الجمعة، 12 يونيو 2015

كتاب الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام - باب في البيوع وما شاكلها - [فَصْلٌ فِي الْغَبْنِ]

باب في البيوع وما شاكلها

كتاب
الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام
المعروف  بشرح ميارة


المؤلف
 أبو عبد الله، محمد بن أحمد بن محمد الفاسي، ميارة
(المتوفى: 1072هـ) 
الناشر: دار المعرفة
عدد الأجزاء: 2
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

[بَابٌ فِي الْبُيُوعِ وَمَا شَاكَلَهَا]



[فَصْلٌ فِي الْغَبْنِ]
ِ
وَمَنْ بِغَبْنٍ فِي مَبِيعٍ قَامَا ... فَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَجُوزَ الْعَامَا
وَأَنْ يَكُونَ جَاهِلًا بِمَا صَنَعْ ... وَالْغَبْنُ بِالثُّلْثِ فَمَا زَادَ وَقَعْ
وَعِنْدَ ذَا يُفْسَخُ بِالْأَحْكَامِ ... وَلَيْسَ لِلْعَارِفِ مِنْ قِيَامِ
(2/38)

تَقَدَّمَ أَنَّ الْجَهْلَ يُعْرَضُ فِي الْبَيْعِ عَلَى وَجْهَيْنِ؛ جَهْلٍ بِحَقِيقَةِ الْمَبِيعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَبَيْعُ مَا يُجْهَلُ ذَاتًا لِرِضًا الْأَبْيَاتِ الثَّلَاثَةَ. وَجَهْلٌ بِقَدْرِ الثَّمَنِ وَهُوَ الْغَبْنُ الْمَذْكُورُ هُنَا وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ بِكَثِيرٍ فَيُغْبَنَ الْمُشْتَرِي، أَوْ يَبِيعَ بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ بِكَثِيرٍ فَيُغْبَنَ الْبَائِعُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَفِي النَّقِيصَةِ الَّتِي لَا يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهَا طَرِيقَتَانِ. هَذَا يُسَمَّى الْقِيَامَ بِالْغَبْنِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَغْبُونُ بَائِعًا أَوْ مُشْتَرِيًا، وَالْغَبْنُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَسُكُونِ الْبَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ اشْتِرَاءِ السِّلْعَةِ بِأَكْثَرَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ أَنَّ النَّاسَ لَا يَتَغَابَنُونَ بِمِثْلِهِ أَوْ بَيْعِهَا بِأَقَلَّ كَذَلِكَ وَأَمَّا مَا جَرَتْ الْعَادَةُ فَلَا يُوجِبُ رَدًّا اتِّفَاقًا وَالطَّرِيقَةُ الْأُولَى لِعَبْدِ الْوَهَّابِ فِي الْمَعُونَةِ.
وَحَاصِلُهَا أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِغَيْرِ الْعَارِفِ، وَفِي الْعَارِفِ قَوْلَانِ وَحَاصِلُ الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ إنْ اسْتَسْلَمَ أَيْ أَخْبَرَ الْبَائِعُ أَنَّهُ غَيْرُ عَارِفٍ بِقِيمَتِهِ فَقَالَ لَهُ الْبَائِعُ: قِيمَتُهُ كَذَا فَلَهُ الرَّدُّ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْمَبِيعِ وَبِثَمَنِهِ فَلَا رَدَّ لَهُ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ، وَفِيمَا عَدَاهُمَا قَوْلَانِ (ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ) مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ عَدَمُ الْقِيَامِ بِالْغَبْنِ اهـ وَعَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَذَهَبَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ وَلَا بِغَبْنٍ وَلَوْ خَالَفَ الْعَادَةَ، وَهَلْ إلَّا أَنْ يَسْتَسْلِمَ وَيُخْبِرَهُ بِجَهْلِهِ أَوْ يَسْتَأْمِنَهُ، تَرَدَّدَ فِي عَدَمِ الْقِيَامِ بِالْغَبْنِ هَلْ يُقَيَّدُ بِعَدَمِ الِاسْتِسْلَامِ وَالْإِخْبَارِ بِجَهْلِهِ، أَمَّا إنْ اسْتَسْلَمَ وَأَخْبَرَهُ بِجَهْلِهِ فَلَهُ الْقِيَامُ أَوْ يُقَيَّدُ بِعَدَمِ الِاسْتِئْمَانِ فَإِنْ اسْتَأْمَنَهُ فَلَهُ الْقِيَامُ فِي ذَلِكَ تَرَدَّدَ، وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ فِي طُرَرِهِ.
قَالَ: وَلَيْسَ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ قَوْلٌ بِعَدَمِ الْقِيَامِ مُطْلَقًا بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا تَحْكِي التَّقْيِيدَ لَكِنْ بِغَيْرِ مَا قُيِّدَتْ بِهِ الْأُخْرَى وَذَهَبَ النَّاظِمُ عَلَى جَوَازِ الْحُكْمِ بِالْقِيَامِ بِالْغَبْنِ وَذَكَرَ لَهُ ثَلَاثَةَ شُرُوطٍ أَحَدُهَا أَنْ لَا يَمْضِيَ عَامٌ بَعْدَ الْبَيْعِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمَغْبُونُ مِنْهُمَا جَاهِلًا بِالْقِيَمِ وَالْأَثْمَانِ، وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْغَبْنُ ثُلُثًا فَأَكْثَرَ، أَمَّا مُرُورُ الْعَامِ فَنَقَلَ الْمَوَّاقُ عَنْ فُتْيَا لِابْنِ لُبٍّ أَنَّ الْمَالِكَ أَمَرَ نَفْسَهُ مُرُورَ عَامٍ يَقْطَعُ قِيَامَهُ، قَالَ وَأَمَّا الْمَحْجُورُ فَيُنْظَرُ لَهُ وَأَمَّا كَوْنُ الْمَغْبُونِ جَاهِلًا بِالْقِيَمِ وَالْأَثْمَانِ فَنَقَلَ الشَّارِحُ ذَلِكَ عَنْ فُتْيَا ابْنِ لُبٍّ أَيْضًا وَأَنَّهُ إنْ أَثْبَتَ ذَلِكَ رَجَعَ وَإِلَّا فَلَا، وَأَمَّا كَوْنُ الْغَبْنِ الثُّلُثَ فَأَكْثَرَ فَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي تَحْدِيدِ الْغَبْنِ قِيلَ الثُّلُثُ فَمَا زَادَ وَعَلَيْهِ ذَهَبَ النَّاظِمُ، وَقَيْلَ هُوَ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَقِيلَ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ وَلَوْ دُونَ الثُّلُثِ وَحَكَى
(2/39)

ابْنُ عَرَفَةَ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ، وَمِثْلُهَا فِي التَّوْضِيحِ وَإِلَى هَذِهِ الشُّرُوطِ أَشَارَ بِالْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ.
فَإِذَا اجْتَمَعَتْ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْبَيْعَ يُفْسَخُ وَإِلَى فَسْخِهِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ
وَعِنْدَ ذَا يُفْسَخُ بِالْأَحْكَامِ
لَكِنَّ فَسْخَهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَفُتْ مِنْ يَدِ مُشْتَرِيهِ بِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ فَإِنْ فَاتَ مَضَى وَالْقَوْلُ بِالْفَسْخِ إذَا لَمْ يَفُتْ قَالَ الْمِكْنَاسِيُّ فِي مَجَالِسِهِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَالْحُكْمُ بِغَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ لِمَصَالِحَ وَقْتِيَّةٍ وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ آخَرَانِ وَقِيلَ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يُوفِيَ تَمَامَ الْقِيمَةِ وَلَا يَرُدَّ الْبَيْعَ وَلَا الشِّرَاءَ وَإِنْ لَمْ يَفُتْ وَقِيلَ يَمْضِي لَهُ بِقَدْرِ الثَّمَنِ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْبَيْعِ اُنْظُرْ آخِرَ جَامِعِ مَجَالِسِ الْقَاضِي الْمِكْنَاسِيِّ وَقَوْلُهُ
وَلَيْسَ لِلْعَارِفِ مِنْ قِيَامٍ
تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ
وَأَنْ يَكُونَ جَاهِلًا بِمَا صَنَعْ
(تَنْبِيهٌ) مَا تَقَدَّمَ كُلُّهُ إنَّمَا هُوَ فِي الرَّشِيدِ يَبِيعُ مَالَ نَفْسِهِ وَأَمَّا السَّفِيهُ يَبِيعُ عَنْهُ وَصِيُّهُ فَلَهُ الْقِيَامُ وَلَوْ بَعْدَ السَّنَةِ إذَا بَاعَ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ وَلَوْ لَمْ يَبْلُغْ الثُّلُثَ وَكَذَا الْمُوَكِّلُ إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ كَمَا ذَكَرَ.
(قَالَ ابْنُ عِمْرَانَ) اتَّفَقُوا أَنَّ النَّائِبَ عَنْ غَيْرِهِ فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ مِنْ وَكِيلٍ أَوْ وَصِيٍّ إذَا بَاعَ أَوْ اشْتَرَى بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فَإِنَّهُ مَرْدُودٌ اهـ عَلَى نَقْلِ الْمَوَّاقِ ثُمَّ قَالَ وَفِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيِّ إنَّمَا يُوَكِّلُ الْوَكِيلَ لِيَنْتَفِعَ بِهِ. قَالَ الْقَرَافِيُّ وَلَا يَتَصَرَّفُ مَنْ وَلِيَ وِلَايَةَ الْخِلَافَةِ فَمَا دُونَهَا إلَى الْوَصِيَّةِ إلَّا لِجَلْبِ مَصْلَحَةٍ أَوْ دَرْءِ مَفْسَدَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] فَكُلُّ مَنْ وَلِيَ وِلَايَةً فَهُوَ مَعْزُولٌ عَنْ الْمَفْسَدَةِ الرَّاجِحَةِ، وَالْمَصْلَحَةِ الْمَرْجُوحَةِ اهـ. وَرَاجِعْ الْحَطَّابَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا يُغْبَنُ وَلَوْ خَالَفَ الْعَادَةَ.
(فَرْعٌ) قَالَ الْحَطَّابُ فِي الْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ، وَالْمَرْدُودُ بِالْغَبْنِ إنَّمَا يَرْجِعُ لِمَالِكِهِ بِمِلْكٍ مُسْتَأْنَفٍ لَا عَلَى الْمِلْكِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ كَانَ الْمَرْدُودُ حِصَّةً فَلَا شُفْعَةَ لِمَنْ رَجَعَتْ لَهُ حِصَّتُهُ فِيمَا بَاعَ شَرِيكُهُ بَعْدَ بَيْعِ الْغَبْنِ وَقَبْلَ نَقْضِهِ وَلَا لِشَرِيكِهِ شُفْعَةٌ أَيْضًا فِيمَا رَجَعَ لِمَالِكِهِ، وَإِنْ قُلْنَا بِمِلْكٍ مُسْتَأْنَفٍ، إذْ لَيْسَ بِبَيْعٍ مَحْضٍ إذْ هُوَ مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الْمُتَبَايِعَانِ وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ الْحِصَّةُ هُنَا مَغْلُوبٌ عَلَى إخْرَاجِهَا مِنْ يَدِهِ اهـ. وَإِلَى الْمَسْأَلَةِ بِرُمَّتِهَا أَشَرْنَا فِي تَكْمِيلِ الْمَنْهَجِ الْمُنْتَخَبِ بِقَوْلِنَا: مَنْ بَاعَ مَالَ نَفْسِهِ أَوْ اشْتَرَى. الْأَبْيَاتَ السَّبْعَ آخِرُهَا قَوْلُهُ:
وَالرَّدُّ بَعْدَ الْغَبْنِ مِلْكٌ مُؤْتَنَفْ ... لَا شُفْعَةٌ فِي الْجَانِبَيْنِ تُؤْتَنَفْ.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق