السبت، 26 سبتمبر 2015

مواعظ القلوب : الموعظة السابعة " أهوال يوم القيامة الكبرى

الموعظة السابعة

أهوال يوم القيامة الكبرى

الحمد لله الحي القيوم الدائم الباقي العلي العظيم والصلاة والسلام على رسولنا الأمين المبعوث رحمةً للعالمين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم    أما بعد
فيقول تبارك وتعالى: [يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا للهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ] [إبراهيم: 48] ويقول تعالى: [يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا(9) وَتَسِيرُ الجِبَالُ سَيْرًا] [الطور: 9-10] ويقول تعالى: [يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِنْ أَخِيهِ(34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ(35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ(36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ] [عبس: 34-37] أتدري ما هو هذا اليوم ؟
إنه يوم القيامة، يوم القارعة، يوم الحاقة، يوم الطامة، يوم الصاخة، يوم الغاشية، يوم الواقعة، يوم الفصل، يوم البعث، يوم الآزفة، يوم الحساب، يوم الوعيد، يوم الحسرة والندامة، يا له من يوم جمع الأسماء والمعاني ما تليّن به القلوب، وتقشعر منه الجلود، وتشيب منه الرؤوس من شدة ما يشاهدون ويسمعون.
لقد قضى جل وعلا بأن هذه الدنيا فانية زائلة منتهية لا محالة ولا يبقى إلا وجهه تبارك وتعالى: [كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ(26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ] [الرحمن: 26-27] وقال تعالى: [وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ] [الزمر: 68] وقال النبي ﷺ يقول الله تبارك وتعالى: «أنا الملك أين ملوك الأرض».([1])
ذلك اليوم يُذهل العقول ويفزّع القلوب، والسماء تضطرب والأرض تشقق والجبال تندك والقمر ينخسف والشمس تتكوّر والكواكب تنتثر والبحار تُسجّر وتشتعل ناراً.
ذلك اليوم يشهده الأولون والآخرون ويحشر فيه الملوك وغيرهم حُفاة عُراة غُرلاً بُهماً، لا ينفعهم مالهم ولا جاههم ولا سلطانهم وتستوي الخلائق وليس بينهم وضيع الكل عبادٌ لله قال تعالى: [إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا] {مريم:93}  . فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال: «يا أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حُفاة عُراة غُرلاً كما قال تعالى: [كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ] {الأنبياء:104} فقالت عائشة يا رسول الله النساء والرجال فقال رسول الله ﷺ: «يا عائشة الأمر أشد من أن ينظر بعضهم بعضاً».([2]) وتكون أرض الشام هي أرض المحشر ووصفها النبي ﷺ فقال: «يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها علمٌ لأحد».([3]) فأرض المحشر لا حجر فيها ولا شجر وتدنو عليهم الشمس قدر ميل قال النبي ﷺ: «تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل».([4]) قال التابعي سُليم بن عامر رحمه الله: (فوالله ما أدري ما يعني بالميل أمسافة الأرض أم ميل الذي تكتحل به العين). وقال رسول الله ﷺ: «فيكون الناس على قدر أعمالهم من العرق فمنهم ما يكون إلى كعبيه ومنهم ما يكون إلى ركبتيه ومنهم ما يكون إلى حقويه ومنهم ما يكون العرق يلجمه إلجاما».([5]) وفي رواية بأن النبي ﷺ (أشار بيده إلى فيه)([6]) أي: (أشار بيده إلى فمه).
وفي ذلك اليوم أناس نسأل الله العلي القدير أن نكون منهم في ظل عرش الرحمن تبارك وتعالى وهم من أطاعوه في الدنيا في السرِّ وفي العلن الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله فعن أبي هريرة t قال: قال النبي ﷺ: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في عبادة ربه ورجل قلبه معلق بالمساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بيمينه فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه».([7])
في يوم القيامة يبدأ الحساب والجزاء بالعدل بلا ظلم يقول جل وعلا: [وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ] {الزُّمر:69}. فلا تخفى صغيرةٌ ولا كبيرةٌ إلا أحصاها الله عز وجل ويحاسب عليها سُئل علي بن أبي طالب t كيف يحاسب الله العباد يوم القيامة فقال: (كما يرزقهم في يوم). وقال الحسن البصري رحمه الله: (الحساب أسرع من لمح البصر). وقال النبي ﷺ: «أن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر». ([8])
وفي ذلك اليوم يُسأل الإنسان على أمور مهمة كانت له في الدنيا فعن أبي برزة t قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يُسأل عن خمس عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله فيما اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه فيما عمله به».([9])
أخي في الله اعلم بأن الدنيا فانية زائلة منتهية لا محالة وتبدأ الرحلة الحقيقية إلى حياة الآخرة من الموت ثم القبر ثم البعث ثم الحشر ثم العرض والحساب ثم الميزان ثم صحائف الأعمال ثم الصراط ثم الحوض ثم القنطرة ثم الجنة أو النار ثم الشفاعة ولكن من أطاع الله ورسوله ﷺ فإنه يفوز بجنات النعيم. قال الله تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِالله الغَرُورُ ] [لقمان: 33].
نسأل الله العلي القدير أن يأمِّنا يوم الفزع الأكبر ويجعلنا من الآمنين ويظلنا في ظله يوم لا ظل إلا ظله وأن يرزقنا الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ونعوذ بالله من النار وما قرب إليها من قول وعمل وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
@   @   @



(1) رواه البخاري ومسلم في كتاب الرقاق باب الحشر.
(1) رواه البخاري في كتاب الرقاق ورواه مسلم في كتاب الجنة.
(2) رواه البخاري ومسلم في كتاب الرقاق باب الحشر.
(3) رواه البخاري ومسلم في كتاب الرقاق باب الحشر.
(4) رواه البخاري ومسلم.
(5) رواه مسلم.
(6) رواه البخاري في كتاب الرقاق باب البكاء من خشية الله ومسلم في كتاب الزكاة.
(1) رواه الترمذي في كتاب الصلاة وأبو داوود في كتاب الصلاة والطبراني في الأوسط والنسائي وحسنه الترمذي وصححه الألباني.
(2) رواه الترمذي في كتاب صفة القيامة وقال: (حسن صحيح) وصححه الألباني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق