِ وَالْغَزْوِ، وَالْبَرْدِ، وَالْمَطَرِ، الْغَالِبِ وَالدُّودِ، وَعَفَنِ، الثَّمَرَةِ، فِي الشَّجَرَةِ وَالسَّمُومِ فَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِحَةٌ تُوضَعُ مِنْ الْمُبْتَاعِ إنْ أَصَابَتْ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا، أَوْ الْجَيْشُ يَمُرُّ بِالنَّخْلِ فَيَأْخُذُ ثَمَرَتَهُ فَذَلِكَ جَائِحَةٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَوْ سَرَقَهَا سَارِقٌ كَانَتْ الْجَائِحَةَ أَيْضًا وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ لَيْسَ السَّارِقُ بِجَائِحَةٍ ابْنُ يُونُسَ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَصْوَبُ لِأَنَّهُ فِعْلُ مَخْلُوقٍ لَا يُقْدَرُ عَلَى دَفْعِهِ كَالْجَرَادِ. اهـ " وَالْكَاشِحُ: الْمُضْمِرُ لِلْعَدَاوَةِ " وَهُوَ نَعْتٌ لِلْعَدُوِّ
فَإِنْ يَكُنْ مِنْ عَطَشٍ مَا اتَّفَقَا ... فَالْوَضْعُ لِلثَّمَنِ فِيهِ مُطْلَقَا
وَإِنْ يَكُنْ مِنْ غَيْرِهِ فَفِي الثَّمَرْ ... مَا بَلَغَ الثُّلْثَ فَأَعْلَى الْمُعْتَبَرْ
وَفِي الْبُقُولِ الْوَضْعُ فِي الْكَثِيرِ ... وَفِي الَّذِي قَلَّ عَلَى الْمَشْهُورِ
وَأَلْحَقُوا نَوْعَ الْمَقَاثِئِ بِالثَّمَرْ ... هُنَا وَمَا كَالْيَاسَمِينِ وَالْجَزَرْ
حَاصِلُ الْأَبْيَاتِ أَنَّ الْجَائِحَةَ إنْ كَانَتْ مِنْ الْعَطَشِ فَإِنَّهُ يُوضَعُ عَنْ الْمُشْتَرِي ثَمَنُ مَا اُجْتِيحَ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا وَإِلَيْهِ أَشَارَ (بِالْإِطْلَاقِ) وَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ الْعَطَشِ يُفَصَّلُ فِي ذَلِكَ فَفِي: - الثِّمَارِ لَا يُوضَعُ إلَّا مَا بَلَغَ الثُّلُثَ فَأَكْثَرَ، وَيُلْحَقُ بِالثِّمَارِ فِي اعْتِبَارِ الثُّلُثِ أَنْوَاعُ الْمَقَاثِئِ وَمَا كَالْيَاسَمِينِ، وَمُغَيَّبُ الْأَصْلِ كَالْجَزَرِ حَسْبَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّاظِمُ فِي الْبَيْتِ الرَّابِعِ عَلَى بَحْثٍ يَأْتِي مَعًا فِي مُغَيَّبِ الْأَصْلِ. وَأَمَّا الْبُقُولُ فَتُوضَعُ جَائِحَتُهَا قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ عَلَى الْمَشْهُودِ.
(قَالَ مَالِكٌ) مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ الْبُقُولِ السَّلْقِ وَالْبَصَلِ وَالْجَزَرِ وَالْفُجْلِ وَالْكُرَّاثِ وَشِبْهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُوضَعُ قَلِيلُ مَا أُجِيحَ مِنْ ذَلِكَ وَكَثِيرُهُ. (ابْنُ الْمَوَّازِ) وَاللِّفْتُ، وَالْأُصُولُ، الْمُغَيَّبَةُ فِي الْأَرْضِ مِمَّا لَا يُدَّخَرُ هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْبَقْلِ. (سَحْنُونٌ) ، وَأَمَّا الزَّعْفَرَانُ وَالرَّيْحَانُ، وَالْبَقْلُ، وَالْقُرْطُ، وَالْقَضْبُ فَإِنَّ الْجَوَائِحَ تُوضَعُ فِي قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا وَلَا تَصِحُّ فِيهَا الْمُسَاقَاةُ
(1/302)

اهـ مِنْ الْمَوَّاقِ.
(تَنْبِيهٌ) مَا ذَكَرَهُ النَّاظِمُ مِنْ إلْحَاقِ مُغَيَّبِ الْأَصْلِ كَالْجَزَرِ بِالثِّمَارِ فَلَا تُوضَعُ جَائِحَتُهُ إلَّا إذَا بَلَغَتْ الثُّلُثَ هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَة وَنَقَلَهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ حَسْبَمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي نَقْلِ الْمَوَّاقِ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَقْلِ تُوضَعُ جَائِحَتُهُ وَإِنْ قَلَّتْ وَعَلَيْهِ دَرَجَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ وَتُوضَعُ مِنْ الْعَطَشِ وَإِنْ قَلَّتْ كَالْبُقُولِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالرَّيْحَانِ وَالْقُرْطِ وَالْقَضْبِ وَوَرَقِ التُّوتِ وَمُغَيَّبِ الْأَصْلِ كَالْجَزَرِ وَالْجَزَرِ الإسفرانية وَانْظُرْ هَلْ يُحَاوَلُ عَلَى إفَادَةِ الْخِلَافِ فِي مُغَيَّبِ الْأَصْلِ مِنْ النَّظْمِ وَذَلِكَ إنْ أَعْرَبْنَا قَوْلَهُ وَالْجَزَرُ مُبْتَدَأٌ
(وَقَوْلٌ) فِي الْبَيْتِ بَعْدَهُ (وَالْقَصَبُ) عَطْفٌ عَلَيْهِ وَجُمْلَةُ بِهِ قَوْلَانِ خَبَرٌ عَنْ الْجَزَرِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ وَبَاءُ (بِهِ) ظَرْفِيَّةٌ وَضَمِيرُهَا لِلْمَذْكُورِ مِنْ جَزَرٍ وَقَصَبٍ لِأَنَّ ذِكْرَ الْخِلَافِ أَوْلَى مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى غَيْرِ الْمَشْهُورِ. وَنَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ الِاسْتِغْنَاءِ مَا نَصُّهُ: مَنْ جَعَلَ فِي الْفُجْلِ وَالْجَزَرِ وَاللِّفْتِ وَالْأُصُولِ الْمُغَيَّبَةِ الْجَائِحَةِ فِي الثُّلُثِ فَصَاعِدًا يَجْعَلُ فِيهَا الشُّفْعَةَ. وَمَنْ جَعَلَ الْجَائِحَةَ فِيهَا فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَالْبُقُولِ لَمْ يَجْعَلْ فِيهَا الشُّفْعَةَ وَالْأَحْسَنُ فِيهَا قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ أَنْ لَا شُفْعَةَ فِيهَا وَلَيْسَتْ كَالْبَاذِنْجَانِ وَالْمَقَاثِئِ لِأَنَّ هَذِهِ لَهَا ثَمَرَةٌ تَخْرُجُ عَنْ أُصُولِهَا تُجْتَنَى وَتَبْقَى أَيْ الْأُصُولُ، اهـ قَوْلُهُ وَلَيْسَتْ كَالْبَاذِنْجَانِ وَالْمَقَاثِئِ أَيْ اللَّذَيْنِ لَا تُوضَعُ جَائِحَتُهُمَا إلَّا إذَا بَلَغَتْ الثُّلُثَ بَلْ تُوضَعُ مِنْ مُغَيَّبِ الْأَصْلِ وَإِنْ قَلَّتْ لِأَنَّهَا إذَا جُنِيَتْ لَمْ يَبْقَ لَهَا أَصْلٌ.
(تَنْبِيهٌ ثَانٍ) يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِ النَّاظِمِ
وَإِنْ تَكُنْ مِنْ غَيْرِهِ فَفِي الثَّمَرِ
الْبَيْتَ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ لِلْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ [وَتُوضَعُ جَائِحَةُ الثِّمَارِ كَالْمَوْزِ وَالْمَقَاثِئِ]
(قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ غَازٍ) نَبَّهَ بِالثِّمَارِ عَلَى مَا يُدَّخَرُ كَالتَّمْرِ وَالْعِنَبِ وَنَبَّهَ بِالْمَوْزِ عَلَى مَا لَا يُدَّخَرُ كَالْخَوْخِ وَالرُّمَّانِ وَنَبَّهَ بِالْمَقَاثِئِ عَلَى مَا يُطْعِمُ بُطُونًا كَالْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ حَسْبَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيَنْطَبِقُ قَوْلُهُ وَإِنْ بِيعَتْ عَلَى الْجَذِّ عَلَى الْجَمِيعِ اهـ
وَالْقَصَبُ الْحُلْوُ بِهِ قَوْلَانِ ... كَوَرَقِ التُّوتِ هُمَا سِيَّانِ
يَعْنِي أَنَّ: فِي الْقَصَبِ الْحُلْوِ وَوَرَقِ التُّوتِ قَوْلَيْنِ هَلْ يُلْحَقَانِ بِالثِّمَارِ فَلَا تُوضَعُ الْجَائِحَةُ فِيهِمَا إلَّا إذَا بَلَغَتْ الثُّلُثَ فَأَكْثَرَ أَوْ يُلْحَقَانِ بِالْبُقُولِ فَتُوضَعُ جَائِحَتُهُمَا وَإِنْ قَلَّتْ، نَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ النَّوَادِرِ أَنَّ الْجَائِحَةَ فِي قَصَبِ السُّكَّرِ لَا تُوضَعُ حَتَّى تَبْلُغَ الثُّلُثَ. وَأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. ثُمَّ نَقَلَ عَنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ الْجَائِحَةَ تُوضَعُ فِي قَصَبِ السُّكَّرِ وَإِنْ قَلَّتْ. وَنَقَلَ أَيْضًا عَنْ الْوَاضِحَةِ قَالَ وَجَائِحَةُ وَرَقِ التُّوتِ الَّذِي يُبَاعُ لِيُجْمَعَ أَخْضَرَ لِعَلْفِ دُودِ الْحَرِيرِ كَجَائِحَةِ الْبَلَحِ وَشِبْهِهِ يُوضَعُ الثُّلُثُ فَصَاعِدًا وَلَيْسَ كَالْبَقْلِ. وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ فِي وَرَقِ التُّوتِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ كَالْبَقْلِ يُوضَعُ مِنْهُ مَا قَلَّ وَمَا كَثُرَ وَذَهَبَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْجَائِحَةِ فِي قَصَبِ السُّكَّرِ رَأْسًا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ حَتَّى يَطِيبَ وَيُمْكِنَ قَطْعُهُ وَلَيْسَ هُوَ بِبُطُونٍ وَقِيلَ فِيهِ الْجَائِحَةُ وَعَلَى هَذَا فَهَلْ هُوَ كَالثِّمَارِ أَوْ كَالْبُقُولِ؟ الْقَوْلَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ وَإِنَّمَا شَرَحْنَا الْقَوْلَيْنِ فِي قَصَبِ السُّكَّرِ بِمَا ذُكِرَ دُونَ الْقَوْلِ بِالْجَائِحَةِ وَعَدَمِهَا لِيُوَافِقَ الْقَوْلَيْنِ فِي وَرَقِ التُّوتِ عَلَى أَنَّهُ كَالْبَقْلِ تُوضَعُ جَائِحَتُهُ وَإِنْ قَلَّتْ لِكَوْنِهِ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ
وَكُلُّهَا الْبَائِعُ ضَامِنٌ لَهَا ... إنْ كَانَ مَا أُجِيحَ قَبْلَ الِانْتِهَاءِ
يَعْنِي أَنَّ: الثِّمَارَ كُلَّهَا فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ فَيُرْجَعُ عَلَيْهِ بِجَائِحَتِهَا إذَا أُجِيحَتْ قَبْلَ انْتِهَاءِ الطِّيبِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَا أُجِيحَ بَعْدَ انْتِهَائِهِ فَلَا يُرْجَعُ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ وَضَمَانُهَا حِينَئِذٍ مِنْ الْمُشْتَرِي وَإِنَّمَا كَانَتْ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ قَبْلَ انْتِهَاءِ الطِّيبِ لِأَنَّ لِلْمُشْتَرِي حَقًّا عَلَى الْبَائِعِ فِي إبْقَاءِ الثَّمَرَةِ فِي أُصُولِهَا لِصَلَاحِهَا وَكَمَالِ طِيبِهَا فَقَدْ بَقِيَ لَهُ فِيهَا حَقُّ تَوْفِيَةٍ وَلَهُ عَلَى الْبَائِعِ سَقْيُهَا وَظَاهِرُ النَّظْمِ أَنَّ بِانْتِهَاءِ الطِّيبِ تَخْرُجُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ يَمْضِ مِنْ الزَّمَانِ مَا يُمْكِنُهُ فِيهِ قَطْعُهَا. وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ.
" قَالَ الْحَطَّابُ " نَاقِلًا عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ أَحَدُهُمَا أَنَّ
(1/303)

الثَّمَرَةَ تَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَيَسْقُطُ عَنْ الْبَائِعِ فِيهَا حُكْمُ الْجَائِحَةِ بِتَنَاهِي طِيبِهَا وَإِنْ لَمْ يَمْضِ مِنْ الْمُدَّةِ بَعْدَ تَنَاهِي طِيبِهَا مَا يُمْكِنُهُ فِيهِ قَطْعُهَا الثَّانِي مِنْ الْأَقْوَالِ أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ وَلَا يَرْتَفِعُ عَنْ الْبَائِعِ حُكْمُ الْجَائِحَةِ إلَّا بَعْدَ تَنَاهِي طِيبِهَا وَأَنْ يَمْضِيَ مِنْ الْمُدَّةِ بَعْدَ تَنَاهِي طِيبِهَا مَا لَوْ شَاءَ الْمُبْتَاعُ أَنْ يَجُذَّهَا فِيهِ جَذَّهَا. الثَّالِثُ أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ وَيَرْتَفِعُ عَنْ الْبَائِعِ حُكْمُ الْجَائِحَةِ حَتَّى يَمْضِيَ مِنْ الْمُدَّةِ بَعْدَ انْتِهَاءِ طِيبِهَا مَا جَرَى عَلَيْهِ الْعُرْفُ مِنْ التَّرَاخِي فِي ذَلِكَ وَاشْتَرَى عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي وَدَخَلَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ لِأَنَّ الْعُرْفَ الْبَيِّنَ عِنْدَهُمْ كَالشَّرْطِ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ جَيِّدَةٌ مُسْتَقْصَاةٌ مُحَصَّلَةٌ غَايَةَ التَّحْصِيلِ لَمْ أَرَهَا مَجْمُوعَةً وَلَا مُخَلَّصَةً مُحَصَّلَةً لِمُتَقَدِّمٍ وَلَا سَمِعْتُهَا مِنْ مُتَأَخِّرٍ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ الْهَادِي بِعَوْنِهِ اهـ كَلَامُهُ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِتَمَامِ مَعْنَاهُ فِي أَوْجَزِ عِبَارَةٍ وَأَلْطَفِ إشَارَةٍ.
وَنَصَّهُ ابْنُ رُشْدٍ فِيمَا أُجِيحَ قَبْلَ كَمَالِ طِيبِهِ: الْجَائِحَةُ اتِّفَاقًا لِحَقِّ الْمُبْتَاعِ فِي بَقَائِهَا حَتَّى تَيْبَسَ وَمَا أُجِيحَ بَعْدَ إمْكَانِ جِذَاذِهِ بَعْدَ طِيبِهِ وَقَبْلَ مُضِيِّ مَا يُؤَخَّرُ إلَيْهِ جَذُّهُ عَادَةً يَجْرِي عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْقَبُولِ وَمَا أُجِيحَ بَعْدَهُ مِنْ مُبْتَاعِهِ اتِّفَاقًا فَفِي كَوْنِ الثَّمَرَةِ مِنْ مُبْتَاعِهَا يَتَنَاهَى طِيبُهَا وَإِنْ لَمْ يَمْضِ مَا يُمْكِنُهُ فِيهِ جَذُّهَا أَوْ بِمُضِيِّهَا. ثَالِثُهَا: بِمُضِيِّ ذَلِكَ وَمَا يَجْرِي الْعُرْفُ بِالتَّأْخِيرِ إلَيْهِ وَهَذَا تَحْصِيلٌ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ اهـ وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْبُقُولِ أَيْ لِأَنَّهُ قَالَ مَرَّةً فِيهَا الْجَائِحَةُ، وَمَرَّةً لَا جَائِحَةَ فِيهَا. فَالثَّمَرَةُ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا كَالْبُقُولِ وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي ضَمَانِ الْمَكِيلِ إذَا تَلِفَ بَعْدَ أَنْ يَمْتَلِئَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَقَبْلَ أَنْ يُفْرِغَهُ فِي وِعَائِهِ.
(تَنْبِيهَانِ: - الْأَوَّلُ) لَمْ يَذْكُرْ النَّاظِمُ كَيْفِيَّةَ الرُّجُوعِ عَلَى الْبَائِعِ بِالْجَائِحَةِ وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ لِأَنَّ الثِّمَارَ عَلَى قِسْمَيْنِ: -
(الْأَوَّلُ) : أَنْ يَكُونَ مَا بِيعَ مِنْ الثَّمَرِ مِمَّا شَأْنُهُ أَنْ يَيْبَسَ وَيُدَّخَرَ وَيُحْبَسَ أَوَّلُهُ عَلَى آخِرِهِ حَتَّى يُجَذَّ جَمِيعُهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُخْرَصُ أَوْ لَا وَذَلِكَ كَالتَّمْرِ، وَالْعِنَبِ، وَالزَّيْتُونِ، وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ، وَالْفُسْتُقِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا إذَا أُجِيحَ مِنْهُ الْقَدْرُ الْمُعْتَبَرُ فِي الْجَائِحَةِ وَهُوَ ثُلُثُ الْمَكِيلَةِ فَأَكْثَرُ وُضِعَ عَنْ الْمُشْتَرِي نِسْبَةُ مَا أُجِيحَ مِنْ الثَّمَنِ قَوْلًا وَاحِدًا. وَلَا يُلْتَفَتُ هُنَا إلَى الْقِيمَةِ فَإِنْ أُجِيحَ مَثَلًا ثُلُثُ مَكِيلَةِ الْحَائِطِ وُضِعَ عَنْ الْمُشْتَرِي ثُلُثُ الثَّمَنِ، أَوْ النِّصْفُ وُضِعَ عَنْهُ نِصْفُ الثَّمَنِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَإِنْ أُجِيحَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثِ الثَّمَرَةِ فِي الْمِقْدَارِ لَمْ يُوضَعْ عَنْهُ شَيْءٌ وَلَا تَقْوِيمَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّ لِمُبْتَاعِهَا تَعْجِيلَ جَذِّهَا أَوْ تَأْخِيرَهَا حَتَّى تَيْبَسَ. وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ لَا تَقْوِيمَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّ قُبَّةَ الْمُجَاحِ وَغَيْرِهِ مُتَسَاوِيَةٌ لَا تَتَفَاوَتُ فَلَا فَائِدَةَ لِلتَّقْوِيمِ بِخِلَافِ مَا يَتَفَاوَتُ طِيبُهُ وَمَا اخْتَلَفَتْ بُطُونُهُ فَإِنَّ الْقِيمَةَ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ. اهـ
(الْقِسْمُ الثَّانِي) قَالَ: ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَا بِيعَ مِمَّا يُطْعِمُ بُطُونًا كَالْمَقَاثِئِ وَالْوَرْدِ، وَالْيَاسَمِينِ، وَشِبْهِهِ أَوْ مِنْ الثِّمَارِ، أَوْ مِمَّا لَا يُخْرَصُ وَلَا يُدَّخَرُ مِمَّا يُطْعَمُ فِي كُرَةٍ إلَّا أَنَّ طِيبَهُ يَتَفَاوَتُ، وَلَا يُحْبَسُ، أَوَّلُهُ عَلَى آخِرِهِ كَالتُّفَّاحِ، وَالرُّمَّانِ، وَالْخَوْخِ وَالتِّينِ فَإِنْ أُجِيحَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ مَا أَصَابَتْ الْجَائِحَةُ مِنْهُ قَدْرَ ثُلُثِ الثَّمَرَةِ فِي النَّبَاتِ فَأَكْثَرَ أَوَّلَ مَجْنَاهُ أَوْ وَسَطَهُ أَوْ آخِرَهُ حُطَّ مِنْ الثَّمَنِ قَدْرُ قِيمَتِهِ فِي زَمَنِهِ مِنْ قِيمَةِ بَاقِيهِ كَانَ فِي الْقِيمَةِ أَقَلُّ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ أَكْثَرُ. وَإِنْ كَانَ الْمُجَاحُ مِنْ الْجَمِيعِ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ فِي كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ لَا فِي الْقِيمَةِ فَلَا يُوضَعُ فِيهِ جَائِحَةٌ زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَى الثُّلُثِ أَوْ نَقَصَتْ مِثْلَ أَنْ يَبْتَاعَ مَقْثَأَةً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَأُجِيحَ بَطْنٌ مِنْهَا ثُمَّ جَنَى بَطْنَيْنِ فَانْقَطَعَتْ فَإِنْ كَانَ الْمُجَاحُ مِمَّا لَمْ يُجَحْ قَدْرَ ثُلُثِ النَّبَاتِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ نَاحِيَةِ النَّبَاتِ وُضِعَ قَدْرُهُ. وَقِيلَ مَا قِيمَةُ الْمُجَاحِ فِي زَمَنِهِ فَقِيلَ ثَلَاثُونَ وَالْبَطْنُ الثَّانِي عِشْرُونَ وَالثَّالِثُ عَشَرَةٌ فِي زَمَانِهَا لِغَلَاءِ أَوَّلِهِ. وَإِنْ قَلَّ وَرَخُصَ آخِرُهُ وَإِنْ كَثُرَ فَيُرْجَعُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُجَاحُ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْقِيمَةِ لَرَجَعَ بِمِثْلِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ فِي النَّبَاتِ لَمْ يُوضَعْ مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ قِيمَتُهُ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الصَّفْقَةِ وَكَذَلِكَ فِيمَا يَتَفَاوَتُ طِيبُهُ مِمَّا لَيْسَ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ اهـ مِنْ الْمَوَّاقِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُقَوَّمُ الْمُجَاحُ فِي وَقْتِهِ وَغَيْرُ الْمُجَاحِ فِي وَقْتِهِ ثُمَّ يُنْسَبُ قِيمَةُ الْمُجَاحِ مِنْ الْمَجْمُوعِ، فَإِنْ كَانَتْ ثُلُثًا رَجَعَ بِثُلُثِ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَتْ رُبُعًا رَجَعَ بِرُبُعِ
(1/304)


الثَّمَنِ، وَإِنْ نِصْفًا رَجَعَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، وَهَكَذَا. وَقِيلَ إنَّ الْجَائِحَةَ مُعْتَبَرَةٌ بِثُلُثِ الْقِيمَةِ فَإِنْ أُجِيحَ قِيمَةُ ثُلُثِ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ وُضِعَ عَنْ الْمُشْتَرِي نِسْبَةُ ذَلِكَ مِنْ الثَّمَنِ وَإِلَّا فَلَا. وَهَذَا قَوْلُ أَشْهَبَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا وَغَيْرِهَا وَإِلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ أَشَارَ الْإِمَامُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ، [وَيُعْتَبَرُ ثُلُثُ الْمَكِيلَةِ لَا ثُلُثُ الْقِيمَةِ مُطْلَقًا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فَيُحَطُّ مِنْ الثَّمَنِ قَدْرُ قِيمَتِهِ مِنْ بَاقِيهِ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ أَكْثَرَ]
(وَقَالَ أَشْهَبُ) الْمُعْتَبَرُ ثُلُثُ الْقِيمَةِ، وَلَوْ كَانَ يُحْبَسُ أَوَّلُهُ عَلَى آخِرِهِ كَالْعِنَبِ، وَالرُّطَبِ، فَبِالْمَكِيلَةِ بِاتِّفَاقٍ. اهـ فَقَوْلُهُ مُطْلَقًا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْ: كَانَ مِمَّا يُطْعِمُ بَطْنًا أَوْ بُطُونًا كَالْمَقَاثِئِ، وَالْوَرْدِ، وَالْيَاسَمِينَ وَيُحْتَمَلُ: بَلَغَ ثُلُثَ الْقِيمَةِ أَمْ لَا وَقَوْلُهُ (قَدْرَ قِيمَتِهِ) أَيْ: قِيمَةِ الْمُجَاحِ الَّذِي هُوَ الثُّلُثُ فَأَكْثَرُ مَنْسُوبًا مِنْ قِيمَةِ الْمَجْمُوعِ مَا أُجِيحَ وَمَا لَمْ يُجَحْ كَمَا تَقَدَّمَ فَبِتِلْكَ النِّسْبَةِ يُرْجَعُ مِنْ الثَّمَنِ. وَقَوْلُهُ بِاتِّفَاقٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ حَكَى جَمَاعَةٌ هَذَا الِاتِّفَاقَ كَالْمُؤَلِّفِ لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ صِنْفًا وَاحِدًا وَلَوْ كَانَ أَصْنَافًا كَالْبَرْنِيِّ وَالْجُعْرُورِيِّ وَالصَّيْحَانِيِّ لَجَرَى عَلَى الْخِلَافِ. اهـ. أَيْ: الْمُتَقَدِّمِ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ هَلْ الْمُعْتَبَرُ الْمَكِيلَةُ أَوْ الْقِيمَةُ؟
(الثَّانِي) إذَا بَقِيَ بَعْدَ الْجَائِحَةِ شَيْءٌ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي بِمَا يَنْوِيهِ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ قَلَّ وَلَيْسَ لَهُ رَدُّ ذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ وَأَخْذُ جَمِيعِ ثَمَنِهِ كَمَا إذَا اسْتَحَقَّ جُلَّ الْمَبِيعِ إذْ لَا سَبَبَ لِلْبَائِعِ فِي الْجَائِحَةِ فَفَارَقَ ذَلِكَ حُكْمَ الِاسْتِحْقَاقِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ. قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلُ بِقَوْلِهِ (وَلَزِمَ الْمُشْتَرِي بَاقِيهَا وَإِنْ قَلَّ)
(الثَّالِثُ) غُلُوُّ السِّعْرِ غَيْرُ مُسْقِطٍ لِلرُّجُوعِ بِالْجَائِحَةِ قَالَ الْحَطَّابُ صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ شَعْبَانَ فِي الزَّاهِي وَنَصُّهُ وَلَوْ أُجِيحَ وَغَلَا ثَمَنُ الثَّمَرَةِ حَتَّى زَادَ عَلَى الْمَعْلُومِ مِنْ الْأَثْمَانِ لَوْ لَمْ تَكُنْ جَائِحَةٌ مَا سَقَطَتْ. اهـ، وَمَنْ أَرَادَ تَتَبُّعَ مَسَائِلَ هَذَا الْفَصْلِ فَعَلَيْهِ بِتَأْلِيفِ الْإِمَامِ الْحَطَّابِ فِي مَسَائِلِ الْجَوَائِحِ الْمُسَمَّى بِالْقَوْلِ الْوَاضِحِ فِي مَسَائِلِ الْجَوَائِحِ.
(الرَّابِعُ) : إنَّمَا قَدَّمْنَا فِي هَذَا الْفَصْلِ بَعْضَ الْأَبْيَاتِ عَلَى بَعْضٍ لِمَا رَأَيْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق