الجمعة، 12 يونيو 2015

كتاب الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام - باب في البيوع وما شاكلها - [فَصْلٌ فِي الْإِقَالَةِ]

باب في البيوع وما شاكلها

كتاب
الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام
المعروف  بشرح ميارة


المؤلف
 أبو عبد الله، محمد بن أحمد بن محمد الفاسي، ميارة
(المتوفى: 1072هـ) 
الناشر: دار المعرفة
عدد الأجزاء: 2
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

[بَابٌ فِي الْبُيُوعِ وَمَا شَاكَلَهَا]


 [فَصْلٌ فِي الْإِقَالَةِ]


إقَالَةٌ تَجُوزُ فِيمَا حَلَّا ... بِالْمِثْلِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّا
الْإِقَالَةُ: رُجُوعُ كُلٍّ مِنْ الْعِوَضَيْنِ لِصَاحِبِهِ فَيَرْجِعُ الثَّمَنُ لِلْمُشْتَرِي وَالْمَثْمُونُ لِلْبَائِعِ (ابْنُ عَرَفَةَ) : الْإِقَالَةُ تَرْكُ الْمَبِيعِ لِبَائِعِهِ بِثَمَنِهِ. وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهَا قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ وَهِيَ رُخْصَةٌ وَعَزِيمَةٌ الْأَوَّلُ فِيمَا يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. اهـ مِنْ الْمَوَّاقِ وَهِيَ جَائِزَةٌ فِي الْأُصُولِ وَغَيْرِهَا وَلَازِمَةٌ لِأَنَّهَا بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ تَنْعَقِدُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَوَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِلَفْظِ الْإِقَالَةِ قَالَ الْحَطَّابُ: وَمُرَادُهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا وَقَعَتْ فِي الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ.
وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ فَهِيَ بَيْعٌ تَنْعَقِدُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا، وَبِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَأَكْثَرَ وَأَقَلَّ إلَّا أَنَّهَا إنْ كَانَتْ بِأَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ فَهِيَ بَيْعٌ اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَتْ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهَا هَلْ هِيَ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ الْأَوَّلِ، أَوْ ابْتِدَاءُ بَيْعٍ جَدِيدٍ ثَالِثُهَا أَنَّهَا ابْتِدَاءُ بَيْعٍ إلَّا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ فَنَقْضٌ لِلْبَيْعِ وَذَلِكَ فِي الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَامْتَنَعَتْ لِامْتِنَاعِ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَفِي الشُّفْعَةِ حَيْثُ حَكَمُوا بِأَنَّ عُهْدَةَ الشَّفِيعِ عَلَى خُصُوصِ الْمُشْتَرِي كَمَا لَوْ لَمْ تَقَعْ إقَالَةٌ وَلَوْ كَانَتْ ابْتِدَاءَ بَيْعٍ لَكَانَ الشَّفِيعُ بِالْخِيَارِ فِي جَعْلِ عُهْدَتِهِ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْبَائِعَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا بَيْعٌ صَارَ مُشْتَرِيًا كَمَا إذَا تَعَدَّدَ بَيْعُ الشِّقْصِ فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ بِأَيِّ بَيْعٍ شَاءَ وَعُهْدَتُهُ عَلَى مَنْ أَخَذَ مِنْهُ وَفِي الْمُرَابَحَةِ كَمَنْ بَاعَ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ ثُمَّ تَقَايَلَ مَعَ مُشْتَرِيهِ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَنَّ رَأْسَ مَالِهِ فِيهِ عَشَرَةٌ إذَا بَيَّنَ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا تَكْرَهُهُ النُّفُوسُ وَلَوْ جَعَلُوا الْإِقَالَةَ هُنَا ابْتِدَاءَ بَيْعٍ لَجَازَ (التَّوْضِيحُ) : وَالظَّاهِرُ أَنَّ وُجُوبَ التَّعْيِينِ عَامٌّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مِنْ كَوْنِهَا حِلًّا أَوْ بَيْعًا مُسْتَأْنَفًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَرَاهَةِ النُّفُوسِ اهـ.
بِالْمَعْنَى وَإِنَّمَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ فِي الْمَبِيعِ الَّذِي حَلَّ ثَمَنُهُ وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَحِلَّ ثَمَنُهُ فَإِنَّ الْإِقَالَةَ فِيهِ مِنْهَا مَا يَجُوزُ وَمَا لَا يَجُوزُ وَذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي أَوَّلِ بَابِ بُيُوعِ الْآجَالِ وَيَأْتِي لِلنَّاظِمِ بَعْضُ ذَلِكَ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
(2/71)

(فَرْعٌ) إذَا تَقَايَلَ الْمُتَبَايِعَانِ فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَالشَّيْءِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ إذَا كَانَ دَيْنُهُ عَرَضًا فَفَسَخَهُ فِي دَرَاهِمَ لَا يَتَعَجَّلُهَا، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ: الْأَضْيَقُ صَرْفٌ ثُمَّ إقَالَةُ طَعَامٍ وَأَمَّا إنْ كَانَ مُعَيَّنًا كَالْعَبْدِ فَيَجُوزُ تَأْخِيرُهُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَغَيْرِهَا، وَنَقَلَهُ الْحَطَّابُ قَبْلَ فَصْلِ الْمُرَابَحَةِ.
(فَرْعٌ) فِي الْإِقَالَةِ مِنْ بَعْضِ الْمَبِيعِ تَفْصِيلٌ إنْ كَانَ الثَّمَنُ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ لَمْ تَجُزْ الْإِقَالَةُ إلَّا فِي الْجَمِيعِ كَيْفَ كَانَ الْمَبِيعُ طَعَامًا، أَوْ عَرَضًا وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ جَازَتْ فِي الْبَعْضِ وَلَوْ كَانَ طَعَامًا.
(قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : مَنْ أَسْلَمَ إلَى رَجُلٍ دَرَاهِمَ فِي طَعَامٍ أَوْ عَرَضٍ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ فَأَقَالَهُ بَعْدَ الْأَجَلِ أَوْ قَبْلَهُ مِنْ بَعْضٍ وَأَخَذَ بَعْضًا لَمْ يَجُزْ وَدَخَلَهُ فِضَّةٌ نَقْدًا بِفِضَّةٍ وَعَرَضٍ إلَى أَجَلٍ وَبَيْعٌ وَسَلَفٌ مَعَ مَا فِي الطَّعَامِ مِنْ بَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ.
(قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : وَإِنْ أَسْلَمْت إلَى رَجُلٍ ثِيَابًا فِي طَعَامٍ فَأَقَلْته مِنْ نِصْفِ الطَّعَامِ قَبْلَ الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْك نِصْفَ ثِيَابِك الَّتِي دَفَعْت إلَيْهِ بِعَيْنِهَا، وَقَدْ حَالَ سُوقُهَا أَمْ لَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ بِخِلَافِ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمَ أَوْ مَالًا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ اهـ.
(وَفِي ابْنِ سَلْمُونٍ عَنْ مَسَائِلِ ابْنِ الْحَاجِّ) : لَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ فِي الطَّعَامِ عَلَى رَدِّ مَا قُبِضَ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ غِيبَ عَلَيْهِ وَلَا فِيمَا قُبِضَ مِنْهُ دُونَ مَا بَقِيَ وَلَا فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ دُونَ مَا قُبِضَ تَقَابَضَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَوْ لَمْ يَتَقَابَضَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ اهـ فَتَأَمَّلْهُ مَعَ مَا قَبْلَهُ.
(فَرْعٌ) إذَا تَقَايَلَا فِي الطَّعَامِ بَعْدَ نَقْلِهِ فَأُجْرَةُ رَدِّهِ إلَى مَنْزِلِ الْبَائِعِ عَلَى الْبَائِعِ عَلَى الْأَشْبَهِ، وَيَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي الْإِقَالَةِ هَلْ هِيَ بَيْعٌ أَوْ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ الْأَوَّلِ مِنْ ابْنِ سَلْمُونٍ.
وَلِلْمُقَالِ صِحَّةُ الرُّجُوعِ ... بِحَادِثٍ يَحْدُثُ فِي الْمَبِيعِ
وَفِي الْقَدِيمِ مِنْهُ لَا مَحَالَّهْ ... بِزَائِدٍ إنْ كَانَ فِي الْإِقَالَهْ
بَعْدَ الْيَمِينِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ ... يَعْلَمُهُ فِيمَا مَضَى مِنْ زَمَنِ
يَعْنِي أَنَّ مَنْ بَاعَ شَيْئًا، ثُمَّ تَقَايَلَ مَعَ مُشْتَرِيه، وَرَجَّعَ إلَيْهِ شَيْأَهُ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فِيمَا بَيْنَ الْبَيْعِ، وَالْإِقَالَةِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَنْ اشْتَرَى مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا وَعَنْ الْبَائِعِ عَبَّرَ النَّاظِمُ بِالْمُقَالِ الَّذِي هُوَ اسْمُ مَفْعُولٍ بِهِ أَمَّا إنْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا لَا عِلْمَ لِلْبَائِعِ بِهِ فَإِنْ كَانَتْ الْإِقَالَةُ عَلَى مِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ عَلَى أَقَلَّ مِنْهُ كَأَنْ يَبِيعَهُ بِعَشَرَةٍ، ثُمَّ تَقَايَلَا عَلَى ثَمَانِيَةٍ وَزَادَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ اثْنَيْنِ فَلَا قِيَامَ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَتْ الْإِقَالَةُ عَلَى أَكْثَرَ كَأَنْ يَبِيعَهُ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ تَقَايَلَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ فَزَادَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي اثْنَيْنِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ فَإِنَّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالِاثْنَيْنِ الزَّائِدَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ.
وَأَمَّا إنْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ (قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ) : فَإِنْ أَلْفَى الْبَائِعُ فِي الْمَبِيعِ عَيْبًا حَادِثًا بَعْدَ بَيْعِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِهِ وَإِنْ كَانَ قَدِيمًا قَبْلَ الْبَيْعِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَلَا قِيَامَ لَهُ بِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْإِقَالَةُ بِزِيَادَةٍ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِالزِّيَادَةِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ اهـ.
وَنَحْوُهُ فِي الْمُتَيْطِيِّ، وَنَقَلَهُ الشَّارِحُ.
وَالْفَسْخُ فِي إقَالَةٍ مِمَّا انْتَهَجْ ... بِالصَّنْعَةِ التَّغْيِيرَ كَالْعَزْلِ انْتَسَجْ
إلَّا إذَا الْمُقَالُ بِالرِّضَا دَفَعْ ... لِمَنْ أَقَالَ أُجْرَةً لِمَا صَنَعْ
يَعْنِي أَنَّ مَنْ بَاعَ شَيْئًا فَتَغَيَّرَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِسَبَبِ صَنْعَةٍ دَخَلَتْهُ، فَإِنَّ الْإِقَالَةَ فِيهِ لَا تَجُوزُ وَتُفْسَخُ إلَّا إذَا أَعْطَى الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ أُجْرَةَ ذَلِكَ فَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ عَنْ الْمُشَاوِرِ وَلَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ فِي شَيْءٍ قَدْ دَخَلَتْهُ صَنْعَةٌ كَالْخِيَاطَةِ فِي الثَّوْبِ، وَالدَّبْغِ فِي الْجِلْدِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ وَتُفْسَخُ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْمُقِيلُ أُقِيلُك عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي فِي خِيَاطَتِي أَوْ دِبَاغَتِي أَوْ صِنَاعَتِي كَذَا وَكَذَا فَرَضِيَ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا مِنْ الِاسْتِغْنَاءِ اهـ.
وَنَحْوُهُ فِي ابْنِ سَلْمُونٍ قَالَ الشَّارِحُ: لَمْ يَتَبَيَّنْ لِي وَجْهُ فَسْخِ الْإِقَالَةِ إذَا رَضِيَ الْمُقَالُ بِذَهَابِ عَمَلِهِ مَجَّانًا فَكَمَا يَجُوزُ لَهُ قَبْضُ أُجْرَةِ ذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ مَجَّانًا، وَالْفَسْخُ مُبْتَدَأٌ وَفِي الْإِقَالَةِ خَبَرُهُ وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ " بِإِقَالَةٍ " وَمَا مَوْصُولَةٌ وَ " انْتَهَجْ " صِلَتُهَا وَبِالصَّنْعَةِ يَتَعَلَّقُ بِ " انْتَهَجْ " وَ " التَّغْيِيرَ " مَفْعُولُ " انْتَهَجْ " وَمَا فِي
(2/72)

لِمَا صَنَعْ " مَصْدَرِيَّةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ: وَفِي كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ قَالَ ابْنُ عَيْشُونٍ: مَنْ أَقَالَ رَجُلًا فِي بَيْعٍ أَوْ ابْتِيَاعٍ فَوَجَدَ شَيْأَهُ قَدْ زَادَ أَوْ نَقَصَ أَوْ مَاتَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِقَالَةُ إلَّا فِي الطَّعَامِ، وَكُلِّ مَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فَتَلْزَمُهُ. .
(فَرْعٌ) سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَمَّنْ بَاعَ دَارِهِ، أَوْ سِلْعَتَهُ بِمِائَةٍ مَثَلًا نَقْدًا فَلَمَّا قَبَضَ الثَّمَنَ قَالَ لِلْمُشْتَرِي: أَتَبِيعُهَا مِنِّي بِمِائَةِ دِينَارٍ إلَى عَامٍ أَوْ أُقَدِّمُ لَك مِنْ ثَمَنِهَا كَذَا هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ فَأَجَابَ إنْ كَانَ اشْتَرَاهَا مِنْهُ لِقِصَّةٍ حَدَثَتْ لَهُ فِي شِرَائِهَا بَعْدَ أَنْ بَاعَهَا، وَانْتَقَدَ لَهُ الثَّمَنَ وَهُوَ لَا يُرِيدُ ابْتِيَاعَهَا جَازَ ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ اهـ.
مِنْ ابْنِ سَلْمُونٍ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ لِلتُّهْمَةِ اللَّاحِقَةِ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ دَفَعَ مِائَةً يَقْبِضُ عَنْهَا مِائَتَيْنِ وَتَقَدَّمَ لِلنَّاظِمِ فِي بَابِ الْيَمِينِ الْكَلَامُ عَلَى دَعْوَى الْإِقَالَةِ هَلْ تُوجِبُ يَمِينًا.
وَلَا يُقَالُ حَيْثُ لَمْ يَأْتِ الْأَجَلْ ... بِثَمَنٍ أَدْنَى وَلَا وَقْتٍ أَقَلْ
أَوْ ثَمَنٍ أَكْثَرَ مِنْهُ لِأَمَدْ ... أَبْعَدَ مِمَّا كَانَ فِيهِ الْمُعْتَمَدْ
وَهِيَ إذَا كَانَتْ بِمِثْلِ الْمَالِ ... جَائِزَةٌ فِي كُلِّ حَالٍ حَالِّ
يُقَالُ بِالْبِنَاءِ لِلنَّائِبِ مُضَارِعُ أَقَالَ يُقِيلُ إقَالَةً يَعْنِي أَنَّ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً أَوْ ثَوْبًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ بِهِ إذَا كَانَ الثَّمَنُ الثَّانِي نَقْدًا أَوْ لِدُونِ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ وَدَخَلَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ فِي قَوْلِهِ: " وَلَا وَقْتَ أَقَلْ " أَيْ أَجَلٌ دُونَ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ صَادِقٌ بِالنَّقْدِ وَبِنِصْفِ الْأَجَلِ مَثَلًا فَلَا فِي قَوْلِهِ: " وَلَا وَقْتَ أَقَلْ " تَأْكِيدٌ لِلْأُولَى أَيْ لَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ قَبْلَ الْأَجَلِ بِثَمَنٍ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَ " وَقْتَ " أَيْ أَجَلٌ أَقَلُّ مِنْ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ كَمَنْ بَاعَ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِثَمَانِيَةٍ يَدْفَعُهَا نَقْدًا أَوْ لِنِصْفِ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ مَثَلًا وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: " بِثَمَنٍ أَدْنَى " أَنَّهُ إنْ كَانَ الثَّمَنُ الثَّانِي مُسَاوِيًا لِلْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ فِي الْبَيْتِ الثَّالِثِ.
وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَلَا وَقْتَ أَقَلْ " أَنَّهُ إنْ كَانَ الشِّرَاءُ بِأَقَلَّ لِلْأَجَلِ الْأَوَّلِ أَوْ لِأَبْعَدَ مِنْهُ لَمْ يَمْتَنِعْ وَهُوَ كَذَلِكَ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَيْضًا لِمَنْ بَاعَ ثَوْبًا مَثَلًا بِعَشَرَةٍ إلَى شَهْرٍ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِاثْنَيْ عَشَرَ إلَى شَهْرَيْنِ مَثَلًا فَقَوْلُهُ: " أَوْ ثَمَنٍ " مَعْطُوفٌ عَلَى " بِثَمَنٍ " فِي الْبَيْتِ قَبْلَهُ وَالْمُعْتَمَدْ خَبَرُ كَانَ، وَاسْمُهَا يَعُودُ عَلَى مَا الْمَوْصُولَةِ الْوَاقِعَةِ عَلَى الْأَمَدِ أَيْ لِأَمَدٍ أَبْعَدَ مِمَّا كَانَ مُعْتَمَدًا لَهُمَا أَوَّلًا وَهُوَ الشَّهْرُ مَثَلًا، وَقَدْ اشْتَمَلَ الْبَيْتَانِ الْأَوَّلَانِ عَلَى الثَّلَاثِ صُوَرِ الْمَمْنُوعَةِ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ الْمُتَصَوَّرَةِ عَقْلًا، الْمَذْكُورَةِ أَوَّلَ بُيُوعِ الْآجَالِ، وَبَيَانُهَا أَنَّ مَنْ بَاعَ ثَوْبًا مَثَلًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ إلَى شَهْرٍ مَثَلًا، ثُمَّ اشْتَرَاهُ، فَإِنَّهُ إمَّا أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِعَشَرَةٍ أَيْضًا، أَوْ بِثَمَانِيَةٍ، أَوْ بِاثْنَيْ عَشَرَ، وَفِي كُلٍّ مِنْ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ الثَّانِي نَقْدًا، أَوْ لِدُونِ الشَّهْرِ كَنِصْفِ شَهْرٍ مَثَلًا أَوْ لِلشَّهْرِ نَفْسِهِ أَوْ لِأَبْعَدَ مِنْ الشَّهْرِ فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً كُلُّهَا جَائِزَةٌ إلَّا الثَّلَاثَ الَّتِي ذَكَرَ النَّاظِمُ.
وَهِيَ إذَا اشْتَرَاهُ بِثَمَانِيَةٍ نَقْدًا أَوْ لِدُونِ الْأَجَلِ أَوْ بِاثْنَيْ عَشَرَ إلَى شَهْرَيْنِ لِأَنَّ الْيَدَ السَّابِقَةَ بِدَفْعِ الْمَالِ رَجَعَ إلَيْهَا أَكْثَرُ مِمَّا دَفَعَتْ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ فَيُتَّهَمُ عَلَى قَصْدِ سَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا فَيُمْنَعُ لِلتُّهْمَةِ، ثُمَّ صَرَّحَ بِجَوَازِ أَرْبَعِ صُوَرٍ مِنْ التِّسْعِ الْبَوَاقِي فَقَالَ: " وَهِيَ إذَا كَانَتْ " (الْبَيْتَ) أَيْ إذَا بَاعَ ثَوْبًا مَثَلًا بِعَشَرَةٍ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ أَيْضًا، فَذَلِكَ جَائِزٌ كَانَ الشِّرَاءُ بِثَمَنٍ نَقْدًا، أَوْ مُؤَجَّلًا إلَى دُونِ الْأَجَلِ أَوْ إلَى الْأَجَلِ نَفْسِهِ أَوْ إلَى أَبْعَدَ مِنْهُ وَعَلَى شُمُولِهِ عَلَى هَذِهِ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: " فِي كُلِّ حَالٍ حَالِّ " فَهُوَ تَصْرِيحٌ بِجَوَازِ أَحَدِ وَجْهَيْنِ شَمِلَهُمَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ: " بِثَمَنٍ أَدْنَى " وَهُوَ كَوْنُهُ مُسَاوِيًا وَالْوَجْهُ الْآخَرُ وَهُوَ كَوْنُهُ بِأَكْثَرَ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ النَّاظِمِ أَنَّهُ إنْ كَانَ لِأَبْعَدَ مَمْنُوعٌ فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِأَكْثَرَ نَقْدًا أَوْ لِدُونِ الْأَجَلِ أَوْ لِلْأَجَلِ نَفْسِهِ، فَلَا يُمْنَعُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي مَفْهُومِ قَوْلِهِ: " وَلَا وَقْتَ أَقَلْ " صُورَتَانِ جَائِزَتَانِ وَهُمَا: إذَا اشْتَرَى بِأَقَلَّ لِلْأَجَلِ الْأَوَّلِ، أَوْ لِأَبْعَدَ مِنْهُ.
وَقَدْ اشْتَمَلَ كَلَامُ النَّاظِمُ عَلَى الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْمَمْنُوعَةِ بِالْمَنْطُوقِ، وَعَلَى التِّسْعِ الْجَائِزَةِ بِالْمَفْهُومِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَنْصُوصَ لِلْفُقَهَاءِ أَنَّ الْإِقَالَةَ إنْ كَانَتْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ عَلَى أَقَلَّ مِنْهُ فَهِيَ بَيْعٌ مُسْتَأْنَفٌ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَتْ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، فَقِيلَ: هِيَ بَيْعٌ ثَانٍ
(2/73)

وَقِيلَ: هِيَ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَعِبَارَتُهُمْ فِي بُيُوعِ الْآجَالِ " بَاعَ بِكَذَا، وَاشْتَرَى بِكَذَا " فَتَسْمِيَةُ الْبَيْعَةِ الثَّانِيَةِ إقَالَةً كَمَا عِنْدَ النَّاظِمِ أَوْ بَيْعًا كَمَا عَبَّرُوا بِهِ فِي بُيُوعِ الْآجَالِ كُلٌّ مِنْهُمَا صَحِيحٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. .
وَمُشْتَرٍ أَقَالَ مَهْمَا اشْتَرَطَا ... أَخْذَ الْمَبِيعِ إنْ يُبَعْ تَغَبُّطَا
بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَهْوَ جَائِزُ ... وَالْمُشْتَرِي بِهِ الْمَبِيعَ حَائِزُ
يَعْنِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَقَالَ الْبَائِعُ عَلَى أَنَّهُ مَتَى بَاعَ ذَلِكَ فَالْمُشْتَرِي أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ إنَّ الْبَائِعَ الْمُقَالَ بَاعَ ذَلِكَ فَأَرَادَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ فَسْخَ الْبَيْعِ، وَالْأَخْذَ بِشَرْطِهِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ لَهُ الْأَخْذُ بِشَرْطِهِ وَإِيَّاهُ تَبِعَ النَّاظِمُ وَالْمَشْهُورُ فَسَادُ الْإِقَالَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ التَّحْجِيرِ، فَإِنْ نَزَلَ ذَلِكَ فُسِخَتْ الْإِقَالَةُ وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ، وَفَاتَ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ كَذَا نَقَلَ الْحَطَّابُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ: وَالْإِقَالَةُ بَيْعٌ إلَّا فِي الطَّعَامِ إلَخْ وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ: وَإِذَا اشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ فِي الْإِقَالَةِ أَنَّهُ إنْ بَاعَ الْمَبِيعَ مِنْ غَيْرِهِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ، فَهُوَ لَهُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ.
وَقَدْ نَصَّ ابْنُ فَتْحُونٍ فِي وَثَائِقِهِ فِي ذَلِكَ عَقْدًا قَالَ وَإِذَا بَاعَ مِنْ غَيْرِ نَقْدِ الْبَيْعِ وَكَانَتْ لِلْمُقِيلِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يَبِيعَهَا بَعْدَ طُولٍ مِنْ الزَّمَانِ تَنْدَفِعُ فِيهِ عَنْهُ التُّهْمَةُ اهـ وَفَاعِلُ " اشْتَرَطَ " لِلْمُشْتَرِي " وَيُبَعْ " بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْبَاءِ مَبْنِيٌّ لِلنَّائِبِ وَ " تَغَبُّطَا " مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ مَعْمُولٌ لِ " أَخْذَ " وَبِالثَّمَنِ يَتَعَلَّقُ بِ " أَخْذَ " وَضَمِيرُ " هُوَ " لِلشَّرْطِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِ " اشْتَرَطَا " " وَالْمُشْتَرِي " مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ " حَائِزٌ " بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَ " الْمَبِيعَ " مَفْعُولٌ لِ " حَائِزُ " وَضَمِيرُ " بِهِ " لِلشَّرْطِ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) مَا شَرَحْنَا بِهِ كَلَامَ النَّاظِمِ مِنْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ اشْتَرَطَ عَلَى الْبَائِعِ الْمُقَالِ الَّذِي رَجَّعَ إلَيْهِ شَيْأَهُ أَنَّهُ إذَا بَاعَهُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ الَّذِي وَقَعَتْ بِهِ الْإِقَالَةُ هُوَ الْمُوَافِقُ لِلَفْظِهِ وَهُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ سَلْمُونٍ وَالْحَطَّابِ وَبِهِ شَرَحَ الشَّارِحُ الْبَيْتَيْنِ، وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ عَنْ النَّوَادِرِ مِنْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ اشْتَرَطَ أَخْذَهُ مِمَّا يُبَاعُ بِهِ، ثُمَّ بَاعَهُ الْبَائِعُ الْمُقَالُ بَعْدَ مُدَّةٍ فَقَالَ الْمُقِيلُ بِشَرْطِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُ وَلِيَرُدَّ الْبَيْعَ وَلَكِنْ يَأْخُذُهُ الْمُشْتَرِي الْمُقِيلُ بِالثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهُ هَذَا الْآخَرُ هَذَا لَفْظُهُ، فَإِنْ عَنَى بِالثَّمَنِ مَا يُبَعْ بِهِ أَوَّلًا وَيُرَشِّحُهُ قَوْلُهُ " وَلَكِنْ " إلَخْ فَلَا شَكَّ أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِمَسْأَلَةِ النَّاظِمِ فِي كَيْفِيَّةِ الشَّرْطِ، وَهُوَ أَخْذُ الْمَبِيعِ بِمَا يُبَاعُ بِهِ ثَانِيًا وَمَسْأَلَةُ النَّاظِمِ مِمَّا يُبَاعُ بِهِ أَوَّلًا وَهِيَ مُوَافِقَةٌ لَهَا فِي الْحُكْمِ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَهُوَ أَخْذُهُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ بَعِيدٌ مِنْ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ عَنَى بِالثَّمَنِ الثَّمَنَ الَّذِي يُبَاعُ بِهِ ثَانِيًا فَلَيْسَتْ مَسْأَلَةُ النَّاظِمِ لِمُخَالَفَتِهَا لَهَا فِي التَّصَوُّرِ، وَالْحُكْمِ وَفِي جَوَازِ هَذَا الشَّرْطِ نَظَرٌ لِلْجَهْلِ بِمَا يُبَاعُ بِهِ ثَانِيًا وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ فِيمَنْ بَاعَ دَارِهِ عَلَى أَنَّهُ مَتَى بَاعَهَا الْمُبْتَاعُ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ، وَأَنَّهُ لَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ، فَهِيَ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى لَا إقَالَةَ فِيهَا رَأْسًا وَإِنَّمَا الشَّرْطُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ فَحَمْلُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ أَوَّلَ الْبُيُوعِ:
وَالْبَيْعُ، وَالشَّرْطُ الْحَلَالُ إنْ وَقَعْ
إلَخْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .
وَسُوِّغَتْ إقَالَةٌ فِيمَا اُكْتُرِيَ ... إنْ لَمْ يَكُنْ أَعْطَى الْكِرَاءَ الْمُكْتَرِي
(2/74)

يَعْنِي أَنَّ مَنْ اكْتَرَى دَارًا أَوْ غَيْرَهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَقَايَلَ مَعَ الْمُكْرِي إنْ لَمْ يَكُنْ الْمُكْتَرِي دَفَعَ الْكِرَاءَ سَوَاءٌ سَكَنَ أَوْ لَمْ يَسْكُنْ وَكَذَلِكَ تَجُوزُ الْإِقَالَةُ إذَا نَقَدَ الْكِرَاءَ وَلَمْ يَسْكُنْ وَهَذِهِ الصُّورَةُ تَرِدُ عَلَى النَّاظِمِ لِأَنَّهُ اشْتَرَطَ فِي جَوَازِ الْإِقَالَةِ عَدَمَ دَفْعِ الْكِرَاءِ فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ دَفَعَ الْكِرَاءَ لَمْ تَجُزْ الْإِقَالَةُ ظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يَسْكُنْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا تَمْتَنِعُ إذَا دَفَعَ الْكِرَاءَ وَسَكَنَ بَعْضَ الْمُدَّةِ وَأَمَّا إنْ دَفَعَ وَلَمْ يَسْكُنْ فَالْإِقَالَةُ جَائِزَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ فَيُقَيَّدُ مَفْهُومُ قَوْلِهِ: " إنْ لَمْ يَكُنْ. إلَخْ " وَهُوَ مَا إذَا أَعْطَى الْكِرَاءَ بِمَا سَكَنَ بَعْضَ الْمُدَّةِ.
(قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) : وَتَجُوزُ الْإِقَالَةُ فِي الْكِرَاءِ مَا لَمْ يَنْقُدْ فَإِنْ نَقَدَ الْمُكْتَرِي لِلْمُدَّةِ كُلِّهَا، وَسَكَنَ بَعْضَهَا لَمْ تَجُزْ الْإِقَالَةُ عِنْدَ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَذَلِكَ كَسِلَعٍ بَاعَهَا فَأَقَالَ مِنْ بَعْضِهَا وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَذَلِكَ كِرَاءٌ وَسَلَفٌ. (قَالَ الشَّارِحُ) : الْكِرَاءُ الَّذِي تَقَعُ الْإِقَالَةُ بَعْدَهُ يُتَصَوَّرُ فِيهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ: الْأُولَى: لَمْ يَنْقُدْ، وَلَمْ يَسْكُنْ الثَّانِيَةُ: سَكَنَ وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّالِثَةُ: نَقَدَ وَلَمْ يَسْكُنْ فَهَذِهِ ثَلَاثُ صُوَرٍ تَجُوزُ فِيهَا الْإِقَالَةُ الرَّابِعَةُ: نَقَدَ، وَسَكَنَ بَعْضَ الْمُدَّةِ فَتُمْنَعُ الْإِقَالَةُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ اهـ.
بِالْمَعْنَى.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق