السبت، 26 سبتمبر 2015

مواعظ القلوب : الموعظة الخامسة : الدعاء سلاح المؤمن

الموعظة الخامسة

الدعاء سلاح المؤمن

الحمد لله الذي لا إله غيره ربَّ الأرباب ومسبَّب الأسباب واهب العطايا سامع لكل شكوى مجيب الدعاء في البأساء والضراء والصلاة والسلام على سيد العباد صاحب المقام المحمود في يوم المعاد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم التناد أما بعد
فقد قال جل وعلا: [وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ] {غافر:60} ، وقال رسول الله : «الدعاء هو العبادة»([1]) الدعاء سلاح المؤمنين به يدعون ربهم نداء المستغيثين واستجارات المستجيرين ويزيل همّ المهمومين وينفس الكرب عن المكروبين وقاضي الدَّين عن المدينين وينصر المجاهدين ويُعين المعسرين ويفك أسرى المأسورين فتح أبواب سماواته وأنزل ملائكته حفظه لعباده وينزل جل وعلا إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل طالباً عباده بكشف ما بهم من ضُر ويغفر لهم ذنوبهم ويقبل توبتهم ويجيب دعاءهم ويعطيهم سؤالهم، فعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله : «ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له»([2]).
الدعاء شفاء للقلوب ومطلب العارفين ومطيَّة الصالحين ونيل السعادة في الدارين فاجعل نفسك رحمك الله من الفائزين من عطايا رب العالمين.
قال عبدالله الأنطاكي رحمه الله: (دواء القلب خمسة أشياء مجالسة الصالحين و قراءة القرآن و إخلاء البطن من الحرام وقيام الليل و التضرع عند الصبح). وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: (الدعاء من أنفع الأدوية وهو عدو البلاء ويدافعه ويعالجه ويمنع نزوله ويرفعه أو يخففه وهو سلاح للمؤمن). وقال سفيان بن عيينه رحمه الله: (لا يمنعنّ أحد الدعاء ما يعلم في نفسه من تقصير فإن الله قد أجاب دعاء شر خلقه وهو إبليس حين قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون). وقال المناوي رحمه الله: (إذا تمنى أحدكم خيراً من خير الدارين فلْيكثر الأماني فإنما يسأل ربه الذي رباه وأنعم عليه وأحسن إليه فليعظم الرغبة ويوّسع المسألة؛ فينبغي للسائل الإكثار ولا يختصر ولا يقتصر فإن خزائن الجود سحّاء ليلاً ونهاراً ولا يفني عطاؤه عز وجل).
فإذا كنت يا رعاك الله من الموفَّقين باغتنام فرص الدعاء فاعلم أن ذلك من سلامة قلبك وجودة رأيك واعلم رحمك الله إنك لن تخسر شيئاً في دعائك ولن ترجع صفر اليدين فقد قال رسول الله : «ما من مسلم يدعوا ليس بإثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله إحدى ثلاث إما تعجّل له دعوته وإما يدَّخرها له في يوم الآخرة و إما يدفع عن السوء مثله» قال أحد الصحابة إذاً نكثر يا رسول الله قال رسول الله : «الله أكثر».([3]) وإيّـاك ودعوة المظلوم فقد قال معاذ ابن جبل t بعثني النبي لليمن فقال: «اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب». ([4]) و قال النبي : «أعجز الناس من عجز عن الدعاء وأبخل الناس من بخل بالسلام».([5])
وقال عمر بن الخطاب t: (إني لا أحمل همّ الإجابة ولكن أحمل هم الدعاء). وسُئل الإمام أحمد رحمه الله كم بيننا وبين عرش الرحمن فقال: (دعوة صادقة).
أيسرك أخي في الله أن دعواتك تصعد إلى مولاك الكريم إذا أخذت هذه الأسباب المعينة على إجابة الدعاء:
1- أن تكون عالماً بأن الله المتفرد بإجابة الدعاء [أَمَّنْ يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ]  [النمل: 62].
2- أن تدعو الله ولا تشرك به شيئاً قال رسول الله لابن العباس رضي الله عنهما: «إذا سألت فسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله».([6])
3- الطهارة.
4- استقبال القبلة.
5- رفع اليدين.
6- البدء بالتحميد والتمجيد والتسبيح لله عز وجل والصلاة على رسوله .
7- إطابة المطعم والمشرب والملبس.
8- تقديم عمل لله عز وجل في الدعاء بالتوسل بالأعمال الصالحة.
9- الدعاء بخشوع وتذلل وعدم رفع الصوت والاعتراف بالذنب
10- تجنب الاستعجال بإجابة الدعاء قال النبي : «يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يُستجب لي».([7]) وقال النبي : «يُستجاب للعبد ما لم يدعُ بإثمٍ أو قطيعة رحم».([8])
11- إحسان الظن بالله عز وجل قال رسول الله : «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة». ([9])
12- حضور القلب مُقبلاً غير مُدبر قال رسول الله : «اعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب لاه».([10])
13- يختم دعاءه بالتسبيح والتحميد والتمجيد والصلاة على رسول الله .
واعلم رحمك الله بأن هناك مواطن لإجابة الدعاء اجتهد فيها، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (إذا جُمع مع الدعاء حضور القلب وصادف وقتاً من أوقات الإجابة السِّتة وهي الثلث الأخير من الليل وعند الأذان وبين الأذان والإقامة وأدبار الصلوات المكتوبة وعند صعود المنبر يوم الجمعة حتى تُقضى الصلاة وآخر ساعة من يوم الجمعة وصادف ذلك خشوعاً وخضوعاً في القلب وانكساراً بين يديه بذل وانكسار ورقة واستقبال للقبلة وكان على طهارة ورفع يديه وبدأ بالحمد والثناء عليه ثم يصلي على رسوله ثم يُقدم حاجته بالتوبة والاستغفار ثم يدخل على الله ويلح عليه بالمسألة ودعاه رغبةً ورهبةً وتوسل بأسمائه وصفاته وتوحيده ويُقدم بين يديه صدقة). وقال سهل بن عبد الله رحمه الله: (شروط الدعاء سبعة أولها التضرع والخوف والرجاء والمداومة والخشوع والعموم وأكل الحلال). وقال سهل بن عبدالله رحمه الله: (من أكل الحلال أربعين صباحاً أجيبت دعوته). وقال وهب بن منبه رحمه الله: (من سرّه أن يستجيب الله دعوته فلْيطب طعمته). وقال يوسف بن أسباط رحمه الله: (بلغنا أن دعاء العبد يُحبس عن السماوات بسوء المطعم). وقال بعض السلف رحمهم الله: (لا تستبطئ الإجابة وقد سددت طُرقها بالمعاصي).
ما لنا ندعوا الله ولا يستجاب لنا !!! قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: (لأنكم عرفتم الله فلم تطيعوه وعرفتم رسوله فلم تتبعوا سنته وعرفتم القرآن فلم تعملوا به وأكلتم نِعمَ الله فلم تؤدوا شكرها وعرفتم الجنة فلم تطلبوها وعرفتم النار فلم تهربوا منها وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه ووافقتموه وعرفتم الموت فلم تستعدوا له ودفنتم الأموات فلم تعتبروا وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس).
نسأل الله العلي القدير أن يتقبل منَّا ويرحمنا ويغفر لنا ويتقبَّل منَّا دعاءنا وألا يردنا خائبين
يا رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
@  @  @



(1) رواه ابو داوود والترمذي في صحيحه واللفظ له وقال: (حديث حسن صحيح) ورواه النسائي في السنن الكبرى وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال: (صحيح الإسناد) وصححه الألباني.
(2) سبق تخريجه .
(1) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ورواه الحاكم من رواية أبي سعيد الخدري t وزاد فيه: (أو يدخر له من الأجر مثلها) وصححه الألباني.
(2) رواه البخاري في كتاب المظالم باب الاتقاء والحذر من دعوة المظلوم ومسلم في كتاب الإيمان باب الدعاء للشهادتين.
(3) رواه الطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان.
(1) رواه الترمذي في كتاب صفة القيامة والإمام أحمد في مسنده والحاكم في المستدرك والبيهقي في شعب الإيمان وصححه الألباني.
(2) رواه البخاري في كتاب الدعوات باب يستجاب للعبد ما لم يعجل ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة باب بيان أنه يستجاب للداعي ما لم يعجل.
(3) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة باب بيان أنه يستجاب للداعي ما لم يعجل.
(4) رواه الترمذي والحاكم وحسنه الألباني.
(5) رواه الترمذي والحاكم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق