الأحد، 14 يونيو 2015

كتاب الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام- بَابٌ فِي الْبُيُوعِ وَمَا شَاكَلَهَا - فصل في بيع النقدين والحلي وشبهة

[فَصْلٌ فِي بَيْعِ النَّقْدَيْنِ وَالْحُلِيِّ وَشِبْهِهِ]
ِ يَعْنِي بِالنَّقْدَيْنِ الْمَسْكُوكَ مِنْهُمَا وَبِالْحُلِيِّ الْمَصُوغَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَضَمِيرُ شِبْهِهِ لِلْحُلِيِّ وَشِبْهُ الْحُلِيِّ هُوَ الْمُحَلَّى بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ. اهـ
وَالصَّرْفُ أَخْذُ فِضَّةٍ فِي ذَهَبِ ... أَوْ عَكْسُهُ وَمَا تَفَاضُلٌ أَبِي

وَالْجِنْسُ بِالْجِنْسِ هُوَ الْمُرَاطَلَهْ ... بِالْوَزْنِ أَوْ بِالْعَدِّ فَالْمُبَادَلَهْ
وَالشَّرْطُ فِي الصَّرْفِ تَنَاجُزٌ فَقَطْ ... وَمَعَهُ الْمِثْلُ بِثَانٍ يُشْتَرَطْ
ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ تَعْرِيفَ الصَّرْفِ وَالْمُرَاطَلَةِ وَالْمُبَادَلَةِ وَشُرُوطَهَا فَأَخْبَرَ أَنَّ بَيْعَ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ كَبَيْعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَبِالْعَكْسِ يُسَمَّى صَرْفًا، وَيَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ " وَمَا تَفَاضُلٌ " أَبِي " أَيْ: امْتَنَعَ وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ فِيهِ التَّأْخِيرُ وَلَوْ قَرِيبًا وَيَفْسُدُ بِافْتِرَاقِ الْمُتَصَارِفَيْنِ اخْتِيَارًا وَكَذَا غَلَبَةً عَلَى الْمَشْهُورِ، وَكَذَا إنْ غَابَ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ عَنْ مَجْلِسِ الصَّرْفِ غَيْبَةً قَرِيبَةً كَدَارِهِ أَوْ حَانُوتِهِ لِأَنَّ الْمُنَاجَزَةَ شَرْطٌ فِيهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ
وَالشَّرْطُ فِي الصَّرْفِ تَنَاجُزٌ فَقَطْ
أَيْ: دُونَ التَّمَاثُلِ فَلَا يُشْتَرَطُ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَجُوزُ بَيْعُ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ وَالذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ مُتَمَاثِلًا أَوْ مُتَفَاضِلًا لَكِنْ يَدًا بِيَدٍ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ.
وَأَخْبَرَ أَنَّهُ إذَا بِيعَ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ بِجِنْسِهِ كَذَهَبٍ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ بِفِضَّةٍ فَإِنْ كَانَ بِالْوَزْنِ فَإِنَّهُ يُسَمَّى مُرَاطَلَةً وَإِنْ كَانَ بِالْعَدَدِ فَإِنَّهُ يُسَمَّى مُبَادَلَةً، وَيُشْتَرَطُ فِي جَوَازِهِمَا شَرْطَانِ التَّمَاثُلُ فَلَا يُبَاعُ ذَهَبٌ بِذَهَبٍ مُتَفَاضِلًا وَلَا فِضَّةٌ بِفِضَّةٍ مُتَفَاضِلًا بَلْ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَجْوَدَ مِنْ الْآخَرِ أَوْ أَكْثَرَ عَدَدًا أَوْ أَحَدُهُمَا مَصُوغٌ وَالْآخَرُ لَيْسَ كَذَلِكَ أَوْ كَانَا غَيْرَ مَصُوغَيْنِ.
وَالشَّرْطُ الثَّانِي: التَّنَاجُزُ فَلَا يَجُوزُ فِي ذَلِكَ تَأْخِيرٌ أَيْضًا وَعَلَى هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ
وَمَعَهُ الْمِثْلُ بِثَانٍ يُشْتَرَطْ
أَيْ: وَيُشْتَرَطُ مَعَ التَّنَاجُزِ الْمِثْلُ أَيْ: التَّمَاثُلُ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي الَّذِي هُوَ بَيْعُ الْجِنْسِ بِجِنْسِهِ (فَضَمِيرُ مَعَهُ) لِلتَّنَاجُزِ وَبَاءُ بِثَانٍ ظَرْفِيَّةٌ وَهُوَ وَصْفٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ: فِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَهَذَا نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّعَامِ مِنْ أَنَّهُ إذَا بِيعَ الطَّعَامُ الرِّبَوِيُّ بِجِنْسِهِ فَيَحْرُمُ فِيهِ الْفَضْلُ وَالنَّسَاءُ مَعًا وَإِذَا بِيعَ جِنْسُهُ رِبَوِيًّا أَوْ غَيْرَهُ فَلَا يَحْرُمُ إلَّا فِي النَّسَاءِ فَقَطْ أَيْ التَّأْخِيرِ. وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ " وَيَحْرُمُ الْفَضْلُ وَالنَّسَاءُ فِيمَا
(1/297)

يَتَّحِدُ جِنْسُهُ مِنْ النُّقُودِ، وَمِنْ الْمَطْعُومَاتِ الرِّبَوِيَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُمَاثَلَةِ، وَالْمُنَاجَزَةِ وَيَحْرُمُ النَّسَاءُ خَاصَّةً فِيمَا يَخْتَلِفُ جِنْسُهُ مِنْ النُّقُودِ، وَمِنْ الْمَطْعُومَاتِ كُلِّهَا ". انْتَهَى يُرِيدُ وَكَذَلِكَ فِيمَا يَتَّحِدُ جِنْسُهُ مِنْ الرِّبَوِيِّ فَلَا يَحْرُمُ فِيهِ إلَّا النَّسَاءُ خَاصَّةً.
الْمَوَّاقُ سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ بِالْمُرَاطَلَةِ بِالصَّنْجَةِ فِي كِفَّةٍ وَاحِدَةٍ ابْنُ رُشْدٍ هِيَ أَصَحُّ لِتَيَقُّنِ الْمُمَاثَلَةِ إذْ قَدْ يَكُونُ عَيْنٌ أَرْجَحَ مِنْ الْأُخْرَى فِي الْمِيزَانِ. وَفِيهَا: وَجْهُ الْمُرَاطَلَةِ: اعْتِدَالُ الْكِفَّتَيْنِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَجَاوَزَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ رُجْحَانَ شَيْءٍ. رَاطَلَ أَبُو بَكْرٍ أَبَا رَافِعٍ خَلْخَالَيْنِ بِدَرَاهِمَ فَرَجَحَتْ دَرَاهِمُ أَبِي رَافِعٍ فَقَالَ هُوَ لَك حَلَالٌ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إنْ أَحْلَلْتَهُ أَنْتَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِلُّهُ وَمَنَعَ الْقَابِسِيُّ أَنْ يُرَاطِلَ سِكِّيًّا بِحُلِيٍّ قَبْلَ مَعْرِفَةِ وَزْنِ السِّكَّةِ إذْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ السِّكِّيِّ جُزَافًا. أَجَازَ ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِأَنَّهُ مُتَّفِقُ الْوَزْنِ. وَقِيلَ عَنْ الْقَابِسِيِّ إنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَتَرَاطَلَا دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ بِدَنَانِيرَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَزْنَ دَرَاهِمِهِ أَوْ ذَهَبِهِ. ابْنُ يُونُسَ وَالصَّوَابُ جَوَازُ ذَلِكَ إذْ لَا غَرَرَ فِيهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُ مِثْلَ دَرَاهِمِهِ وَمِثْلَ وَزْنِ ذَهَبِهِ. (وَفِي الْمُوَطَّأِ) لَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدَ عَشَرَ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ إذَا كَانَ وَزْنُ الذَّهَبَيْنِ سَوَاءً. اهـ.
وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُرَاطَلَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فِي كِفَّةٍ ثَمَّ يُجْعَلُ الْعِوَضُ الْآخَرُ فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى وَالثَّانِي أَنْ يُجْعَلَ الْحَجَرُ الَّذِي يُوزَنُ بِهِ فِي كِفَّةٍ ثَمَّ يُجْعَلُ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى حَتَّى يَعْتَدِلَ مَعَ الْحَجَرِ ثُمَّ يُفْرَغُ ذَلِكَ الْعِوَضُ وَيُجْعَلُ مَكَانَهُ الْعِوَضُ الْآخَرُ حَتَّى يَعْتَدِلَ مَعَ الْحَجَرِ أَيْضًا، وَالْحَجَرُ لَمْ يَزَلْ فِي كِفَّتِهِ الَّتِي وُضِعَ فِيهَا أَوَّلًا وَفِي هَذَا الْوَجْهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنَّهُ أَصَحُّ وَإِنَّ الْمُرَاطَلَةَ تَجُوزُ وَلَوْ جَهِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَزْنَ دَرَاهِمِهِ لِأَنَّهُ أَخَذَ مِثْلَ مَا أَعْطَى. هَذَا بَعْضُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُرَاطَلَةِ.

وَأَمَّا الْمُبَادَلَةُ فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْمُبَادَلَةُ لَقَبٌ فِي الْمَسْكُوكَيْنِ عَدَدًا وَهِيَ جَائِزَةٌ فِي الْعَدَدِيِّ دُون الْوَزْنِيِّ.
(التَّوْضِيحُ) يَعْنِي لَا تَجُوزُ إلَّا فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ إنْ كَانَ التَّعَامُلُ بِهِمَا عَدَدًا فَإِنْ كَانَ التَّعَامُلُ بِالْوَزْنِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِالْوَزْنِ فَتَعُودُ مُرَاطَلَةً. وَإِذَا كَانَ التَّعَامُلُ بِالْعَدَدِ جَازَتْ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. مَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ أَوْزَنَ فَتُمْنَعُ إلَّا فِي الْعَدَدِ الْيَسِيرِ وَذَلِكَ سِتَّةٌ فَمَا دُونَ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَكَوْنُ النَّقْصِ يَسِيرًا سُدُسًا فَمَا دُونَ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَيَجُوزُ إبْدَالُ الْقَلِيلِ بِأَوْزَنَ مِنْهُ يَسِيرًا لِلْمَعْرُوفِ وَالتَّعَامُلِ بِالْعَدَدِ.
(قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) أَجَازَ أَيْ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنْ يُبْدِلَ السِّتَّةَ تَنْقُصُ سُدُسًا بِسِتَّةٍ وَازِنَةٍ عَلَى الْمَعْرُوفِ الْحَطَّابُ وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ بِلَفْظِ الْمُبَادَلَةِ وَأَنْ يَكُونَ وَاحِدًا بِوَاحِدٍ احْتِرَازًا مِنْ وَاحِدٍ بِاثْنَيْنِ وَأَنْ تَكُونَ السِّكَّةُ وَاحِدَةً وَعَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ لَا الْمُكَايَسَةِ وَأَنْ تَكُونَ يَدًا بِيَدٍ اهـ.
وَتَجُوزُ فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فَيُبْدَلُ دِرْهَمٌ بِدِرْهَمٍ وَدِرْهَمَانِ بِدِرْهَمَيْنِ وَهَكَذَا وَيُبْدَلُ دِينَارٌ بِدِينَارٍ وَدِينَارَانِ بِدِينَارَيْنِ وَهَكَذَا
(قَالَ الشَّارِحُ) وَهِيَ أَيْ: الْمُبَادَلَةُ مُخْتَصَّةٌ بِمَا قَلَّ مِنْ الْعَدَدِ كَالدِّينَارِ وَالدِّينَارَيْنِ. (الْحَطَّابُ) وَالْمُعْتَبَرُ الْأَشْخَاصُ فَعَلَى مَذْهَبِ مَنْ مَنَعَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ لَا يَجُوزُ بَدَلُ أَرْبَعَةِ قَرَارِيطَ نَاقِصَةٍ بِأَرْبَعَةِ قَرَارِيطَ وَازِنَةٍ وَلَا يُقَالُ إنَّ الْأَرْبَعَةَ قَرَارِيطَ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْأَشْخَاصُ اهـ
(تَنْبِيهٌ) هَذَا الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِي الْمُبَادَلَةِ هُوَ إذَا أُبْدِلَ وَاحِدٌ بِوَاحِدٍ أَوْ اثْنَانِ بِاثْنَيْنِ وَهَكَذَا إلَى سِتَّةٍ بِسِتَّةٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا إذَا أَبْدَلَ شَخْصٌ وَاحِدًا بِمُتَعَدِّدٍ غَيْرِ مُسَاوٍ لَهُ فِي الْوَزْنِ كَإِبْدَالِ دِينَارٍ بِأَرْبَعَةِ أَرْبَاعِهِ وَهِيَ أَنْقَصُ مِنْ الدِّينَارِ وَزْنًا أَوْ إبْدَالِ رِيَالٍ وَاحِدٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ مَوْزُونَةً مَثَلًا أَوْ أَكْثَرَ وَهِيَ أَنْقَصُ مِنْ الرِّيَالِ وَزْنًا فَنَقَلَ (الْمَوَّاقُ) فِي ذَلِكَ مَا نَصَّهُ ابْنُ رُشْدٍ كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ الْمِثْقَالَ وَيَأْخُذُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ قِيرَاطًا مَعْدُودَةً بِغَيْرِ مُرَاطَلَةٍ لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا وُزِنَ مُجْتَمِعًا ثَمَّ فُرِّقَ زَادَ أَوْ نَقَصَ " وَأَجَازَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ اسْتِحْسَانًا عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ فِي الدِّينَارِ الْوَاحِدَةِ كَمَا أَجَازُوا مُبَادَلَةَ الدِّينَارِ النَّاقِصِ بِالْوَازِنِ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَمَّا بَدَلُ دِينَارٍ أَوْ دِرْهَمٍ بِوَزْنٍ مِنْهُ فَجَائِزٌ وَذَلِكَ فِيمَا قَلَّ بِخِلَافِ الْمُرَاطَلَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْمُرَاطَلَةِ تَكَايُسٌ وَفِي الْمُبَادَلَةِ مَعْرُوفٌ.
ابْنُ رُشْدٍ يُجَوِّزُ ذَلِكَ فِيمَا قَلَّ مِثْلُ الدِّينَارَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ إلَى السِّتَّةِ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ كَانَ سَحْنُونٌ قَدْ أَصْلَحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ السِّتَّةَ وَرَدَّهَا إلَى ثَلَاثَةٍ اهـ. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي
(1/298)

جَوَازِ إبْدَالِ الدِّينَارِ بِنِصْفَيْ دِينَارٍ أَوْ بِأَرْبَعَةِ أَرْبَاعِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَسَاوَ الْعِوَضَانِ فِي الْوَزْنِ وَعَلَى هَذَا اعْتَمَدَ شَيْخُ شُيُوخِنَا الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ سَيِّدِي مُحَمَّدٌ الْقَصَّارُ فِي فَتْوَاهُ بِجَوَازِ إبْدَالِ رِيَالٍ كَبِيرٍ بِعِشْرِينَ مَوْزُونَةٍ يَعْنِي أَوْ بِأَكْثَرَ حِينَ صُغِّرَتْ الدَّرَاهِمُ وَذَلِكَ فِي رِيَالٍ وَاحِدٍ لَا فِي أَكْثَرَ وَمَأْخَذُهُ فِي ذَلِكَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(فَرْعٌ) سُئِلَ التُّونُسِيُّ عَنْ مُرَاطَلَةِ الدَّرَاهِمِ الْقَدِيمَةِ بِالْجَدِيدَةِ الْمُحْدَثَةِ الْآنَ وَالْقَدِيمَةُ أَكْثَرُ فِضَّةً وَهَلْ يُقْتَضَى بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَهُمَا مُخْتَلِفَا الصِّفَةِ وَالنَّفَاقِ وَهَلْ لِمَنْ بَاعَ بِالْقَدِيمَةِ أَنْ يَقْتَضِيَهَا مِنْهَا أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) : الْمُرَاطَلَةُ بِهَا جَائِزَةٌ لِأَنَّ مُعْطِي الْجَدِيدَةِ مُتَفَضِّلٌ لَا انْتِفَاعَ لَهُ بِمَا فِي الْقَدِيمَةِ مِنْ زِيَادَةِ الْفِضَّةِ إذْ لَوْ سُكَّتْ الْقَدِيمَةُ لَخَسِرَ فِيهَا وَيَغْرَمُ عَلَيْهَا لِتَصِيرَ جَدِيدَةً وَقَدْ أَجَازَ أَصْحَابُنَا مُرَاطَلَةَ التِّبْرِ الْجَدِيدِ بِالْمَسْكُوكِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ تَرَكَ الْجَوْدَةَ لِلسِّكَّةِ وَلِمَ يُغَرَّمْ عَلَيْهِ، وَمَنْ بَاعَ بِقَدِيمَةٍ قَبْلَ قَطْعِهَا فَلَيْسَ لَهُ إلَّا هِيَ، وَمَنْ رَضِيَ أَنْ يُؤَدِّيَ جَدِيدَةً عَنْ قَدِيمَةٍ جَازَ لِأَنَّهُ أَعْطَى أَفْضَلَ فِي النَّفَاقِ. اهـ مِنْ أَوَاخِرِ السِّفْرِ الثَّالِثِ مِنْ الْمِعْيَارِ.
وَبَيْعُ مَا حُلِّيَ مِمَّا اُتُّخِذَا ... بِغَيْرِ جِنْسِهِ بِنَقْدٍ نَفَذَا
وَكُلُّ مَا الْفِضَّةُ فِيهِ وَالذَّهَبْ ... فَبِالْعُرُوضِ الْبَيْعُ فِي ذَاكَ وَجَبْ
تَكَلَّمَ فِي الْبَيْتَيْنِ عَلَى مَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ بِهِ الْمُحَلَّى كَالسَّيْفِ وَالْمُصْحَفِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا حُلِّيَ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وَكَذَا الثَّوْبُ الْمَنْسُوجُ أَوْ الْمَغْرُوزُ بِخُيُوطٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ بِهِ فَأَخْبَرَ أَنَّ الْمُحَلَّى بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ إذَا كَانَ جَائِزَ الِاتِّخَاذِ كَالسَّيْفِ لِلرَّجُلِ وَالثِّيَابِ لِلْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ أَيْ بِغَيْرِ جِنْسِ حِلْيَتِهِ، فَإِذَا حُلِّيَ بِذَهَبٍ جَازَ بَيْعُهُ بِفِضَّةٍ وَإِذَا حُلِّيَ بِفِضَّةٍ جَازَ بَيْعُهُ بِذَهَبٍ لَكِنْ إنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا كَانَ نَقْدًا أَيْ مُعَجَّلًا مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَصَرْفٌ فَيُطْلَبُ فِيهِ الْمُنَاجَزَةُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْمَدْفُوعَةَ فِي الْمَحَلِّ بَعْضُهَا فِي مُقَابَلَةِ نَصْلِ السَّيْفِ مَثَلًا أَوْ فِي نَفْسِ الثَّوْبِ أَوْ الْمُصْحَفِ وَهُوَ بَيْعٌ. وَبَعْضُهَا فِي مُقَابَلَةِ الْحِلْيَةِ وَهُوَ صَرْفٌ وَاجْتِمَاعُهُمَا تُطْلَبُ فِيهِ الْمُنَاجَزَةُ كَمَا تُطْلَبُ فِي انْفِرَادِ الصَّرْفِ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ مِمَّا اُتُّخِذَا أَنَّ مَا لَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ كَالسَّيْفِ لِلْمَرْأَةِ أَوْ السِّوَارِ لِلرَّجُلِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِذَلِكَ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ " بِنَقْدٍ " أَنَّ بَيْعَهُ بِتَأْخِيرٍ مَمْنُوعٌ وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ كَانَتْ الْحِلْيَةُ غَيْرَ تَبَعٍ بِأَنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الثَّالِثِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ تَبَعًا عَلَى الْمَشْهُورِ.
وَفُهِمَ مِنْ إطْلَاقِ الْجَوَازِ فِي بَيْعِهِ بِالنَّقْدِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْحِلْيَةِ تَابِعَةً أَوْ مَتْبُوعَةً أَيْضًا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ مَنْعِ اجْتِمَاعِ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ لِلضَّرُورَةِ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ أَنَّ بَيْعَهُ بِجِنْسِ الْحِلْيَةَ غَيْرُ جَائِزٍ وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ إذَا كَانَتْ الْحِلْيَةُ غَيْرَ تَابِعَةٍ لِلشَّيْءِ الْمُحَلَّى بِهَا هُنَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِجِنْسِ الْحِلْيَةِ وَأَمَّا إنْ كَانَتْ تَابِعَةً فَيَجُوزُ لَكِنْ بِالتَّعْجِيلِ أَيْضًا لَا بِالتَّأْخِيرِ عَلَى الْمَشْهُورِ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَالتَّبَعُ الثُّلُثُ وَقِيلَ دُونَهُ وَقِيلَ النِّصْفُ.
(التَّوْضِيحُ) الْأَوَّلُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَيُعْتَبَرُ بِالْقِيمَةِ وَقِيلَ بِالْوَزْنِ مَعَ قِيمَةِ الْمُحَلَّى.
(التَّوْضِيحُ) سَبَبُهُمَا هَلْ تُعْتَبَرُ الصِّيَاغَةُ أَمْ لَا؟ وَمَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّا إذَا بَنَيْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ التَّبَعَ الثُّلُثُ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَقْوَالِ فَهَلْ يُعْتَبَرُ التَّبَعُ بِالْقِيمَةِ أَوْ بِالْوَزْنِ فَقَطْ؟ فَإِنْ كَانَ وَزْنُ الْحِلْيَةِ عِشْرِينَ وَبِصِيَاغَتِهَا تُسَاوِي ثَلَاثِينَ وَقِيمَةُ النَّصْلِ أَرْبَعِينَ جَازَ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَالْقَوْلُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ هُوَ ظَاهِرُ الْمُوَطَّأِ وَالْمُوَازِيَةِ وَالثَّانِي ذَكَرَ الْبَاجِيُّ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ قِيَاسًا عَلَى النِّصَابِ فِي السَّرِقَةِ، وَالزَّكَاةِ اهـ وَلَوْ زَادَ النَّاظِمُ بَيْتًا بَعْدَ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ فَقَالَ
وَبَيْعُهُ بِجِنْسِهِ يَجُوزُ إنْ ... حِلْيَتُهُ ثُلُثًا فَدُونَهُ قَمِنْ
لَأَفَادَ حُكْمَ بَيْعِهِ بِجِنْسِهِ وَقَمِنٌ فِي هَذَا الْبَيْتِ بِمَعْنَى " حَقِيقٌ " رَاجِعٌ لِكَوْنِ الْحِلْيَةِ ثُلُثًا أَيْ: يَجُوزُ إنْ كَانَتْ حِلْيَتُهُ ثُلُثًا حَقِيقَةً وَهُوَ إيمَاءٌ لِاخْتِيَارِ الْقَوْلِ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِ الْبَاجِيِّ (إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ) .
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَثْنَاةٌ أَيْضًا مِنْ بَيْعِ الْجِنْسِ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا لِلضَّرُورَةِ هَذَا حُكْمُ الْمُحَلَّى بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ وَأَمَّا الْمُحَلَّى بِهِمَا مَعًا كَالسَّيْفِ الْمُحَلَّى بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ مَعًا أَوْ الْمُحَلَّى مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَعًا فَلَا يُبَاعُ بِذَهَبٍ وَلَا بِفِضَّةٍ بَلْ بِالْعُرُوضِ وَالْفُلُوسِ إلَّا إذَا كَانَ مَجْمُوعُهُمَا تَبَعًا لِلسِّلْعَةِ سَوَاءٌ كَانَ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ أَوْ لَا. إذَا كَانَ نَقْدًا فَإِذَا كَانَا تَبَعًا فَيُبَاعُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ النَّقْدَيْنِ. قَالَهُ
(1/299)


ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ، وَحَكَى اللَّخْمِيُّ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقَ. قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَإِلَى هَذَا الْقِسْمِ أَعْنِي الْمُحَلَّى بِهِمَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِالْبَيْتِ الثَّانِي وَالْجَوَازُ مُقَيَّدٌ بِالنَّقْدِ أَيْضًا كَمَا فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ اشْتِرَاطِ النَّقْدِ إنَّمَا هُوَ إذَا بِيعَ الْمُحَلَّى بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ، وَأَمَّا إنْ بِيعَ بِالْعَرْضِ فَيَجُوزُ نَقْدًا وَإِلَى أَجَلٍ وَجَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ إنَّمَا هُوَ فِي الْحِلْيَةِ وَالْمُسَمَّرَةِ الَّتِي فِي نَزْعِهَا ضَرَرٌ أَمَّا مَا لَيْسَ كَذَلِكَ كَعِقْدِ جَوْهَرٍ فِيهِ قِطَعٌ مِنْ الذَّهَبِ فَلَا بُدَّ مِنْ نَزْعِهِ وَبَيْعِ كُلٍّ بِمَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ بِهِ.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق